الجاهلية الحديثة ( الثانية): الأصولية العلوية والماكيافيلية الأموية

تجميع : مهدي روحي
في المنطق الماكيافيلي الذي يعتبر معاوية أحد مظاهرة الجلية، يجب استخدام القوة بقسوة، وهذه ربما أهم قاعدة يجب أن يهتم بها الأمير الحاكم من وجهة نظر ماكيافيلي بما في ذلك نهب وسلب المدن بعد فتحها والانتصار على العدو!

تجميع : مهدي روحي
في المنطق الماكيافيلي الذي يعتبر معاوية أحد مظاهرة الجلية، يجب استخدام القوة بقسوة، وهذه ربما أهم قاعدة يجب أن يهتم بها الأمير الحاكم من وجهة نظر ماكيافيلي بما في ذلك نهب وسلب المدن بعد فتحها والانتصار على العدو!
ويقول الإمام علي عليه السلام:
“أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ، وَلاَ أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقى مِنْهُ، وَمَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ. وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا في زَمَان قَدِ اتَّخَذَ أكثر  أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً، وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إلى  حُسْنِ الْحِيلَةِ. مَا لَهُمْ! قَاتَلَهُمُ اللهُ! قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْن بَعْدَ الْقَدْرَةِ عَلَيْهَا، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لاَ حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ”. 
كما يقول عليه السلام:
“وَاللهِ  مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنَّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ. وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاس، وَلكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ ( وَلِكُلِّ) فَجْرَة كَفْرَةٌ. وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاللهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بالْمَكِيدَةِ، وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بالشَّدِيدَةِ”.
وفي مقابل قول الإمام علي (ع)، قول نيكولا ماكيافيلي (1496 – 1527 للميلاد)، حيث يقول:
الكل يعرف كيف أن صفات مثل الوفاء والالتزام بالعهد والصدق في السلوك وعدم التلوث بالخدعة والمراوغة تفيد الأمير الحاكم، لكن في الجانب الآخر، وقعت أحداث في عصرنا نرى بأم أعيننا بأن الأمراء والحكام ممن لم يكونوا يلتزمون بالعهد والميثاق وكانوا يعرفون رموز التغلب على الآخرين بمدد الحيلة والمكر، قد انجزوا أعمالا كبرى وأصبح موقفهم في النهاية أفضل بكثير من اولئك الذين اعتمدوا الصدق في التعامل مع الآخرين. لذلك دعوا الجميع يعرف أنه يمكن اتباع طريقين للوصول إلى  الهدف، الأول طريق القانون والثاني طريق القوة، الطريق الأول يليق بالإنسان والثاني يليق بالحيوان. لكن بما أن الطريق عديم الجدوى والفاعلية عادة، فإن من الضروري إذن التشبث بالطريق الثاني. لذلك يتوجب على الأمير الحاكم أن يجيد استخدام الطريقتين معا ويقيم الوقت والزمان لاستخدام كل منهما.
ويقول ابن ابي الحديد في توضيح قول الإمام علي (ع):
إن الحاكم لا يمكن أن يقوم بسياسة بليغة وفاعلة إلا إذا تصرف بما يكفل مصلحة الملك وتسهيل الأمور وترسيخ أسس الحكم، سواء كان موافقا للشريعة أم لا، وان لم يتصرف بهذه الطريقة في السياسة والتدبير، فمن المستبعد ان يتسم عمله بالنظام أو ان يترسخ وضعه، وكان أمير المؤمنين (ع) ملتزما بقيود الشريعة وكان يرى أنه الوحيد الملتزم بها وكان يضع جانبا تلك الآراء الحربية والكيد والتدبير الذي لم يكن موافقا للشرع. لذلك فإن قاعدته في الخلافة لم تلك قاعدة الآخرين الذين لم يكن لديهم هكذا التزام.
إن أحد أبرز مواصفات الحكم العلوي في نظر كل ناظر يلقي نظرة ولو خاطفة على تاريخ هذا الحكم، هو أصولية أمير المؤمنين (ع) والتزامه بالصدق والإخلاص في نيل الهدف. إن أحد أكبر بل أعظم مشاكل الحكم العلوي يكمن في تحدي النظرية التي انتشرت على نطاق واسع بعد نحو تسعة قرون في “إيطاليا” على يد نيكولا ماكيافيلي في سياق قاعدة الحكومة ولفتت أنظار واهتمام السياسيين والحكام، وتحولت في أوروبا إلى  الوصفة السريرية للسياسيين الذين كانوا يهتمون أكثر من كل شئ بدوام سلطتهم وثبات حكمهم وتوسيع نطاق نفوذهم وقدرتهم، وطرح هذا السؤال أكثر فأكثر ، هل إن الغاية تبرر الوسيلة حقا؟!
