إسماعيل شفيعي سروستاني
إن مفردة “التعصّب” تنطوي على مفهوم سلبي وردئ في العلاقات الاجتماعية وذلك بسبب خلفيتها وتجربة الإنسان لمصاديقها. بعبارة أخرى يتم اعتبارها كصفة إنسانية رذيلة ودنيئة تعكس شكلا من التبعية غير المنطقية لأمر ما. لذلك يعتبر التعصب بشكل عام عائقا أمام درك الحق وسببا لتغليب وتفضيل الباطل.
إسماعيل شفيعي سروستاني
إن مفردة “التعصّب” تنطوي على مفهوم سلبي وردئ في العلاقات الاجتماعية وذلك بسبب خلفيتها وتجربة الإنسان لمصاديقها. بعبارة أخرى يتم اعتبارها كصفة إنسانية رذيلة ودنيئة تعكس شكلا من التبعية غير المنطقية لأمر ما. لذلك يعتبر التعصب بشكل عام عائقا أمام درك الحق وسببا لتغليب وتفضيل الباطل.
ولا شك بأن هذا الوجه من التعصب تسبب طوال التاريخ بمشاكل وتداعيات لا تحمد عقباها للبشرية. فضلا عن أن التعصبات غير المحمودة أدت إلى اندلاع الكثير من الصراعات في مسار توسيع فكر وثقافة الأنبياء الإلهيين العظام. ومن حيث اللغة، فإن التعصب مشتق من العصب وهي اطناب وأوتار تربط مفاصل العظام والعضلات مع بعضها والتعصب والعصبية يدلان على أي انتماء وتبعية فكرية وتطبيقية شديدين يعيقان كشف الحقيقة ودرك الكمالات.
ولا ننسى بأنه لا يجب فقط استنتاج المفاهيم السلبية من هذه الألفاظ والمفردات. فإن تم استخدام الاطناب والألياف التي تربط العظام والعضلات في محلها وبطريقة مؤاتية فانها تضفي قواما وجمالية على الأعضاء والجسم ، مثلما أن التعصب في محله وأوانه يسهم في تقويم وتصويب الأعضاء الاجتماعية والعلاقات الثقافية.
ولذلك فإن التعصب ينقسم إلى قسمين إيجابي وسلبي أو بالأحرى مذموم ومحمود. بحيث أن الانتماءات الجهوية وغير العقلانية والعرقية والقبلية والحزبية تعتبر تعصبا مذموما أو جاهليا وفي المقابل فإن الانتماء الواعي للدين والعلاقات الحقة، تعتبر تعصبا وحمية ممدوحة.
ويتطرق أمير المؤمنين الإمام علي (ع) في “الخطبة القاصعة” إلى الوجهين المذموم والمحمود للتعصب ويقول: ” فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ نِيرَانِ الْعَصَبِيَّةِ وَأَحْقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ… “؛ ومن ثم يقول: “فإن كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ وَمَحَامِدِ الْأَفْعَالِ…”؛
وهذا يشكل مصدر ومنشأ الحمية والتعصب التي تبرز في مفهومين ووجهين وبعدين إيجابي وسلبي، محمود ومذموم. ومثلما أن دوام وبقاء الرذائل الأخلاقية الفردية والجماعية يستمدان قوتهما من غيرة أصحاب الحمية والتعصب، فإن دوام وبقاء مكارم الأخلاق ومحامد الأفعال الفردية والجماعية يستمدان قوتهما من غيرة أصحاب الحمية الممدوحة. وربما لهذا السبب قال النبي الأكرم (ص): “إنَّ الغَيرة مِن الإيمان”. وهنا يعتبر النبي الأكرم (ص) الغيرة والتعصب نابعان من الإيمان وفي مكان آخر يقول عليه السلام: “مَن تَعَصَّبَ أو تُعُصِّبَ لَهُ فقَد خَلَعَ رِبْقَ الإيمانِ مِن عُنُقِهِ”،
وجئت بهذه المقدمة لأقدم تعريفا عن هذه “الصفة”، ليتضح بأن المعاني والمفاهيم المترتبة عليها هي ذو بعدين و وجهين. رغم أن العصر الحاضر وبسبب سيادة الثقافة الغربية عليه أصبح في الظاهر ينبذ أي تعصب، لكنه يدعو الجميع في الباطن إلى التعصب تجاه عدم الحمية والغيرة وتكريم الخصائل المذمومة والتعاليم العملية والثقافية الغربية ويعتبر العدول عنها مؤشرا على التخلف والتحجر ويصف المتدينين من أصحاب الغيرة والحمية بالمتعصبين والمتحجرين.
ويقول الإمام السجاد (ع):
“وأن العصبية التي يأثم صاحبها : أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ، ولكن من العصبية أن يُعين قومه على الظلم”؛
إن ما جعل العصبية تكون مذمومة لدى رسول الله (ص) واعتبرها مؤشرا على الجاهلية هو وجهها المذموم إذ إن عرب الجاهلية كانوا يستندون إلى الأواصر القبلية والقومية ليحولوا دون انكشاف الحقيقة وسريان السُنن الممدوحة ومعاقبة الظالم. إن مظلومية أو عزلة السُنن في هكذا عصبيات تؤدي في الحقيقة إلى رسوخ الجاهلية التي أنزِل القرآن الكريم وبُعِث رسول الله (ص) من أجل نسخها. لذلك فإن النبي الأكرم (ص) ولإضعاف وتقويض هذه العصبيات يقول:
“من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية”؛
إن جزءا كبيرا من حياة وجهاد رسول الله (ص) والمسلمين المؤمنين في صدر الإسلام خصص لمكافحة هذه العصبيات الجاهلية التي كان يتبعها العرب بسبب المنشا الثقافي والنظام القبلي وكانوا يُعرَفون بهذه الصفة المذمومة.
إن ما كان [ومايزال] يؤدي إلى خروج أهل العصبية المذمومة من صفوف المؤمنين هي النسبة التي أقيمت مع إبليس بواسطة التعصب، لأن هذه الصفة المذمومة تضرب بجذورها في الطبيعة والخصلة الباطلة لكائن غير رحماني.
إن إبليس ومن خلال مقارنة نفسه بآدم (ع) وهي مقارنة لا أساس لها ، كان يعتبر أن أمرا اعتباريا هو سبب رجحانه وأفضليته وكان يصر عليه من دون حجة حقيقية وإلهية. وأصبح إبليس بسبب هذه الغيرة المذمومة، مستعدا للدخول في مواجهة مع الله سبحانه وتعإلى الذي هو منشأ ومصدر كل قيمة وتحديد حدود الحق والباطل.
وعن الإمام الصادق (ع):
“إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم ، وكان في علم اللّه أنّه ليس منهم ، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة و الغضب ، فقال : . . . خلقتني من نار و خلقته من طين”؛
إن العصبية المذمومة وضحت موقع الشيطان لدى مشاهدته آدم وفصلته عن مرتبة وصفّ الملائكة. إن العصبية تزيح في الحقيقة الستار عن ما في النفس لتتضح مكانة ومرتبة كل كائن.
ويقول الإمام علي (ع) في الخطبة 192:
“أمّا إبليس فتعصّب على آدم لاصْله، وطعن عليْه في خلْقته، فقال: أنا ناريٌّ وأنْت طينيٌّ”.
إن ظهور هذه الصفة المذمومة لدى إبليس جعلته يكون في صدارة من أظهر العصبية وتبع الحمية، لكي يتم مذاك فصاعدا التعرف على الرجال والنساء الذين يتفاخرون ويتباهون باعتبارات قومية وقبلية ونسبية وما شابهها، ويعتبرون أنهم يتمتعون بموقع أرفع وحق أسمى من الآخرين، وبالتالي فصل صفوفهم عن صفوف الآخرين.
إن ما أدى إلى طرد إبليس من رحمة الله هو العصيان والعصبية. وهذا ما جعله يستأهل ويستحق طبعا اللعنة والرجم.
