الحرب العالمیۀ فی عصر الظهور

الحرب العالمیۀ فی عصر الظهور

الشیخ علی الکورانی العاملی

هذه الدراسۀ القیمۀ هی إحدى فصول کتاب “عصر الظهور” للعلامۀ المُحقق الشیخ علی الکورانی العاملی حفظه الله
الحرب العالمیۀ فی عصر الظهور
تدل أحادیث متعددۀ على وقوع حرب عالمیۀ قرب ظهور المهدی علیه السلام. و من المستبعد انطباقها على الحربین العالمیتین الأولى و الثانیۀ القریبتین من عصرنا، لأن أوصافها المذکورۀ تختلف عن أوصافهما، فهی تنص على ظهوره علیه السلام بعدها أو أثناءها، بل یظهر من بعض أحادیثها أنها تقع فی سنۀ ظهوره، أو بعد بدایۀ حرکته المقدسۀ و هذه نماذج من أحادیثها
عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: ” بین یدی القائم موت أحمر و موت أبیض و جراد فی حینه و جراد فی غیر حینه کألوان الدم. فأما الموت الأحمر فالسیف. و أما الموت الأبیض فالطاعون.(1)

و تدل عبارۀ(بین یدی القائم) على أن هذه الحرب و الموت الأحمر تکون قریبۀ جداً من ظهور المهدی علیه السلام. و لا یُعَیِّن الحدیث مکان وقوعها.
و عن الإمام الباقر علیه السلام قال: لا یقوم القائم إلا على خوف شدید و زلازل و فتنۀ و بلاء یصیب الناس، و طاعون قبل ذلک، ثم سیف قاطع بین العرب، و اختلاف بین الناس، و تشتت فی دینهم، و تغیر فی حالهم، حتى یتمنى المتمنی الموت صباحا و مساء من عِظَم ما یرى من تکالب الناس و أکلهم بعضهم بعضاً.(2)
و هو یدل على وقوع الطاعون قبل الخوف الشدید الذی قد یکون الحرب العامۀ و لکن یصعب استفادۀ التسلسل فی أحداثه حتى لو فرضنا أن الراوی لم یقدم و یؤخر فیها، لأن جملۀ(سیف قاطع بین العرب) المعطوفۀ بـ(ثم) یصح عطفها على جملۀ(و طاعون قبل ذلک) المعترضۀ، فیکون اختلاف العرب هذا بعد الطاعون، و یصح عطفها على جملۀ(و بلاء یصیب الناس) فیکون قبل الطاعون. مضافا إلى الإجمال فی هذه الحوادث.
نعم یفهم منه وجود فترۀ شدیدۀ على العرب و الناس أمنیاً و سیاسیاً و اقتصادیاً، و قد تکون هی سنۀ الجوع الموعود فی الروایۀ التالیۀ عن الإمام الصادق علیه السلام قال: ” لا بُدَّ أن یکون قدام القائم سنۀ یجوع فیها الناس و یصیبهم خوف شدید من القتل.(3)
و یدل الحدیث التالی على أن هذه الشدۀ و الحرب، أو حالۀ الحرب، تستمر حتى یکون النداء السماوی فی شهر رمضان قرب ظهور المهدی علیه السلام.
فعن الإمام الباقر علیه السلام قال: یختلف أهل الشرق و أهل الغرب، نعم و أهل القبلۀ. و یلقى الناس جهداً شدیداً مما یمر بهم من الخوف. فلا یزالون بتلک الحال حتى ینادی مناد من السماء. فإذا نادى فالنفر النفر.(4)
و هو یدل أیضاً على أن خسائرها تقع أساساً على الأمم غیر الإسلامیۀ، فعبارۀ: یختلف أهل الشرق و أهل الغرب، نعم و أهل القبلۀ ” عبارۀ دقیقۀ تشعر بأن اختلاف أهل القبلۀ أی المسلمین ثانوی بالنسبۀ إلى اختلاف الغربیین و الشرقیین، و کأنه ناتج عنه و تابع له.
و هذا هو الأمر الطبیعی فی الحرب العالمیۀ المتوقعۀ حیث ستکون أهدافها عواصم الدول الکبرى و قواعدها العسکریۀ و لا تصل إلى المسلمین إلا بشکل غیر أساسی، و قد صرحت بذلک بعض الأحادیث، فعن أبی بصیر قال سمعت أبا عبد الله ـ الإمام الصادق علیه السلام ـ یقول: لا یکون هذا الأمر حتى یذهب ثلثا الناس.
فقلنا: إذا ذهب ثلثا الناس فمن یبقى؟
قال: أما ترضون أن تکونوا فی الثلث الباقی(5) و لعل أکثر النصوص تحدیداً لوقت هذه الحرب و سببها الخطبۀ المرویۀ عن أمیر المؤمنین علیه السلام التی یذکر فیها عدداً من علامات ظهور المهدی علیه السلام و أحداث حرکته، و قد ورد فیها فقرتان تتعلقان بالحرب العالمیۀ قال علیه السلام: ” ألا أیها الناس، سلونی قبل أن تشغر برجلها فتنۀ شرقیۀ، تطأ فی خطامها بعد موت و حیاۀ، أو تشب نار بالحطب الجزل غربی الأرض، رافعۀ ذیلها تدعو یاویلها، بذحلۀ أو مثلها. و یخرج رجل من أهل نجران(راهب من أهل نجران) یستجیب الإمام فیکون أول النصارى إجابۀ، و یهدم صومعته و یدق صلیبها، و یخرج بالموالی و ضعفاء الناس و الخیل، فیسیرون إلى النخیلۀ بأعلام هدى، فیکون مجمع الناس جمیعاً من الأرض کلها بالفاروق وهی محجۀ أمیر المؤمنین علیه السلام بین البرس و الفرات، فیقتل یومئذ ما بین المشرق و المغرب ثلاثۀ آلاف(ألف) من الیهود و النصارى، یقتل بعضهم بعضاً، فیومئذ تأویل هذه الآیۀ﴿فَمَا زَالَت تِّلْکَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِیدًا خَامِدِینَ﴾(6) بالسیف.(7)
