التَّقي هو الذي يقف عند حدود الله ولا يتعدّاها

التَّقي هو الذي يقف عند حدود الله ولا يتعدّاها

مقالات العربیةوکالة الأنباء القرآنیة الدولیة: نفس اجتناب السَّيئات حسَنٌ وحسَنَةٌ، بل هو عبادة بذاته، لأن مجتنبها ينطبق عليه وصف التَّقي، والتَّقي هو الذي يقف عند حدود الله ولا يتعدّاها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “أَفْضَلُ مِنِ اكْتِسابِ الْحَسَناتِ تَجَنُّبُ السَّيِّئاتِ”.

هذا مسار عملي يرسمه لنا الإمام (ع) في التعامل مع الأعمال التي يجب الإتيان بها، والأعمال التي يجب اجتنابها، والشريعة لا تأمر إلا بما فيه مصلحة مادية أو معنوية، دنيوية أو أخروية للفرد، ولا تأمره إلا باجتناب ما فيه ضرَرٌ مادي أو معنوي، دنيوي أو أخروي. وعلى المؤمن أن يرتقي في إيمانه بجناحين اثنين، جناح الإتيان بالواجبات، وجناح الاجتناب للمحرمات. ويجب أن يكون شديد التنبه لأي خلل يمكن أن يحدث في مساره يعيق حركته، وقد يصيب إيمانه في مقتل.

لقد أكدت النصوص الدينية الشريفة على أن أفضل الناس، وأعبد الناس، وأصلح الناس، وأقرب الناس من الله، هو من أطاع الله، وأعطت الأولوية لتجنُّب المعاصي والذنوب والسيئات، وقدمتها في الأهمية على فعل الحَسنات والمقصود بالحَسنات الأمور المندوبة والمُستحبَّة، وذلك لخطورة الآثار التي تُخَلِّفها السيئات على نفس الإنسان وتالياً على إيمانه والتزامه، إن المرء قد لا يكون مُكثراً من الحسنات، لكنه يجتنب السيئات فيوفِّر له ذلك بيئة طيبة للعمل الصالح، ويدعوه إلى اكتساب الحَسنات، أما لو كان يُكْثِرُ من فعل الحسنات ولا يجتنب السيئات فإن ذلك يُعَرِّض إيمانه والتزامه إلى مخاطر جدية.

الأمر المهم الذي يَجْدُر التنبيه إليه: أن نفس اجتناب السَّيئات حسَنٌ وحسَنَةٌ، بل هو عبادة بذاته، لأن مجتنبها ينطبق عليه وصف التَّقي، والتَّقي هو الذي يقف عند حدود الله ولا يتعدّاها، فإذا أتبع ذلك بالاستزادة من الحسنات كان هو الأتقى والأَوْرَع، وذلك مقام يُغْبَطُ عليه من وُفِّقَ له، أما لو استزاد من الحسنات ولم يجتنب السيئات فلا يعتبر تقياً وَرِعاً، وبالتالي قد لا يفيده فعل الحَسنات، بل لا يفيده، لأن السيِّئات تُحبط الحسنة وتجعلها دون أثر.

وأمر آخَر يجب التنبيه عليه وهو: إن الاستكثار من الحَسنات مع عدم اجتناب السيِّئات يعني أن علاقة العامل مع الشريعة مِزاجية نفعية، ولا تنطلق من إيمان بالشريعة ولا من التزام بها، فهو يفعل الحسنات لأنه يرجو النفع منها، ولو لم يك كذلك لما فعلها، فهواه هو الذي يدفعه لفعلها لا إيمانه واعتقاده، ولا يجتنب السيئات لأنه يتوهَّم أن في اجتنابها تفويت لمنافع يتوهّمها، فهواه أيضاً هو الذي يدعوه إلى عدم اجتنابها، وإذا تحكم الهوى في حركة الإنسان، وكان هو دافعه للفعل أو لعدم الاجتناب، فإنه يمحق إيمانه ويحيله سراباً بقيعة يحسبه الظمآنُ ماءاً.

إننا نجد كثيرين يواظبون على فعل المُستحبات وهذا أمر جيد جداً، ولكنهم لا يجتنبون السيئات وهذا أمر عجيب، ترى واحداً يصوم الصوم المندوب، ويتصَدَّق، ويتقرَّب إلى الله بأنواع القُرُبات وهذا ممتاز، ولكنه لا يجتنب الغيبة ولا النميمة وكلاهما من كبائر الذنوب، وترى واحدة تقيم في بيتها مجالس العزاء وتزور الحسين (ع) في الأربعين وتصرُّ على أن تمشي إليه من النَّجف إلى كربلاء، وهذا توفيق ما بعده توفيق، ولكنها لا تلتزم بالحجاب، والأمر بالستر والحجاب جاء في نصوص قرآنية لا لَبْسَ فيها ولا تحتمل التأويل. وهكذا الحال في سائر ما نراه ونسمعه.

فكيف للمَرْءِ أن يجمع بين الأمرين، طاعة من جهة، ومعصية من جهة أخرى، إقبال على الله في شيء، وإدارة الظهر لأوامره في أشياء أخرى، بل اعتراض عليها، إن ذلك لا يكون من ذي النَّفس السَّوية والتفكير السليم، طبعاً أنا لا أدعو إلى ترك المستحبات والتخلي عن فعل الحسنات، لا، بالقطع لا، ولكن يجب أن تُقرَن باجتناب السيئات فذلك هو الأولى والأهم.

بقلم الكاتب والباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

شاهد أيضاً

69 عاما علي ذكرى مذبحة قبية وجرائم الإبادة للاحتلال بحق الفلسطينيين ما زالت مستمرة

المقالات – شفقنا العربي: يوافق يوم الجمعة، 14 أكتوبر/ تشرين أول، الذكرى الـ69 لمذبحة قبية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.