کیف یکون الإنتظار للإمام المهدی علیه السلام

کیف یکون الإنتظار للإمام المهدی علیه السلام

عماد الکاظمی

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدُ لله والحمدُ حقه، کما یستحقهُ حمداً کثیرا، وأصلی وأسلمُ على مَنْ أُرسلَ للعالمینَ بشیراً ونذیرا، وعلى آلهِ الهداۀِ الذین أُذْهِبَ  عنهم الرجس وطُهِّروا تطهیرا.

إنَّ الحدیث عن الأئمۀ المعصومین علیهم السلام من أهم الأحادیث التی یجب علینا أنْ ننشرها فی کل آنٍ، لتتعرف الأجیال على أئمتها، وتستلهم من سیرتهم الدروس النافعۀ، للوصول إلى طاعۀ الله ورضاه، والفوز بسعادۀ الدارین فی الدنیا والآخرۀ، والنجاۀ من الزیغ والضلال، حیث لا یکون ذلک إلا بالتمسک بهم کما روی فی ذلک عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم فی حدیثه المشهور بحدیث الثقلین، إذ یوصی الأمۀ بقوله صلى الله علیه وآله وسلم کما یروى عن أبی سعید الخدری (إنِّی قد ترکتُ فیکم ما إنْ أخذتم بهِ لن تضلوا بعدی الثقلین وأحدهما أکبر من الآخر کتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض وعترتی أهل البیت ألا إنهما لن یفترقا حتى یردا علیَّ الحوض) وفی روایۀ بعد ذلک یقول صلى الله علیه وآله وسلم: (فلا تَقْدَمُوهُمْ فتهلکوا ولا تقصروا عنهم فتهلکوا ولا تُعَلِّمُوهُمْ فإنَّهُمْ أعلم منکم)(1).

 

ونسلط الضوء فی هذه السطور على بعض ما یتعلق بمسألۀ الإمام الثانی عشر من أئمتنا علیه السلام وغیبته وتحقق الانتظار لدولته التی سیقیم فیها العدل الإلهی. فلو تتبعنا جمیع أحادیث النبی صلى الله علیه وآله وسلم والأئمۀ المعصومین علیهم السلام فی بیان أمر الإمام المهدی (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ) لرأینا أنَّ أغلب هذهِ الأحادیث تبشرُ المؤمنین بفرجهِ فی آخر الزمان، ذلک الزمان الذی تملأ الأرض فیها ظلماً، فترى الإسلام والمسلمین فی صراعٍ عظیم مع الکفار والمنافقین الذی یریدون إطفاء نور الله فی الأرض ونشر الظلم والعدوان والفساد، وهذا ما نراه الیوم مِنْ تکالب أعداء المسلمین وأعداء أهل البیت من الاعتداءات الأثیمۀ على المؤمنین، فیجب علینا أنْ نؤمنَ بما وَعَدَنَا اللهُ ورسولُهُ فی الغلبۀ والنصرۀ علیهم عند خروج الإمام المهدی (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ).

ولأجل أنْ یتحقق ذلک النصر الإلهی ویکون الانتظار لفرجه مثمراً سوف نحاول معک عزیزی القارىء أنْ نطلع على بعض الکلمات التی یجب علینا أنْ نطلع علیها ونعیها لنکون من المنتظرین لفرجه الشریف والعاملین لنصرته علیه السلام ویکون انتظارنا تحقیقاً لذلک الأمل الموعود.

فقد یسأل بعضٌ من الناس ما نوع النصرۀ التی یجب أنْ نقوم بها ؟

فهل الجلوس والتلفظ بألفاظ الفرج والدعاء له ؟

أم العمل الدؤوب لکل المستویات فی المجتمع لتهیأۀ الأرضیۀ الملائمۀ للظهور ؟!!

أم ما هو واجبنا الذی یجب أنْ نقوم به ؟

فسوف نحاول فی هذه الصفحات بیان بعض الواجبات والأمور التی یجب أنْ نهیأها لذلک المجتمع المنتظر لإمام زمانه لیکون حقیقۀً من المنتظر له، والاستعداد لذلک من أجل نصرته.  والله ولی التوفیق.

ولادته علیه السلام:

الإمام المهدی علیه السلام هو الإمام الثانی عشر من أئمۀ المسلمین الذین فرض الله تعالى طاعتهم وولایتهم والذین نصَّ النبی صلى الله علیه وآله وسلم علیهم فی موارد عدۀ منها الحدیث المشهور بانَّ الخلفاء من بعده اثنا عشر کلهم من قریش وغیره.

فهو محمد بن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیه السلام.

ومن ألقابه علیه السلام: المهدی، المنتظر، الحجۀ، القائم …

ولد الإمام المهدی (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ) فی سامراء فی الخامس عشر من شهر شعبان سنۀ (255هـ)، وکان عمرهُ عند وفاۀ أبیهِ خمس سنوات، وکان أبوهُ الإمام الحسن العسکری علیه السلام یخشى علیهِ کثیراً من السلطات العباسیۀ لعلمهم إنَّهُ یولد إمام من نسلِ النبی صلى الله علیه وآله وسلم فیهِ هلاک ملوک الظالمین والطواغیت، ولقد کانت له علیه السلام غیبتان غاب بهما عن الناس، الأولى هی الغیبۀ الصغرى التی دامت سبعون عاماً فکان الناس لا یستطیعون الوصول إلیهِ إلا عن طریق أحد من سفرائهِ ونوابهِ الأربعۀ وهم:

1- عثمان بن سعید العمری ، المدفون فی بغداد .

2- محمد بن عثمان الخلانی ، المدفون فی بغداد .

3- الحسین بن روح النوبختی ، المدفون فی بغداد .

4- علی بن محمد السمری ، المدفون فی بغداد .

فلقد کان هؤلاء الأربعۀ هم السفراء والواسطۀ بین الإمام (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ) وبین الناس فی إیصالِ وصایا الإمام وحلِّ مشاکلهم ومسائلهم ولا یعرف مکانهُ سوى هؤلاء، وبعد وفاۀ السفیر الرابع وهو الشیخ علی ابن محمد السمری بدأت غیبۀ الإمام الکبرى التی شاء الله تعالى فیها أنْ یغیب ثم یظهرهُ الله تعالى لیملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً کما أخبر بذلک النبی صلى الله علیه وآله وسلم أمتهُ وکذلک الأئمۀ المعصومون علیهم السلام، ولقد اتفق المسلمون على ظهور المهدی فی آخر الزمان لإزالۀ الجهل والظلم والجور، ونشر أعلام العدل وإعلاء کلمۀ الحق، وإظهار الدین کله ولو کره المشرکون، فهو بإذنِ الله ینجی العالم من ذلِّ العبودیۀ لغیر الله، ویلغی الأخلاق والعادات الذمیمۀ، ویبطل القوانین الکافرۀ التی سنتها الأهواء، ویقطع أواصر التعصبات القومیۀ والعنصریۀ، ویمحو أسباب العداء والبغضاء التی صارتْ سبباً لاختلاف الأمۀ وافتراق الکلمۀ، ویحقق الله سبحانه بظهوره وعده الذی وعد به المؤمنین بقوله: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَى لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذَلِکَ فَأُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))(2) وقال تعالى: ((وَنُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّۀً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ))(3) وقال تعالى: ((وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ))(4) وسـوف تشهد الأمـۀ بعد ظهـوره علیه السلام عصراً ذهبیاً لا یبقى فیه على الأرض بیت إلا ودخلته کلمۀ الإسلام، ولا تبقى قریۀ إلا وینادى فیها بشهادۀ لا إله إلا الله بکرۀً وعشیاً.