و قوله علیه السلام: قبل أن تشعر برجلها فتنۀ شرقیۀ یدل على أن بدایۀ هذه الحرب من الشرق، أو من نزاع فی منطقۀ الشرق.
و قوله: أو تشب نار بالحطب الجزل غربی الأرض ” یدل على أن مرکز تدمیرها هو البلاد الغربیۀ، و حطبها الکثیر القابل للإشتعال، أی قواعدها العسکریۀ و عواصمها و مراکزها الهامۀ.
و یبدوأن معنى قوله علیه السلام: (فیکون مجمع الناس جمیعاً من الأرض کلها بالفاروق) أن الناس یأتون یومئذ من أنحاء الأرض للإلتحاق بالمهدی علیه السلام، و یکون مقره فی العراق بین الکوفۀ و الحلۀ، کما یأتیه ذلک الراهب النجرانی فی وفد من المستضعفین.
و یظهر أن عبارۀ(و هی محجۀ أمیر المؤمنین و هی ما بین البرس و الفرات) حاشیۀ من الراوی أو الناسخ، دخلت فی الأصل.
و لعل معنى المحجۀ أنها مکان اجتماع قوافل الحج فی زمن أمیر المؤمنین علیه السلام، أو أنها کانت مکاناً تجتمع فیها رایات الوفود إلى معسکره أو زیارته.
فیقتل یومئذ ما بین المشرق و المغرب ثلاثۀ آلاف ألف أی ثلاثۀ ملایین، و قد وضعنا کلمۀ(ألف) بین قوسین لأنها وردت فی روایۀ أخرى فی البحار، و لعلها سقطت من هذه الروایۀ.
و لا یعنی ذلک أن مجموع قتلى الحرب العالمیۀ هو ثلاثۀ ملایین فقط، بل قد یکون قتلى ذلک الیوم أو تلک الفترۀ، و تکون مرحلۀ من مراحل الحرب العالمیۀ، و آخر مراحلها. فقد تقدم أن مجموع خسائرها مع الطاعون الذی یکون قبلها أو بعدها یبلغ ثلثی سکان العالم، و فی روایۀ خمسۀ أسباعهم، کما عن الإمام الصادق علیه السلام: قدام القائم موتان موت أحمر و موت أبیض، حتى یذهب من کل سبعۀ خمسۀ،(8) و فی بعضها تسعۀ أعشار الناس.
و قد یکون اختلاف الروایات بسبب تفاوت المناطق أو غیره من الأسباب. و على کل حال فخسائر هذه الحرب تکون من المسلمین قلیلۀ.
و خلاصۀ القول: أن الأحادیث الشریفۀ تدل على أنه یوجد خوف عالمی شامل من القتل قبیل ظهوره علیه السلام، فی سنۀ ظهوره مثلاً، و خسائر فادحۀ جداً فی الأرواح، و بشکل أساسی فی غیر المسلمین.
و هو أمر یصح تفسیره بالحرب العامۀ و وسائلها التدمیریۀ الحدیثۀ المخیفۀ لجمیع أطرافها و جمیع الشعوب. إذ لو کانت حرباً تقلیدیۀ لما کان خوفها بهذا الشمول الذی تصفه الروایات، و لکان منها طرف على الأقل أو مناطق لا یشملها خوف القتل.
و لکن توجد روایات و قرائن ترجح تفسیرها بموجۀ من الحروب الإقلیمیۀ خاصۀ التعبیر الوارد عن الإمام الباقر علیه السلام عن سنۀ الظهور: و تکثر الحروب فی الأرض، حیث ینص على أنها حروب متعددۀ فی تلک السنۀ. و علیه یکون الجمع بینها و بین روایات الإختلاف و الحرب بین أهل الشرق و الغرب، أن ذلک یأخذ شکل حروب إقلیمیۀ بینهم و یترکز دمارها على غربی الأرض.
أما وقتها، فیفهم من الأحادیث أنه قریب جداً من ظهوره علیه السلام، فی سنۀ ظهوره مثلاً، و إذا أردنا أن نجمع بین أحادیث هذه الحرب و صفاتها، فالمرجح أنها تکون على مراحل حیث تبدأ قبیل بدایۀ حرکۀ ظهوره علیه السلام ثم تکون بقیۀ مراحلها بعد حرکۀ ظهوره، و یکون فتحه للحجاز فی أثنائها، ثم تنتهی بعد فتحه العراق.
أما إذا فسرنا أحادیثها بحرب نوویۀ شاملۀ، و أخذنا بما تکتبه الصحف عن الحرب النوویۀ العالمیۀ فإن مدتها تکون قصیرۀ جداً، لا تزید عن شهر واحد کما یذکرون. والله العالم.

 

الهوامش:

(1) الإرشاد للمفید: 405، و الغیبۀ للطوسی: 277.

(2) کمال الدین للصدوق: 434.

(3) البحار: 52 / 229.

(4) البحار: 52 / 235.

(5) البحار: 52 / 113.

(6) القران الکریم: سورۀ الأنبیاء ( 21 )، الآیۀ: 15، الصفحۀ: 323.

(7) البحار: 52 / 82 و 84.

(8) البحار: 52 / 207.

 

شاهد أيضاً

نفاق

ما هو النفاق من منظور الإمام علي(ع)؟

مقالات العربیة – ایكنا: یقول القرآن الکریم “لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ” وهکذا یبیّن لنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *