النسبة والعلاقة بين نهضتين

نهضة أبي عبدالله الحسين علیه السلام  ونهضة حضرة صاحب العصر والزمان علیه السلام
لقد كان جميع الأنبياء والأوصياء الإلهيين علیهم السلام يتمتعون بعلم كونيات موحد و مشترك. و في الحقيقة فان إنطباعهم الكلي و العام عن العالم و الانسان و المنطلق و الوجهة و كيفية الوجود و العيش في الأرض، كان موحدا و مشتركا.

و هذا الشئ مرده مصادرهم الوحيانية والمشتركة. و في الحقيقة، فان مجمل كلامهم، هو كلام وحياني وسماوي، و أن معلمهم هو الله تعالى.
إن المصادر الموحدة، أدت بالضرورة إلى تشكل و نشأة مبادئ موحدة و بطبيعة الحال وحيانية في مجال معرفة العالم و الانسان لديهم. ولذلك فان الخلافات لم تدبّ بينهم.
و إن ما يشاهد على أرض الواقع، على شكل تباينات في سلوكيات هؤلاء المختارين من السماء في التعاملات و العلاقات، يتجلى على شكل مواقع و ظروف و مقتضيات تاريخية مختلفة يواجهونها من خلال مرورهم بالتقلبات، و إلا فان التعارض و التضاد لا مكان له في قولهم و فعهلم.
و في ضوء هذه الملاحظات، نقول بان النبي ابراهيم خليل الرحمن علیه السلام  إن كان يواجه نفس الموقع و الظروف التي كان يمر بها النبي موسى علیه السلام ، لكان يفعل الشئ الذي فعله النبي موسى علیه السلام ، وإن كان الامام الحسن العسكري علیه السلام  يعيش في ظروف و عصر الامام الصادق علیه السلام ، لكان يفعل الشئ الذي قام به الامام الصادق علیه السلام . ولذلك أقول إنه من دون الاستئناس بـ«الحقائق الثابتة» ومصادرها ومبادئها، فانه لا يمكن الإصغاء إلى كلام الرسل الإلهيين واقامة تواصل معه.
وفي شهر «محرّم الحرام»، دار الحديث حول العلاقة والنسبة القائمة بين نهضتين، في منعطفين مهمين من تاريخ البشرية، إحداهما نهضة أبي عبدالله الحسين علیه السلام  عام 61 للهجرة والاخرى نهضة الموعود الامام المهدي علیه السلام  في وقت الظهور و في ظل توجه ديني للعالم و بالإستناد إلى الكلام الوحياني (الكتب السماوية). و يمكن القول بان جميع الأنبياء وأوصيائهم، ذكّروا بحكمة خلق الكون، بل اهتموا في اطار التعاليم والرسائل السماوية بالخارطة الإلهية العامة و مصير و نهاية منظومة الكون و الوجود، و حددوا و عرّفوا مهمتهم في كل ظرف في مسار تلك الحكمة المتعالية و تلك الخارطة الإلهية. و لذلك فانهم كانوا بمنأى عن الأهواء والنزوات وأن أيا من حوادث وظروف عصرهم، لم تدفعهم إلى الإنفعال وتخرجهم عن الطريق الذي أعد وصمم لهم.
إن جميع الذين افترضوا من علم أو غير علم، ان المواقع والظروف التاريخية والحوادث الاجتماعية والسياسية كانت وراء تموضع وعمل ومواقف الأولياء الإلهيين في عصرهم، فانهم يكونون قد انخرطوا في مسار قياس مع الذات وقارنوا عمل الصلحاء والأتقياء مع ذاتهم وانزلقوا بالتالي في براثن التحريف. وألم يقل الله تعالى بشأن رسوله الكريم:
«وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.»1
إن إضفاء الأصالة على أهواء ونزوات الانسان والحوادث السياسية والاجتماعية واعتبارها منشأ وسببا في افكار واعمال الأنبياء والأوصياء الالهيين الذين يستلهمون من الإلهام الوحياني، هو حصيلة «قياس مع الفارق» للانسان الجاهل بموقع وشأن رسول الله صلی الله علیه واله  سلم  و أوصيائه المعصومين، و إحدى نتائج و تداعيات التاريخ الغربي الحديث و غلبة التنوير الفكري الذي أدى إلى عقد مقارنة غير صائبة واعتبار هؤلاء العظماء بأنهم مثلنا يتأثرون بالحوادث والهواجس والنزوات.
إن هذا الإفتراض المغلوط، أدى إلى أن يتصور الإنسان الذي يعيش في العصر الحاضر و تبعا للفكر و الثقافة الغربية بان:
– الانسان بما في ذلك الأنبياء والأوصياء الإلهيين انتهجوا دائما الأنانية والإستبداد في الرأي في الأرض؛
– الأنبياء والأوصياء لم يحملوا مهمة وتكليفا محددا سوى السير والسفر في الإنفعال والتأثر بالأحداث والتطورات؛
– لا يوجد أي مبدأ ثابت وقاعدة مطلقة في مجال معتقدات واخلاقيات وأفعال الانسان تكون مقبولة، و أن كل شئ يواجه وضعا نسبيا و أن الانسان هو من يضع و يحدد المعنى للحياة و يضع تعريفا للوجود و العيش في الارض؛
و بالتالي فان الانسان لا يتحمل أي مسؤولية و واجب تجاه عمله وافكاره أمام الله تعالى، و ان المحكمة الوحيدة  التي تحكم على أفعاله، هي الضمير و العقد الاجتماعي الذي وضع على يد الانسان ذاته والاخرين من أمثاله.
إن المذهب الانساني أي إضفاء الأصالة على الانسان مقابل أصالة الحق والمذهب الدنيوي أي إضفاء الأصالة على العالم الفاني والليبرالية بمثابة الإباحية والتفسخ والإنحلال والهيدونية أي مذهب المتعة و اللذة، تدعم و تؤازر الإنطباعات آنفة الذكر و هي حصيلة الفكر و الثقافة و الحضارة الغربية، التي ألقت بظلالها على معتقدات المسلمين و ثقافتهم خلال السنوات المائتين الاخيرة.
و في الرؤية التوحيدية، فان الحكمة المتعالة لله تعالى، تدعم و تؤازر العالم و الانسان، و بناء على ذلك فان ثمة علاقة و تواصلا لا يمكن انكارهما في حكمة الخلق و بعث الأنبياء و إنزال الكتب. و يبدو مستبعدا أن من كانت له حكمة و مقصودا منذ البداية لخلق الكون والوجود وسكان العوالم، لم يأخذ بنظر الإعتبار وجهة و مصيرا حكيما لهم.
إن الآية المباركة «إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون»،2 تبين إجمالا البداية والوجهة العامة، مثلما أن الآية المباركة «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا»3 تذكّر الجميع بالسرّ والحكمة الكامنة وراء هذا الخلق والخليقة. و يقول الله تعالى في «سورة الأنبياء» في الآيات 16 إلى 18:
«وما خَلَقْنَا السماء وَالأرض وما بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَا تَصِفُونَ.»
و إستنادا إلى هذه الآيات، فاننا نكتشف وجود حكمة في خلق الكون ونقر بوجود وجهة نهائية لرحلة طويلة للكائنات لاسيما تاج درتها الإنسان.
و هناك العديد من الآيات في القرآن الكريم، تبين مراتب من الهدف النهائي لخلقة الانسان، بما فيها الآية المباركة 2 من «سورة الملك» حيث يقول الله تعالى:
«الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً.»
كما يقول سبحانه وتعالى في الآية 56 من «سورة الذاريات»:
«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ.»
لكن في فجر الخلقة، عندما اطلع الملائكة على خلق آدم، اكتشفوا أن الله تعالى قرر أن يجعل خليفة له في الأرض، حيث قال تعالى:
«إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.»4
و نصل في النهاية إلى آية مباركة يميط فيها الله تعالى اللثام عن وجهة نهائية، إذ يقول:
«وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ.»5
و بلا شك فان التحقق الكامل والموضوعي لعبادة العباد و العمل الصالح للمخلوقات و الذي ورد ذكره في الآيات السابقة، يحدث أثناء قيام دولة المستضعفين الصالحة التي تعد الوارث الحقيقي لملك الله المتعال وخليفته بالحق.

ضرورة تخطي المعبر
ومن يقبل بان الله العليم والحكيم، لم يضع معبرا لسير وسلوك عباده منذ بداية خلق أول انسان أي النبي آدم علیه السلام  وأبنائه و بلوغهم الوجهة النهائية؟ ومستحيل أن يتم هذا السير والسلوك من قبل الانسان في الظلام والغموض.
إن السير والسفر في جادة معتمة و مظلمة، و مليئة بالغموض و الإلتباس و في ظل السعي و الخطأ، فانه لا يصول الانسان بالضرورة إلى بر الأمان، و من المستبعد أن يكون الله الرؤوف الرحيم قد قدر للانسان السير في هكذا مسار. إن وضوح الطريق و قصره و شفافيته، يعكس رحمة خالق الكون من جهة وإتمام الحجة على الانسان من جهة اخرى، لكي لا يبقى مجالا لإدعائه، بعد الخطأ والعصيان! و لهذا السبب فان من الضروري:
– أن يكون ثمة معبر للوصول إلى الحق والحقيقة، بحيث من الضروري أن يكون هذا المعبر مشمولا بمجمل الخلق من الأولين إلى الآخرين؛
– أن يكون هذا المعبر واضحا وشفافا؛
– أن يكون مسار العبور، موضع ثقة وبمنأى عن الخلل.
وفي ظل هذه الشروط، يجد الانسان مجالا للتصرف الصحيح والسريع والموثوق به في المعبر، وأن ينال مقصده بأمن تام.