فلقد تواترت النصوص الصحیحۀ والأخبار المرویۀ من طریق أهل السنۀ والشیعۀ المؤکدۀ على إمامۀ أهل البیت علیهم السلام والمشیرۀ صراحۀ إلى أنَّ عددهم کعدد نقباء بنی إسرائیل، وأنَّ آخر هؤلاء الأئمۀ هو الذی یملأ الأرض – فی عهده – عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً. وأن أحادیث الإمام الثانی عشر الموسوم بالمهدی المنتظر قد رواها جملۀ من محدثی السنۀ فی صحاحهم المختلفۀ کأمثال الترمذی (المتوفى عام 297 هـ) وأبی داود (المتوفى عام 275 هـ) وابن ماجۀ (المتوفى عام 275 هـ) وغیرهم ……

فهذا هو المهدی الذی اتفق المُحَدِّثون والمتکلمون علیه، وإنما الاختلاف بین الشیعۀ والسنۀ فی ولادته، فالشیعۀ ذهبت إلى أنَّ المهـدی الموعود هو الإمام الثانی عشر الذی ولد بسامراء عام 255 هـ واختفى بعد وفاۀ أبیه عام 260 هـ، وقد تضافرت علیه النصوص من آبائه، على وجه ما ترک شکاً ولا شبهۀ، ووافقتهم جماعۀ من علماء أهل السنۀ، وقالوا بأنه ولد وأنه محمد بن الحسن العسکری، نعم کثیرٌ منهم قالوا بأنه سیولد فی آخر الزمان، وبما أنَّ أهل البیت أدرى بما فی البیت، فمن رجع إلى روایات أئمۀ أهل البیت فی کتبهم یظهر له الحق، وأنَّ المولود للإمام العسکری هو المهدی الموعود.

ومن الأحادیث التی وردت عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم فی الإمام المهدی علیه السلام:

* روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: لو لَمْ یبقَ مِنَ الدُّنْیا إلا یوم لبعث الله تعالى رجلاً مِنْ أهلِ بیتی.

* روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: لا تقومُ الساعَۀُ حتى تملأ الأرضَ ظُلْماً وعُدْواناً ثم یخرجُ مِنْ عترتی مَنْ یملأها قِسْطاً وَعَدْلاً.

* روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : لو لَمْ یبقَ مِنَ الدنیا إلا یوم واحد لطوَّلَ اللهُ ذلک الیوم حتى یخرجَ رجلٌ مِنْ أُمَّتی یواطىء اسْمُهُ اسْمِی وکنیتُهُ کُنْیَتی یملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً کما مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً.

 الإمام الحسن العسکری والتمهید لقضیۀ الإمام المهدی علیه السلام

لقد کان لجمیع الأئمۀ علیهم السلام دور فی الحدیث والإخبار عن الإمام المهدی علیه السلام وما یتعلق بسیرته وغیبته ولکن کان من أهم تلک الأدوار هو دور الإمام الحسن العسکری علیه السلام فی تهیأۀ الأمۀ لاستقبال أمر جدیدٍ وهو غیبۀ إمامها عنها، فإنَّ أهم إنجاز للإمام الحسن العسکری علیه السلام هو التخطیط الحاذق لصیانۀ ولده المهدی (عجل الله فرجه) من أیدی العتاۀ العابثین الذین کانوا یتربصون به الدوائر منذ عقود قبل ولادته ومن هنا کانت التمهیدات التی اتخذها الإمام العسکری علیه السلام بفضل جهود آبائه السابقین علیه السلام وتحذیراتهم تنصبُّ على إخفاء ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذین زرعتهم السلطۀ…. إلى إتمام الحجۀ به على شیعته ومحبیه وأولیائه، ففی مجال کتمان أمر الإمام المهدی (عجل الله فرجه) عن عیون أعدائه فقد أشارت نصوص أهل البیت علیهم السلام إلى أنَّه ابن سیدۀ الإماء، وأنّه الذی تخفى على الناس ولادته، ویغیب عنهم شخصه، وفی هذه النصوص ثلاث إرشادت أساسیۀ تُحقق هذا الکتمان: أولها أنَّ أمَّه أمَۀٌ وهی سیدۀ الإماء وقد اختار الإمام الحسن العسکری علیه السلام عندما بلغ أوج الفتوۀ والشباب، وحان وقت الزواج والاقتران- لهذه المهمۀ إحدى الجواری شریکۀ لحیاته. وقد أنجبت هذه السیدۀ الکریمۀ ابنها الوحید المنتظر لدولۀ الحق، وقد خفیت الولادۀ حتى على أقرب القریبین من الإمام فإنَّ عمۀ الأمام علیه السلام لم تتعرف على حَمل أم الإمام المهدی علیه السلام فضلاً عن غیرها، ومن هنا کانت الولادۀ فی ظروف سرّیۀ جداً وبعد منتصف اللیل، وقد خطط الإمام العسکری علیه السلام لیبقی الإمام المهدی علیه السلام بعیداً عن الأنظار کما ولد خفیۀ ولم یَطّلع علیه إلا الخواص أو أخص الخواص من شیعته.

وأما کیفیۀ إتمام الحجۀ فی هذه الظروف الاستثنائیۀ على شیعته فقد تحققت ضمن خطوات ومراحل دقیقۀ منها:

الخطوۀ الأولى: النصوص التی جاءت عن الإمام العسکری علیه السلام قبل ولادۀ الإمام المهدی (عجل الله فرجه) تبشیرا بولادته. فلقد جاءت النصوص المبشرۀ بولادۀ المهدی (عجل الله فرجه) عن أبیه الإمام الحسن العسکری علیه السلام تالیۀ لنصوص الإمام الهادی علیه السلام التی رکزت على أنّه حفید الهادی وأنّه ابن الحسن العسکری وأنَّ الناس سوف لا یرون شخصه ولا یحلّ لهم ذکره باسمه وأنّه الذی یقول الناس عنه أنّه لم یولد بعد وأنّه الذی یغیب عنهم ویرفع من بین أظهرهم وأنّه الذی ستختلف شیعته إلى أنْ یقوم، وعلى الشیعۀ أنْ تلتف حول العلماء الذین ینوبون عنه وینتظرون قیامه ودولته ویتمسکون بأهل البیت علیهم السلام ویظهرون له الولاء بالدعاء والزیارۀ وأنّه الذی سیکون إماماً وهو ابن خمس سنین، ومن هذه النصوص التی أشارت إلى ذلک أنّه روى الصدوق عن الکلینی أنّ جاریۀ أبی محمد علیه السلام لما حملت قال لها: (ستحملین ذکراً واسمه محمد وهو القائم من بعدی) وغیرها من الأحادیث ….

الخطوۀ الثانیۀ: الإشهاد على الولادۀ. لقد قام الإمام الحسن علیه السلام بالإشهاد على الولادۀ فضلا عن إخباره وإقراره بولادته وذلک إتماما للحجۀ بالرغم من حراجۀ الظروف وضرورۀ الکتمان التام عن أعین الجواسیس الذین کانوا یرصدون دار الإمام وجواریه قبل الولادۀ وبعدها. إنّ السیدۀ العلویۀ الطاهرۀ حکیمۀ بنت الإمام الجواد وأخت الإمام الهادی وعمۀ الإمام الحسن العسکری علیه السلام قد تولت أمر نرجس أم الإمام المهدی (عجل الله فرجه) فی ساعۀ الولادۀ وصرّحت بمشاهدۀ الإمام المهدی بعد مولده وصرح الإمام العسکری علیه السلام بأنها قد غسّلته وساعدتها بعض النسوۀ مثل جاریۀ أبی علی الخیزران التی أهداها إلى الإمام الحسن العسکری علیه السلام.

