قبيلة الرحمة (الفصل الرابع: التاريخ المنسي)

اسماعیل شفیعی سروستانی
إن التذكير ب “التاريخ المُغْفَل والمنسي” في هذا المقتطف من “دعاء الندبة” هو تذكير بالشجرة المباركة لإبراهيم وآل إبراهيم (ع) أي محمد وآل محمد (ص). إن بداية ولادة وتأسيس الاسلام في “الحجاز” وصحن “المسجد الحرام” وظهور إمامة سلسلة الصالحين، نبعت من هذه الشجرة التي تنتشر على امتداد التاريخ وكل الأزمنة والأمكنة.


الفصل الرابع: التاريخ المنسي
إن التذكير ب “التاريخ المُغْفَل والمنسي” في هذا المقتطف من “دعاء الندبة” هو تذكير بالشجرة المباركة لإبراهيم وآل إبراهيم (ع) أي محمد وآل محمد (ص). إن بداية ولادة وتأسيس الاسلام في “الحجاز” وصحن “المسجد الحرام” وظهور إمامة سلسلة الصالحين، نبعت من هذه الشجرة التي تنتشر على امتداد التاريخ وكل الأزمنة والأمكنة.
“وَبَعْضٌ اتَّخَذْتَهُ لِنَفْسِكَ خَليلاً”؛
وقد ظهر النبي إبراهيم (ع) خليل الرحمن في منطعف آخر من تاريخ سيره وسفره في الأرض في قبيلة المستضعفين، ليحرر المستضعفين بعد تحطيم بأس الملائين والمترفين والغطرسة والتكبر وعبادة الطواغيت للأوثان.
وهذه المرة، إلتأم المستكبرون وأضرموا نارا كبيرة في مسعى لشطب المستضعفين. وكان خليل الله العنوان والامتياز الخاص لهذا النبي المكرم. وقال الله تعالى في وصفه:
“‏‏وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً”؛
ويقول الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) في رواية حول عنوان الخليل الذي اختير لهذا النبي الكريم:
“إنما اتخذ الله إبراهيم خليلاً؛ لأنه لم يرد أحداً ولم يسأل أحداً قط غير الله تعالى”؛ 
إن عهد إبراهيم (ع) يعد منعطفا مهما في سير وسفر الانسان في الأرض وحضور المستضعفين.  وفي هذا العهد، هناك المجاهدات الكبرى لهذا النبي المكرم ضد المستكبرين والملائين والمترفين، فضلا عن تفرع فرعين مهمين من شجرة وجوده؛ بني إسرائيل وبني إسماعيل. وقد جهز المستكبرون أنفسهم في حلة جديدة وأصبحوا منظمين ومجربين ومسلحين تماما ليقفوا بوجه بني اسماعيل أي المستضعفين لحذفهم وبالتالي فرض هيمنتهم وسيادتهم في إطار نظام سياسي واقتصادي واجتماعي.

بداية إمامة الصالحين
وبعد تذكيره بعهد نوح (ع) ومصير القوم العاصين والجاحدين، يذكرّ الإمام الصادق (ع) في “دعاء الندبة” بالمنعطف الثالث في تاريخ طائفة وقبيلة صبغة الله، أي عهد إبراهيم، خليل الرحمن (ع). ومن وجهة نظر أهل المعرفة والرؤية العرفانية، فان الكون وجملة مخلوقات الله، هي مكان ظهور أسماء وصفات حضرة الحق تعالى. وفي عالم الكون وبمراتب تفكيكية، يأخذ كل مظهر، تقدمه وتأخره من تقدم وتأخر الإسم الذي هو مظهره. لذلك فان أيا من المراتب، لا تتمتع بوحدها بجميع صفات الحق تعالى، بل أن كل مرتبة من مراتب الكون المتعددة، مؤشر وآية إلهية أو اسم من أسماء حضرة الحق تعالى.
إن الإسم الجامع والشامل لجميع الأسماء والصفات، هو إسم الله الشريف جل وعلا. إن هذا الإسم الأعظم شأنه شأن سائر الأسماء، بحاجة إلى مظهر، وهذا المظهر يجب أن يحيط بجميع المظاهر من حيث وسعة الوجود. إن الحقيقة المحمدية (ص) المقدسة هي مظهر جامع لاسم الله؛ وكما أن اسم الله الشريف مقدم على جميع الأسماء في الحقيقة والمرتبة ويتجلى على جميع الأسماء، فان مظهر هذا الإسم الجامع وهو الانسان المحمدي المتكامل، مقدم على جميع المظاهر الإلهية الأخرى ويمكن أن يكون مرآة الحق.