ولا يخفى بأن هذه العصبية المذمومة والتي تفتقد إلى المصداقية الشرعية والعقلية، ادت إلى كسر نطاق السلامة والعبودية ولجوء إبليس إلى العصيان والتمرد. فقد طُرِد إبليس من صف عباد الله الصالحين لأنه استكبر واحجم عن السجود لآدم (ع) وانخرط في صفوف المتمردين والعاصين. ويعتبر الإمام السجاد (ع) في رواية ملفتة، العصبية المذمومة بانها وراء ارتكاب الذنوب ويذمها فيقول عليه السلام:
“العَصَبيةُ التي يأثَمُ عليها صاحبُها”؛
والمقصود من العصبية [المذمومة] هي أن الشخص التي يتصف بها، يصبح آثما. أي إنه يبلغ مرحلة يرى فيها الرجل شِرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، ويذهب أبعد من ذلك فيُعين قومه على الظلم.
ويشير الإمام السجاد (ع) إلى ثوران وفوران هذه العصبية. فالمتعصب يتجاهل بداية الحق من دون سبب عقلي وشرعي ويناصر الباطل، ويرتكب الإثم والذنب، لكنه يصبح شريكا في ظلم فريق في سياق الدفاع عن القوم والقبيلة والحزب ويؤدي إلى حدوث مفاسد اجتماعية أكبر. ان هذا الدنس لا يبقى في نطاق ضيق بل يمضي قدما مرحلة فمرحلة لدرجة يدفع الأجيال المتتالية للركون إلى الباطل في الحدود العقائدية والثقافية وبالتالي التعامل والعلاقات وتصبح حامية وناشرة ومبشرة للبدع وسببا لتعطيل السنن الحميدة.
ويبدو أن البعد الاجتماعي للعصبية ونطاق ومدى أثرها في العلاقات والتعامل الجماعي جعلها مذمومة إلى هذه الدرجة. وهذا البعد من العصبية يؤدي إلى وقوع انحرافات كبرى وتاريخية وحدوث منعطفات مهمة.
ويرى الإمام علي (ع) أن العصبية بجانب الكبر والجور والحسد والخيانة والجهل هي مصدر تشكل ست مجموعات اجتماعية ينزل عذاب الله على أصحاب تلك الصفات الرذيلة، فيقول عليه السلام:
“أن الله عز وجل يعذب ستة بستة: العرب بالعصبية والدهاقين بالكبر والأمراء بالجور والفقهاء بالحسد والتجار بالخيانة وأهل الرساتيق بالجهل”.
والملفت أنه ورد في الرواية بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعوذ في كل يوم من ستة أمور : الشك والشرك والحمية والغضب والظلم والحسد.
وقد اجتمعت في إبليس صفات الحسد على آدم (ع) والتعصب بشان كونه من نار والكبر الذي تسبب باستكباره وخيانة ربه ومولاه ليس لتطرده من رحمة الله فحسب بل أصبح في زمرة الملعونين المطرودين من رحمة الله إلى الأبد.
وكل هذا، أدى في المنعطفات المهمة لظهور ثقافة الجاهلية ما تسبب في ظل سمسرة الشيطان الذين عكف على إغواء أبناء آدم (ع) بإيجاد العصيان والوثنية والاستكبار وقيام الحضارات المشركة على الأرض.
وكان قد أقسم بعزة الله بإغواء كل ابناء آدم (ع) إلا عباده الله المخلصين.
“فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 82 إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ 83”.
وجدير ذكره أن مجمل هذه الرذائل لاسيما العصبية قد وضعت غشاوة على عين إبليس لتغلقها على حضرة خليفة الله ما دفعه لإنكار مقامه وشأنه الإلهي وحاول مستميتا غصب هذا المقام والاستحواذ عليه.
وبعده، سلك بنو إبليس وبنو قابيل وبنو إسرائيل هذا الطريق وارتكبوا على طريق الغصب والاستيلاء على مقام خليفة الله جرائم مثل قتل الأنبياء والأوصياء والأولياء وحرفوا المسار الحقيقي للتاريخ وادوا إلى تشكل ألوف الفرق والمجموعات والمئات من الثقافات والحضارات الإلحادية والمشركة والبدع، لإغراق أبناء آدم في بحر من الشبهات والمفاسد والرذائل وجرهم إلى العصيان والإنكار والقائهم في الجحيم والعذاب الإلهي الأليم إلى الأبد. وهذا هو وفاء الشيطان بعهده الذي كان قد أقسم بشانه.
وكان النبي الأكرم (ص) يعرف جيدا أنه كما سار عرب الجاهلية في عصر الجاهلية الأولى في صحراء العصيان والإنكار وعاشوا ثقافة الشرك، فإن عودة الجاهلية الثانية على إثر تجربة العصبية من جديد أدت إلى ظهور عصر لا يمكن إصلاحه إلا من خلال ظهور وصي رسول الله (ص) الإمام المهدي المنتظر (ع).
وإن ألقينا نظرة بفراسة وبصيرة على الحروب والصراعات الدامية التي اندلعت طوال التاريخ وبحثنا عن سبب وسر قيام الأحزاب والجماعات والفرق والمذاهب وحتى الحدود الجغرافية والثقافية بين عامة الخلق، فإننا سنجد أن أساس كل ذلك يكمن في العصبية أو الغيرة المذمومة البعيدة كل البعد عن المعايير والمقاييس الحقيقية.
وكما أن العصبية تسببت في الأيام الأولى التي تلت رحيل النبي الأكرم (ص) في تشكيل السقيفة، فإن هذا السبب جعل من بني تميم وبني ربيعة (القبيلتان الكبيرتان في عصر النبي (ص)) رائدتان في عسكر الخوارج ليقفوا بوجه الإمام علي (ع) وبعدها اصطف بنو عباس وبنو مروان وآخرون في صف سجله إبليس باسمه منذ البداية وحتى النهاية.
وتشكلت القومية والاشتراكية والماكيافيلية والقومية الإيرانية والقومية العربية والقومية التركية والصهيونية و… ومئات الأسماء والألقاب الأخرى حور محور التعصب القومي والفئوي وتسببت بحروب إقليمية ودولية دهست وقتلت تحت عجلاتها وأقدامها الملايين من أبناء البشرية.
وقد اكتسحت أنواع الإيديولوجيات تاريخ الأعوام الأربعمائة الأخيرة للغرب.
ومع شطب الدين من الحياة الاجتماعية والسياسية لسكان الغرب وعلمنة الثقافة، تحولت الإيديولوجيات إلى مجموعة من التعليمات السياسية والاجتماعية استندت إلى الاستنباطات والاستنتاجات الإنسانية عن الكون لتتولى إدارة وتنظيم العلاقات. وتبلورت في داخل هذا نطفة الأزمات والمآزق بحيث أن الأزمات الشاملة في المجالات الثقافية والحضارية ضربت هذه الثقافة والحضارة ودفعتها إلى السير على حدور السقوط والاضمحلال.
وانهمكت الإيديولوجيات تحت أي مسمى، سواء الاشتراكية والقومية و… متاثرة بالعصبية والانحياز لانطباع عن الوجوه المختلفة لحياة الإنسان وبمنأى عن السماء والتعاليم الدينية، انهمكت في التنكر للحقائق الواردة في الكتب السماوية وأنزلت الشأن القدسي للإنسان والعالم إلى مرتبة الحيوان والجمادات واتخذت من خلال نبذ أي حجة إلهية ومعينة من الله، النفس الأمارة وهواجس الإنسان معيارا ومقياسا لسلوكها. ولهذا فإن الإيديولوجيات تحولت إلى مصدر للتشتت والانغلاق والأزمات والعصبية التي أصبحت أشد وأعتى بكثير من العصبية الجاهلية.
وقد نهلت الأحزاب الجديدة بمجملها من منهل هذه الإيديولوجيات لتجعل من الحروب والصراعات السمة التي سادت كل سنوات القرنين التاسع عشر والعشرين.