الخطوۀ الثالثۀ: الإخبار بالولادۀ ومداولۀ الخبر بین الشیعۀ بشکل خاص من دون رؤیۀ الإمام (عجل الله فرجه). وتمثلت هذه الخطوۀ بإخبار الإمام العسکری علیه السلام شیعته بأنَّ الإمام المهدی المنتظر (عجل الله فرجه) قد وُلد وحاول نشر هذا الخبر بین شیعته بکل تحفظ. ولدینا ثمانیۀ عشر حدیثا یتضمن کل منها سعی الإمام علیه السلام لنشر خبر الولادۀ بین شیعته وأولیائه وهی ما بین صریح وغیر صریح قد اکتفى فیه الإمام علیه السلام بالتلمیح حسب ما یقتضیه الحال، فمنها الخبر الذی صرح فیه الإمام الحسن علیه السلام بعلَّتین لوضع بنی العباس سیوفهم على أهل البیت علیهم السلام واغتیالهم من دون أن یکونوا قد تصدوا للثورۀ العلنیۀ علیهم حیث جاء فیه: (فسعوا فی قتل أهل بیت رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وإبادۀ نسله طمعاً منهم فی الوصول إلى منع تولد القائم أو قتله فأبى الله أنْ یکشف أمره لواحد منهم إلا أنْ یتم نوره ولو کره الکافرون)، وقد تضمن هذا الحدیث الإخبار بولادته خفیۀ لیتم الله نوره ……

الخطوۀ الرابعۀ: الإشهاد الخاص والعام بعد الولادۀ ورؤیۀ شخص المهدی (عجل الله فرجه). وتمثلت فی الإشهاد على ولادۀ الإمام المهدی (عجل الله فرجه) ووجوده وحیاته. فعن أبی غانم الخادم أنّه ولد لأبی محمد ولد فسمّاه محمدا فعرضه على أصحابه فی الیوم الثالث وقال: (هذا صاحبکم من بعدی وخلیفتی علیکم وهو القائم الذی تمتد إلیه الأعناق بالانتظار فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً فملأها قسطاً وعدلاً). وعن عمر الأهوازی أن أبا محمد أراه ابنه وقال: (هذا صاحبکم من بعدی). وعن معاویۀ بن حکیم ومحمد بن أیوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمری أنهم قالوا: عرض علینا أبو محمد الحسن بن علی علیهما السلام ونحن فی منزله وکنا أربعین رجلاً عن الحجۀ من بعده فخرج علیهم غلام أشبه الناس به فقال: (هذا إمامکم من بعدی وخلیفتی علیکم أطیعوه ولا تتفرقوا من بعدی فی أدیانکم فتهلکوا أما إنکم لا ترونه بعد یومکم هذا)، قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلا أیام قلائل حتى مضى أبو محمد علیه السلام.

الخطوۀ الخامسۀ: التمهید لرؤیۀ الإمام المهدی (عجل الله فرجه) خلال خمس سنوات من قِبَلِ بعض خواص الشیعۀ والارتباط به عن کثب وتکلیفه مسؤولیۀ الإجابۀ على أسئلۀ شیعته المختلفۀ وإخباره عما فی ضمیرهم وهو فی المهد أو فی دور الصِّبا من دون أنْ یتلکّأ فی ذلک، وهذا خیر دلیل على إمامته وأنّه حجۀ الله الموعود المنتظر. ومما حدّث به أحمد بن إسحاق حین سأل الإمام الحسن العسکری عن علامۀ یطمئن إلیها قلبه حول الإمام المهدی (عجل الله فرجه) حین أراه إیاه وقد کان غلاما کأنّ وجهه القمر لیلۀ البدر من أبناء ثلاث سنین أنّ الغلام نطق بلسان عربی فصیح فقال :(أنا بقیۀ الله فی أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عین یا أحمد بن إسحاق).

الخطوۀ السادسۀ: التخطیط للارتباط بالإمام المهدی (عجل الله فرجه) بواسطۀ وکلاء الإمام العسکری علیه السلام الذین أصبحوا فیما بعد وکلاء للإمام المهدی بنفس الأسلوب الذی کان معلوما لدى الشیعۀ – من دون أنْ یتجشموا الأخطار والصعاب لذلک- حیث کانوا قد اعتادوا علیه فی حیاۀ الإمام العسکری علیه السلام وقد کان عثمان بن سعید الوکیل الأول للإمام المهدی (عجل الله فرجه) بعد استشهاد الإمام الحسن العسکری علیه السلام ثم أصبح محمد بن عثمان وکیله الثانی -کما هو المعروف فی ترتیب النواب الأربعۀ للإمام المهدی (عجل الله فرجه)- ثم الحسین بن روح وکیله الثالث ثم علی بن محمد السمری وکیله الرابع.

الخطوۀ السابعۀ: البیانات والأحادیث التی أفصحت للشیعۀ عما سیجری لهم ولإمامهم الغائب فی المستقبل وما ینبغی لهم أنْ یقوموا به لئلا یفاجأوا بأمور لا یعرفون کیفیۀ التعامل معها مثل ما یحصل بعد الغیبۀ من الحیرۀ والاختلاف بین الشیعۀ وما ینبغی لهم من الصبر والانتظار للفرج والثبات على الإیمان والدعاء للإمام ولتعجیل فرجه الشریف. ومن هنا نفهم السر فی کثرۀ هذه النصوص وتنوّع موضوعاتها إذا ما قسناها إلى نصوص الإمام الهادی علیه السلام ولاحظنا قِصَر الفترۀ الزمنیۀ لإمامۀ الإمام العسکری وهی لا تتجاوز الست سنوات بینما کانت إمامۀ الإمام الهادی علیه السلام تناهز الـ (34) سنۀ مما یعنی أنها کانت ستۀ أضعاف مدۀ إمامه ابنه العسکری علیه السلام وتکفی هذه الخطوات السبع للتمهید اللازم لتصبح قضیۀ الإمام المهدی (عجل الله فرجه) قضیۀ واقعیۀ تعیشها الجماعۀ الصالحۀ بکل وجودها رغم الظروف الحرجۀ التی کانت تکتنف الإمام المهدی.

فکل ذلک من الخطوات وغیرها کان الإمام العسکری علیه السلام یرید من وراءها الاستعداد والتهیؤ للمرحلۀ القادمۀ من حیاۀ الأمۀ ولإمامها الغائب عنها، ولذا أعَدّ المؤمنین لهذه المرحلۀ إعداداً فکریاً وذهنیاً ونفسیاً وروحیاً.

حتى وقعت تلک الغیبۀ التی وعدنا بها من قبل النبی وأهل بیته علیهم السلام وسوف یکون الحل الأمثل للتعامل مع الإمام علیه السلام وغیبته هو الصبر والانتظار والعمل من أجل قرب ذلک الفرج الإلهی الموعود، وسوف نحاول تسلیط الضوء باختصارٍ حول مسائل ثلاث لنکون على بینۀٍ من هذا الأمر الإلهی بعد أنْ نستعرض لمحۀ عن فکرۀ الإمام المهدی علیه السلام وجذورها التاریخیۀ، وهذه المسائل الثلاث:

أولاً: الانتظار والمنتظرون.

ثانیاً: فلسفۀ الانتظار.

ثالثاً: الحکومۀ العالمیۀ للإمام المهدی علیه السلام والاستعداد لها.

کیف یکون الإنتظار للإمام المهدی علیه السلام

إنَّ فکرۀ انتظارِ مصلحٍ فی آخر الزمان من الأفکار التی تؤمن بها أغلب الدیانات التی سبقت الإسلام ویمکن لأی باحثٍ أنْ یتتبع أثر ذلک فی معتقداتهم، ولکون البحث یتناول الإمام وانتظاره بین مفهومی الیأس والأمل لنرى أثر هذین المفهومین على الشخصیۀ الإسلامیۀ وکیفیۀ التعامل مع هذه القضیۀ، اقتصرنا على بحثها والاستدلال علیها من وجهۀ إسلامیۀ تارۀ وإنسانیۀ تارۀ أخرى، ولکی تتمحور هذه الفکرۀ عندنا نحاول أنْ نستدل بکلمات بعض العلماء الکبار من المفکِّرین الإسلامیین لنرى نظرتهم لموضوعنا هذا.

