مجتبى كافي
لقد أعدم جيرولامو سافونارولا حرقا في 23 مايو 1498 في إيطاليا بسبب عقيدته الراسخة. وكان شخص يدعى ماكيافيلي، أحد مشاهدي مسرح الإعدام حرقا، وبعد مشاهدته الحادث، خرج على الفور بانطباع مؤداه أن الصدق والصداقة، هما أسوأ السياسات. وقد ضربت هذه العقيدة بجذورها في ذهنه وتجلت لاحقا في تاريخ الفكر الإنساني كأحد أكثر التعليمات شرورا.
مجتبى كافي
لقد أعدم جيرولامو سافونارولا حرقا في 23 مايو 1498 في إيطاليا بسبب عقيدته الراسخة. وكان شخص يدعى ماكيافيلي، أحد مشاهدي مسرح الإعدام حرقا، وبعد مشاهدته الحادث، خرج على الفور بانطباع مؤداه أن الصدق والصداقة، هما أسوأ السياسات. وقد ضربت هذه العقيدة بجذورها في ذهنه وتجلت لاحقا في تاريخ الفكر الإنساني كأحد أكثر التعليمات شرورا.
وقال ماكيافيلي أن المراوغة والرذيلة، هما أقصر الطرق لتسجيل النصر.
إن تعليماته، تحولت إلى خارطة طريق للظلم والخداع والتزوير. فماكيافيلي أصبح إلى اليوم مصدر إلهام للمغامرين السياسيين وجميع الذين يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت الوسيلة دنيئة وحقيرة وخبيثة.
وكان ماكيافيلي نموذجا بارزا وشخصا ذائع الصيت في سياسة ذلك العصر، عصر سيزار بورجيا إله التضليل والأستاذ البارع في التقتيل والترويع. وأصبح بورجيا دوق “إيطاليا المركزية” بعد قتله لشقيقه وصهره ونسبائه وأصدقائه الآخرين الذين شكلوا عائقا أمامه، وأحد القادة المتنفذين في أوروبا. لقد تميز بدرجة من الموهبة والشيطنة كان يطعن أصدقاءه بسكين بينما كان يحتضنهم ويسمم ضيوفه وهم في ضيافته.
إن سيزار بورجيا لم يكن شخصا استثنائيا بل ممثل قادة العصر الذين كانوا يسعون لتوجيه اهتمام وانتباه الناس نحو السماء والجنة وانتزاع الأشياء الدنيوية الجيدة منهم. ولم يكن هؤلاء يبدون أدنى حرص على تطبيق العدل والتسامح، بل انكبوا على السلطة والثروة ايما انكباب، وكانوا يوحون بأنهم يؤمنون بالله لكنهم كانوا يصغون في الحقيقة لنداء الجشع والنهم.
و”الكتاب المقدس” كان في رأيهم مجموعة من المبادئ والتعاليم التي وضعت للعبيد والرقيق. ولم يكونوا يصدروا أوامر ونواهي للذين كانوا يرجحون أن يشغلوا مستقبلا مناصب رفيعة، وكانت الرئاسة والزعامة مبتغاهم الإنساني الوحيد وكانوا يؤمنون بدولة لا قلب لها.
وإجمالا كانت هذه آمال وتطلعات محبي السلطة والجاه الأوروبيين في عصر ماكيافيلي، وربما كانت ثمة استثناءات. ففي هذا العصر حظى أناس بالاحترام ممن صعدوا سلالم الرقي في ظل ممارسة الترويع وسفك الدماء، وهؤلاء أفراد نضحوا بشتى ألوان الشرور والحقارة، مثل بعض سكان حوض “البحر الأبيض المتوسط” ممن وصفهم نيتشة لاحقا بالحيوانات الشمالية ذات الشعر الأصفر وكنّ لهم احتراما خاصا.
وكان هذا الفريق الهمجي والمتوحش يظن بأن فلسفة أفلاطون والتعاليم الأخلاقية للكتاب المقدس، لا تلبي طموحاتهم ولا تفيدهم في هذه الدنيا. لذلك فإنهم كانوا بحاجة إلى تعليمات اخلاقية تعلمهم كيف يمكن لهم أن يخدعوا الآخرين بطريقة أفضل وأن ينهبوا ويسلبوا ويريقوا دماء الناس من أجل الزعامة والحكم. إنهم كانوا بحاجة إلى فريق جديد، وكانوا يبحثون عن فريق يصلح للسارقين والحقراء.
وقد لبى ماكيافيلي طموحهم وحاجتهم. وكان هو حريص للغاية على تولي الرئاسة وتبوؤ موقع الصدارة، ولكي يخطب ود ويستجلب رضا حكام عصره، وضع تعليمات تصلح لارتكاب الموبقات والمخالفات ووضعها بتصرفهم لكي يتسنى لهم سحق الناس وبلوغ الذروة والوصول إلى القمة.
إن أسلوب علم الأخلاق لماكيافيلي يحوي مبادئ حديثة للظلم والطغيان ومصير ملئ بالحوادث ومشحون بالحقد والضغينة والمكر. فقد وضع مقررات نحاسية بدلا من القواعد الذهبية: تصرف قبل أن يتصرف الآخرون ضدك.
وقد رفض ماكيافيلي الموعظة والخطابة الشهيرة التي أدلى بها السيد المسيح (ع) بها فوق التلة، لأنه كان يرى بأن تلك الأحلام لا تطبق على أرض الواقع وقام بتعليم الحيلة والخديعة بدلا عنها وجد وجهد في الترويج لها: إن السعداء هم من اللؤماء والدنيئين. وهؤلاء يرثون العالم.
ومن أجل أن ينال نصيبه وحصته، خان الأفكار التي كان يروج لها، لأنه أيد في أحد كتبه الذي حمل عنوان “مقالات” هذا المثل اللاتيني القديم الذي يقول : إن صوت الشعب هو صوت الله، لكنه عاد وروج لمبدأ يتعارض مع هذا بالكامل في كتابه المهم “الأمير” وقال: إن صوت الشعب هو لعنة وشؤم، لا تدعوا سوى طنين المستبد والظالم، يملأ الأجواء.
لكن الحظ لم يحالف ماكيافيلي ولم تتحقق أمنياته وطموحاته، لأنه ألف كتابه حتى يتقرب زلفى من الملك، لكن الملك تعلم درسه من ذلك الكتاب جيدا، وكان يعرف بأن ماكيافيلي هو جزء من مخلفات ونفايات الأرض. وكان الملك، يقبل بالتزلف والتملق لكنه كان ينبذ ويطرد المتملقين والمتزلفين، لذلك بقي ماكيافيلي فقيرا ومغمورا. لكن التعاسة طالت الناس وقبلت فلسفة ماكيافيلي وهذا المريد للشيطان أصبح لحد هذا اليوم، القائد المنتصر في الحياة العملية بنظر الكثير من الأشخاص.