وبلا ريب فإن أكثر المؤشرات رئيسية لهيكلية وأداء الحكم العلوي بعد مبدأ موقعه الذي يميزه عن باقي الحكومات، هو خصوصية الأصولية لدى هذه الحكومة، ولا نبالغ إن قلنا بأن جميع تلك المتاعب والصعوبات التي واجهها الإمام علي (ع) خلال الأعوام  الثلاثين بعد رحيل النبي الأكرم (ص) لاسيما سنوات حكمه، ناتجة عن هذه الخصوصية وتحدي قاعدة  الحكم التي عرفت فيما بعد بالماكيافيلية، وصيغت على هيئة مدرسة سياسية وتحولت إلى  مصدر استلهام لحكام مثل آدولف هتلر الذي كان يقول أنه يضعها دائما بجانب سريره لكي تكون مصدر استلهامه على الدوام.
وقد استهجن قادة المسيحية لاحقا ماكيافيلي واعتبره أناس مثل البابا بول الرابع، بأنه كاتب دنئ ومجرم أو إن الكردينال رجينالد بول، اعتبر كتابه بأنه خط يد الشيطان،  لكن الكل يعرف أن الأمر المقبول والسائد لدى السياسيين المحترفين أو أنظمة الحكم السلطوية، هو الشئ الذي عبر عنه ماكيافيلي بشجاعة في إطار شرح النصائح ضمن كتاب “الأمير”. فهل مستبعد من محتالين ومخادعين مثل عمرو بن العاص الذي استغل حياء الإمام علي (ع) لإنقاذ نفسه عندما كان يقبع تحت سيف الإمام علي (ع) وكشف عن عورته، وإن يكون عديم الإيمان  لدرجة أنه استغل جهل وضحالة جمع من جند علي (ع) ووضع المصاحف الشريفة على الرماح ويقف بخدعة ومكر تحت علم “القران” ليدعو القرآن الناطق إلى  الاحتكام إلى  القران! وهل مستبعد من معاوية ممارسة الخداع حيث علق قميص عثمان الدامي وإصبعه المبتور على منبر الشام وقدم عليا (ع) على أنه قاتل خليفة رسول الله (ص) وحث الشاميين على النحيب والبكاء على مقتل عثمان! وهل يمكن رسم صورة لهؤلاء سوى ما ورد في رسالة ماكيافيلي. إن مقارنة كلام ماكيافيلي مع مقتطفات من كلام الإمام علي أمير المؤمنين (ع) ومن ثم النظر في التحليل الذي قدمه الشارح المعتزلي ل “نهج البلاغة” في تبيان مواصفات الأصولية في الحكم العلوي ووجه تمايزها يمكن أن تعطي بحثا مفصلا لا مجال هنا للخوض فيه. وفي رؤيتنا فإن أحد أكثر  الموضوعات ضرورة يتمثل في الاهتمام بهذه الخصوصية للحكم العلوي بمعناها الواسع. إن الدافع لطرح هكذا موضوعات ليس التبيان التاريخي للحكم العلوي بهدف تحليل حقبة من التاريخ والذود عن أسلوب وقاعدة الحكم وحده رغم أن هذا أمر ضروري وذو قيمة وفي محله. إن التساؤل الرئيسي والعام لهكذا بحث، هو السؤال الدائم والمتمثل في أنه هل الغاية تبرر الوسيلة؟ أم إن معيار النجاح والتوفيق هو تحقيق الأهداف أم إن هناك أدوات وطرائق للوصول إلى  الهدف يشترط وجودها في عملية التقييم. وحتى إن موضوعا مثل حفظ أساس الحكم وتعزيزه  في المنطق العلوي لا يحول دون أن يوضع هذا المهم في إطار المبادئ الإنسانية والقيمية والسياق الشرعي المقبول، وكل ما سواه يعتبر هزيمة حتى وإن نال هدفه في الظاهر. وبناء على ذلك، فإن الحكم العلوي هو المنتصر دائما والسياسة الأموية هي المهزومة حتى وإن كان الجميع المديح لها.
ولا شك أن ما يضفي القيمة وحتى الشرعية على الحكم في منطق علي (ع) ليس فقط أهدافه السامية والنبيلة بل إن الأدوات التي تكفل الوصول اليه تشكل معيارا رئيسيا لإضفاء القيمة والشرعية علي إجراءاته. وفي المنطق العلوي فإن جل الحقيقة وجميع المصلحة تكمن في أصل الحكم وتحكيمه ولا تنتهي بالسلطة، إن الحكم والسلطة هما أداة في خدمة العدالة والقيم الإسلامية والإنسانية النبيلة. لذلك فإن كان ثمن بقاء السلطة انعدام العدالة وقيم الحكم، فانها ستفقد فلسفة وجودها، لأنه إن كان ثمن تحققها يتمثل في التخلي عن المبادئ وامتزاجها بالبدع وممارسة ألاعيب السياسة والابتعاد عن القيم الإنسانية والمعتقدات الدينية فإن “النعل… أَحَبُّ إِليَّ من إِمرتكم” . و “ولَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ” . “وأهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم” . وقرأنا هذا الكلام مرارا بأن أمير المؤمنين (ع) اعتبر الموت أسفا وحزنا على انتزاع حجل من رجل امرأة  ذمية على يد جيش معاوية المعتدي، غير ملوم بل جديرا. “فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هـذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً”  لكننا لم نقرأ في التاريخ بأن الإمام عليه السلام يعتبر نفسه أو الآخرين يستحقون الموت أسفا على فقدان الخلافة! وفي منطق الحكم العلوي، فإن الظلم وإهدار الحق لا يمكن أن يشكلا السبيل لتحقيق العدالة وحقوق الناس:
“فإنه لَيْسَ في الجور عوض من العَدْل”  و “من ظفر من الاثم به والغالب بالشر مغلوب”. 
إن عليا (ع) ومن منطلق منطقه الإلهي الإنساني، يقسم بالله:
“وَ اَللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ اَلسَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي اَلْأَغْلاَلِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ اَلْعِبَادِ وَ غَاصِباً لِشَيْ‏ءٍ مِنَ اَلْحُطَامِ”.
وهذا هو من مقتضيات أصولية الحكم العلوي والتي تتم في إطار الشريعة والتمسك بالقيم الدينية. وقد قال عليه السلام مرارا:
“وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ وَلكِنِّي واللهِ لاَ أَرى إِصْلاَحَكُمْ بَإِفْسَادِ نَفْسِي”.
“قيل لأمير المؤمنين (ع): ان أهل الكوفة لا يصلحهم الا السيف، فقال (ع): ان لم يصلحهم الا افسادي فلا اصلحهم الله”.  
وفي ضوء ما مضى، كان الحكم العلوي وأمير المؤمنين (ع) شخصيا يمران بظروف أصبحت فيها السياسة الماكرة والحيلة والخداع والمراوغة أمرا مقبولا في الحكم، واعتبرت نوعا من الكياسة والدراية، وإن سلوكا كهذا يلقى رواجا عاما بطبيعة الحال. وفي هذه الفرصة، وفضلا عما ذكرنا، نورد باختصار بعض نقاط ومواصفات اصولية الحكم العلوي، لنعطي صورة عامة عن التحديات التي واجهها الإمام عليه السلام مع ماكيافيلية الحكم الأموي وتصديه لكل عمل يجيز ويبيح اكتساب السلطة واللجوء إلى  أي أسلوب وطريقة يكفلان حفظها وتعزيزها.
شفافية السياسة العلوية
ومن أجلى وأوضح مواصفات الأصولية العلوية، تمتعها بالشفافية والصراحة في تبيان المواقف والحديث عن السياسة وتعاملها مع الناس من دون مواربة وتعقيدات، سواء في بداية الخلافة أو قبل تلبية طلب الناس أو مع استمرارها.
وكان الإمام علي (ع) يضع الناس في صورة رؤاه وطريقته في الحكم بصراحة تامة. وكان يبين ما كان يؤمن به وملتزما به. فكان يقول شيئا واحدا في الخلوة والجلوة وكان يتحاشى بشدة المجاملة وخداع الناس وتضليلهم كما كان يدعو أنصاره اليها. ولم يكن يسمح لنفسه كيل المديح لهذا وذاك من أجل امتطاء مركب السلطة أو أن يقبل شرطا خارجا عن حدود معتقداته ومبادئه.
وعندما رتب عمر شورى من ستة أشخاص لتعيين الخليفة من بعده، أعطى هذا الحق لعبد الرحمن بن عوف الذي كان أحد أعضاء الشورى، أن ينتخب الخليفة في حالة تساوي الأصوات. وقد حدث ذلك فعلا. وعندما واجه علي (ع) الاقتراحات المتكررة التي طرحها عليه عبد الرحمن من أنه إن قبل العمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين، فإنه سيبايعه ويصبح خليفة، لكن الإمام علي (ع) رفض الشرط الأخير وقال “إن كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى  إجيري أحد” . وتأخر بذلك لنحو 12 عاما أخرى عن الخلافة والحكم. وعندما جاءه الناس بعد مقتل عثمان، امتنع عليه السلام عن قبول الحكم الذي كان حقه المسلم به، وأعلن بصراحة تامة:
“وَاعْلَمُوا أنّي إنْ أَجَبتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إلى  قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ”.  