یقول المفکر الإسلامی الشهید السید محمد باقر الصدر قدس سره فی ذلک: لیس المهدی تجسیداً لعقیدۀ إسلامیۀ ذات طابع دینی فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إلیه البشریۀ بمختلف أدیانها ومذاهبها، وصیاغۀ لإلهامٍ فطریٍّ أدرک الناس من خلاله – على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغیب – أنَّ للإنسانیۀ یوماً موعوداً على الأرض تحقق فیه رسالات السماء بمغزاها الکبیر، وهدفها النهائی، وتجد فیه المسیرۀ المکدودۀ للإنسان على مرِّ التاریخ استقرارها وطمأنینتها بعد عناء طویل. بل لم یقتصر الشعور بهذا الیوم الغیبی والمستقبل المنتظر على المؤمنین دینیاً بالغیب، بل امتدَّ إلى غیرهم أیضاً وانعکس حتى على أشدِّ الإیدیولوجیات والاتجاهات العقائدیۀ رفضاً للغیب والغیبیات، کالمادیۀ الجدلیۀ التی فسرتِ التاریخ على أساس التناقضات، وآمنت بیوم موعود تصفى فیه کل تلک التناقضات ویسود فیه الوئام والسلام. وهکذا نجد أنَّ التجربۀ النفسیۀ لهذا الشعور التی مارستها الإنسانیۀ على مرِّ الزمن من أوسع التجارب النفسیۀ وأکثرها عموماً بین أفراد الإنسان. وحینما یدعم الدین هذا الشعور النفسی العام ویؤکد أنَّ الأرضَ فی نهایۀِ المطاف ستمتلئ قسطاً وعدلاً بعد أنْ ملئت ظلماً وجوراً یعطی لذلک الشعور قیمته الموضوعیۀ ویحوله إلى إیمانٍ حاسمٍ بمستقبلِ المسیرۀ الإنسانیۀ، وهذا الإیمان لیس مجرد مصدر للسلوۀ والعزاء فحسب، بل مصدر عطاءٍ وقوۀٍ. فهو مصدر عطاء، لأنَّ الإیمان بالمهدی إیمانٌ برفضِ الظلمِ والجورِ حتى ….. وهو مصدر قوۀ ودفع لا تنضب لأنه بصیصُ نورٍ یقاوم الیأس فی نفس الإنسان، ویحافظ على الأمل المشتعل فی صدره مهما ادْلَهَمَّتِ الخطوب وتعملق الظلم، لأنَّ الیوم الموعود یثبتُ أنَّ بإمکان العدل أنْ یواجه عالماً ملیئاً بالظلمِ والجورِ فیزعزع ما فیه من أرکان الظلم، ویقیم بناءه من جدید، وأنَّ الظلم مهما تجبَّر وامتدَّ فی أرجاء العالم وسیطر على مقدراته، فهو حالۀ غیر طبیعیۀ  ولا بد أنْ ینهزم. وتلک الهزیمۀ الکبرى المحتومۀ للظلم وهو فی قمۀِ مجده، تضع الأمل کبیراً أمامَ کل فردٍ مظلومٍ، وکل أمۀٍ مظلومۀٍ فی القدرۀ على تغییر المیزان وإعادۀ البناء……

ویقول فی نهایۀ بحثه أن کل عملیۀ تغییر اجتماعی یرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعیۀ لا یتأتى لها أن تحقق هدفها إلا عندما تتوفر تلک الشروط والظروف. وتتمیز عملیات التغییر الاجتماعی التی تفجرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط فی جانبها الرسالی بالظروف الموضوعیۀ، لأنَّ الرسالۀ التی تعتمدها عملیۀ التغییر هنا ربانیۀ، ومن صنع السماء لا مِنْ صُنْعِ الظروف الموضوعیۀ، ولکنها فی جانبها التنفیذی تعتمد الظروف الموضوعیۀ ویرتبط نجاحها وتوقیتها بتلک الظروف. ومن أجل ذلک انتظرت السماء مرور خمسۀ قرون من الجاهلیۀ حتى أنزلت آخر رسالاتها على ید النبی محمد  صلى الله علیه وآله وسلم، لأنَّ الارتباط بالظروف الموضوعیۀ للتنفیذ کان یفرض تأخرها على الرغم من حاجۀ العالم إلیها منذ فترۀ طویلۀ قبل ذلک. والظروف الموضوعیۀ التی لها أثر فی الجانب التنفیذی من عملیۀ التغییر، منها ما یشکل المناخ المناسب والجو العام للتغییر المستهدف، ومنها ما یشکل بعض التفاصیل التی تتطلبها حرکۀ التغییر من خلال منعطفاتها التفصیلیۀ ……. وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدی علیه السلام لنجد أنَّ عملیۀ التغییر التی أعدَّ لها ترتبط من الناحیۀ التنفیذیۀ کأی عملیۀ تغییر اجتماعی أخرى بظروفٍ موضوعیۀٍ تساهم فی توفیر المناخ الملائم لها، ومن هنا کان من الطبیعی أنْ توقَّتْ وفقاً لذلک. ومن المعلوم أنَّ المهدی لم یکن قد أعد نفسه لعمل اجتماعی محدود،  ولا لعملیۀ تغییر تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاک، لأنَّ رسالته التی ادخر لها من قبل الله – سبحانه وتعالى – هی تغییر العالم تغییراً شاملاً، وإخراج البشریۀ کل البشریۀ من ظلمات الجور إلى نور العدل، وعملیۀ التغییر الکبرى هذه لا یکفی فی ممارستها مجرد وصول الرسالۀ والقائد الصالح وإلا لتَمَّتْ شروطها فی عصر النبوۀ بالذات، وإنما تتطلب مناخاً عالمیاً مناسباً، وجواً عاماً مساعداً، یحقق الظروف الموضوعیۀ المطلوبۀ لعملیۀ التغییر العالمیۀ. فمن الناحیۀ البشریۀ یعتبر شعور إنسان الحضارۀ بالنفاد عاملاً أساسیاً فی خلق ذلک المناخ المناسب لتقبل رسالۀ العدل الجدیدۀ، وهذا الشعور بالنفاد یتکون ویترسَّخ من خلال التجارب الحضاریۀ المتنوعۀ التی یخرج منها إنسان الحضارۀ مثقلاً بسلبیات ما بنى، مدرکاً حاجته إلى العون، متلفتاً بفطرته إلى الغیب أو إلى المجهول …..(5)

فبهذه الکلمات الإیمانیۀ العمیقۀ التی تبعث على إحیاء روح الأمل والصبر على الظلم الموجود فی کل هذه البقاع من الأرض یناقش الشهید الصدر قدس سره ذلک ویجدد للناس العزیمۀ والذکرى والأمل نحو النصر الإلهی المبین الذی لا بُدَّ من تحقیقه فی الأیام اللاحقۀ.

الانتظار والمنتظرون

تُعدُّ مسألۀ انتظار الإمام الثانی عشر من أئمۀ المسلمین من المسائل المهمۀ فی عقیدتنا، وقد أکدت الشریعۀ المقدسۀ على ذلک وحثت على الاستعداد لذلک الوقت الموعود حین یرث الله تعالى الأرض ومن علیها لعبادهِ الصالحین، فلا یکاد یمرّ دور أی إمام من الأئمۀ المعصومین علیهم السلام إلا ویتم التأکید على ذلک إجمالاً تارۀ وتفصیلاً أخرى، ونحاول قبل أنْ نبین مفهوم الانتظار وکیفیۀ التعامل مع ذلک أنْ نستعرض بعض الروایات المبارکۀ التی أشارت إلى هذه الفترۀ من الزمن (زمن غیبۀ المعصوم علیه السلام) وما ینبغی أنْ یکون علیه المؤمنون المنتظِرون لتطبیق حکومۀ العدل الإلهی على الأرض ……

* عن علی بن جعفر عن أخیه الإمام الکاظم علیه السلام أنه قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله فی أدیانکم لا یزیلکم عنها أحد، یا بنی انه لا بُدَّ لصاحب هذا الأمر من غیبۀ حتى یرجع عن هذا الأمر من کان یقول به، إنما هـی محنـۀ من الله عز وجل امتحن بها خلقه …)(6).

* فی حدیث المفضل بن عمر عن الإمام الصادق علیه السلام سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: أما والله لیغیبنَّ إمامکم سنین من دهرکم ولتمحصنَّ حتى یقال: مات؟

قتل؟

هلک؟

بأی وادٍ سلک؟

ولتدمعنَّ علیه عیون المؤمنین، ولتکفأنَّ کما تکفأ السفن فی أمواج البحر، فلا ینجو إلا من أخذ الله میثاقه، وکتب فی قلبه الإیمان، وأیده بروح منه… قال: فبکیتُ ثم قلت: فکیف نصنع؟ فنظر إلى شمسٍ داخلۀٍ فی الصفۀ، فقال: یا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم، قال: والله إنَّ أمرنا أبین من هذه الشمس(7).

* فی حدیث أبی خالد الکابلی عن الإمام زین العابدین علیه السلام قال : یا أبا خالد إنَّ أهل زمان غیبته والقائلین بإمامته والمنتظرین لظهوره علیه السلام أفضل من أهل کل زمان، لأنَّ الله تعالى ذکره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفۀ ما صارت به الغیبۀ عندهم بمنزلۀ المشاهدۀ، وجعلهم فی ذلک الزمان بمنزلۀ المجاهدین بین یدی رسول الله  صلى الله علیه وآله وسلم بالسیف أولئک المخلصون حقاً، وشیعتنا صدقاً، والدعاۀ إلى دین الله سرّاً وجهراً)(8).

وغیر هذا من الأحادیث الواردۀ فی هذا الباب.

إنَّ المتأمل فی ألفاظ هذه الأحادیث ومضامینها یخلص إلى نتیجۀ عامۀ ظاهرۀ وهی شدۀ الامتحان والاختبار وعظمۀ المسؤولیۀ الملقاۀ على عاتق المؤمنین فی زمن غیبته علیه السلام والدور الکبیر المطلوب منهم تجاه إمامهم لأنه وکما ورد فی الحدیث الشریف (مَنْ مَاتَ وَلَمْ یَعْرِف إمامَ زَمَانِهِ مَات میتَۀً جاهلیَّۀً) فإنه من الیقین لیس المراد من معرفته هو معرفۀ الاسم والرسم،  کلا فلیس ذلک هو المراد!!.

إذن یمکن أنْ نخرج بعدۀ نتائج من خلال الجمع بین هذه الأحادیث الثلاثۀ المبارکۀ التی وردت فی هذا الباب فإنه:-

أولاً: نحن المخاطَبـون خصوصـاً فی هذه الأحادیث وما یتعلق به (أی کُلُّ من شهد غیبۀ الإمام المهدی علیه السلام منذ عام (255هـ) إلى ما لا یعلمه إلا الله من الیوم الموعود فکُلٌّ مِنّا على اختلاف الاتجاهات والاعتقادات یشمله هذا الخطاب وهو أمام هذا الاختبار .

ثانیاً: إنَّ الأمر المتوجه إلینا هو فی غایۀ الأهمیۀ ویجب علینا معرفته والإحاطۀ به لنکون على یقین من المعتقد تجاه إمام زماننا ولذا أشارت الروایۀ الأولى إلى عظمۀ هذا الأمر بقوله علیه السلام: (إنما هی محنۀ من الله عز وجل امتحن بها خلقه) وقال علیه السلام فی الروایۀ الثانیۀ: (فلا ینجو إلا من أخذ الله میثاقه وکتب فی قلبه الإیمان وأیده بروح منه) وقال فی الروایۀ الثالثۀ: (والدعاۀ إلى دین الله سراً وجهراً …) فعلینا أنْ نتأمل أیها الأخوۀ المؤمنین فی ذلک فی کل آنٍ لنرى ما نحن علیه.

ثالثاً: یظهر کذلک من هذه الروایات صعوبۀ هذا الأمر وخطره وما یستوجب علینا من الحزم والشدۀ والقوۀ والبصیرۀ لتعدِّی ذلک الاختبار دون التردد والشک والسقوط فی حزب المعاندین أو المنکرین لأمره علیه السلام کما ذکرت الروایات ذلک: (فالله الله فی أدیانکم لا یزیلکم عنها أحد …. حتى یرجع عن هذا الأمر من کان یقول به) وکذا (.. حتى یقال مات؟ قتل؟ بأی وادٍ سلک؟…).

فهذه هی النقاط الثلاث التی یجب على کل مسلم عموماً والمؤمن خصوصاً أنْ یضعها أمامه دائماً ولا یغفل عنها طرفۀ عینٍ أبداً لیکون على استعداد تامٍ لهذا الاختبار.

إذن ما هی الخطوات التی یجب علینا أنْ نتبعها لنکون حقیقۀ من المنتظرین له ولأمره فإنَّ الانتظار قد یکون تارۀ للإمام علیه السلام أی شخصه الشریف، وقد یکون لأمره علیه السلام وکلاهما انتظاران شریفان، ولکن الثانی وقته معلوم والأول غیر معلوم إلى أنْ یأذن الله فی ذلک، والثانی هو نفس ما یشترک فیه مع الأئمۀ المعصومین علیهم السلام من قبل، وهو تطبیق الشریعۀ المقدسۀ وهدایۀ الناس نحو الخیر والصلاح والسعادۀ وإنْ کان یفترق عن زمانهم فی جهات معینۀ ولکن الأمر عموماً هو واحد لأنَّ هدف الأئمۀ علیهم السلام هو امتداد لهدف الأنبیاء ولکن الأمر فی زمانه علیه السلام یکون محاطاً بکثرۀ الفتن والادعاءات من المغرضین والمعاندین وأصحاب الأهواء والأباطیل وإنْ کان ذلک موجوداً أیضاً فی زمن الأئمۀ علیهم السلام من قبل ولکن بنسبٍ متفاوتۀ ولذا کان السلاح النافع فی النصر على ذلک هو المعرفۀ والصبر، وقد أشارت الروایات إلى ذلک حیث قال علیه السلام: (من مات ولم یعرف إمام زمانه …..) فکان التأکید على المعرفۀ الحقیقیۀ لحجۀ الله فی الأرض. وروایات أخرى أشارت کذلک إلى الصبر حیث روی عن الإمام الصادق علیه السلام: (إنّا صُبَّر وشیعتنا أصبر منا)، قلت: جعلت فداک کیف صار شیعتکم أصبر منکم؟

قال: لأنّا نصبر على ما نعلم وشیعتنا یصبرون على ما لا یعلمون، فالصبر هنا فی هذه الروایۀ هو السلاح لمقارعۀ فتن هذا الزمان والنجاۀ منها، ولکن الروایۀ تذکر بأنَّ الشیعۀ یصبرون على ما لا یعلمون، فإنَّ الصبر على أمرٍ مجهولٍ قد لا تکون فیه من الآثار المحمودۀ -کما قد یُقال- وللإجابۀ على ذلک یکون فی أنه یمکن فهم الروایۀ على نحوِ انَّ الأئمۀ علیهم السلام یصبرون على الأمور وهم یعلمون بها تفصیلاً وتحقیقاً وتدقیقاً، وأما غیرهم فیصبرون وهم لا یعلمون تلک المعرفۀ التی لدیهم ولکنهم إجمالاً یعلمون بأنهم على الحق ویتبعون أهل الحق، والحق أحق أنْ یُتَّبَع.