إن أيا من الأنبياء لا يتمتع بهذا المنصب، لانهم وإن كانوا مظهرا لتجليات الأسماء والصفات، لكن مقام النبي الخاتم، هو مقام الولاية المطلقة التي تحيط بجميع الأشياء.
إن الإنسان المحمدي (ص) المتكامل، هو مرآة تعكس جميع الأسماء الحسنى والصفات السامية.
ومن بين الكتب السماوية ما قبل القرآن، فان كتابين يحظيان بتفوق أكثر، وهما “التوراة” و “الإنجيل”. بديهي أن هذين الكتابين السماويين، لا يماثلان أحدهما الآخر ويملكان تباينات وأوجه اختلاف مع بعضهما البعض، لانه بغير ذلك كان واحدا منهما يكفي الآخر. وحسب مقامات النبي موسى (ع)، فان التوراة كان مظهرا ظاهر واهتم بالعوالم الظاهرية والجسمانية أكثر، وفي المقابل وبمقتضى مقام النبي عيسى (ع)، فان “الإنجيل” هو مظهر الباطن ويهتم أكثر بالعوالم الباطنية والروحانية، لكن وتناسبا مع شمولية وجامعية مقام الرسول الخاتم (ص) فان “القرآن” هو جامع الكمالات الظاهرة والباطنة، ويهتم بكلا العالمين الظاهر والباطن كما يجب، ويتولى شؤون الدنيا والآخرة معا.
وبناء على ذلك، فان القرآن هو أكمل الكتب وشرائعها وأشرف الشرائع ويضم جميع الكلمات الوجودية، ولذلك عبر عنه ب”جوامع الكلم” . لسبب أن القرآن يحظى بجميع المراتب الكمالية، وبعبارة أخرى، فان خلاصة الكتب الإلهية للأنبياء، نزلت على قلب خاتم الأنبياء (ص).
ولا يخفى على أحد بان الله تعالى، اختار وبعث مائة وأربعة وعشرين ألف نبي لهداية عباده، لكن من بين كل هؤلاء، أشير إلى وقت وعهد أنبياء خاصين، بوصفهم منعطفا هاما في تاريخ البشرية، وأن الأدعية والزيارات تؤكد خلال تعليم أنصار دين الخاتم وعرض المعرفة الثقافية، بوجه خاص على هذا المنعطف وتتحدث بشأنه.
وربما يمكن القول، بان كلا من هذه المنعطفات تؤشر على مرحلة خاصة من السير الإكمالي للدين ونمو السعة الوجودية للبشيرية لتلقي الرسالة السماوية. المراحل التي تمضي قدما حتى تجربة الدين العالمي والكتاب المتكامل والنبي العالمي وقافلة وطائفة “صبغة الله” النورانية. لذلك فان كل نبي يرث الأنبياء السابقين وينقل كل المواريث إلى الأنبياء والأولياء ما بعده، في حين أن كلا منهم كان مكان ومظهر أحد الأسماء الخاصة لله تعالى. 
فاليهود، وزعما ببقاء دين موسى (ع) في فرع بني اسرائيل، وفي تحريف سافر، قدموا إسحاق (ع) على أنه ذبيح الله وأصروا على ذلك، في حين أن  غصن الإمامة والخلاقة الدائمة انبثق من شجرة ابراهيم وآل ابراهيم (ع) الطيبة، ومن نسل اسماعيل (ع) (ذبيح الله) ومن ثم أثمر.
إن بني اسرائيل ورغم علمهم بقصر غصن الأنبياء من بني اسرائيل، وانتهائه بعهد نبوة ورسالة النبي عيسى (ع)، أبدوا من منطلق الحسد، حقدا تجاه إسماعيل وآل محمد (ص) من نسل اسماعيل. ويقول الله تعالى في القرآن الكريم:
“أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا”؛
إن هذا الحسد كان تكرارا لغبطة النبي آدم (ع)، لمقام محمد وآل محمد (ص)، اذ اقترب ادم من الشجرة الممنوعة تحت إيحاءات ووساوس ابليس، رغم نهي الله له بعدم الإقتراب منها، وأصبح بالتالي جاهزا ومستحقا للإبتعاد عن جنة الحضور والهبوط إلى عرش الأرض. وفي منعطف آخر، إنخدع بنو اسرائيل وحسدوا بني اسماعيل (محمد وآل محمد (ص)). إن هذا الفعل جعلهم بلاشك جاهزين ويستحقون الإبتعاد عن المقام والمنزلة التي منحها الله إياهم.