لذلك فإن كان هذا الأسلوب قد وجد له سبيلا في منطق علي (ع) لكان في ذلك الشورى قد قبل الخلافة. لكن الإمام وبعد قبول الخلافة، تابع هذه الشفافية من خلال أول خطبة ألقاها في مسجد المدينة وتحدث بشكل حاسم عن نهجه في الحكم والمتمثل في نشر العدل ومكافحة الظلم واعتماد الكفاءة وقال:

“وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلُكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا”.
ومن كلام له عليه السلام فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان: “وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ الإمَاءُ; لَرَدَدْتُهُ; فإن في الْعَدْلِ سَعَةً . وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ، فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ”. .
وكان الإمام علي (ع) يضع الناس في صورة قضايا الحكم التي هي قضاياهم من دون أي زيادة أو نقصان ولم يخف أمرا من السياسة والإدارة والحكم على الناس، إلا ما كان متعلقا بالحرب وهذا طبعا من أجل تفادي استغلال العدو له.
وخلاصة القول أن الإمام علي (ع) كان يعتمد في حكمه، سياسة جلية ومواقف شفافة. وكان يبين مبادئه وبرامجه بصراحته المعهودة. وما كان يقول شيئا يتعارض ومبادئه ومعتقداته من أجل استرضاء هذا أو ذاك ولم يتنصل عن تبيان الحقائق. ولم يسكت عن طامعين ناكثي العهد مثل طلحة والزبير وطغاة فاسقين مثل معاوية ولم يتحدث من أجل استرضاء متحجرين سيئ الفكر ومدعين مثل الخوارج الذين لم يكن يعترفوا به حتى كمسلم. وفي مقابل هؤلاء قال عليه السلام بحزم: أَلاَ مَنْ دَعَا إلى  هذَا الشِّعَارِ فَاقْتُلُوهُ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هذِهِ”.
وفي رؤية السياسيين المحترفين ومن وجهة نظر المنطق الماكيافيلي فإن اتقان الكذب ونكث العهد والحيلة ضروري لنيل الأهداف ونفوذ السلطة والنجاح السياسي. لكن صفات مثل الوفاء بالعهد والصدق والتدين والشفافية يمكن أن تكون قيمة، لكن في الرؤية الماكيافيلية والمنطق الأموي، فإن الحكم والسلطة بحاجة إلى  عناصر ومكونات أخرى لن تنتظم الأمور من دونها ولن تسير الأوضاع على ما يرام للحكام. ومن وجهة نظر هؤلاء فإن الحكم والسلطة لن يتنظما بالقوة والحزم وسلطة القانون،  وثمة حاجة إلى  مكر الثعلب بجانب صولة الأسد. ويقول ماكيافيلي في كتاب “الأمير”:
“لذلك فإن الأمير الحاكم الذي يكون بحاجة إلى  اعتماد أسلوب حصيف للحكم، يجب أن يكون أسدا وابن آوى في الوقت ذاته، لأن الأسد لا يستطيع أن يحمي نفسه من الفخ الذي قد ينصب له على طريقه كما أن ابن آوى غير قادر على الدفاع عن نفسه في مقابل الذئاب، لذلك فإن الأمير يجب أن يكون ابن آوى لكي يعرف الفخ وأسدا ليحارب الذئاب”.
إن عليا (ع) وحكمه يعتبران نفسيهما منزهين من هكذا خداع ومكر سياسيين وأي مبرر لا يملك أن يقنعه بأن يحيد عن المبادئ والقيم والأطر الشرعية المقررة لحفظ وتقوية حكمه، حتى وإن اتهم بالضعف وعدم السياسة، في حين أن تنشئة المجتمع آنذاك كانت بشكل يتقبل فيه معظم الناس هذا الأسلوب وحتى إنهم كانوا ينصحونه باتباعه. وهذه طريقة علي (ع) في السياسة والحكم. ونِعْمَ الطريقة.

شاهد أيضاً

الجاهلية الحديثة ( الثانية): ماكيافيلي والسياسة

محمد رجبي من أجل الفهم الأمثل لآراء ونظريات ماكيافيلي، لابد بداية من معرفة مفهوم التجدد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *