وعلى الرغم من انتظار سكان الربع المسكون، فإن الأزمات السياسية والاجتماعية والعسكرية في كل اصقاع الأرض، تتوسع نطاقها يوما بعد يوم. وهذا الوضع، زاد من حساسية الظروف التاريخية السائدة وفي هذا الخضم فإن “العالم الإسلامي” يري نفسه يمر بأزمة أكثرمن الآخرين.
بقلم اسماعیل شفیعی سروستانی
وهذه الظروف لا يمكن مقارنتها بأهم المنعطفات التاريخية الماضية التي مرت بها الشعوب والأمم، لانه في الظروف الحالية:
1- التاريخ الغربي المتأزم، يئن ويضطرب كمن حضره الموت المحتوم؛
2- طليعة تاريخ المستقبل، التي باشرت باسم الدين وبالاسم المقدس لموعود آخر الزمان، تتحدي مجمل الماهية والصورة المهتزة للتاريخ الغربي المنسوخ لتحدث تطورا ثقافيا ضخما في المسيرة التكاملية؛
3- الاشرار اليهود (الصهيونية العالمية) ممن يعيشون حلم الهيمنة والسلطنة العالمية، يعدون أنفسهم لخوض مواجهة كبيرة ونهائية وحفظ الوضع القائم، ويحصون الدقائق واللحظات لهذا الغرض؛
4- الغفلة التي تطغي حاليا على عامة البلدان الإسلامية والافراط بالتفاؤل بالحداثة والاستقرار المادي، دفعتهم إلى التفاؤل المفرط بحفظ الوضع القائم؛
5- الأزمة الطاحنة، جعلت عامة المستضعفين ينتبهون إلى احتقان والتهاب نهاية العصر وسلطت عليهم نوعا من الاضطراب والانتظار والترقب.
وفي ظل هكذا وضع، ركبت المسيحية البروتستانتية وأكثرمن سائر الملل النحل، موجة الظروف ورات ان الفرصة سانحةللتواجد الشامل في الساحة، بحيث أنها سخرت جميع الإمكانات الكامنة والفعلية للاشرار اليهود وعرضت جميع المسلمين والمسيحيين (الكاثوليك والارثوذكس والآخرين) وحتى اليهود غير الصهانية للخطر من أجل فرض ظروف حربية بالكامل على العالم لاسيما “الشرق الاوسط”.
وجدير ذكره ان تيار المسيحية البروتسانتية أو بالاحري المسيحية الصهيونية،
1- يقدم نفسه في ضوء توجه اصولي، على انه ناقد الظروف الثقافية والأخلاقية للعصر الحديث، بحيث أنه انتقد في عقدي السبيعينيات والثمانينيات، المساوئ الأخلاقية في اميركا، ليوسع من نطاق حضوره الاجتماعي؛
2- انه وفي ظل توجه يعني بنهاية الزمان لكنه ماكر، يدق على طبول التمهيد لمجئ المسيح الثاني ويقدم نفسه على انه يلبي طموحات عصر ما بعد الحداثة ومؤسس التاريخ المستقبلي؛
3- يستثمر جميع الإمكانات والادوات السياسية والعسكرية لاقوي دولة في العالم أي أمريكا، لنيل مآربه؛
4- انه يقف بكل ما اوتي من قوة في خدمة الاشرار اليهود (الصهيونية العالمية).
إن شراسة الطبع والاستعجال واللجاجة التي لا توصف والسائدة بين موجهي هذه النِحلة شبه الدينية والظروف آنفة الذكر، ادت إلى ان يستغل هؤلاء فراغ القطب الثاني في العالم السياسي ما بعد انهيار “الاتحاد السوفيتي”، ليركزوا جل اهتمامهم على مكافحة وقمع جميع المعأرضين وترسيخ اسس الحكومة الكونية.
وبما ان هذا التيار، جعل الشرق الاوسط ومحوره فلسطين وبيت المقدس، ساحة لنشاطه وعمله، فإن الشرق الإسلامي، تكبد اكبر الاضرار والخسائر من جراء هذا التيار.