إن الحجج الإلهيين من الأولين إلى الاخرين، هم سبيل وصراط الله ويهيئون كل مجال وإمكانية لسير وسفر الانسان ويوصلون البداية بالنهاية.
ويجب التذكير بان منشأ جعل هذا المسار والمعبر هو رحمة الله على مخلوقاته، و إلا، فان الله تعالى في غنى عن أي عبادة وسير وسلوك وعمل صالح من جانب عباده.
و بهذا الإفتراض المسبق، يتم الإعلان: إن ثمة علاقة وثيقة و ذات مغزى و مترابطة كانت وماتزال قائمة بين المهام الموكلة إلى جميع الحجج الإلهيين من الأولين إلى الاخرين. إن هذا التواصل والترابط، يغطي الحقائق والمعارف التي عرضت على الناس عن طريق إنزال الكتب وقول الحجج، فضلا عن سيرهم وسلوكهم وتصرفاتهم خلال المشي بين خلق الله.
ومن هذا المنطلق يسمى هذا الصراط في التعاليم الوحيانية بالصراط المستقيم:
«قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.»6
وقال الإمام الصادق علیه السلام :
قال أمير المؤمنين علي علیه السلام :
«إن الله تبارك و تعالى لو شاء لعرف العباد نفسه و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله و الوجه الذي يؤتى منه فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنهم عن الصراط لناكبون.»7
و حول الصراط الذي يهدي ويعين الجن والإنس للوصول إلى المقصود المطلوب أي المعرفة التوحيدية وكسب رضا الله المتعال، وردت الكثير من الأقوال والروايات الرفيعة والبليغة عن المعصومين علیهم السلام .
فقد جاء في وصف هذا الصراط أن من ضرورياته هو الأقوم والمستقيم، و بغير ذلك يخرج السالك عن الطريق و يسقط في وادي الهلاك والزوال.
وقال المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام  عن الصراط فقال:
«هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل. وهما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الاخرة، فاما الصراط في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة، فتردى في نار جهنم.»8
وعندما يتوجه عبد إلى الله تعالى بالقول: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»9 فيجب أن يظهر مجمل الإستقامة و الثبات في هذا الصراط، من دون إعوجاج بحيث لا تزل قدم السالك ولا ينحرف عنه في منتصف الطريق ولا يصطدم بطريق مسدود.
و هذا الصراط، يهدي بالضرورة البداية إلى المنازل والمدارج و في النهاية إلى المقصد النهائي. و لذلك قلنا بان هذه الصراط، تتصل جميع مراتبه ومنازله بواسطة الحجج الإلهيين ولا يُشاهد فيه انفصام، و بما أن الوجهة النهائية و السعادة التي عرفت لجميع أبناء البشرية طوال التاريخ، واحدة، فان جميع الأنبياء والرسل والأوصياء يجب أن يسيروا بالضرورة على صراط واحد وأن تكون تعاليمهم تتمتع باواصر وترابط خاص مع أحدها الاخر.
بعبارة أخرى، فان أولهم متصل بآخرهم، فظاهرهم مختلف لكن أعمالهم وأفعالهم تصل إلى باطن واحد، وأن جل رحمة الله و شفقته و كل الظاهر و الباطن لتعاليم و سيرة و سنة الأنبياء والأوصياء تتفتق في هذه السلسلة، و تحضر فيها جميع المراحل التي يجب سلوكها لكي ينال الانسان المراتب العليا للكمال.
إن جميع الأنبياء والرسل والأوصياء الإلهيين، مستقرون على الطريق المستقيم وفي محطات مختلفة من الأولين إلى الاخرين، ويتم تعريفهم بمثابة هيكلية واحدة، ويقوم كل منهم بمهمة خاصة به حسب ظروف ومقتضيات عصره، وأن مجمل معنى و حقيقة الدين، كامنة في هذه السلسلة الرفيعة.
وفي هذه المجموعة، تظهر مهمة و واجب الحجج الإلهيين وموضوع هداية الانسان بوصفه سالك الطريق ورفد هذا الانسان لتجربة الكمال الغائي.
وهذا الكمال، يشمل الكمال في درك الحقائق المتعالية، والكمال في درك حكمة الخلق والكمال في درك المهمة الموكلة إلى الإنسان واكتساب المقدرة في إنجاز المهمة وفي نهاية المطاف، جلب الصفات الكمالية، إلى أن يشهد الانسان وفي اخر منزل، المقصد التي تتجلى وتتسجد فيه جميع الكمالات وجل حكمة خلق الكون والوجود. ذلك الزمان الذي نقرأه في القرآن الكريم:
«وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ.»