إذن فالانتظار یکون ناجحاً عندما یکون مقروناً بالمعرفۀ والصبر لکی یصل الإنسان المُنتظِر إلى الغایۀ التی یرید تحقیقها وهی صعبۀ جداً بطبیعۀ الحال، والقرآن الکریم قد أشار إلى ذلک فی موارد عدیدۀ،قال تعالى ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّۀَ وَلَمَّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى یَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ))(9) وقد أشارت الروایات التی مضت إلى ذلک حیث قال علیه السلام فی الروایۀ الثانیۀ: (فلا ینجو إلا مَنْ أخذ الله میثاقه وکتب فی قلبه الإیمان وأیده بروح منه …..) وقال علیه السلام فی الروایۀ الثالثۀ: (لأنَّ الله تعالى ذکره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفۀ ما صارت به الغیبۀ عندهم بمنزلۀ المشاهدۀ) فإنَّ الله تعالى لا یؤیّد من عباده أحداً فی هذا الأمر إلاّ مَنْ کان عارفاً صابراً لذلک، متأسیاً بسنۀ الأنبیاء من قبل، وکذا فلا یعطی العقول والأفهام والمعرفۀ إلا لمن هم أهلٌ لذلک.

وعلى ذلک فالمنتظرون حقیقۀً لإمام زمانهم علیه السلام علیهم بالمعرفۀ والصبر لکی یفوزوا بثواب ذلک الانتظار سواء تحقق اللقاء مادیاً أم لم یتحقق، ولذا ورد التأکید على هذا المفهوم فی الروایات المبارکۀ حیث ورد عنهم علیهم السلام: (مَنْ مات منتظراً لأمرنا کان کمن کان فی فسطاط القائم علیه السلام)(10) وقال الصادق علیه السلامأیضاً: (مَنْ مات منکم وهو منتظر لهذا الأمر کمن کان مع القائم فی فسطاطه)، قال الراوی: ثم مکث هنیئۀ ثم قال: (لا بل کمَنْ قارع معه بسیفه)، ثم قال: (لا والله إلا کمَنْ استشهد مع رسول الله  صلى الله علیه وآله وسلم)(11).

إذن فیجب علینا أنْ نکون حقیقۀ من المنتظرین لنفوز بذلک الثواب العظیم.

وأعتقد فی الختام انه قد تبین لنا جلیاً معنى الانتظار وهو العمل الجاد الدؤوب الذی لا توانی فیه أبداً بل الاستعداد المطلق للتضحیۀ بهوى النفس وشهواتها أمام الأمر الإلهی وطاعۀ الله تعالى، وأخیراً نُذکِّر أنفسنا بما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام: (مَنْ سَرَّه أنْ یکون من أصحاب القائم فلینتظر ولیعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فإنْ مات وقام القائم بعده کان له من الأجر مثل مَنْ أدرکه ……)(12). 

فلسفۀ الانتظار

حثَّ الأئمۀ علیهم السلام شیعتهم على انتظار الفرج لدولۀ الإمام المهدی علیه السلام الذی سیملأ بها الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملِئت ظلماً وجوراً وکما أکدت الأحادیث الشریفۀ على هذا المعنى العظیم، وکذلک الأحادیث التی بینت أنِّ انتظار الفرج هو من أفضل الأعمال الصالحۀ فی آخر الزمان وما یجب على المؤمنین التحلی به کما روی فی الحدیث الشریف عن النبی  صلى الله علیه وآله وسلم (أفضل أعمال أمتی انتظار الفرج) و(المنتظر لأمرنا کالمتشحط بدمه) وغیرهما من الأحادیث التی تحثّ على ذلک.  فإنَّ هذه الأحادیث وغیرها التی تعرضت إلى الانتظار قد یسیء بعضهم فهمها ویتصور أنها تدعو إلى الکسل والتوانی والابتعاد عن العمل وترک المجتمع الإسلامی انتظاراً لذلک الیوم، ولکنَّ هذا الفهم قاصر عن النظریۀ الإسلامیۀ تجاه الیوم الموعود للإمام المهدی علیه السلام وتهیئۀ سبل الدعوۀ وأسباب النصر التی یجب أنْ یکون علیه أنصاره، ولکی نخرج بالصورۀ الواضحۀ لمفوم العمل والانتظار لدولۀ الإمام المهدی علیه السلام نتجوّل معاً فی کتاب (الانتظار الموجَّه)(13) للشیخ الجلیل “محمد مهدی الآصفی” لیبین لنا کیفیۀ العلاقۀ بین هذین المفهومین والخروج بالنتیجۀ من ذلک، فیقول تحت عنوان “علاقۀ الانتظار بالحرکۀ” یحبّ بعض الناس أنْ یصوّروا حالۀ الانتظار بأنّها مسألۀ نفسیۀ نابعۀ من حالۀ الحرمان فی الطبقات المحرومۀ فی المجتمع والتاریخ وحالۀ الهروب من الواقع المثقل بالمتاعب إلى الاستغراق فی تصوّر المستقبل الذی یتمکن فیه المحرومون من استعادۀ جمیع حقوقهم واستعادۀ السیادۀ والحقوق المغتصبۀ وهذا نوع من أحلام الیقظۀ أو الهروب من الواقع إلى التخیّل.

 أقول إنَّ هذا التوجیه لمسألۀ الانتظار غیر علمی بالتأکید ….. فقد یفهم الناس الانتظار بطریقۀ سلبیۀ یتحول فیها هذا المفهوم إلى عاملٍ للتخدیر والإعاقۀ عن الحرکۀ, وقد یفهم بطریقۀ إیجابیۀ تجعل منه عاملاً من عوامل التحریک والبعث والإثارۀ فی حیاۀ النفوس …. إذن یکون الانتظار الذی نرید أنْ نبینه على نحوین:

 النحو الأول من الانتظار هو الذی یبعث نحو الأمل والذی یورِّث الإنسان بدوره المقاومۀ, ومثال ذلک الإنسان الغریق الذی ینتظر فریق الإنقاذ إلیه من السواحل وَیَرَاهم مُقبلین لإنقاذه فإنّ هذا الانتظار یبعث فی نفس الغریق أملاً قویّاً فی النجاۀ ویدخل نور الأمل على ظلمات الیأس التی تحیط به من کل جانب، وهذا الأمل یمنحه المقاومۀ فیواصل الغریق المقاومۀ حتى یصل فریق الإنقاذ إلیه، ولاشک فی أنَّ هذه المقاومۀ من الله تعالى ولاشک فی أنَّ هذا الأمل من أسباب هذه المقاومۀ وهاتان معادلتان لا سبیل للتشکیک فیهما .

أما النحو الثانی  وهو الذی یبعث على الحرکۀ ومثله شفاء الإنسان من المرض وإنجاز مشروعٍ عمرانیٍّ أو علمیٍّ أو تجاریٍّ والانتصار على العدو والتخلص من الفقر فإنَّ کل ذلک من الانتظار وأمر تعجیل هذه الأمور أو تأخیرها بید الإنسان نفسه فمن الممکن أنْ یعجِّلَ بالشفاء ومن الممکن أنْ یؤخره أو ینفیه، إذن الانتظار على النحو الأول لم یکن بإمکان الإنسان إلا الأمل والمقاومۀ.

 أما على النحو الثانی فهو یمنح الإنسان إضافۀ إلى ذلک الحرکۀ ……. ونحن الآن نعیش فی مرحلۀ الانتظار وهناک واجبات ومسؤولیات یجب أنْ نفهمها لنتعرف على العلاقۀ الوثیقۀ بین مفهوم العمل والانتظار فمنها:

* أولاً: الوعی وهو وعی التوحید بأنَّ الکون کله من الله وکل شیءٍ مسخّرٍ بأمره وهو قادرٌ على کل شیءٍ، وکذا الوعی بوعد الله تعالى وسط هذه الأجواء السیاسیۀ الضاغطۀ والإیمان بوعده ونصرته للمؤمنین حیث قال تعالى: ((ولاتَهِنُـوا وَلاتَحْزَنُـوا وَأنْتُـمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ کُنْتُـمْ مُؤمنیـنَ)) وقوله تعالى: ((وَنُریدُ أنْ نَمُنَّ على الَّذینَ اسْتُضْعِفُوا فی الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّۀً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثینَ))، إضافۀ إلى وعی الإنسان المسلم فی أداء واجباته ورسالته فی الأرض ….

