مثلما ان توقع تشكيل المدينة الفاضلة وايجاد الوضع الامثل والمختلف عن الوضع القائم، كان مرافقا وملازما دائما للانسان منذ بدء الخلقة، وان الوعد بحلول يوم النجاة بحضور الانبياء والاولياء والحكماء، قد عزز هذه الامنية والانتظار، فان العمل على معرفة مكان وزمان دخول وعود الخلاص، حيز التنفيذ، لم يفارق الانسان ايضا. وربما ان هذا الجهد يعد بلسما يضمد جراح الانسان ودافعا لتحمل المتاعب والصعاب ومكافحة الوضع الذي يعتبره غير مرجو، لدرجة ان هذا التمني والمجاهدة شغلا حيزا كبيرا من ثقافة الامم وادبياتها.
اسماعيل شفيعي سروستاني
مثلما ان توقع تشكيل المدينة الفاضلة وايجاد الوضع الامثل والمختلف عن الوضع القائم، كان مرافقا وملازما دائما للانسان منذ بدء الخلقة، وان الوعد بحلول يوم النجاة بحضور الانبياء والاولياء والحكماء، قد عزز هذه الامنية والانتظار، فان العمل على معرفة مكان وزمان دخول وعود الخلاص، حيز التنفيذ، لم يفارق الانسان ايضا. وربما ان هذا الجهد يعد بلسما يضمد جراح الانسان ودافعا لتحمل المتاعب والصعاب ومكافحة الوضع الذي يعتبره غير مرجو، لدرجة ان هذا التمني والمجاهدة شغلا حيزا كبيرا من ثقافة الامم وادبياتها.
إن غياب الادوات الملائمة لفك شيفرة هذا السر المختوم وعدم القدرة لدى عامة الناس للوصول الى ما هو خفي، دفع بعامة الامم والقوميات للجوء الى القديسين والرهبان والكهنة والمنجمين وقراء الطالع لاماطة اللثام عن هذا السرّ. لانهم كانوا يعتبرون ان فك شيفرة هذه الاسرار والخفايا، خارج نطاق قدرة الانسان العادي، وكانوا يجدون هذه المقدرة والطاقة لدى اولئك القادرين على خرق العادة وكسر قيود العالم الحسي، ممن كانوا يملكون امكانية استقاء الخبر من خلال ايجاد ضرب من العلاقة مع القوى الماورائية والقدسية. ولذلك فان قسما من الاعمال التي تتحدث عن المستقبل، تنسب الى قراء الطالع والمنجمين والكهنة.
وهذا الجهد، ظاهر لدى جميع الملل والنحل على هيئة مجموعة من التنبؤات، بحيث انه لا يوجد هناك اي عهد او قوم، لم يخصصوا فصلا خاصا في اعمالهم الثقافية لهذا الامر.
إن الاعمال الاسطورية والادبية والدينية لعموم الامم، زاخرة بالنبوءات التي تتحدث عن المستقبل ونهاية التاريخ والعالم والانسان.
ولاسباب لا مجال لذكرها هنا، فان لغة عموم هذه الاعمال، هي لغة تمثيل ورمزية واستعارة.
ورغم ان العلوم الحديثة المبنية اساسا على الادراكات الحسية والكمية عن العالم والانسان، تعارض اي تنبؤ عن المستقبل وفي هذا الخصوص، لكن يجب القول بان العلم اللدني للانبياء والاولياء الصالحين، والمكاشفات حول الطريقة والقديسين، والرؤى الصادقة والرياضة النفسية والعلوم الغريبة في الماضي، قد وفرت امكانية تحديد زمان ومكان وقوع العديد من الاحداث والوقائع المتعلقة بالحياة الفردية والجماعية للانسان في المستقبل البعيد، بحيث ان هذه المعلومات كانت سائدة بنسب مختلفة بين العامة واسهمت في انتاج اعمال وكتب.
وفي الوقت الحاضر، فان الاستناد الى اعمال الكهنة والعرافين واللجوء الى بعض الاساليب (حتى المذمومة منها مثل العِرافة وضرب الرمل) للاطلاع على المستقبل، يعد جزء لا يتجزأ من حياة الانسان الغربي بمن فيهم السياسيون والمثقفون.