إن عوامل مثل غياب المعرفة باستراتيجية هذا التيار لدى قادة الدول الإسلامية وانعدام التوافق والتناغم بين الشعوب الإسلامية وانعدام الارتباط الوثيق والتماسك بين الانصار المخلصين للأديان الابراهيمية الكبرى (الإسلام والمسيحية واليهودية)، دفعت بهذا التيار لتضييق الخناق على الآخرين يوما بعد يوم، وجعلهم يتكبدون خسائر ويتعرضون للقتل والنهب والحروب المفروضة.
وفي خضم جميع الحروب والصراعات الاقليمية والدولية، فإن الجهل باستراتيجية الخصم وتجاهل ضرورة تصميم وصياغة استراتيجية المواجهة، تسببا باربع خسائر رئيسية هي:
1- خسارة المواقف والمواقع؛
2- تبخر الفرص وتحولها إلى تهديد؛
3- مقتل وإصابة الناس؛
4- زوال الرساميل والإمكانات.
وفي ضوء الظروف التي ذكرت، أي غياب المعرفة والتوافق والارتباط، في العلاقات والارتباطات بين المسلمين، فإن حجم الخسائر الاربع يزداد لحظة بلحظة، في حين انه لا خيار امام المسلمين سوي اتخاذ الموقف الملائم تجاه التكتيك والاستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية للعدو وتهديداته.
وتم الحديث خلال السنوات الأخيرة مرارا عن ايديولوجية هرمجدون واهداف ومآرب المسيحية البروتستانتية والتي اسفرت اليوم عن تشكيل اتحاد الدلتا، أي الاتحاد الستراتيجي بين اميركا وبريطانيا والكيان الصهيوني.
ان الخوف من موضوعين، دفعا خلال الربع قرن الأخير هذا التيار وعناصر في الكواليس التي تتولي التصميم والتوجيه والقيادة إلى اتخاذ موقف سريع وتوسيع ساحة العمليات السياسية والعسكرية في العالم:
1- الخوف القريب من احتمال تشكل القطب الثاني والمنافس لاميركا في “الشرق الاوسط” بين المسلمين؛
2- الخوف البعيد من احتمال ظهور المنقذ الموعود للمسلمين، حسب أخبارآخر الزمان من الشرق الإسلامي والعربي.
إن الخوف القريب هو حصيلة فراغ السلطة الناجم عن انهيار الشيوعية والاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من ان فراغ قوة الغريم، اثار الوساوس لدى الاشرار اليهود الذين يعتبرون في الحقيقة الموجه وواضع السياسة الرئيسي، اثار وساوس ادارة العالم حول محور الليبرالية الرأسمالية الأمريكية، الا ان التنامي التدريجي والزاحف للاصولية الإسلامية وتعزيز قوة الثوريين الإسلاميين في “ايران”، جعل احتمال تشكل القوة البديلة يتبادر إلى الاذهان. فضلا عن ان احتمال اتحاد واتفاق هذا التيار مع سائر الدول الشرقية القوية بما فيها روسيا والصين، زاد من احتمال ان القطب الثاني على الابواب. القطب الذي يجمع الثروة والاصولية والحداثة في آن معا، ويؤدي إلى تسارع وتيرة انحطاط الغرب وتقهقره لاسيما اميركا عن الحياة السياسية والثقافية في العالم المصاب بالعلمانية. الأمر الذي قد يسفر عن الانهيار التام للغرب المنحط امام الشرق.
لكن في سياق فرضية منظري اتحاد الدلتا، فإن التوجه الاصولي والديني للمسلمين وفي ضوء انتقاده الشامل للحداثة، يمكن ان يكون بديلا قويا عن الليبرالية الرأسمالية. الواقعة التي اطلق عليها صمويل هنتينغتون اسم صراع الحضارات. ان هذه النبوءة التي اصبحت اهتزازاتها وتصدعاتها بادية للعيان على جدران تاريخ الغرب وثقافته، ادت إلى ان يشعر اتحاد الدلتا بانه يتمتع بأدنى فرصة ل:
1- التعويض عما سلف؛
2- الاحياء المبني على التقليد العلماني والليبرالي؛
3- الحد من تنامي ونضج الاصولية الإسلامية؛
4- توجيه الضربة والردع.
اما التخوف الابعد،
إن التخوف الثاني، ناجم عن علم قادة كواليس اتحاد الدلتا – حسب الأخباروالتنبؤات و… – عن قرب الحادثة الكريمة المتمثلة في الظهور المقدس للمنقذ الموعود من البلاد الإسلامية والعربية. الأمر الذي أتي نوستراداموس على ذكره مرارا، في تنبؤاته. التيار الذي سيقضي على تاريخ الكفر والشرك الملئ بالانانية ومحورية الذات، وذلك بدليل ان هذا التيار يضرب بجذوره في الاصولية الحقيقية مستمدا قوته من المنقذ السماوي.
جدير ذكره انه يمر أكثرمن عقدين من الزمن على انتاج النسخة الأولي من فيلم “الرجل الذي كان يعرف المستقبل” أو ما يمكن اعتباره “تنبؤات نوستراداموس”. ويتحدث هذا الفيلم بصراحة عن ظهور رجل قوي من “الشرق الإسلامي” في “السعودية”، ووضعت صور حوله.
ان هذه المعرفة، دفعت باتحاد الدلتا لاعتماد استراتيجية الردع قبل وقوع الحادث. ان ساحة العمليات لتحقيق هذه الاستراتيجية من وجهة نظر المسيحيين المتصهينين هي “الشرق الاوسط”. الساحة التي تغطي كل الجغرافيا الترابية ل باكستان وايران والعراق وسورية ولبنان وحتى الدول العربية وتركيا. ان سر تمسك اتحاد الدلتا بموضوعات من قبيل الحرب الصليبية ومجئ المسيح الموعود وبالتإلى ضرورة إثارة حرب هرمجدون المجهولة والمصطنعة، يعود إلى هذا الأمر.
وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة السيدة كوندوليزا رايس تحدثت مرارا عن استراتيجية الردع.
ويجب الاقرار بأن كلا التخوفين القريب والبعيد جعلا اتحاد الدلتا بحاجة إلى إثارة حرب هرمجدون المصطنعة.
ويتم التعبير عن هذه الحرب في ادبيات المسيحيين المتصهينين بحرب نهاية الزمان. ومكان وقوعها هو صحراء “هرمجدون” في جنوب “حيفا” وبالقرب من الضفة الغربية لنهر الاردن في “فلسطين المحتلة”. وهي حرب شاملة وذرية يقتل فيها حسب مبتدعيها، عدد غفير من المسلمين والعرب والمسيحيين الكاثوليك وحتى جمع من اليهود، وبعدها تتحقق حكومة السيد المسيح(ع) في العالم لألف سنة.
إن وقوع هذه الحرب المصطنعة التي ينفخ في بوق التهيؤ لها الآن اتحاد الدلتا:
• يزيل للابد إمكانية ظهور القطب الثاني والمنافس من بين المسلمين والشرق الإسلامي؛
• يغير من الاستقطابات والخريطة السياسية للشرق الاوسط؛
• يؤدي إلى قيام الحكومة الكونية للاشرار اليهود – الكامنة والمستترة في اتحاد الدلتا -.
إن الوصول إلى هذه الاهداف وحتى تحقق هرمجدون، بحاجة إلى تحرك اتحاد الدلتا تحت غطاء الحرب المقدسة وضرورة التحضير للظهور، وتم إضافة إلى ذلك نشر افخاخ أخرى لفتح جبهة واسعة للحرب بين “الشرق الإسلامي” واتحاد الدلتا، بما فيها الهجوم الواسع على لبنان.
ولا ننسى بأن الحديث المتواصل للمبشرين الإنجيليين من اصحاب النفوذ عن مجئ المسيح الثاني والتمهيد لظهوره وتاسيس قاعدة حكومته في “بيت المقدس” يحمل في طياته عدة احتمالات:
1- تأليب حشد غفير من المسيحيين البروتستانت المقيمين في بريطانيا واميركا لدعم استراتيجية واجراءات اتحاد الدلتا ضد الشرق الإسلامي؛
جدير بالذكر بأن العدد الاكبر من سكان هذين البلدين يميلون من الناحية الدينية إلى الكنيسة البروتستانتية والإنجيلية؛
2- استنساخ موضوع نهاية الزمان، والمنقذ الموعود والدجال واصطناع ظروف وقوعها لاضفاء الشرعية على المشاريع والبرامج؛
3- اظهار حتمية جميع الأعمال والممارسات الخشنة والقمعية التي يمارسها اتحاد الدلتا ضد المسلمين وجميع معأرضي الصهيونية في الغرب وسائر نقاط العالم، استنادا إلى التنبؤات والأخبارالملفقة؛
4- اضفاء الشرعية على وجود قوات الدلتا في الشرق الاوسط والدعم الشامل للصهاينة والتواجد الدائم والمسلح لتحقيق الاهداف بما يتطابق مع الاستراتيجية الموضوعة؛
ولا بد من التاكيد على ان فتح جبهة حرب واسعة تحت ذرائع مختلفة بما فيها هرمجدون، يعد من المطالب الجادة لاتحاد الدلتا، بحيث أن القائمين على القضية تحدثوا عنها على مدى العقود الثلاثة الأخيرة منذ رئاسة رونالد ريغن حتى جورج بوش على البيت الابيض وحتى انهم اعتبروا وقوعها جزء من احلامهم وتمنياتهم.
وهذه الحرب المفروضة المحتملة أو بالاحري ظهور الاستراتيجية الخاصة للاشرار اليهود قد تبني اتحاد الدلتا مهمة تحقيقها على أرض الواقع.
إن اتحاد الدلتا ينوي قبل الظهور وتنامي قوة المسلمين على عتبة التاريخ الجديد وقبل الانهيار الكامل لاركان الغرب السياسية والاقتصادية، تدمير وابادة جميع الإمكانات المادية والثقافية للشرق الإسلامي في حرب ضارية وازالة إمكانية الظهور التام للقطب الثاني في العالم (التخوف القريب) نهائيا وان يحول من خلال تواجده وهيمنته الكاملة على الشرق الاوسط دون ظهور ونجاح المنقذ الموعود الذي يضع حدا للتيار الاستكباري وإلى الابد.
وبعبارة آخري، فإن هذا الاتحاد بصدد بناء تاريخ المستقبل حسب هواجسه.
وبلا شك فإن هذا الاتحاد المقيت وغير المقدس، يُنمّي اوهاما في مخيلته، لكن لا يجب تجاهل ان هذا الغول المتوحش ستدوس قدماه على الكثير من الرياض وبساتين الزهور قبل ان تطاله يد الهزيمة والسقوط والانهيار.
وفي ظل هكذا ظرف، فإنه لا بد من الاهتمام بالنقاط التالية:
1- من الضروري اجراء دراسة شاملة وجادة لمعرفة أسباب ودوافع تشكل هذا الاتحاد غير المقدس وقاعدته الايديولوجية والثقافية وبالتإلى توعية عامة المسلمين في الشرق الإسلامي كل حسب ظروفه؛
2- من الضروري تحديد استراتيجية الاتحاد المشؤوم بشكل شامل ومن خلال كل الوسائل للكشف عن هذه الاستراتيجية ومهاجمتها؛
إن الكشف عن هذه الاستراتيجية، يشكل مقدمة لنزع سلاح العدو ثقافيا.
3- إيجاد أرضيات شاملة لكن بشكل سريع وواع، لافساح المجال لفتح حوار مع قادة وانصار الأديان التوحيدية حول موضوع الموعود والمنقذ وآخر الزمان، ولتوفير إمكانية تاسيس اتحاد مضاد للجبهة الثقافية والعقائدية لمجموعة الدلتا.
ويجب معرفة ان هذا التيار يسعى من خلال دعايته الواسعة في اقصي نقاط الشرق الإسلامي، لإيجاد جبهة جديدة من داخل البلدان الإسلامية ومن المرجح تحت عنوان المسلمين المتصهينين.
وفي هذا الخصوص، فإن من الضروري اعادة النظر في العلاقة الثقافية مع المسيحيين الكاثوليك لاسيما سكان “اميركا اللاتينية” واليهود الارثوذكس واتباع سائر الكنائس غير البروتستانتية وإيجاد جبهات جديدة للمشاركة والمسايرة معها حول موضوع موعود الأديان.
إن وسائل الإعلام الواسعة تتحمل مسؤولية اكبر من الآخرين في هذا الخصوص، لان وسائل الإعلام الغربية لاسيما القنوات الفضائية لعبت خلال العقود الثلاثة الأخيرة دورا كبيرا في ترويج هذا الفكر في الغرب والعالم.