وانقضى القرن العشرون فيما خلف أكثر من مائة مليون قتيل من أبناء البشرية. وكل هؤلاء القتلى كانوا قد انجروا إلى مسلخ التعصبات الحزبية قبل أن يلقوا حتفهم بواسطة رصاصات وقنابل قوات الحلفاء والمحور. إن ألوف الأحزاب السياسية والاجتماعية تدعي تحقيق السعادة والرفاهية والحرية للإنسان لكنها ترفع راية الاستبداد والفقر والظلم.
إن الكل يركز من خلال العلامات والماركات والأعلام على أحقية أمور اعتبارية مثل الدم والعرق والثروة والحزب، لكنهم يتسابقون معا في مجال تجاهل الإمام المبين وممارسة الحقد والكبر وخيانة الإنسان.
وثلاث عشر نهجا وثلاثة عشرة أسرة إيلوميناتية ثرية تفرض هيمنتها الشيطانية عن طريق المحافل الماسونية ولجنة 300 وبيلدربرغ والمنظمات الدولية و… على كل العالم فيما لا تملك سوى التفاخر القومي الجاهلي والقبلي والعرقي المهترئ.
فأي علامة مشتركة تشاهدون على أعلام وعلامات الأحزاب المسيطرة على العالم؟ أم أي رموز حقيقية نابعة من مدرسة الأنبياء الإلهيين العظام؟
وقد وضع الكل، التحيز لأئمة الكفر على جدول أفعالهم وأقوالهم ويفتخرون بذلك.
ومن بين هؤلاء، هناك من الناس من يعيش حالة من الجهل والغفلة فمنهم من يناصر هذا الحزب وهذه الفئة ومنهم من يناصر ذلك الحزب وتلك الفئة ويدافعون عنهم بتعصب وحتى إنهم يدخلون الساحة ويضحون بأنفسهم من أجلهم، ويصبحون جميعا شركاء في الظلم الذي يزيد من ظلامة الحياة الثقافية والمادية.
وكأنه يتعين الأخذ بعين الاعتبار نداء رسول الله (ص) حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم:
“فَيملأ الأرض قِسْطا وعَدْلا كَما مُلئت جَوْرا وظُلْما”؛
لقد تقدم إبليس من خلال اكتشاف قوة العصبية وفاعليتها في بسط الجهالة وسار قدما بحيث لا يوجد أي عامل مشترك حتى لجمع سكان مدينة صغيرة ما حول محور واحد ناهيك عن إثبات كتاب الله وآل الله كقطب الثقافة والحضارة. إن أبناء الشيطان بالتبني أدركوا جيدا أنه يمكن الإفادة من الموسيقى والسينما والرياضة وحتى موضوعات مثل البيئة والرغبات الجنسية لتأسيس فرقة وحزب وسيروا جميع التعصبات والغيرة الجماعية باتجاه تحقيق ذلك وزادوا من عمق الجاهلية الحديثة.
إن نبذ وإنكار الصهيونية أصبح اليوم مثيرا للمشاكل في أوروبا بقدر ما يثير الاحتحاج على المثلية الجنسية من متاعب.
إن الخشية من إلصاق تهمة انتهاك حقوق الإنسان تدفع كل حكومة لتكيف نفسها مع معايير ومقاييس الولايات المتحدة الأمريكية والمنظمات الماسونية العالمية.
إن وجود زهاء أربعة آلاف فرقة شبه دينية تتوفر قائمة بتسجيل الفين منها، يزيح الستار عن تفشي الفرقة والتحزب والتعصب والعصبية المروعة التي عرضت ثقافة الإنسان المعاصر وأخلاقه وسلامته للخطر. وكأننا نشهد تحقق جميع آمال وتطلعات إبليس في إغواء عموم أبناء آدم عن طريق إذكاء العصبية وهو ما يطلق عليه الجاهلية الثانية من جهة وتوافر أمر بشرّ به النبي الأكرم (ص) ويقع بعد أن تمتلئ الأرض ظلما وجورا من جهة أخرى. عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم:
“فَيملأ الأرض قِسْطا وعَدْلا كَما مُلئت جَوْرا وظُلْما”؛