وهذه الوساوس الشيطانية أثرت على قابيل، عندما اطلع على مقام وصاية وخلافة هابيل بعد ادم (ع)، وهم بقتله.
وإستنادا إلى الآيات والروايات الكثيرة، فان إمامة ونبوة محمد وآل محمد (ص)، أرسيت وبنيت على الهيكلية الصلبة لإبراهيم خليل الرحمن (ع).
ويشير القرآن الكريم في سبعة مواضع إلى الشجرة المباركة. ويقول الله تعالى في الآية 35 من سورة النور:
“اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”.
وفسرت الشجرة المباركة لا شرقية ولا غربية، في الكثير من الروايات، بشجرة آل إبراهيم (ع) المباركة.
ونقل جابر عن الإمام محمد الباقر (ع) عن رسول الله (ص) ما مضمونه أن ابراهيم (ع) هو أصل وجذور الشجرة المباركة. 
ونقل ابن مردوية عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) أن المراد من الشجرة الطيبة، هو قلب ابراهيم (ع).
وجاء في كتب الأدعية حول هذه الشجرة المباركة: أنه عندما يزور إمام العصر والزمان (عج)، الإمام علي (ع)، يقول:
“السلام على الشجرة النبوية والدوحة الهاشمية”.
ويقول الإمام السجاد (ع) في الأعمال المشتركة لشهر شعبان، أقراوا كل يوم هكذا:
“اللهم صل على محمد وآل محمد شجرة النبوة وموضع الرسالة”.
وجاء في “دعاء الندبة”:
“وقال رسول الله (ص): ” أنا وعليّ مِن شَجرة واحِدة وسائر الناس مِن شَجَر شَتى”.
وعلى أي حال فان الروايات المتعلقة بشجرة إبراهيم، جاءت في تفسير “نور الثقلين” في ذيل الآية. لذلك ونظرا إلى الروايات والأدعية والزيارات المذكورة آنفا، فان جذور دين المسلمين، تعود إلى إبراهيم وأن محمدا وآل محمد (ص) هم إدامة هذه الشجرة.
ونقل صالح بن سهل الهمداني عن الإمام الصادق (ع)، قال أن الله يقصد بالشجرة المباركة، شجرة إبراهيم خليل الله. 
ويصل نسب اليهود من حيث الأجداد إلى النبي إسحاق (ع) الإبن الأصغر للنبي إبراهيم (ع)، وبما أن عددا كبيرا من أولاد إسحاق (48 شخصا) كانوا أنبياء، فان اليهود كانوا يؤمنون بان النبوة والإمامة لم تستمر في الإبن الآخر للنبي ابراهيم (ع) أي إسماعيل (ع)، وأن اليهود وحدهم الذين يرثون نبوة إبراهيم (ع)، لكنه وحسب الوعد الإلهي، فان وعد “الملك العظيم” كان قد أعطي لأبناء اسماعيل (ع) وآل محمد (ص)، بحيث أن النبي إبراهيم (ع) كان قد أرسى دعائم الدين العالمي للشجرة المباركة لآل إبراهيم (ع) ومحمد وآل محمد (ص)، من خلال نقل اسماعيل إلى أرض الحجاز وتنفيذ مراسم القربان في “صحراء منى” وبناء “بيت الله” في المسجد الحرام.
وحسبما ينقل ربان بن صلت عن الإمام الرضا (ع) فان السبب الرئيسي لمناصبة اليهود العداء للإسلام هو الحسد.
وقد بذل اليهود قصارى جهدهم لتحديد زمان ومكان ولادة وظهور الرسول الموعود ونبي آخر الزمان، وبما أنهم كانوا ملمين بالعلوم الغريبة (التنجيم والجفر و…)، كانوا يظنون أن بوسعهم العثور عليه وقتله.
وقال علي بن ابراهيم الحي بن أخطب اليهودي:
إن النبي الذي كنا ننتظره، كنا نظن أنه من بني اسرائيل، لكنه اتضح الآن بانه من بني إسماعيل. لن نستسلم له أبدا، لان بني إسرائيل يتفوقون على العالم باسره حتى على بني اسماعيل.
وينقل تفسير “نور الثقلين”، ج 1، صص 491 إلى 493، ست روايات تنص على أن مشكلة أعداء أهل البيت، تمثلت في الحسد والبخل ومن أنه لماذا يجب أن يرث آل محمد علوم الأنبياء، لكن بني اسرائيل وبني أمية وبني العباس لا يرثون ذلك.
وفي الجزء الأول من “نور الثقلين” ص 92 نقل عن الإمام الباقر (ع)، أن اليهود السذج والبسطاء كانوا يقرأون في توراتهم، أوصاف الرسول الخاتم (ص)، لكن الجماعة اليهودية الحسودة والمعاندة والمستكبرة، كانت تمنعهم من ذلك”.
وينقل في الصفحة نفسها عن “الإحتجاج” بان الإمام الحسن العسكري (ع) قال ما مضمونه أن المجموعة من اليهود التي كانت تمارس العناد، كانت تكتب أوصافا لرسول آخر الزمان وكانت توحي لعوامها بان رسول آخر الزمان، يحمل هكذا أوصاف، وهذه الأوصاف كانت على العكس من الأوصاف التي وردت في “التوراة” وكانوا يضيفون بان الرسول الخاتم والمنتظر الموعود سيبعث بعد 500 عام آخر! إن اليهود الحسودين والمعاندين أرادوا من ذلك الحفاظ على زعامتهم على عوامهم، ومع حفظ هذه الرئاسة  على عوام اليهود، الإمتناع عن الإنفاق الذي أمر به رسول الله (ص)”. 
ويؤكد عامة العلماء والمصادر الروائية لأهل السنة على موضوع حسد اليهود تجاه النبي الأكرم (ص) وأهل بيته المكرمين.
وكما أسلفنا، فان خليل الرحمن (ع)، أرسى في حياته وبامر من الله، أسس صرح الإسلام وقيام غصن بني إسماعيل من هيكل الشجرة المباركة، وعمل من خلال ترك بصمات بارزة بما فيها تجديد بناء “الكعبة” وتنفيذ مراسم القربان، على تذكير الجميع بالخارطة الإلهية العامة وبعثة نبي آخر الزمان (ص) وأهل بيته.
إن دفن النبي إسماعيل (ع) في صحن “المسجد الحرام” وفي “حجر اسماعيل” مؤشر آخر على هذا الإدعاء. لذلك يمكن إعتبار أن النبي إبراهيم خليل الرحمن (ع) هو مؤسس الإسلام، ويمكن إعتبار عهد ابراهيم (ع) بداية تاريخ ولادة الاسلام. وجاء في مصادر أهل السنة:
ونقل العرباص بن سارية عن رسول الله (ص) ما مضمونه أنه عندما كان آدم (ع) طينا، كنت أسمى في أم الكتاب، خاتم النبيين، وأقولها بصراحة متى بدأ تاريخي، إني أخبركم بان أول لحظة من تاريخي كانت اللحظة التي طلبني فيها ابراهيم الخليل من الله.
وفي المصادر الشيعية، ينقل علي بن ابراهيم أن رسول الله (ص) قال إنه نتيجة دعوة ابراهيم.
وقال رسول الله (ص) لكل نبي إمام من الأنبياء السابقين وإمامي أبي إبراهيم.
ويأتي كلام رسول الله (ص) نتيجة دعوة وطلب إبراهيم (ع):
“رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ”.
وثمة آيات كثيرة تؤكد ذلك. ويبين القرآن الكريم، الكثير من أوصاف النبي ابراهيم (ع)، بما في ذلك أنه كان على صراط مستقيم وعبدا مطيعا ورائد التوحيد.
“ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ”.
ويقدم الله تعالى، هذا النبي العظيم على أنه أسوة حسنة وقدوة للآخرين ويقول:
“وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا”.
إن اليهود وعلى الرغم من إنتسابهم إلى إبراهيم خليل الرحمن عن طريق النبي إسحاق (ع)، لم يكونوا أنصارا وأتباعا صادقين للنبي ابراهيم (ع)، بل تمردوا وعصوا رسالته ودينه، ومارسوا الظلم وانتهكوا حدود الله، وخرجوا من دين أجدادهم.
وجاء في الآية 68 من سورة “آل عمران”:
“إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ”.
لذلك فان النبي الأكرم (ص) والمسلمين وأتباع آل محمد (ص) يعدون من أخلص أفراد وأنصار ابراهيم (ع) من خلال إعتماد أهداف ابراهيم خليل الرحمن.
ويقول الإمام علي (ع) ما مضمونه إن أجدر الناس بالأنبياء هم الذين أعلم باوامرهم. ومن ثم تلا الآية 68 من سورة آل عمران.
إن النبي ابراهيم (ع) ودينه الحنيف، هو افتتاح الاسلام والدين العالمي والمتكامل لنبي آخر الزمان، والذي يؤدي إلى تأسيس الحكم التوحيدي العالمي على يد آخر وصيه، ويزول بذلك وإلى الأبد ظلم وجور اليهود الشموليين.
ويقول أحد كبار اليهود في العصر الحاضر وهو واحد من الحاخامات الصهاينة الشهيرين:
“إن الحديث عن ماضي وتاريخ فلسطين، لا يشكل السبيل الوحيد لتبرير الزمن الحاضر والعمل الحالي في هذه المنطقة، بل هو الحديث عن نهاية التاريخ ونهاية العالم”.
إن الحديث عن بني إسرائيل وتحريف المصادر والأحداث التاريخية، معطوف على تاريخ الغد وتأسيس الحكم الكوني والدين العالمي. لذلك فان هؤلاء يركزون جل همتهم على قمع المستضعفين والهيمنة على العالم وتقتيل المسلمين المحقين من أحفاد إبراهيم (ع).
وبهذه المقدمة الطويلة، تتضح إلى حد ما، أهمية التذكرّ والدعاء حول هذا المنعطف التاريخي المهم أي بعثة إبراهيم خليل الرحمن.
“وَبَعْضٌ كَلَّمْتَهُ مِنْ شَجَـرَةٍ تَكْليماً وَجَعَلْتَ لَهُ مِنْ اَخيهِ رِدْءاً وَوَزيراً؛
لقد كان النبي موسى (ع) عمودا متينا على طريق ومسار “صبغة الله”، لكي لا يزول نهج المستضعفين في وقت غلبة وهجوم جماعة “لعنة الله”.
إن تبيان قصة وحكاية القوم والشعوب وما حل بالأنبياء الإلهيين، ينطوي في حد ذاته على ذكر شريف عسى أن يتذكر الناس وينبذوا عنهم الإستكبار ويلتحقوا بقبيلة المؤمنين ويتخلصوا من الضلال.
إن تبيان هذه الأحداث يتضمن في حد ذاته، الخارطة الإلهية العامة وخط مسار أهل الحق وصبغة الله، بل يوفر إمكانية إظهار السنن الإلهية واتعاظ الناس.
إن السنن الإلهية هي قواعد ثابتة تتاح لها في أي لحظة وأي مكان، إمكانية الظهور، وتتصرف بشكل أدق من القوانين الفيزيائية السارية في العناصر المادية المحيطة بنا.
وإذا ما أمتنع قوم عن قبول أحكام الله واتباع أوليائه، فانهم سيدفون كفرعون الملعون في لج البحر برغم كل ما يملكونه من مال وجبروت ومكنة وجيوش وسينالون في هذا العالم والعالم الآخر عقاب وجزاء ما اقترفوا من نكث عهد وظلم مارسوه ضد المستضعفين.
لقد حدد المؤمنون جميع القوانين المادية والفيزيائية التي تحكم الظواهر المادية ويكرمونها وذلك على اثر الغفلة والحجب التي تغطي قلوب وعيون البشرية، لكنه ورغم كل الوضوح لا تدرك البشرية الزوال الذي يعترض قلوب المستكبرين ونبذ حقيقة الكون في السير الإكمالي للعالم والذي جعله يمتلئ بالظلام والظلم والضلال.
إن أكبر ذنب لبني اسرائيل، هو نكثهم العهد والإصرار على الذنب والتمرد على أوامر ونواهي النبي موسى كليم الله (ع)، وقتل الأنبياء الإلهيين وحب الدنيا. إن هذه الصفات الرذيلة قللت حسب السنة الإلهية من شأن ومقام بني اسرائيل لتحقيق أحد أكبر البرنامج الإلهية.
ومن أبناء وفرع إسحاق النبي (ع)، نال 47 شخصا مقام النبوة، لكنهم استشهدوا على يد بني اسرائيل واحدا تلو الآخر.
“لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ”.
إلى أن وصل الأمر إلى موسى كليم الله (ع).
“وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ”.
وبعد يوسف (ع) وتجربة العزة والسمو الشامخين، أصيبوا بظلم فرعون، ويذكرّ القرآن الكريم بهذه الواقعة ويقول:
“وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ”.
وعلى الرغم من جميع النعم وبعثة النبي موسى (ع) وإنزال “التوراة”، فانهم اتبعوا طريق التمرد والطيش مرة أخرى رغم مشاهدتهم المئات من الآيات الإلهية وتجربة العزة والكرامة، تحت ظلال النخل السامق لحضرة كليم الله.
“وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ”.

شاهد أيضاً

قبيلة الرحمة (الفصل الثاني: قبيلة صبغة الله)

إسماعیل شفیعی سروستانیوبعد أن يثني الإمام المعصوم (ع) على الله ويحمده في “دعاء الندبة الشريف” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.