إن لغة التمثيل والشاعرية احيانا لهذه الاعمال، ادت الى ان يلازم الشك دائما هذا الوعي في كشف المصاديق والتشخيص الدقيق لزمان ومكان وقوع الاحداث، فضلا عن انه يمكن اعتبار تنوع العلامات والرموز والتعقيد اللغوي، يشكل الوجه المشترك لهذه الاعمال. ومع ذلك فان الكِهانة والتنبؤ لم يفقدا بريقهما كما ان سوق العرافين والكهنة والمتنبئين لم يفقد انتعاشه ابدا، لان النظر الى المستقبل والسعي لمعرفة ما سيحدث مستقبلا، جزء لا يتجزأ من حياة الانسان، وبالاحرى، جزء من ذاته ووجوده. الشئ الذي يميز الانسان عن سائر الكائنات، ويستحدث الدافع اللازم لديه لاحتمال العالم واجتياز تقلباته.
ومن ناحية اخرى، فعلى الرغم من ان الامم المختلفة تتمتع بنظرة عالمية متباينة، ولكل منها تعريفها الخاص عن بداية العالم ونهايته وموقع الانسان ودوره فيه، لكنها تجمع على ان عاقبة العالم والحياة العامة للانسان، ستفضي الى العصر الذهبي الخالي من اي شائبة وعيب والم وعذاب، واطلق كل منها اسما وعنوانا على هذا العصر، واعتبر حلوله بشرى للانسان الذي يعاني من العذاب والظلم والخراب.
ومن بين الامم، فان اليهود وبسبب القدم التاريخي من جهة، والتذكير حول ظهور المسيح الموعود من جهة اخرى، قدموا اكثر الاعمال التي تتناول التنبؤ بالمستقبل، فيما زاد التعلق الخاص للاقوام اليهودية بالكهنة، من نطاق هذه الاعمال. ان تاريخ حياة هؤلاء القوم، لم ينفك ابدا عن حضور ورأي الكهنة.
ومن جهة اخرى، فان مكاشفات القديسين والرهبان المسيحيين تحظى بموقع ملفت. ان هؤلاء دخلوا في انتظار كبير بعد اخر حديث للمسيح (ع) مع الحواريين والذي اخبر عن المستقبل وظهوره من جديد، لكي يتعرف العرفاء والرهبان المسيحيون تاليا على المصاديق البارزة للاحداث ونبوءات السيد المسيح (ع) والقديسين ما بعده، ومن ثم تفسيرها واعلانها. عسى ان يبقى المنتظرون المؤمنون، بمأمن عن الاحداث السيئة للاعوام التي تسبق ظهور السيد المسيح (ع) وينالوا شرف لقاء الموعود من جديد.
وبناء على ذلك ورغم التحريف الواقع في الكتابين المقدسين “التوراة” و “الانجيل”، فان اقساما تستحق التأمل من هذين الكتابين، ترصد التنبؤات المتعلقة بنهاية الزمان وظهور المنقذ الموعود من جديد.
وثمة اعمال من هذا القبيل موجودة لدى النِحَل والفِرَق المختلفة، بمن فيهم البرهمانيون الهنود وكهنة معابد التيبت والعلماء البوذيين وغيرهم.
إن قسما ملحوظا من الاعمال والمصادر الخطية والشفهية للمسلمين، تضم هي الاخرى اخبارا عن اخر الزمان والملاحم والفتن وبالتالي ظهور الموعود (عج). ان قدم هذه الاخبار يعود الى الايام الاولى من بعثة النبي الاكرم (ص)، بحيث ان “حديث المعراج” و “خطبة الغدير” والعديد من الاحاديث والروايات المنقولة عن النبي (ص) تشتمل على هذه الاخبار والتذكير باحداث السنوات النهائية والتي تسبق الظهور.
وبعد النبي الاكرم (ص)، اشار سائر ائمة الدين (ع) الى هذه الاخبار والحوادث باشكال مختلفة، مثلما ان الامام علي (ع) تطرق في “نهج البلاغة” ومن خلال الخطب والكلمات والحكم، مرارا الى وقائع واخبار هذا الفصل المهم من حياة الانسان.
إن توالي حياة ورحيل الائمة المعصومين (ع) وتوافر ارضية الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى لولي العصر والزمان (عج) زاد – بشكل طبيعي – من حجم هذه الاخبار والروايات. ان تساؤلات الاصحاب والاتباع، وضرورة تهيؤ الشيعة لاحتمال ايام البعد وجعل الشيعة في مأمن عن عواصف الترديد والشبهات وبلايا اخر الزمان، اسهم كل ذلك في زيادة حجم هذه الاخبار والروايات. ان عدد هذه الاخبار والروايات يصل الى اكثر من 6000 حالة. وقد قام الباحث الفذ الشيخ علي الكوراني بجمع قسم ملفت من هذه الروايات في مجموعة من خمسة مجلدات بعنوان “معجم احاديث المهدي (ع)”.
والوجه البارز والمميز لهذه الاخبار مقارنة بنبوءات قديسي وعرافي سائر الامم، يكمن في الحالات التالية :
1- وضوح المصاديق؛
2- ذكر علامات الوقائع الطبيعية وغير الطبيعية التي تتضح في السنوات الختامية (التي تسبق الظهور)؛
3- تبيان التكليف الفردي والاجتماعي للمسلمين (لاسيما الشيعة) اثناء مواجهة هذه المصاديق والوقائع.
إن التاكد من صحة الاقوال والاخبار المنسوبة الى هؤلاء العظماء ومكانتهم الخاصة بوصفهم حجة وولي المسلمين، مهد لايلاء المسلمين والشيعة اهمية جادة لهذه الاخبار في السنوات العصيبة التي تسبق الظهور.
إن الكثير من الحوادث والازمات الطبيعية وغير الطبيعية الخانقة، التي تعرض ارواح ملايين البشر في السنوات المنتهية الى الظهور للخطر، ووقوع علامات تحكي قرب حلول فصل النجاة والتحرر، تم التاكيد والاهتمام الجادين بها في هذه المصادر.
ان غلبة العلوم التجريبية التي هي حصيلة التاريخ الغربي وانبهار المسلمين بالغرب خلال الاعوام المائتين الاخيرة، دفع بالشيعة الى عدم الاعتناء بهذا الوجه من الحياة والتامل في حوادث المستقبل والاخبار الواردة في هذه الخصوص، بحيث ان الحديث احيانا عن هذه الموضوعات، يدفع الى اتهام المتحدث بنشر الخرافة والاوهام وبث الخوف والرعب والفزع في اوساط المجتمع، فيما ينهمك عامة الناس وخواصهم، وبمناى عن كل ذلك، في تنظيم العلاقات والتعاملات المبنية على عقل تدبير المعاش والمهتم بالحاضر والكمّي والمتحرر من الماضي والمستقبل.
ويجب التساؤل: هل بقدر ما يهتم المسلمون في حياتهم بالدين والدنيا، يغفل اليهود والمسيحيون وحتى البرهمانيون الهنود الامور القائمة على العالم الحسي والمذهب الوضعي البحت؟
إن جميع القرائن والشواهد، تتحدث عن شئ مختلف.
وفي اي حقبة زمنية لم يتطرق المنظرون والساسة وعموم سكان بلاد الغرب، بقدر ما تطرقوا في الحقبة الحالية الى مستقبل العالم والحرب النهائية ونهاية التاريخ وظهور المسيح ومضاد المسيح (الدّجال) وكل ما يعرض الغرب وحضارته المادية للخطر، ولم ينتجوا وفقا للبحوث المنجزة، الاعمال الثقافية ويضعوا الاستراتيجيات وينظموا السياسات الاقليمية والدولية بقدر ما انجزوه في العصر الحاضر.
إن الانتاج والتوزيع الواسعين للافلام السينمائية التي هي في معظمها من انتاج الشركات الامريكية وكذلك تاسيس المواقع الالكترونية واصدار مجموعات واسعة من الكتب والمقالات المرتبطة بالموضوعات آنفة الذكر و… تشكل كلها الجزء المكشوف من هذا التوجه الغربي العام نحو موضوع نهاية الزمان واستشراف المستقبل.
والكثير منا سمع عن نوستراداموس وتنبؤاته التي كتبت قبل نحو خمسمائة عام او شاهدوا الافلام التي انتجت تاسيسا على تلك النبوءات من قبل شركة “الاخوة وارنر”.
إن تاكيد الممثل الذي يعلب دور راوي قصة الفلم على وقوع المئات من التطورات والحادثة التي تنبأ بها هذا العراف الفرنسي اليهودي في الماضي وعرض فلم عن وصول الامام الخميني (رض) الى “ايران” (مع قراءة قطعة من تنبؤات نوستراداموس بهذا الشان) وتقديم اخبار تحكي عن وقوع احداث ضخمة ومهمة في المستقبل وحتى ان يحين موعد ظهور المنقذ الموعود، تلفت انتباه واهتمام كل مشاهد.
ويوحي الفلم بشئ من الخبث، للمشاهد انه وفقا لتنبؤات نوستراداموس، فان العالم سيشهد بعد معارك طويلة والحرب العالمية الثالثة، سلاما يدوم الف عام تحت راية في “بيت المقدس”.
وخلال العقود الاخيرة، شكلت مضامين هذه النبوءات متلازمة مع تحليلات السياسيين الغربيين والتوجهات الخاصة التي يعتمدها موجهو مدينة الليبرالية الراسمالية من وراء الكواليس، مادة دسمة لانتاج عشرات الافلام التي تدور احداثها حول نهاية الزمان، بحيث ان العديد من هذه الافلام تظهر كائنا ماورائيا يهدد العالم من الفضاءات خارج الكرة الارضية.
إن هذه الموضوعات وبجانبها نشر افكار اشخاص مثل صمويل هنتينغتون وتوفلر وفوكوياما وغيرهم ممن يعرفون بمنظري الدراسات السياسية والاجتماعية وارائهم حول نهاية التاريخ وصدام الحضارات و… تحولت الى استراتيجية سياسية وعسكرية للساسة الذين يحكمون “اميركا” و”بريطانيا”، ما يلفت انتباه القارئ اكثر فاكثر الى وجود تيار غفله واهمله المسلمون.
وقد تحدث نوستراداموس والعديد من العرافين ضمن عبارات مبطنة والفاظ رمزية عن المستقبل، لكن الكثير من الحوادث والوقائع التي وقعت خلال العقد او العقدين الاخيرين الى جانب المآزق النظرية والاسفاف الثقافي والازمات المدنية حوّلت القلق بشان المستقبل وانتظار التحرر الكبير الى هاجس فكري لقطاع كبير من شعوب العالم، بحيث ان هناك اليوم ما يزيد عن خمسين موقعا الكترونيا على الانترنت تتولى مهمة تفسير نبوءات نوستراداموس، كما يقوم زهاء مائة وعشرون موقعا الكترونيا بدراسة وتحليل الاراء التي قدمت عن الماضي ومستقبل العالم.
وكل هذا مؤشر على قرب وقوع حادث هائل وعظيم من جهة، ووجود تيار متماسك وممنهج في الطبقات الخفية لسياسة واقتصاد عالم الاستكبار من جهة اخرى.
وتتحدث العديد من المصادر والمراجع الدينية (اليهودية والمسيحية والاسلامية) والتنبؤات المتفرقة لدى الامم المختلفة، عن هذه الواقعة العظيمة ومقدماتها وعلاماتها، ومن جهة اخرى فان اداء عناصر الاستكبار والاستعمار الامريكي والبريطاني و… يشير الى وجود تيار متماسك وممنهج يمكن ان ينبهنا الى ان هؤلاء على علم بهذه الاخبار وهم بصدد موجهة الاحداث المحتملة.
ويقول الشيخ علي الكوراني في مقدمة كتاب “عصر الظهور”:
“لقد بلغت علائم الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عج) لدى شعوب العالم الاسلامي وحتى غير الاسلامي، اي السؤال بشانه والحديث والدراسة والتاليف حوله، ذروتها بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران”.
لدرجة ان نكتة راجت مفادها ان وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، قامت باعداد ملف يضم جميع المعلومات اللازمة حول الامام المهدي (عج)، ينقصه فقط صورة عن الامام (عج).
ويمكن تقديم تفسيرات مختلفة عن هذه المعلومات وما يجري في جغرافيا البلاد الاسلامية. وقد قام الغرب مستعينا بمراكزه الدراسية والاستراتيجية، بجمع ودراسة كل ما بيّن عن مستقبل العالم والعالم المستقبلي، وهو حسب طبيعته الاستكبارية بصدد رسم خارطة لمستقبل العالم والعالم المستقبلي، الشئ الذي يطلق عليه اسم النظام العالمي الجديد. ومما لا شك فيه فان هذه المراكز لم تغفل حتى الاعمال التي هي حصيلة خلوة ومكاشفة واخبار وروايات الرهبان والقديسين وحتى رياضتهم الروحية.
ولا يجب اهمال ان الساسة الحاليين للبلدين المدعيين اي اميركا وبريطانيا وانسجاما مع المنظمات الدولية، يقومون بوضع مشاريع وخطط اشرار اليهود والاوساط الصهيونية، موضع التنفيذ، التيار الذي يضطلع اكثر من سائر الامم، بدور في عملية التنبؤ والتكهن وتدبير المكائد والمؤامرات.
وربما يمكن تجاهل نبوءات وروايات واخبار القديسين والمكاشفات الموجودة في مصادر العلماء المسيحيين وتنبؤات عرافين مثل نوستراداموس، وان نمر بابتسامة على اخبار العلماء اليهود المستقلين، لكن هل يمكن التسليم بان موجهي سياسة العالم من وراء الكواليس، ينظرون الى هذه المصادر والمراجع ويمرون عليها كما ننظر ونمر نحن؟!
وهل يمكن تجاهل الاخبار والروايات والاحاديث المتعلقة باخر الزمان والمنقولة عموما عن الائمة المعصومين (ع) وهي موجودة في المصادر والمراجع الاسلامية الموثوق بها، ووضعها جانبا بنظرة يسودها الريب والترديد والغموض؟
إن هذه الاخبار لم تذكر بلا شك لمسلمي الاعوام الاولية لنشر الاسلام وعهد امامة الائمة المعصومين (ع)، بل ان متلقيها هم المسلمون والمستضعفون والشيعة بعدنا.
إن دراسة ما جاء في المواقع الالكترونية العالمية والمقالات المنشورة في الصحافة والافلام الغربية والاعمال التي عرضها مبشرو الكنيسة الانجيلية وكذلك الافلام السينمائية العديدة التي انتجتها الشركات الغربية، تضعنا امام افتراضين هما:
1- الافتراض الاول هو ان جماعة قامت بمناى عن السياسيين، وبناء على رغبتها الشخصية او انطلاقا من شعورها بالمسؤولية الدينية، بمتابعة الاخبار وانجاز دراسات جادة ومتواصلة، لتضع حصيلة تأملاتها وخلوتها بتصرف اتباعها، مثلما ان الكنيسة الكاثوليكية تقوم بطريقة ممنهجة ومنتظمة وبمدد الادوات الفلكية الدقيقة برصد ودراسة اخبار ومكاشفات القدماء حول نهاية الزمان وهي تسعى لكشف الحالات التي يمكن تطبيقها مع الوضع الحالي للافلاك والكواكب وفقا لما ورد في المراجع ذات الصلة. فعلى سبيل المثال، عندما كانت حرب الحلفاء الغربيين قائمة على قدم وساق ضد العراق، اعلن البابا بان هذه الواقعة هي امر محتوم ومُقدّر، فضلا عن ان العديد من انصار الكنيسة اعتبروا جورج دبليو بوش بانه “انتي كرايست” او مضاد المسيح الثالث، وهو في مرحلة ما قبل ظهور السيد المسيح (ع) وراء الكثير من الحروب والدمار.
2- الافتراض الثاني هو ان مراكز الدراسات الرئيسية وموجهي السياسة في اميركا وبريطانيا من وراء الكواليس، يسعون لركوب موجة الاحداث في ظل اطلاعهم على هذه الاخبار ومشاهدة القرائن التي تؤكد قرب ايام السقوط والركود.
وفي رؤية اخرى، يمكن النظر الى هذين التيارين، المتلازمين كتيارين متوازيين، ودراسة ارائهما وادائهما.
إن الغرب الذي يفتقد اليوم للعنصر النظري الصلب والمراتب الثقافية العليا، يرى ان سبيله للنجاة يكمن في بسط السلطة والهيمنة بالطرق العسكرية البحتة، ويسعى من خلال درك مجموعة من العوامل والشواهد التي تجعل من الممكن انهيار الغرب وظهور تاريخي جديد يسمى الدين والمعنوية في الحدود الجغرافية للبلاد الاسلامية، لصياغة استراتيجية والتخطيط الهجومي لتنفيذها في اقصر فترة زمنية، عسى ان تتاح له فرصة التحكم بالظروف وركوب موجة الاحداث.
إن الحركة السريعة والماكرة في الوقت ذاته والعديد من القرائن والشواهد، تظهر بان الغرب وضع تحقيق المآرب التالية على جدول اعماله:
1- تخدير الراي العام في الغرب لاسيما اميركا عن طريق الحرب الاعلامية والتاثير على مشاعره واهوائه لتحقيق مآرب سياسية وعسكرية واقتصادية خاصة؛
وجدير ذكره بان اميركا وبريطانيا يشكلان بواسطة رساميل شعبيهما الضخمة، ذراعين قويتين للاوساط اليهودية والصهيونية والماسونية العالمية،
2- ايجاد الانحراف الذهني لدى رؤية وتحليل وانطباع سكان وحكام الشعوب غير الغربية لا سيما المسلمين ازاء اداء اليهود والصهيونية واذرعهم التنفيذية وتبديد امكانية اتخاذ اي قرار منطقي وحقيقي لديهم عن طريق املاء استراتيجيات ملفقة وغير مستقلة لادارة المجتمعات الاسلامية،
3- الامساك بزمام المبادرة اثناء الاحداث ومواجهة كل اشكال العقبات والعراقيل وركوب موجة الاحداث بهدف اكتساب امكانية فرض الهيمنة وشطب كل التيارات المزعجة لاسيما في البلاد الاسلامية.
إن الغرب، يعتبر الاسلام والحركات الاسلامية التي اشرنا اليها، اهم عقبة تعترض طريقه. وفي العصر الحاضر لا يوجد سياسيون في العالم يبدون اكثر من الساسة الامريكيين والاوروبيين الغربيين، حرصا واهتماما لدراسة اعمال المنجمين والعرافين والاخبار الخفية حول مستقبل العالم، بحيث انهم انفقوا مبالغ طائلة للتعرف الشامل على الطبيعة النفسية لامم الشرق.
ومن يصدق بان مئات الكراسي الخاصة بالاستشراق والدراسات الاسلامية اسست في الجامعات الامريكية والاوروبية لايجاد الاستئناس وتاليف قلوب المسلمين ونموهم وتطورهم؟!
وبعد انتصار الثورة الاسلامية وانهيار “الاتحاد السوفيتي” واخيرا حادثة 11 سبتمبر في “نيويورك”، نواجه احداثا تحظى بمكانة خاصة بين الاخبار المتاحة لدى عموم الطوائف سواء اليهود والمسيحيين والمسلمين وحتى الكهنة والمنجمين والعرافين والتي تتحدث عن نهاية الزمان، وتمت في هذه المصادر، الاشارة بصراحة او تلميحا الى تلك الوقائع.
ويكفي ان نخصص ساعات لدراسة المصادر والمراجع المتوافرة في المكتبات او المواقع الالكترونية، لكي نلمس حجم هذه المعطيات والمصاديق.
ويمكن النظر الى هذا الموضوع وعلى الاقل الموضوعات التى تملك الاوساط صانعة القرار والمصممون الرئيسيون للسياسة العالمية من معلومات بشانها، من عدة زوايا:
1- إن مخططي النظام العالمي الجديد والحرب الصليبية الثانية والعدالة اللا متناهية؟! يسعون في ضوء رؤية زائفة الى الاخبار المتوافرة والتنبؤات، للايحاء بان هذه الحوادث بما فيها الحرب في “العراق” وكل ما يقع بعدها، هي امور محتومة ومُقدرة ولا سبيل امام الجميع سوى الاستسلام لها؛
2- إن هؤلاء المخططين ومع المامهم التام بهذه المصادر والاخبار والتذكير بما يهددهم، يصممون استراتيجيتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية الخاصة ويضعونها مرحلة بمرحلة موضع التطبيق، ويسعون في ظل اعتماد استراتيجية الردع، الامساك بزمام المبادرة قبل وقوع الواقعة الكبرى، ويعملون على مراقبة الموقف واتخاذ موقف استباقي من اجل ايجاد انحراف في مسار الاحداث والهيمنة التامة على الاوضاع، وفي هكذا وضع، ان تصرف المسلمون بصورة انفعالية وراكدة، فعليهم تكبد خسائر فادحة، وان ابدوا ردة فعل غير مدروسة، فانهم يكونون قد حفرو حفرة الهلاك مسبقا؛
3- والافتراض الاخر هو ان الغرب يسير قدما بتقدير مُقدّر، غير آبه بهذه المصادر والاخبار واعتبارها واهية وان دوافع مثل السيطرة على حقول النفط وثروات البلدان الاسلامية، هي افخاخ وضعها مخطط القدر امامه لدفعه الى شرك الابتلاء والهلاك.
وخلال الاعوام الاخيرة، قام العديد من ساسة البلدان الاسلامية بدراسة ظاهر الحوادث والوقائع من خلال تحليل القضايا السياسية وبالاستعانة بمعلومات من الدرجة الثانية وانحرافية احيانا حول ما يجري في العالم، بحيث ان جميع المحللين والمراقبين الداخليين سواء السياسيين او العسكريين، سلطوا الضوء فقط على بعض المعطيات ليستنتجوا بان دافع الغرب الرئيسي من الهجوم على “العراق” و “الشرق الاوسط” هو السيطرة على مصادر النفط وتغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة.
إن مساهمة “اسبانيا” و “البرتغال” بوصفهما مندوبي الاستعمار القديم الى جانب “بريطانيا” و “اميركا” بوصفهما مندوبي الاستعمار الحديث، وتحالفهم في ساحة المعركة، مؤشر على انبعاث الشعور بخطر جسيم وشامل يتهدد “الغرب”، والا فانه لا يخفى على احد بان اضخم احتياطيات النفط في العالم، اي “السعودية” وجميع حقولها النفطية هي بتصرف الغرب.
وكأن حادثا، عرّض مجمل الثقافة والحضارة الغربية للخطر ما جعلهم يضعون اقدامهم في ساحة الحرب الخطرة في “بين النهرين” و “بابل” (العراق اليوم) من دون الاخذ بعين الاعتبار نهج ما يسمى المنظمات الدولية وبثمن اهدار مصداقية واعتبار الغرب بسبب اعتمادهم على النهج العسكري والحكم الشامل في العلاقات السياسية والثقافية.
إن الدراسات التي اجريت على مائة وخمسين فلما مختارا من انتاج سينما هوليوود، تظهر بان منتجي الافلام الامريكية حاولوا خلال الفترات المختلفة تقديم المسلمين على انهم اناس سلبيون وبدويون وغير متحضرين وعدوانيين احيانا، فيما يقدمون الشخصيات الغربية والامريكية على انها ايجابية ومتحضرة ومنقذة.
وفي جميع الافلام السينمائية التي انتجت على اساس اخبار نهاية الزمان، قدمت اميركا على انها منقذ العالم. ففي فلم “يوم الاستقلال” عندما تهدد سفينة كبيرة، العالم، تظهر هذه السفينة في العراق للمرة الاولى، وبعدها تقوم اميركا مستعينة بتكنولوجيتها الحديثة والمتطورة ومتخصصيها، بانقاذ العالم من دمار شامل.
ونفس المضمون يتكرر بشكل اخر، في فلم “هرمجدون”، لكن هذه المرة، يضطلع مهندسو وعمال النفط الامريكيون ومعهم الرئيس الامريكي بدور في انقاذ العالم من كارثة هائلة، ويجعلون العالم مدينا لهم في ذلك.
إن اصدار كتب ومقالات بهذه المضامين وانتاج عشرات الافلام السينمائية بما فيها “هرمجدون” و “يوم الاستقلال” و “الطالع النحس” و “نوستراداموس” و “ترميناتور” و …، وتاسيس مئات المواقع الالكترونية المستقلة والتابعة، وطرح موضوعات مثل العدالة اللامتناهية والحرب الصليبية الثانية على لسان الرئيس الامريكي وعرض اراء محددة حول نهاية التاريخ وصدام الحضارات وربط كل شاردة وواردة في العالم بالمسلمين لاسيما الشيعة في “ايران” مؤشر على المعرفة التامة للمراكز المُخطِطة الغربية الرئيسية بهذه الاخبار.
إن الغرب، يريد في الحقيقة التذكير بان تاريخه قد شارف على الانتهاء وانه سيسلم آجلا أم عاجلا بوفاة ثقافته وحضارته الاستكبارية، لان تعالي اصوات اجراس التحرر تحت مسمى الدين والله والمعنوية، جعل هذه الثقافة والحضارة تواجه تحديا عسيرا. وهذا الشئ جعل مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية لاسيما اليهود الصهاينة ينتبهون اكثر فاكثر الى موقع ودور المسلمين والبلدان الاسلامية في تاريخ مستقبل وزوال اليهودية الصهيونية، الاستنتاج الذي دفعهم للاستعانة بالنخبة والمنظرين لوضع استراتيجيات هجومية قوية وشاملة.
وقد بين الامام الخميني (رض) في جملة قصيرة، باطن وجوهر التاريخ الغربي الذي ظهر على مدى نصف القرن الاخير على هيئة الامبريالية الامريكية، حين قال:
امريكا الشيطان الاكبر.
ويجب النظر الى الامام على انه انسان صاحب راي وذو نظرة ثاقبة ومرشد وملم بعلم الاسماء والنسبة بين الاسم والمسمى بمدد المعرفة القدسية والعناية السماوية، ولا ينطق باي كلمة من دون سبب ولا باي اسم من دون ملاحظة المسمى.
إن الامام الخميني (رض) لم ينطق بكلام بذئ كما يفعل المنغمسون باهوائهم. وعلى العكس، فقد ادلى بكلام في محلة حول “اميركا” و “الغرب”. وكان سماحته يعتبر ان مجمل السيرة والباطن الشيطانيين يرتسمان على وجه الغرب واميركا. الباطن الذي يتطلب تبيانه، تفسير تاريخ الغرب ودراسة سير تطور مذهبه الوضعي طيلة الاعوام الاربعمائة الاخيرة، الامر الذي لا يستوعبه هذا المقال، لكن يجب القول:
إن الشيطان لم ولا ينوي الانابة والعودة والاقرار بما قام به سوء، وكل ما حصل عليه بمدد الدراسات والبحوث، دفعه الى اتباع الاساليب الشيطانية اي المجادلة والاغواء والعصيان، لكي يؤخر زواله وموته حتى الوقت المعلوم، لانه يعرف ان نهاية حياته من الامر المحتوم، لكنه لا يقبل بالاستسلام امام ارادة الله.
ومن هذا المنطلق فانه من غير الممكن تقديم تفسير وتحليل شامل عما يجري من حوالينا، من دون الاستعانة باخبار اخر الزمان، فضلا عن انه لا يمكن تجاوز هذه الحقبة الحساسة والمهمة من تاريخ البشرية من دون اعتماد استراتيجية ملائمة وشاملة. ان تفهم كل هذا من قبل عامة المسلمين لاسيما النخبة منهم، يشكل الخطوة الاولى على طريق الولوج الى هذا التيار واخذ القرار الحصيف تجاهه.
یتبع إن شاء الله …
جـمیع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافی
لا یسمح باستخدام أی مادة بشكل تجاریّ دون أذن خطّیّ من ادارة الموقع
ولا یسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.