قبيلة الرحمة (الفصل الخامس: قاعدة الإستبدال )

إستنادا إلى جميع الآيات والروايات فان خلقة الكون ليست بلا هدف، وإن جميع الظواهر الجزئية والكلية تسير وتتحرك على مسار ذلك الهدف الكلي: “إنا لله وإنا إليه راجعون” وبما أن الإنسان زهرة وتاج الكون وبامتلاكه كافة الإمكانات المادية والمعنوية، يضطلع بدور رئيسي في تحقيق هذا الهدف الكلي في التاريخ، وهو في ذيل إشارة وحضور الأنبياء الإلهيين العظام، يتولى مهمة تنفيذ الأوامر الإلهية ويمهد لتحقيق الأهداف الإلهية العامة. لكن العاملين والسببين المهمين الداخلي والخارجي…

إستنادا إلى جميع الآيات والروايات فان خلقة الكون ليست بلا هدف، وإن جميع الظواهر الجزئية والكلية تسير وتتحرك على مسار ذلك الهدف الكلي: “إنا لله وإنا إليه راجعون” وبما أن الإنسان زهرة وتاج الكون وبامتلاكه كافة الإمكانات المادية والمعنوية، يضطلع بدور رئيسي في تحقيق هذا الهدف الكلي في التاريخ، وهو في ذيل إشارة وحضور الأنبياء الإلهيين العظام، يتولى مهمة تنفيذ الأوامر الإلهية ويمهد لتحقيق الأهداف الإلهية العامة. لكن العاملين والسببين المهمين الداخلي والخارجي، أحدهما الشيطان وجنوده من الخارج والنفس الأمارة من الداخل، يمنعان في عملية قرصنة، الإنسان المختار وصاحب العقل من التبعية التامة والطاعة الكاملة، ويؤديان إلى الإفساد في الأرض وإبطاء تحقق تلك الأهداف الإلهية المقدسة.
إن سُنة الإستبدال هي سُنة وقاعدة استبدال القوم الذين تأخروا لأي سبب كان بما في ذلك الغفلة والإستبداد عن التماشي والحركة على مسار السنن الإلهية والأوامر الوحيانية، وخرجوا من الساحة. لذلك فان الإستبدال بمثابة تغيير السلوك أو تغيير المهمة التي أعلنت سابقا بناء على مصالح ما، لكن ومع ظهور التغيير في مواقف القوم وسلوكياتهم، فان سلوك الله قد تغير أيضا، وأنيط تنفيذ المهمة من قوم إلى قوم آخرين. إن أسس التعامل مع الناس والقوم تعود إلى وفائهم وصمودهم وإلتزامهم بالمبادئ والقيم الوحيانية. ونقرأ في سورة التوبة، الآية 39:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ … إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
ويوبخ الله تعالى في هذه الآية، المؤمنين بسبب إعراضهم عن الجهاد ويتوعدهم إن تخلوا عن مؤازرة النبي (ص)، فانهم لا يضروه بشئ، بل يستبدلهم بقوم آخرين لن يعرضوا عن مؤازرة ودعم نبي الله والجهاد. وقد بين الله تعالى في آيات متعددة، سريان سنة الإستبدال وإحلال قوم محل آخرين ونقل مهمة قوم إلى قوم آخرين.
وتبين آية قانون الإستبدال، وجهين تربويين هما:
–    الوجه السلبي، أي معاقبة ومحاسبة المجتمع الذي يفقد إستحقاقه وجدراته ويتحول إلى مجتمع آخر؛
–    الوجه الإيجابي، أي تكريم المجتمع الذي يحل محل مجتمع آخر.
ويقول القرآن الكريم:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ”.
إن الإستبدال هو من السنن الإلهية الثابتة التي لا تغيير فيها والتي تحققت على امتداد التاريخ وفي مساحات ومواقع مختلفة، وستتحقق بعد الآن أيضا بشأن سائر الأمم والشعوب.
ويلفت القرآن انتباه المؤمنين إلى هذه السنة الثابتة ليعرفوا بان التكريم والمحاسبة قابلان للتغيير نسبة إلى أداء وعمل الأمم، وأن أي أمة لا تمنح مرتبة ومركزا إلى الأبد، مثلما أن بني اسرائيل افترضوا أن مجمل التكريم الإلهي ثابت ودائم بشأنهم رغم عدوانهم ونقضهم للحدود الإلهية واستكبارهم وتلوثهم وتدنسهم.
إن سنة الإستبدال هي سنة معقولة ومشروعة ومقبولة من لدن فطرة الانسان وهي تسري وتجري في الحياة وفي كل عصر وزمان، وأي أمير وزعيم عندما يرى في وقت المجاهدة والقتال جنديا وحتى قائدا يتكاسل ويتباطأ في القتال، ويراه بانه غير جدير لإنجاز المهمة، فانه سينحيه بعد تنبيهه وحتى محاسبته، ويعين قائدا آخر محله، وقد يوبخ القائد السابق أو يدينه بالخيانة ويحكم عليه بالسجن أو النفي أو الموت.
إن حكمة الخلقة والخارطة الإلهية العامة، جيدة ونبيلة للغاية وإن خلق مجمل السماء والأرضين وبعث الأنبياء وإنزال الكتب جاء بسبب ذلك. لذلك لا يمكن القبول بان تترك وتزول كل هذه المقدمات الضخمة، على اثر تكاسيل وتماهل وخيانة وتلوث قوم ما. إن إبليس وجنوده اللعينين، يركزون جل سعيهم لوضع العراقيل على طريق تحقق هذه الخارطة الإلهية.
إن خداع أبناء آدم وإلهائهم بالدنيا وبسط الفساد في الأرض وبين البشر و… تأتي كلها في سبيل عرقلة تطبيق هذه الخارطة.
إن كل الشعوب والأمم والأديان التوحيدية وتراتيبية بعثة الأنبياء الإلهيين العظام، تعد بمثابة سلم عال يعمل من خلاله الأنبياء خطوة خطوة لإيصال الانسان إلى مرتبة ودرجة إكمال الدين وتحقق الملك الإلهي العظيم في عصر الظهور الأكبر لولي العصر والزمان (عج). اليوم الذي تزول فيه قدم ابليس وجنود ابليس ومجمل رذائل ابليس عن ساحة حياة جسم الانسان وروحه وجغرافيا الأرض. إن شاء الله.
إن ما جرى لبني اسرائيل، يميط اللثام على الأرجح عن ثلاثة شروط لوقوع سُنة التبديل والتغيير والإحلال.

أ‌)    طرد الخليفة الحق للرسول
وقال الله سبحانه وتعالى:
“وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”.
وفي آية أخرى يقول الله تعالى على لسان موسى (ع):
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ”.
ب‌)    القصور في الجهاد
يقول الله تبارك وتعالى:
“وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ”
ج) الإبتعاد عن القيم الإلهية
يقول الله عز وجل:
“وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ”.

عقوبة الإستبدال في قوم موسى (ع)
يقول الله سبحانه وتعالى في حكاية عن النبي موسى (ع):
“قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ”.
إن الإنفصام عن حجة الله الحيّ، بمثابة الإنفلات في صحراء الأرض المليئة بالبلايا. وخروج عن الجادة الإلهية وطائفة صبغة الله والسقوط في جادة  الغضب الإلهي والإستقرار في طائفة لعنة الله.
ولا هم ولا غم لحجة الله والمؤمنين الحقيقيين، لانهم سيكونون في الإتصال بالله في الحلقة الحمائية لله ورعايته. بحيث أن بني اسرائيل وقبل الإنفصام عن موسى (ع)، عبروا البحر وتمتعوا بالمائدة السماوية وتحول كل خوفهم إلى أمن.
إن الإستبدال هو سُنة ثابتة، قد يقع في كل زمان وبين كل قوم. وكل قوم وطائفة تقوم لها قائمة في الإلتزام العملي بالجهاد ومواكبة الوليّ المنصب من قبل حضرة الحق والتمسك باصول الدين والشريعة الإلهية، وعلى العكس، فان الآخر سيسقط في براثن الحضيض والذلة. إن هؤلاء القوم، سيشهدون تسامي ورفعة القوم البديل والصالح.
وقد بين “مثنوي مولوي” بشكل شاعري، قصة ابتلاء قوم بني اسرائيل وتركهم الأدب، وتحدث عن كيفية إنعدام التوفيق:
أطلب من الله توفيق الأدب                         فقد حرم قليل الأدب من لطف الله
إن قليل الأدب يضر بنفسه فحسب                 وينشر لهيب النار في كل مكان
تصل مائدة من السماء                              من دون بيع وشراء وقيل وقال
وكان عدد من بين قوم موسى                      قليلي الأدب وقالوا أين الثوم والعدس
فانقطعت المائدة والرغيف عن السماء             وبقيت معاناة الزراعة والمسحاة والمنجل
وبما إن عيسى شفع لدى الحق                     فارسل المائدة والغنيمة على الطبق
لكن الطائشين تخلوا عن الأدب                    فالتقطوا كالمتسولين بعض النباتات
وصرخ عيسى وقال أن                            هذه دائمة ولا تنقص من الأرض
إن التشاؤم والطمع والنهم                         هو كفر عند الجلوس على مائدة العظام
وأمام هؤلاء الطامعين                             أغلق باب الرحمة
وانقطعت الغيوم والمطر عقب منع الزكاة                 ووقع الوباء بسبب الزنا
وكل ما حل لك من الظلمات والغم                         فهو ناتج عن التهور والطيش
وكل من يمارس الطيش في التعامل مع الصديق          فقد أصبح سارق الفتوة وهو جبان
من الأدب ينتشر النور في هذا الفلك                       ومن الأدب يصبح الملك معصوما وطاهرا
وقد أورد القرآن، تنبؤا خارقا بشأن إستبدال طائفة من المسلمين محل طائفة اخرى. وقد ساعدت روايات المعصومين على تفسير وتأويل هذا الإستبدال.
ويشير الله تعالى في الآية الكريمة:”إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا”  إلى سُنة الإستبدال. وفي تلك الحالة ربت النبي الأكرم (ص) على ظهر سلمان الفارسي وقال: إن هؤلاء هم العجم وقوم سلمان.
وقد نقل المفسرون من أهل السنة هذه الرواية.  ويتحدث الله تعالى في الآية 38 من “سورة محمد” بصراحة عن سُنة إستبدال قوم باخرين ويقول:
“هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”.
وجاء في “مجمع البيان” نقلا عن الإمام الصادق (ع) في هذا الخصوص:
“إن تَتولوا يا مَعْشر العَرَب‏ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ يَعني المَوالي”.
كما ورد بانه قال:
“… والله أبْدِل بِهِم خَيْرا مِنْهُم”.
إن “سورة محمد” هي “سورة الجهاد”، فتبدأ من مسألة الجهاد وتنتهي بمسألة الجهاد.
ويتوجه الله سبحانه وتعالى في الآية 54 من سورة المائدة، إلى المؤمنين فيذكرّ بهذه السنة والإستبدال ويقول:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”.
وعلى الرغم من أن بني اسرائيل شهدوا بعد سنوات  متمادية من خروجهم من “مصر” معجرات وألطاف إلهية، وتمتعوا بها الواحدة تلو الأخرى، لكنهم كانوا يظنون أن كل هذا قد أعطي لهم من دون أي شروط، وأن النعمة ستكون سارية دائما إن أدوا واجباتهم، لذلك فانهم أصيبوا بمكر الله، وذاقوا فجأة طعم نكثهم العهد والتكاسل والإعراض عن الجهاد وتأدية الواجبات، ونزلوا من عرش العزة إلى فرش الذلة. وابتلوا بحكام جائرين ولاهثين وراء السلطة مثل نبوخذنصر، وتحملوا معاناة التشرد وأصبحوا يحملون لقب اليهودي التائه الشهير.
ويقول الله تعالى في سورتي “محمد” و “المائدة” أن أحد أسباب هذا الإستبدال يتمثل في التكاسل في الجهاد في سبيل الله، ويقدم القوم البدلاء على أنهم مجاهدون أشداء وأقوياء، لا يخافون اللوم، ويحبون الله ويحبهم الله.
“إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ”.
إن أحد أسباب حرمان الأقوام السابقين من نعمة الله وألطافه الدائمة، هو أنهم أصبحوا في وضع جعلهم يعانون من الحرمان من نعمات الله، وإلا فان الله تعالى لا يحرم شاكري النعمة من امتلاك النعمة، وعلى العكس فانه يزيدها، بحيث قال سبحانه وتعالى:
“لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ”.
وبعد هذه الآية بالضبط من سورة ابراهيم، يقول الله على لسان موسى (ع) متوجها إلى قومه:
“وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ* أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ”.
إن كلا من الأنبياء العظام الإلهيين كان يحمل رسالة ومهمة، كان جزء من الخارطة الإلهية العامة ليتحقق إن انجزت تلك المهمة مع قوم ذلك النبي وكانت لتصل سفينة سكان الأرض إلى بر الأمان.
وقد جعل الله تعالى، تنفيذ هذه الخارطة الإلهية وفي ظل هداية “كتاب الله” ومواكبة رسول الله (ص) واللذان يحظيان ب”صبغة الله”، وحسب السنة الإلهية الثابتة، رهن بمواكبة وتماشي الأمم إختياريا، وإلا فانه ليس من الصعب عليه إن أراد، أن يحقق “خارطتة العامة” حول الكون والأرض وسكانها، في لحظة وعلى يد هؤلاء الأنبياء الإلهيين العظام وحتى على يد ملك مختار.
وقد جعلت الأرض ساحة وميدانا للإبتلاء والإمتحان وذلك لتمييز الصالحين عن الطالحين، والأوفياء عن الخائنين والشهمين عن الغدرة.
والمؤسف أن الجفاء الذي مارسه قوم موسى (ع) باستمرار، أعاق تنفيذ مهمة ذلك النبي العظيم بصورة تامة، وبعد النبي موسى (ع)، لجأ قوم بني اسرائيل مرة أخرى إلى الضياع والفساد في الأرض، إلى أن استبدلهم الله وفقا لقاعدة الإستبدال بقوم آخرين، وتركهم يتخبطون بالألم والتعب والتيه، لكي يكونوا في اللعنة الدائمة، مصداقا كاملا لتيار لعنة الله.
“وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”.
وتعود جذور كفر وعصيان بني اسرائيل وحسبما يقول الإمام الصادق (ع) إلى الحرص على الدنيا والتكبر والحسد.
وحسبما يقول الإمام الصادق (ع) فان جذور وأسس الكفر والعصيان تتمثل بثلاثة: الحرص والتكبر والحسد، اذ أن الحرص أدى إلى أن يأكل آدم من الشجرة الممنوعة وأدى التكبر إلى إن يعصي ابليس أمر الله وأدى الحسد إلى أن يقتل أحد أبناء آدم الآخر.
“قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ”
وحسبما اقترفت الأمم السابقة وجربت تقهقرها، فان ثمة أربعة عوامل، مثل: إغضاب الأولياء الإلهيين، والتماهل في الجهاد، والقصور في العمل والجحود بعد تجربة النعم، تعد من العوامل التي تؤثر على تحقق قاعدة وسُنة الإستبدال. عسى أن تتعظ كافة الأمم.
وقد بقي النبي موسى (ع) وحيدا ومن دون مؤازر وداعم على أبواب “بيت المقدس” إلى أن رحل وأصيب بني اسرائيل بالتيه والضياع.
“قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ”.

  1. سورة المائدة (5)، الآية 54
  2. سورة الأعراف (7)، الآية 150
  3. سورة الصف (61)، الآية 5
  4. سورة المائدة (5)، الآيتان 20 و 21
  5. سورة الأعراف (7)، الآية 148
  6. سورة المائدة (5)، الآيتان 25 و 26
  7. سورة النساء (4)، الآية 133
  8. “التبيان”، ج 3، ص 253؛ “مجمع البيان”، ج 3، ص 781
  9. “تفسير ماوروي”، ج 1، ص 435
  10. “مجمع البيان”، ج 9، ص 461؛ “نور الثقلين”، ج 5، ص 64
  11. سورة الصف (61)، الآية 4
  12. سورة ابراهيم (14)، الآية 7
  13. المصدر السابق، الآيتان 8 و 9
  14. سورة الأعراف (7)، الآية 150
  15. المصدر السابق، الآيتان 151 و 152
  16. سورة المائدة (5)، الآية 26

 

شاهد أيضاً

قبيلة الرحمة (الفصل الثاني: قبيلة صبغة الله)

إسماعیل شفیعی سروستانیوبعد أن يثني الإمام المعصوم (ع) على الله ويحمده في “دعاء الندبة الشريف” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.