ويجب درك الموقع الذي يكتسب فيه المستضعفون، السيادة والإمامة، بالرغم من أن هذه الإرادة الإلهية ابلغت للمسلمين في عصر بعثة الرسول الأكرم وعن طريق الآية الكريمة المذكورة التي نزلت على نبي الاسلام صلی الله  لكن في الحقيقة هذه هي إرادة الله التكوينية التي وقعت منذ اليوم الأزل وتستمر حتى تتحقق خارجيا وموضوعيا. وكأن هذا المعنى كان ثابتا وجاريا لجميع الأنبياء الإلهيين العظام وأممهم، وأن الأنبياء السلف نقلوا هذا الكلام إلى قومهم بطريقة وبلغة و لسان، بحيث ورد في الروايات الواردة عن المعصومين علیهم السلام  إن الله أخذ عهدا وميثاقا من جميع الأنبياء والرسل حول ولاية ذرية الوحي.
وهناك حديث للإمام محمد الباقر علیه السلام  استشهد بالآية الشريفة التي تبين كيفية خلقة النبي آدم علیه السلام :
«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ.»10 ليقول علیه السلام :
«ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال ألست بربكم وأن هذا محمد صلی الله  رسولي وأن هذا علي أمير المؤمنين علیه السلام  قالوا بلى فثبتت لهم النبوة ، وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي  وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعا وكرها، قالوا أقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي علیه السلام  ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله عز وجل «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا».»11 و 12
وكانت إرادة الله قائمة منذ اليوم الأول، على أن يجعل المستضعفين، ورثة وحكاما وأئمة وملوكا في الأرض، أي أن ملك الله الذي تم التصرف به من دون وجه حق، يعود إلى الجماعة التي تملك أهليته واستحقاقه، وأن تصبح إماما وحاكما في الأرض، وبعبارة أخرى أن تتحقق وتظهر ولايتهم التامة، الشئ الذي لم يحدث من قبل. وهذا هو المعنى الذي ظهر وتجلى في الآية الكريمة «إني جاعل في الأرض خليفة.»

النهضة الممهدة
ولهذا السبب قلت أن نهضة الامام الحسين علیه السلام  في عام 61 للهجرة، تعد فقط واحدا من مواقف ومحطات هذه السلسلة الكبيرة والطويلة التي تمتد منذ اليوم الأول وحتى الظهور والقيامة الكبرى.
وفي عهد وعصر سائر أئمة الهدى، وبعد الامام أبي عبد الله الحسين علیه السلام ، ظهرت مواقف ومحطات أخرى إلى أن انتهت بعهد وعصر حضرة صاحب الزمان علیه السلام ، وكانت هذه هي الحلقة الاخيرة من هذه السلسلة الطويلة.
وفي الحقيقة، فان هؤلاء الأوصياء والحجج الإلهيين يمهدون قولا وفعلا وسيرة وسنة، ومرتبة بمرتبة للظروف اللازمة لظهور اخر مرتبة وحضور اخر وصي لرسول الله، بحيث أنه إن لم تتحقق هذه المراتب والمواقف، فان المراد الأصلي لخلق الكون لا يكتسب مجالا للظهور الذاتي الخارجي، ولا يتحقق تأسيس تلك الدولة الكريمة. ومن هنا أقول بان نهضة الامام الحسين علیه السلام  تمهد وتوفر للظروف اللازمة لإيصال الانسان إلى الكمال ومستمسك للانسان للوصول إلى بر الأمان والغاية المنشودة ألا وهي الظهور الأكبر.
وفي الحقيقة، فان جميع القوى والقدرات اللازمة لتحقق أمر ظهور الإمام وتأسيس دولته الكريمة في آخر الزمان، توفرت عن طريق المراتب والمواقف المذكورة آنفا وربما يمكن القول بان الكل، كانوا ضروريين لهذه الواقعة العظيمة.
وإن لم تتحقق تلك المواقف السابقة، ولا يتم سلوكها بشكل صحيح، فان ما يجب أن يتشكل في المحطة الأخيرة، سيكون ناقصا وغير مكتمل.
و في هذا المسار، فان جل هم وغم الشيطان وجنوده، تركز على الحد من وضع مهمة الأنبياء والأوصياء موضع التنفيذ أو الإخلال والنقصان في الكم والكيف للمهام الموكلة.
وفي وجه اخر، فان جل همة الشياطين، استخدم لإرباك علاقة هذه المهام وقطع التواصل بين الحجج الإلهيين وتعاليمهم. وفي الحقيقة فان هؤلاء سعوا بمكر وحيلة لإخراج قطار الحجج الإلهيين المستقر على السكة الإلهية وحرفه عن سكته وجعله يستقر على سكة أخرى، بحيث أن ابليس الذي طرد في ذلك الزمان من جنة القرب والرحمة، قال مخاطبا الباري عز وجل:
«فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ.»
إن إخراج هذا القطار وركابه عن سبيل الهداية وجعله يسير في سبيل الضلالة، شكل هدف هذه الزمرة القرصان،  لكن هذا الأمر يتجلى بنحو خاص في المهمة الموكلة إلى أبي عبدالله الحسين علیه السلام .

إستراتيجية بني أمية
وفي أعقاب سلسلة من التطورات، أنتهت قافلة أبي عبد الله الحسين علیه السلام  إلى كربلاء، وفي ظهر عاشوراء وضعت الحرب أوزارها مع الإستشهاد المؤلم للإمام وأصحابه، لكن جميع القوى الشيطانية من الجن والإنس (إبليس وأعوانه وأنصاره الخفيين والسافرين وبشكل خاص بني أمية) أنفقت للإبقاء على واقعة نهضة الإمام في الظرف المكاني والزماني لعام 61 للهجرة حبيسة أرض كربلاء وألا تجد مجالا وإمكانية للإنتشار، في حين أن إرادة الله المتعال قامت على أن تخرج هذه النهضة من أرض وتراب كربلاء لا بل وبعد تجاوز وتخطي عام 61 للهجرة، لتنتشر في جميع الأراضي والأزمنة، لانه من خلال هذا المسار وحده، كان بإمكان هذا القطار المقدس الوصول إلى المحطة التالية ومن ثم يواصل مساره، بينما بني أمية ومن معهم في ساحة المعركة والقتال (القوى الإدارية والقتالية) سعوا لقطع هذا التواصل والإرتباط وكسر السلسلة، لكن الإمام الحسين (ع) كان على وعي بمهمته ومهمة الولي من بعده وسائر الأئمة حتى حضرة صاحب العصر والزمان علیه السلام . لذلك أقول: إن الإمام ومعرفة منه باستراتيجية الشيطان وأنصاره (بنو أمية) حطم وأربك كل ذلك وتغلب عليهم ومهد للخروج من الظرف الزماني والمكاني لكربلاء وعام 61 للهجرة.
إن المرض المقدر الذي أصاب الإمام علي بن الحسين علیه السلام ، مزّق كل ما نسجه الشيطان وأنصاره، وترك صدعا على جدار استراتيجية تحجيم النهضة التي كانت قد صممت على يد بني أمية وبلاط يزيد وأفشلها. لذلك، امتد الطريق وانتشر سالكو هذا المسار فيه وواصلوا مسارهم.
وكانت قافلة الأسرى، أول سالكي هذا المسار الذي وضعه أبو عبد الله الحسين علیه السلام . ومن هنا يجب القول «وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.»13
وفي تلك الفترة التي كان يظن فيها بنو أمية أنهم قمعوا نهضة أبي عبدالله الحسين علیه السلام  وأسروا ما تبقى من ذريته وأسرته ومرروهم وهم مكبلين بالسلاسل والقيود في الطرقات، أبدى وأظهر لهم كل الهزيمة والذل والعار. وهذا المعنى كانت قد أدركته السيدة زينب جيدا والتي ردت على إبن زياد حين سألها متشفياً في قصره: كيف رأيتِ فعل الله بأهل بيتك؟ فقالت «ما رأيت إلا جميلا.»14
ويمكن هنا درك دور زينب الكبرى والامام علي بن الحسين علیه السلام . فقد أرسوا في غاية الصعوبة وضيق الأسر وبارفع درجات المعرفة والوعي، الحجر الأساس للمحطة والموقف التالي للسلسلة الكبيرة للأولياء والأوصياء الإلهيين وأكملوا الفقرات اللاحقة من حركة الإمام الحسين علیه السلام . فقد حطموا وبددوا استراتيجية بني أمية وسخروا في أعماق قلبهم من بلاهة وحماقة العدو الأموي.
وكان بنو أمية قد أصابتهم نشوة ظاهر الواقعة بينما كان الإمام زين العابدين علیه السلام  والمتعلمة في مدرسة الوحي السيدة زينب ينظرون إلى باطن الأمور، ومن هنا ومع تشكل ونشأة الأركان والأسس التالية، تبدأ المهمة الخاصة الموكلة إلى سيد الساجدين علیه السلام .

إمام العصر علیه السلام  والثأر للإمام الحسين علیه السلام
إن رزمة من العوامل والوقائع الباطنية والظاهرة، تربط نهضة عام 61 للهجرة للإمام الحسين علیه السلام  بالنهضة العالمية لحضرة إمام العصر علیه السلام :
وقبل كل شئ، فان مقام الولاية ومنصب الإمامة والمهمة التي حددها الله تعالى لذرية الوحي، في سلسلة أوصياء خاتم الأنبياء والمرسلين، تعد أهم عامل لتواصل وترابط النظرية والتطبيق لأئمة الدين.
إن موضوع الثأر لحضرة ثار الله علیه السلام  يقوم بنحو خاص بوصل هاتين النهضتين معا. فالثأر يعني إحقاق حق المظلوم عندما  يكون المظلوم قد قتل، حق منه يقع على ذمة صاحب الدم ويجب محاسبته.
وصاحب الدم، هم أولياء الدم. ويقول الله تعالى في الآية الكريمة «وَمَنْ قُتِلَ مَظلوماً فقد جعلنا لولیه سُلطَاناً» انه وفقا للسنة والحكم الثابت، فان هناك صاحب دم لكل مقتول. أولياء الدم الذين يملكون القصاص والعفو، هم ورثة المقتول، واذا ما قام شخص بتنفيذ القصاص من دون إذن ولي الدم، فانه يكون قد ارتكب قتلا يستوجب القصاص. والحق الذي لم يؤخذ يجب إعادته.
وفي واقعة كربلاء، سفكت دماء المظلومين وعلى رأسهم ابي عبد الله الحسين علیه السلام  واريقت على الأرض، ويجب الثأر لها.
وحق له لم يؤخذ ويجب إعادته، والمقام والمنزلة التي أولاها الله تعالى والرسول الأكرم للإمام، ولابد أن يعود هذا المقام والمنصب المغتصب على يد غير المؤهلين، إلى صاحبه وورثته بالحق من ذرية الوحي، وأن إحقاق كل ذلك لائق وجدير بشخص هو صاحب الدم ووريث الإمام وبالضرورة الإمام المُنصَّب من الله تعالى.
إن أيا من أئمة الهدى الذين كلهم أبناء وورثة الامام الحسين علیه السلام  بالحق، لم يجدوا مجالا وفرصة لإقرار هذا الحق، لذلك فان الله تعالى أوكل هذه المهمة إلى صاحب الأمر علیه السلام  وهو ما سيحدث في آخر الزمان وفي وقت الظهور.
وكل من أراد سوى الإمام، أن يرفع راية الثأر، يصبح مفسدا لانه لا يتمتع بالشروط اللازمة، لان هذا الحق لم يُعرّف له.
ولهذا السبب نعتبر هذا الإمام المبين من أبناء وورثة الحسين علیه السلام ، ثائرا وأن شعاره ومن معه في وقت الظهور، سيكون «يا لثارات الحسين.»
وقال الإمام الصادق علیه السلام  في تفسير الآية المباركة «… ومن قتل مظلوما…»: «إن المقصود من هذه الآية هو الحسين بن علي (ع) الذي قتل مظلوما ونحن أولياء دمه، وعندما يقوم قائمنا يطلب ثأره وسينتقم له.»16
إن هذا الحق سيتم إعادته في وقت الظهور الأكبر لإمام العصر علیه السلام  وهذه تعد واحدة من مهامه في عصر الظهور، وبعبارة أخرى، فان مهمة جميع الأولياء والأنبياء الذين لم يكونوا قادرين في وقت حياتهم على تنفيذ ذلك، سيتم تنفيذه على يد الامام الموعود علیه السلام . والنقطة البديعة تكمن هنا وهي أن خروج وقيام صاحب الزمان علیه السلام  سيحدث في يوم عاشوراء السنة على وجه التحديد.
وكأنهم يريدون تذكيرنا بان حركة الامام، تبدا بالضبط من ذلك اليوم الذي تعطلت فيه مهمة وقصد الامام الحسين علیه السلام .
ج) وفيما عدا ذلك، فان واقعة رجعة الامام الحسين  علیه السلام  في وقت الظهور، تظهر كل التواصل الوثيق بين النهضتين.

من سيكون أول راجع؟
إن واقعة الرجعة هي عبارة عن العودة الجماعية لمؤمنين خاصين وزمرة من الكفار الخاصين، وهي تندرج ضمن المسلمات العقائدية للشيعة. وهذه الواقعة تحدث أثناء ظهور امام الزمان علیه السلام  وحتى قبل القيامة الكبرى، تلقى زمرة من الكافرين جزاء أعمالها فيما تكافأ جماعة خاصة من المؤمنين بمن فيهم شهداء كربلاء على أعمالها.
وقال الامام الصادق علیه السلام  في تفسير الآية المباركة «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَة»:17
«الراجفة: الحسين بن علي عليه السلام ، والرادفة : علي بن أبي طالب علیه السلام . وهو أول من ينفض رأسه من التراب مع الحسين بن علي في خمسة وتسعين ألفا.»18
و روى قطب الراوندي واخرون عن الامام محمد الباقر علیه السلام  بان الامام الحسين علیه السلام  قال في صحراء كربلاء قبل استشهاده ما مضمونه أن أول من يخرج من الأرض بعد أن تشق الأرض سأكون أنا ويصادف خروجي مع خروج أمير المؤمنين علیه السلام  وقيام قائمنا… .19
و بعد تأسيس الدولة الكريمة، وعندما يحين أجل وموعد رحيل الامام المهدي علیه السلام ، فان الامام الحسين علیه السلام  يتولى تجهيز وكفن ودفن الامام وبعده ينال مقام الخلافة والامامة في الأرض. وفي الحقيقة فان اخر قطرة دم أريقت في واقعة كربلاء المؤلمة تتحقق وأن نهضة الامام الحسين علیه السلام  في هذه الأثناء تثمر وتصل إلى نتيجتها النهائية.
إن أحد أهم أهداف أبي عبد الله الحسين علیه السلام  هو دفع وإزالة جميع العقبات التي تعترض بلوغ الانسان مقام النضج والنمو الكامل.
إن ائمة الكفر والشرك والنفاق، هم المصداق التام ل «الصد عن سبيل الله» والعائق الذي يحول دون نمو الانسان وظهور المواهب والكمالات وأن الامام بوصفه سبيل الله وباب الله، هو هادي وحامي خلق العالم للسير في مراتب الكمال، ويؤدي من خلال تدمير وإبادة جميع العوائق والحواجز إلى نمو جميع المخلوقات المنتشرة في عالم الإمكان، ولهذا السبب فان النادبين وأثناء قراءة دعاء الندبة يقولون:
أَيْنَ قاصِمُ شَوْكَةِ الْمُعْتَدينَ؟
أَيْنَ هادِمُ أَبْنِيَةِ الشِّرْكِ وَالنِّفاقِ؟
أَيْنَ مُبيدُ أَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ؟
أَيْنَ حاصِدُ فُرُوعِ الْغَيِّ وَالشِّقاقِ؟
أَيْنَ طامِسُ آثارِ الزَّيْغِ وَالْأَهْواءِ؟

واجب المؤمنين
إن كان مؤمن قد بلغ مراتب عليا من الوعي والمعرفة، ومع مشاهدته وملاحظته للحالات المذكورة سلفا، فانه يتابعها على الفور لكي يصل إلى تعريف عن ذاته والواجب الملقى على عاتقه لكي لا يتأخر عن هذه القافلة. وثمة أشعار جميلة للشاعر حافظ الشيرازي يقول فيها:
كل من يترك منزل ومقام المحبوب بانزعاج وملل    
فان عمله لن يسوى ولن يتقدم ولن تكون عاقبته محمودة
وأي قافلة تكون في كنف وحماية الله ورعايته    
فانها ستنزل بلا أدنى شك مقاما محمودا وتكتسب جلالا وعظمة
إن القافلة التي تحركت منذ فجر الخليقة، تتقدم منزلا بمنزل بحكمة خالق الكون وإرادة الله الحكيم إلى أن تصل إلى الوجهة المنشودة وبر الأمان رغم العقبات والعوائق التي يضعها الشيطان وأعوانه وانصاره في طريقها وبعد أن تتجاوز وتتخطى العقبات والتقلبات وتنهي الليل المظلم لتصل إلى فجر مشرق.
والنقطة المهمة والملفتة للإنتباه هي التوسل والتمسك بالساحة القدسية لائمة الدين علیهم السلام . وكل انسان مؤمن يجب ان يحضر ويستقر في محطة وموقف زمانه. وعندما مرت قافلة أهل الحق عبرمنزل وموقف وعهد النبي موسى علیه السلام  ووصلت إلى منزل وعهد النبي عيسى علیه السلام ، فان على المؤمن أن ينتبه إلى هذا المنزل وأن يتوسل بالساحة القدسية للحجة الحي والتمسك به للنجاة من الهلاك.
وإذا ما مرت القافلة عبر منزل وعهد النبي عيسى علیه السلام  ويتخلف الانسان المتدين الذي يغط في نوم الغفلة، ويراوح المعتكف في المنزل الذي تم تجاوزه، في مكانه، فانه رجعي. وحسبما يقول الشاعر حافظ الشيرازي:
إن القافلة قد رحلت وأنت تغط في نوع عميق والصحراء أمامك
فمتى تريد الذهاب، ومِن مَن تريد إسترشاد الطريق وماذا ستفعل؟

فهذا الامر ينطبق على جميع المؤمنين في كافة الأدوار والأزمنة.
إن ما قاله الرسول الأكرم صلی الله : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.»22 إشارة إلى ضرورة التعرف على إمام العصر والزمان ودرك الموقع والظروف التاريخية الخاصة التي يسير فيها المؤمن. ويتعين على المؤمن أن يعرف أين يقف وفي أي محطة هو مستقر وفي عصر أي إمام يعيش؟
إن واجب كل مؤمن يتناسب مع الظروف التاريخية الخاصة التي يمر بها وأن الامام الذي قدم واعتبر على أنه الحجة الحي في ذلك الزمان، يتغير.
وبلا شك فان واجب من كان يعيش في عهد وعصر الامام زين العابدين علیه السلام  أو الامام الهادي علیه السلام ، ليس القيام بنهضة، بينما واجب جميع المؤمنين في عصر وعهد أبي عبد الله الحسين علیه السلام  هو القيام بالسيف ومواكبة الامام بشكل تام وحتى ترك أعمال الحج في شهر ذي الحجة. وخلاصة القول، إن واجب المؤمن هو الاتصال بالامام الحي والتأسي به والإصغاء إلى أوامره ونواهيه. إن هذا التوسل والتمسك مصحوبا بمعرفة امام العصر والزمان، ينقذ الانسان من التعاسة والشقاء ويوصله إلى السعادة الأبدية.
إن من يقوم في عهد وعصر الامام المهدي علیه السلام  بتعريف مجمل وجوده وحياته وفقا للظروف التاريخية والمهمة الموكلة إلى الامام زين العابدين علیه السلام ، هو رجعي، فضلا عن أن كل قدرات وميراث الأنبياء والأوصياء الأقدمين يمكن أن تشكل مددا ومساعدة ودعما ورفدا للمرء في سلوك الطريق والدرب.
وجاء في رواية أن أحدهم سأل الامام الصادق علیه السلام  حول حديث المعرفة. ويقول السائل:
سألت الامام الصادق علیه السلام : إن كان شخص يعرف جميع الائمة لكنه لا يعرف امام زمانه فهل هو مؤمن؟ فقال الامام علیه السلام : «كلا.» و سألت ثانية، هل هو مسلم؟ فقال علیه السلام : «نعم.»23
إن الإهتمام والتوسل بالائمة والأنبياء والأوصياء الأقدمين، ضروري يشبه موقع قائد سيارة وهو يسير في طريق طويل ويجب عليه بالضرورة أن ينظر من خلال المرآة وينظر إلى الخلف لكنه يتطلع ويمشي نحو الأمام والمستقبل.
والمؤسف، أننا نقوم من علم أو دون علم، بانفاق جل همنا في تورق دفتر ذكريات الماضي ولا نهتم بالمستقبل، ونفوض الأخرين بناء صرح غدنا، ونبدو أحيانا كالمسنين من الرجال والنساء المنفعلين والعاجزين الذين يسيرون دائما في الماضي وينهشون مذكرات الماضي من دون النظر إلى المستقبل.
والغد يبنيه أناس يستندون إلى الماضي ومواريث الأقدمين، ويتذكرون الموقع والظروف الحالية وينظرون بذكاء ووعي إلى المستقبل.
ويبني غد المؤمنين أناس يعرفون عهد وعصر الامام الحي والحجة الحي لزمانهم ويربطون كل وجودهم وعيشهم به ويعرفون مهمته. وكم كثير من الناس الذين يعيشون في أيام الحداد والعزاء مع الذكريات المتبقية من تقاليد السابقين، لكنهم ولبناء ثقافة وحضارة اليوم والغد، يعولون على معماري وصانعي الثقافة والحضارة الاجنبية!
إن هذه الجماعة لا تنتفع أبدا من حكمة خلق الكون والخريطة الالهية العامة والسلسلة الطويلة لاوصياء نبي آخر الزمان وبالتالي تعاليم ذرية الوحي من أجل بناء الصرح الثقافي والحضاري.
إن التراث المتبقي من تعاليم عهد وعصر الماضي، يقوي ويعزز خطوات المؤمنين، ويؤازرهم في التحرك الصحيح واتخاذ الخطوات المتينة والصلبة ويزيح الستار عن الحقائق والمعاني الضخمة الكامنة في سيرة وسنة الأقدمين ويضع نموذجا للحياة المؤمنة، لكن بناء صرح الغد في المجال الثقافي والحضاري وتنظيم جميع التعاملات والعلاقات الفردية والجماعية رهن بتذكر مهمة ونشأة الحجة الحي لله وأن الغفلة عن كل هذا، يزعزع أساس حياة اليوم والغد ويزيل عنها كل الأمان والبقاء والدوام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس التحرير
إسماعیل شفیعی سروستانی

الهوامش:
1. سورة النجم، الآیتان 2 و 3.
2. سورة البقرة، الآیة 156.
3. سورة ص، الآیة 27.
4 سورة البقرة، الآیة 30.
5. سورة القصص، الآیة 5.
7. «أصول الکافی»، ترجمة کمرهای، ج 2، ص 71.
8. «بحار الأنوار»، ج 8، ص 66.
9. سورة الحمد، الآیة 5.
10. سورة الأعراف، الآیة 172.
11. «أصول الکافی»، ج 4، ص 29؛ «بصائرالدّرجات»، ص 90، اصدارات أعلمی، طهران، 1369.
12. سورة طه، الآیة 115.
13. سورة آل عمران، الآیة 54.
14. بحار الأنوار، ج 45، ص 112.
15. سورة الإسراء، الآیة 22.
16. «تفسیر نورالثقلین»، ج 4، ص 182.
17. سورة النازعات، الآیتان 6 و 7.
18. عبّاس عزیزی، «فضائل و سیرة الامام الحسین (ع) في کلام العظماء»، ص 69.
19. العلّامه المجلسی، «حقّ الیقین»، ج 2، ص 7.
20. دعاء الندبة.
21. سورة هود، الآیة 81.
22. «وسائل الشّیعه»، ج 16، ص 246.
23. «بحار الأنوار»، ج 23، ص 96، نقلا عن «کمال الدّین وإتمام النّعمه».

شاهد أيضاً

إمام العصر علیه السلام بانتظار شاب مكافح للظلم ومجدد ومناد بالعدالة

إن المهدوية منسجمة ومتناغمة مع روح الشاب، ومنسجمة ومتناغمة مع قلب الشاب، فقلب الشاب لا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.