* ثانیاً: الأمل بوعد الله تعالى لعباده بحوله وقوته وسلطانه وبهذا الأمل یشد المسلم حبله بحبل الله فلا نفاد لأمله بقوته تعالى وسلطانه.  

* ثالثاً: المقاومۀ وهی نتیجۀ الأمل کما قدَّمنا.

* رابعاً: الحرکۀ وهی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والدعوۀ إلى الله وإعداد الأرض لظهور الإمام وقیام دولته العالمیۀ وإعداد جیل مؤمنٍ یتولى نصرۀ الإمام والإعداد لظهوره وعیاً وإیماناً وتنظیماً وقوۀً.

وغیرها من الأمور التی یجب تهیئتها استعداداً للظهور الموعود.

    وأخیراً الدعاء وطلب النصرۀ من الله تعالى فی الاستجابۀ لذلک والتوجه نحو تحقیق المقدمات له والتضحیۀ بکل شیء من أجل هذا النصر الإلهی الموعود، ولذا یجب التأمل کثیراً فی فقرات هذا الدعاء العظیم “دعاء الافتتاح” حیث ورد فی آخر فقراته (اللهمَّ إنّا نرغَبُ إلیکَ فی دولۀٍ کریمَۀٍ تعزُّ بها الإسلام وأهلَه، وتذلّ بها النّفاق وأهله، وتجعلنا فیها مـن الدعاۀِ إلى طاعتِـکَ، والقـادۀِ إلى سبیلک، وترزقنا کرامۀ الدنیا والآخرۀ.      الحکومۀ العالمیۀ للإمام المهدی علیه السلام والاستعداد لها

إنَّ الحدیث عن تلک الحکومۀ الإلهیۀ التی ستحقق الوعد الإلهی وتلأ الأرض قسطاً وعدلاً حدیث عظیم وعظیم ولقد کتبت العدید من المؤلفات والموسوعات التی تتعلق بالإمام المهدی علیه السلام ودولته فی آخر الزمان وکذا التی تناولت سیرته الشریفۀ وغیبته وسفراءه وما یتعلق بذلک، فکانت العشرات من تلک المؤلفات لعلماء المسلمین من شتى الطوائف. ونقف الیوم عند مؤلَّفٍ من تلک المؤلفات التی تسلط الضوء على طبیعۀ حکومۀ الإمام المهدی علیه السلام التی نترقبها، وآلیۀ هذه الحکومۀ، وکیفیۀ الاستعداد لها وتهیئۀ الأرضیۀ المناسبۀ وغیر ذلک .

حیث یقول الشیخ ناصر مکارم الشیرازی (صاحب تفسیر الأمثل) فی کتابه “الحکومۀ العالمیۀ للإمام المهدی عجل الله فرجه” : لا شک أن القرائن تشیر على ضوء النظرۀ الابتدائیۀ إلى أن الدنیا تمضی قدماً نحو الفاجعۀ التی تتبین ملامحها من خلال مقارنۀ الوضع السائد مع الماضی القریب …… ولکی یکون الاستعداد نافعاً فهناک عدۀ خطواتٍ یجب العمل على تهیأتها.

الاستعدادات العامۀ:

 لابد أنْ نذعن بأن بلوغ تلک المرحلۀ التاریخیۀ التی یجتمع فیها کافۀ الناس تحت رایۀ واحدۀ وتزول فیها الأسلحۀ الفتاکۀ وتنعدم فیها الطبقات المستعمَرۀ (بالفتح) والمستعمِرۀ (بالکسر) وتنتهی فیها النزاعات والألاعیب السیاسیۀ والعسکریۀ للدول العظمى…. وعلى أیۀ حال، هناک استعدادات ینبغی توفرها لقیام هذه الحکومۀ:

1- الاستعداد الفکری والثقافی: أی ینبغی أنْ یبلغ المستوى الفکری للناس درجۀ تجعلهم یدرکون بأن قضیۀ العِرْق أو المناطق الجغرافیۀ المختلفۀ لیست بالأمور الجدیرۀ بالاهتمام فی حیاتهم ولیس للخلافات على أساس اللون واللغۀ والأرض أن تفرق بین أبناء البشر ویجب أن تموت وإلى الأبد العصبیات القبلیۀ والفئویۀ ….

2- الاستعداد الاجتماعی: لابد أنْ یتعظ الناس من الظلم والجور والأنظمۀ السائدۀ ویشعروا بحرارۀ هذه الحیاۀ المادیۀ والیأس التام من أن مثل هذه الحیاۀ الأحادیۀ النزعۀ یمکنها فی المستقبل حل المشکلۀ القائمۀ….. فقد اتسعت رقعۀ الإرباکات المادیۀ وعدم الأمن والاستقرار إلى جانب غیاب حالۀ الرفاه والرخاء.

3- الاستعدادات التقنیۀ: خلافاً لما یراه البعض من أن بلوغ مرحلۀ التکامل الاجتماعی وعالم مفعم بالأمن والعدل والسلام یقترن ضرورۀ بالقضاء على التقنیۀ المعاصرۀ، بل الواقع أن هذه التکنولوجیا المتطورۀ لیس فقط لا تحول دون قیام حکومۀ العدل العالمیۀ فحسب، بل ربما یستحیل بدونها تحقیق تلک الحکومۀ …. فإن مثل هذه الحکومۀ وبغیۀ إشاعۀ الأمن وبسط العدل فی ربوع العالم، تحتاج إلى العلم بکافۀ المناطق والسیطرۀ التامۀ لتتمکن من تربیۀ المجتمع المتأهب للإصلاح إلى جانب الإبقاء على وعیه وحیویته …. ویبدو أن العالم الذی یرید أن یبلغ هذه المرحلۀ ینبغی أن تتسع فیها رقعۀ وسائل التربیۀ والتعلیم وتتصف بالشمولیۀ بحیث تستند أغلب مشاریعها إلى التثقیف الذاتی، وهذا بدوره یتطلب مراکز ثقافیۀ فاعلۀ ووسائل ارتباط عامۀ وصحافۀ وکتب ضخمۀ والتی لا تتیسر جمیعاً دون وفرۀ الآلات الصناعیۀ المتطورۀ….. فهذه بعض الاستعدادات التی جیب أن تتوفر کمقدمۀ لتلک الحکومۀ العالمیۀ، فإن مسألۀ انتظار الحق والعدل وقیام المصلح العالمی (المهدی) تترکب فی الواقع من عنصرین: عنصر النفی وعنصر الإثبات، وعنصر النفی هو عدم التکیّف مع الوضع الموجود، وعنصر الإثبات هو السعی إلى الوضع الأفضل خلافاً لاعتقاد البعض بأن المحور الرئیسی لانتظار ظهور المصلح المطلق یکمن فی الإحباطات والإرباکات على مستوى الأفکار.

فالانتظار یعنی التأهب التام، فإنْ کنتُ ظالماً فکیف یسعنی انتظار من یضع سیفه فی أعناق الظَلَمَۀ؟

وإنْ کنتُ ملوَّثاً وفاسداً فکیف أنتظر نهضۀً أول شرارتها أن تطیح بالملوَّثین المَرَدَۀ!.

والجیش الذی ینتظر الجهاد الأکبر إنما یرفع القدرۀ القتالیۀ لأفراده وینفخ فیهم روح الثورۀ ویصلح فیهم کل ضعف. فالبعد الأول لهذه النهضۀ یتمثل فی القضاء على عوامل الفساد والانحطاط ویطهر المجتمع من دنس العصاۀ، وما أنْ تنتهی هذه المرحلۀ حتى یأتی دور البعد الإیجابی أی إشاعۀ عوامل الإصلاح.

هناک عبارۀ رائعۀ فی عدۀ روایات بشأن فلسفۀ وجود الإمام علیه السلام فی عصر الغیبۀ یمکن أن تساعدنا فی حل هذه المشکلۀ حیث قال النبی  صلى الله علیه وآله وسلم بشأن فائدۀ الإمام فی الغیبۀ (إی والذی بعثنی نأن بالنبوۀ إنهم ینتفعون به ویستضیئون بنور ولایته فی غیبته کانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب) …. فللأشعۀ المعنویۀ غیر المرئیۀ لوجود الإمام علیه السلام حین تکون خلف سحب الغیبۀ عدۀ آثار تکشف عن فلسفته الوجودیۀ رغم تعطیل مسألۀ التعلیم والتربیۀ والزعامۀ المباشرۀ منها:

أولاً: بث الأمل: إنَّ جُلَّ اهتمام الجنود الأوفیاء فی میدان القتال یتمثل فی حفظ الرایۀ خفاقۀ تجاه هجمات الأعداء بینما یسعى العدو جهد الإمکان إلى الإطاحۀ بهذه الرایۀ ذلک لأن انتصاب الرایۀ یبث روح الأمل والمقاومۀ والصمود ودیمومۀ القتال کما أن وجود القائد (مهما کان صامتاً) یبعث على رفع المعنویات وتجدید القوى وتعبئۀ الطاقات والاندفاع نحو القتال حیث یشعرون بقوۀ حین یرون القائد واهتزاز الرایۀ …. والشیعۀ تعتقد بوجود إمامها حیاً وإن لم تره بینها، وبالتالی فهی لا ترى نفسها وحیدۀ فی الساحۀ (لا بُدَّ من التأمل) فهی تنتظر قدومه وتحتمله فی کل لحظۀ وهذا ما یؤثر على مسیرتها إیجابیاً ومن هنا یمکن إدراک الأثر النفسی لهذا الأسلوب من التفکیر فی بث الأمل والرجاء فی قلوب الأفراد وسوقهم نحو التهذیب والاستعداد لتلک النهضۀ الکبرى، ولو أضفنا نقطۀ أخرى إلى هذا الموضوع لأصبحت القضیۀ أکثر جدیۀ وهی على ضوء الاعتقاد العام للشیعۀ فقد وردت فی أغلب الروایات فی المصادر الشیعیۀ أن الإمام یتفقد طیلۀ غیبته وبصورۀ مستمرۀ أوضاع شیعته ویقف على تفاصیل أعمالهم عن طریق الإلهام وما شابه وحسب الروایات فإن أعمالهم تُعرض علیه کل أسبوع ویحیط علماً بتصرفاتهم وأفعالهم، وهذا الاعتقاد یجعل هؤلاء الأتباع یخضعون لمراقبۀ دائمیۀ یستحضرونها عند کل قول وفعل، الأمر الذی لا یمکن إنکار دوره النفسی والتربوی.

ثانیاً: حمایۀ الدین: قال علی علیه السلام فی بعض الکلمات القصار فی إشارته إلى ضرورۀ وجود الزعمـاء الربانیین فی کل عصـر وزمان، (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجۀ إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبیناته)، فإنه کیف یتم حفظ أصالۀ الدین والحیلولۀ دون التحریفات والانحرافات؟ وهل یتم ذلک سوى من جانب الإمام المعصوم سواء کان مشهوراً ومعلوماً أم مغموراً ومجهولاً (لئلا تبطل حجج الله وبیناته).

ثالثاً: إعداد ثلۀ ثوریۀ واعیۀ: خلافاً لما یعتقده البعض من قطع الارتباط المطلق بین الإمام والأمۀ فی عصر الغیبۀ، بل کما یستفاد من الروایات الإسلامیۀ، فإن هناک ثلۀ من الأفراد الذین یعیشون عشق الله ویتمتعون بقلب ینبض بالإیمان والإخلاص والتفکیر فی إصلاح العالم مرتبطۀ بالإمام وتعدّ بالتدریج من خلال هذه الرابطۀ.

  فهذه بعض الآثار العملیۀ للاستفادۀ من الإمام المهدی علیه السلام فی غیبته.

وأما سبل انتصار ذلک المصلح العظیم، فهل ینهض بالسیف فعلى هذا الأساس ترد بعض الأسئلۀ بشأن قیام المصلح العالمی الکبیر ومنها:

– هل یعتمد على الأسلحۀ التقلیدیۀ للعصور السابقۀ بغیۀ تحقیق النصر وهزیمۀ الجبارۀ والطواغیت؟

– هل تزول کل هذه الوسائل الحدیثۀ والمتطورۀ؟

 وغیر ذلک من الأسئلۀ، فإنه بشأن السلاح فنقول: لابد من الإطاحۀ بالحکومات الجائرۀ والمستبدۀ من أجل استقرار حکومۀ العدل وینبغی على الأقل توفیر الأسلحۀ الأفضل للقضاء على تلک الحکومات، السلاح الذی ربما یصعب علینا الیوم حتى تصوره. ولا یسعنا الإشارۀ إلى هذا السلاح من الناحیۀ المادیۀ أو النفسیۀ أو سائر النواحی وکل ما یسعنا قوله أنه سیکون السلاح الأقوى …..

إذن یجب العمل الذؤوب فی کل المستویات العلمیۀ والاجتماعیۀ والاقتصادیۀ والسیاسیۀ وغیرها لتهیأۀ المجتمع الإسلامی لذلک الأمل الموعود مادیاً ومعنویاً والاکتفاء الذاتی بقوۀ المنتظرین العاملین.

وفی الختـام أسأله تعالى أنْ یتقبل منَّا هذا العمل بأحسن قبوله، وأرجو أنْ أکون قـد وفقت لبیان لمحـۀ من اللمحات المبـارکۀ حول الإمام المهـدی علیه السلام وما یتعلق بغیبته وانتظاره، آملاً لیومه الموعود لیکـون الانتظــار مثمراً قولاً وعمـلاً فی الاستعـداد الحقیقی لذلک والتضحیۀ من أجله والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرین.

بعض الأمور التی ینبغی علینا مراعاتها للفوز بنصرته علیه السلام :

1- دعوۀ الناس لمعرفتهِ وخدمتهِ وخدمۀ آبائهِ الطاهرین.

2- الدعاء لتعجیل ظهورهِ وطلب الفتح والنصر لهُ من الله تعالى.

3- إهداء ثواب الأعمال الصالحۀ کقراءۀ القرآن وغیرها إلیهِ.

4- التوسل بالله تعالى أنْ یجعلنا من أنصارهِ.

5- الاهتمام فی أداء الحقوق المالیۀ کالخمس والزکاۀ وغیرها.

6- المداومـۀ على قراءۀ هذا الدعـاء (یا اللهُ  یا رحمنُ یا رحیـمُ یا مقلبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبی على دینکِ).

7- طلب معرفتهِ من الله تعالى، وذلک بقراءۀ هذا الدعاء عن الإمام الصادق علیه السلام(اللهُمَّ عَرِّفْنِی نفسَکَ فإنَّکَ إنْ لم تعرفْنِی نفسَکَ لم أعرفْ نبیَّکَ، اللهُمَّ عَرِّفْنِی حُجَّتَکَ فإنَّکَ إنْ لم تعرِّفْنِی حُجَّتَکَ ظَلَلْتُ عن دینی).

المصـادر

* القرآن الکریم.

* المراجعات، السید عبد الحسین شرف الدین العاملی، ط3، 1424هـ 2003م، دار إحیاء التراث العربی- بیروت.

* مرشد المغتربین، السید محمد سعید الحکیم، ط1،دار الهلال- النجف الأشرف، 1426هـ 2005م.

* بحث حول المهدی علیه السلام، السید محمد باقر الصدر،ط1 ، قم، 1423هـ.

* أعلام الهدایۀ، المجمع العالمی لأهل البیت علیهم السلام.

شاهد أيضاً

نفاق

ما هو النفاق من منظور الإمام علي(ع)؟

مقالات العربیة – ایكنا: یقول القرآن الکریم “لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ” وهکذا یبیّن لنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *