المسيحيون المتصهينون (لمَ كل هذا الحديث عن آخر الزّمان؟!)

اسماعیل شفیعی سروستانی

لا حاجة اطلاقا للتعرف علي الآيات والروايات او مجمل الاخبار المتعلقة بآخر الزمان للاديان والامم او حتى الارقام والاحصاءات المتصلة بالاحداث والوقائع الجارية التي تطوق الحياة البشرية. وفي الحقيقة، ليس هناك ضرورة لكل هذه الشروط لمعرفة ان البشرية المعاصرة، تعيش في المرحلة الحالية، مرحلة آخر زمن من حقبة آخر الزمان.

 

المسيحيون المتصهينون
لِمَ كل هذا الحديث عن آخر الزّمان؟!
لا حاجة اطلاقا للتعرف علي الآيات والروايات او مجمل الاخبار المتعلقة بآخر الزمان للاديان والامم او حتى الارقام والاحصاءات المتصلة بالاحداث والوقائع الجارية التي تطوق الحياة البشرية. وفي الحقيقة، ليس هناك ضرورة لكل هذه الشروط لمعرفة ان البشرية المعاصرة، تعيش في المرحلة الحالية، مرحلة آخر زمن من حقبة آخر الزمان.
إن عموم الناس في العالم من اقصاه الى اقصاه، توصلوا على السجية والتجربة الموضوعية والحسية للاحداث والوقائع والمشاهدة الواسعة والمعمقة للابتلاءات وباشكال مختلفة الى ان الكون والعالم حبلى بتطورات كبرى، وان كل هذه الجلبة والضجيج والاهتياج في طول الكرة الارضية وعرضها وعلى امتداد الخليقة، هو حصيلة هذا الشئ . وربما لهذا السبب، كان هناك كل هذا الحديث خلال العقدين او الثلاثة الاخيرة واكثر من السنوات والقرون المنصرمة، حول آخر الزّمان وحادثة الظهور الشريف للمنقذ الموعود وعالم ما بعد الظهور.
وألفت كتب وتحركت اقلام ومالت افئدة الى هذا الامر. وربما يقول قائل، ان غزارة الازمات والهواجس المتزايدة التي تطال البشرية، لفتت كالاعاصير القديمة، الاذهان الى مغزى ومفهوم آخر الزمان؛ كما ان الانسان كان في الماضي وفي حقب زمنية معينة، يتذكر آخر الزّمان وظهور المنقذ عندما يتعرض للبلاء والابتلاء؛ الا ان الهجوم الواسع والمعمق لهذه الاحداث في كل نقاط العالم وبين الجميع (في الشرق والغرب)، وبهذه الدرجة من الشدة والحدة الحالية غير القابلة للتصور، هو مؤشر بحد ذاته على كون ان هذه القضيه تختلف عن الماضي. ولعل توزيع وتكررالحديث عن فتن آخر الزمان وضرورة حضور رجل قادر على انقاذ البشرية من كل هذه الكوارث، يشكل احد اسباب صحة ادراك عامة شعوب العالم لهذا الامر.
وفي الماضي، لم يكن مغزى ومفهوم الانتظار كما يُفهم الان، والشعور بضرورة وجود انسان متكامل للنهوض بابناء البشرية من الطبقات الدنيا الى المراتب العليا وانقاذهم من العسف والجور والظلمة، مشتركا بين ابناء البشرية كما هو الامر بالنسبة لتجربة الالم والمعاناة والزوال والفساد؛ وكما ان نداء النجدة والاستغاثة وأنين الضجر والسأم وقصص الفراق والهجران والطلب العام للوصول الى ايام النجاة، لم يشكل الفصل المشترك للبشرية، بقدر ما برز في هذا العصر والحقبة الزمنية بشكل غريب.
وهذا الشئ لا يقتصر على سكان “ايران” او حتى الشرق الاسلامي، بل ان اعلان الطلب العام يتم حسب الحالات التالية :
1-    الانتظار، نابع من ذات الانسان وقضية مشتركة بين جميع ابناء البشرية؛
2-    الشعور بضرورة وجود انسان متكامل للنهوض بالبشرية وانقاذها من براثن البلاء والابتلاء؛
3-    تشخيص وتجربة الظلم والظلمات التي تسود العالم المعاصر، ما يدعو الى المناداة بالعدالة والنور.
واضافة الى ذلك، فان ما يمكن ذكره كعوامل مؤثرة في توسيع الحديث عن آخر الزمان (لاسيما في عصرنا الحاضر)، هو كالاتي :
1-    اندلاع الازمة بكامل طاقتها في العالم المعاصر؛ ان البشرية، تعاني اليوم من ازمة. فهي تولد في ازمة، وتعيش في ازمة وترحل في ازمة، وهذه الازمة تظهر نفسها باوجه وصور مختلفة بما فيها:
أ ) الازمة الايديولوجية؛ ان وصول جميع الانظمة والايديولوجيات السياسية والاجتماعية التي تدعي ايصال الانسان الى مرحلة من العدالة والامن  والسلامة، الى طريق مسدود، يعد احد اشكال الازمات الجارية التي تجعل الانسان يعيش بروحه وجسده في كآبة.
إن هزيمة جميع الايديولوجيات التي اختبرت على مدى الاعوام الاربعمائة الاخيرة وفي العقد الاخير من القرن العشرين وانهيار الشيوعية، جعل البشرية تكون جاهزة لتقبل الهزيمة والمازق والازمة التي تشعلها الايديولوجيات، وربما لهذا السبب فان جملة الخليقة تقرأ من دون اي تفسير وشرح، هذا البيت من الشاعر الايراني الشهير حافظ الشيرازي من ان : المدينة خاوية على عروشها، عسى ان ياتي رجل ويفعل شيئا ما.
ب) الازمة الاخلاقية وأزمة الهوية؛ وهذه ازمة انسان لا يدري الى اين هو ذاهب وانسان ضال وتائه ومريض ومنهك ومبتلى، وهو كالقشة التي تضربها الامواج العاتية لهذه المفاسد والفجائع وتنقلها من هنا الى هناك على امتداد هذا البحر الهائج؛
وان تحلى امرء بشئ من الطاقة والأناة، فانه سيكتشف في العصر الحاضر، كل مصاديق المفاسد والكوارث التي حلت في العصور الغابرة بالبشرية وجعلتها تستحق العذاب السماوي. وأليس ان انسان العصر الحديث والمتطور، يقبل رسميا وقانونيا اثم لوط وعاد وثمود ويعتز به.
ج) الازمة الاقتصادية؛ ان انعدام العدالة والطمع والجشع هو وراء الحروب والنزاعات والمجاعة والفوارق الطبقية والخصام ومئات الوقائع الاخرى التي ليس تسببت بمئات بل الوف الحروب الاقليمية المدمرة فحسب بل مهدت اكثر من اي وقت مضى، لان يفلت الانسان من انسايته واخلاقه ويتدحرج في الاسفاف والابتذال؛
إن ابتلاء المجتمعات بالانظمة الراسمالية، اصاب الحياة الانسانية بالازمة التي سحقت تحت عجلات قسوتها وعنفها، كل العدالة والانسانية الاخلاق، بحيث ان اي قوة اصبحت غير قادرة على التحكم بهذه الازمة.
د) الازمة في الطبيعة؛ من يستطيع تجاهل التاثر المتبادل بين الطبيعة والانسان؟ ان ردات فعل الطبيعة  على الافعال العدوانية للانسان، تجلت اليوم على هيئة ازمات على صعيد الطبيعة. مثل الزلازل والفيضانات وتفشي الاوبئة والاعاصير والوف الوقائع الاخرى التي برزت في اكثر وجوهها المتازمة.
ولم تكن الازمات والتقلبات في الطبيعة كالسيول والزلازل والاعاصير و… في اي وقت من الاوقات بحجم العصر الذي نعيشه الان. ان اندلاع الازمات باشكالها المختلفة، لا يشكل السبب الوحيد لبسط الحديث عن آخر الزمان، بل ان عوامل واسباب اخرى، تقف وراء نشر هذا الموضوع واهتمام الانسان به.
2-     بدء الالفية الجديدة: ان تداخل القرن الحادي والعشرين مع الالفية الثالثة، أثار موجة من الحديث عن نهاية الزمان وقرب ظهور المنقذ الموعود لدى الاوساط الاجتماعية ووسائل الاعلام. وهذه الموجة دفعت بشعوب الغرب التي يعتنق معظمها المسيحية، الى تاليف الاف الكتب وانتاج مئات الافلام وتشكيل مئات الفرق والجمعيات.
إن الالفية لا تختص بهم، لان ثمة كلاما بين اليهود والمسلمين حول الالفية، لكن اتساع نطاق الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية في الغرب والايمان بالالفية لاسيما في آخر عقد من القرن العشرين، والتي جعلت البشرية مهيأة لاستقبال الالفية الجديدة، اثار موجة من الامل والانتظار للقاء المنقذ في نهاية الزمان. ولذلك فان هذا الاعتقاد اسهم في تنامي ونضج التيار الذي نطلق عليه اسم المسيحيين المتصهينين. التيار الذي القى بظلاله على مجمل الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية في الغرب، لاسيما اميركا وبريطانيا.
3-    نشوء التوجهات المعنوية والدينية: على الرغم من تصور الذين يعتبرون تفوق الحداثة والليبرالية الراسمالية، بمثابة نهاية اي توجه ديني، وان قبول العلمانية يحظى بعمومية وشمولية، ويعتبرون ظهور التكنولوجيا المتطورة للغاية، مؤشرا على الابتعاد عن اي رؤية اسطورية ودينية ومعنوية، الا ان ظهور آخر طور من الثقافة والحضارة الغربية والظلم الناتج عنها، ادى الى ان تعتبر البشرية بانها تمر بنهاية العصر ونهاية التاريخ وتقف على عتبة نهاية الزمن، وان تهيئ نفسها لكل القضايا التي وردت في المصادر الثقافية والدينية وبينت علاماتها قبل قرون بل الاف السنين.
وفي هذا الفصل من حياة الانسان بالتحديد، يبلغ الرجوع الى نبوءات الانبياء والقديسين حول نهاية الزمان، ذروته، وتشغل ملايين الصفحات المليئة بالمعطيات، ذهن ولسان الانسان، وتجعله جاهزا للعد العكسي اي 9،8،7،6،… لنهاية العصر ووصول موعد ظهور المنقذ الموعود.
4-    الطلب العام لتجاوز الوضع القائم: لا يجب تجاهل ان ظهور العديد من مصاديق التنبؤات والاخبار المتعلقة بآخر الزمان وعصر الظهور وبروز الطلب العام لتجاوز الوضع المتازم الحالي والنجاة من المازق والازمة، كان له دور في بسط وتوسع الكلام عن نهاية الزمان.
إن اتساع نطاق الكلام عن نهاية الزمان، كانت له ردات فعل مختلفة. ودفع المستضعفين والضعفاء الى التهيؤ للاستقبال والمستكبرين الى الجهوزية لمواجهة الفصل الجديد الذي كانت البشرية بانتظاره.
ولا يمكن الحكم بجزم على الغد. بل يجب الانتظار والاستعداد. ويجب تكريم العلامات واستقبال طلائع النجاة والفلاح والعدالة، عسى ان نكون جميعا من المنتظرين الحقيقيين، ان شاء الله.
یتبع إن شاء الله    
جـمیع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافی
لا یسمح باستخدام أی مادة بشكل تجاریّ دون أذن خطّیّ من ادارة الموقع
ولا یسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.

شاهد أيضاً

من بروتوكولات زعماء صهيون إلى انفلونزا الخنازير

ثمة رواية عن الامام على  بن موسى الرضا (ع) ما مضمونها انه : عندما يقدم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *