إن وقوع سلسلة من الأحداث والتطورات منذ النصف الثاني من القرن العشرين أثار موجة من النشاطات الدعائية والتبشيرية في الغرب والعالم المسيحي. فقد تدخل الكاثوليك والبروتستانت المسيحيون من جهة والفرق الدينية المختلفة للمسلمين من جهة أخرى لممارسة التبشير والدعاية لاجتذاب المتلقين في أرجاء العالم وذلك بأبعاد واسعة ومن خلال استخدام أحدث الوسائل والادوات.
بقلم اسماعیل شفیعی سروستانی
إن الغرب الاستكباري وضع لأسباب مختلفة بما فيها ما نذكره تاليا، على جدول أعمال استراتيجيته الثقافية الخاصة، موضوع قرب مجئ السيد المسيح(ع) وضرورة التمهيد لذلك:
1- مكافحة البني التحتية الثقافية “للشرق الإسلامي” الذي يمتنع بسبب تعلقه الخاص بمفهوم وموضوع ومصداق موعود آخر الزمان عن القبول التام بالاستراتيجية السياسية والثقافية الغربية وعن قبول الحداثة والنظام الليبرإلى الرأسمإلى كاكمل وآخر محطة للإنسان على مر التاريخ؛
2- إيجاد الجهوزية والايحاء بدافع مواجهة المسلمين لدى النسيج العام للمجتمع الغربي، في الظروف التي نشهد فيها في ارجاء العالم بما فيها البلدان الغربية، عودة إلى المعني والمعنوية والتوجه نحو قبول الإسلام كدين تحرري. وبالتحديد في العصر الذي دفعت الأزمة الايديولوجية، عموم المجتمعات إلى الانفعال؛
3- الحد من انهيار النسيج العام والداخلي للمجتمعات الغربية على عتبة بزوغ تاريخ جديد. وواضح أن الحضارة الغربية اصبحت تقف على حافة الهاوية بسبب تفشي الفساد الأخلاقي وأزمة الهوية وانهيار الاسرة؛
4- فرض هيمنة بني اسرائيل من دون منازع على السياسة والاقتصاد والثقافة في العالم والتفوق على جميع الإمكانات المتاحة في الشرق الإسلامي الكبير عن طريق اظهار حتمية تحقق بعض التنبؤات المجهولة والملفقة.
إن التيار الذي يعرف الآن بالتيار الاصولي أو الاصولية المسيحية ويهيمن على جميع المفاصل السياسية والعسكرية والاقتصادية في اميركا، مبني على هذه المبادئ على وجه التحديد.
إن مصطلح الاصولية في الغرب، يطلق على تيار يحمل توجهات دينية متطرفة في المسائل العقائدية والأخلاقية، ويكرم موضوع الايمان بالعصمة الكاملة ل”الكتاب المقدس” سواء “العهد القديم” (التوارة) أو العهد الجديد” (الإنجيل).
إنهم يؤمنون بأن الكتاب المقدس ينطوي على تعليمات لجميع شؤون الحياة بما فيها الشؤون السياسية والاجتماعية، وان النبوءات الموجودة في هذه المصادر، والمتعلقة بالأحداث المستقبلية، تقودهم نحو انبعاث اسرائيل ومجئ المسيح الثاني(ع). لذلك يرون أن من واجبهم التبشير بين اولئك الذين لا يقبلون بهذه المعتقدات.
وكما نلاحظ ، فإن هذه الحركة التي تعتبر التيار الغالب والسائد في السياسات الثقافية والسياسية والعسكرية لاميركا، تركز على عدة امور:
1- عصمة “الكتاب المقدس” (التقيد بظاهر عبارات الكتاب المقدس وتحريم أي تفسير وتأويل للمفهوم)؛
2- كون هذا الكتاب كافيا لتوجيه جميع الأمور والشؤون؛
3- الاعتماد على النبوءات المقدمة من أجل التخطيط والتصميم العام للسياسات المستقبلية لاسيما كون اسرائيل مختارة واعتبارها الوحيدة في واقعة مجئ المسيح(ع) الثاني في “بيت المقدس”؛
4- تقبل المسؤولية والالتزام بنشر وترويج هذه التعاليم بين الاناس الذين ينكرون هذا المعتقد أو غير المطلعين عليه.
إن هذه الحالات، تدفع الايفإنجيليين الاصوليين لبذل قصاري جهدهم خدمة لإسرائيل، والتحضير لمجئ السيد المسيح(ع) في “بيت المقدس” ونشر هذه التعاليم بين عموم شعوب العالم وأخيرا التصدي لمعارضي هذه التعاليم المُحرّفة والمصطنعة. ان الترويج لهذه التعاليم، يعتبر واجبا شرعيا لدى انصار هذه الحركة.
النشاطات التبشيرية
إن وقوع سلسلة من الأحداث والتطورات منذ النصف الثاني من القرن العشرين أثار موجة من النشاطات الدعائية والتبشيرية في الغرب والعالم المسيحي. فقد تدخل الكاثوليك والبروتستانت المسيحيون من جهة والفرق الدينية المختلفة للمسلمين من جهة أخرى لممارسة التبشير والدعاية لاجتذاب المتلقين في أرجاء العالم وذلك بأبعاد واسعة ومن خلال استخدام أحدث الوسائل والادوات.
إن الموجة الأصولية للمبشرين الإيفإنجيليين التابعين للكنيسة البروتستانتية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا اجتاحت كل “أميركا الشمالية” و “أميركا اللاتينية” واقسام من “اوروبا” واجتازت حدود الغرب في ظل استخدامها للوسائل الحديثة مثل التلفزيون والقنوات الفضائية والانترنت لتضع اقدامها في “اسيا” و “شبه القارة الهندية”، ولم تتوان عن بذل أي جهد ثقافي ومادي من أجل اجتذاب المتلقي. ويمكن القول بجرأة بأن حجم ونوعية النشاطات التبشيرية في هذا العصر لا يمكن مقارنتها اطلاقا بالقرون الماضية.
إن الدخول إلى الظروف التاريخية الجديدة واتضاح مجالات الاقبال العام للاصغاء إلى الحوارات الدينية والمعنوية وفر حرصا وولعا خاصين لتوسيع نطاق النشاطات التبشيرية.
إن ظهور علائم الأزمة على جدران الثقافة والحضارة الغربية والمآزق الناتجة عن الايديولوجيات الوضعية والمنقطعة عن السماء وبالتإلى اقتراب الألفية الثالثة، اسهم في بروز التوجه العام نحو المعني والدين في العالم الغربي، مثلماأن الواقعة الكريمة المتمثلة ب”الثورة الإسلامية في ايران” عام 1979 شكلت منعطفا تحدت من خلاله جميع الميادين الثقافية والحضارية للغرب على مدى الأعوام الثلاثين الأخيرة وتسببت بحدوث انتظار جديد لدى “اسيا” و “الشرق الإسلامي” لتجربة حكومة مبنية على التعاليم الدينية ونبذ العلمانية (فصل الدين عن السياسة).
ولنلقي نظرة على ارقام واحصاءات، تظهر طوفإنا من النشاطات التبشيرية بين المسيحيين والمسلمين وسائر الفرق.
ونبدا من احياء الايفإنجيلية للكنيسة البروتستانتية في الولايات المتحدة. جدير ذكره أن معظم سكان الولايات المتحدة الأمركيية وبريطانيا هم من البروتستانت وان ملكة بريطانيا تعتبر رئيسة الكنيسة البروتستانتية.
إن النشاطات التبشيرية أحدثت بداية موجة من الحملات في آخر عقد من القرن العشرين (الفترة 1993-1994)، ضد الاجهاض والمثلية الجنسية. وحتى انهم اسسوا منظمة تحت مسمي “عمليات الإنقاذ” بقيادة اشخاص مثل راندل نزي بهدف تصميم الكثير من العمليات لاستهداف الاطباء.
ولا ننسى بأن الايفإنجيليين يعتبرون مجئ المسيح الثاني والاستعداد لظهوره كأحد المحاور الرئيسية للتبشير الشامل. وحسب استطلاع للرأي اجرته مؤسسة غالوب في العقد الأخير من القرن العشرين، فإن 70 مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية كانوا من مشاهدي القنوات التلفزيونية الدينية أو الكنائس المرئية. ان تاسيس زهاء 1700 قناة ومحطة اذاعية وتلفزيونية، و 1300 مكتب للنشر و 7000 متجر لبيع الكتب في ارجاء اميركا، مع مبيعات سنوية بلغت ثلاثة مليارات دولار وكذلك تاسيس 20000 مدرسة ابتدائية ومتوسطة واعدادية وبالتإلى تاسيس 257 كلية وجامعة، شكل جزء من النشاطات والجهود التبشيرية للايفإنجيليين في الولايات المتحدة الأمريكية.
ان قيمة المبيعات والاهداءات السنوية ل” الإنجيل” في اميركا تبلغ 425 إلى 650 مليون دولار. ان الأمريكيين يشترون سنويا 20 مليون إنجيل جديد ليضيفوه إلى اربعة ملايين إنجيل موجود في منازلهم. ان الايفإنجيليين يركزون اهتمامهم في خارج اميركا على موقع يسمونه نافذة 40/10 ويقصدون بذلك شريطا من العالم الإسلامي في “افريقيا” و “اسيا” يقع بين الخطين الاستوائيين 10 و 40 درجة.
وقد صنع بعض الايفإنجيليين مصاحف مزورة، لإثارة الشك والترديد في اذهان المسلمين. وهناك في الوقت الحاضر 900 ترجمة انجليزية عن الإنجيل، وإضافة إلى ذلك فقد تم ترجمة الإنجيل إلى 2426 لغة تغطي 95% من سكان العالم.
وحسب “الاكونوميست” فإن كوريا الجنوبية تعتبر اليوم أكثرالمنتجين غزارة للمبشرين المسيحيين بنسبة مبشر وأحد لكل شخص. وتعتبر البرازيل وكوريا الجنوبية اكبر منتج للإنجيل. وثمة شبكة متماسكة مؤلفة من 40 فريقا وطنيا ومحليا تحت مسمي المجتمعات الإنجيلية تقوم بتوفير المصادر بهدف وضع إنجيل في يد كل رجل وأمراة وطفل على هذه الكرة الأرضية.
وكل هذا هو من حصة الايفإنجيليين التابعين للكنيسة البروتستانتية بالولايات المتحدة الأمريكية لاصطياد المستضعفين في غرب العالم وشرقه. ونقوم بحساب حصة الكنيسة الكاثوليكية ومحورها “الفاتيكان” بشكل منفصل.
وذكر المتحدث باسم الفاتيكان السيد جوسكين نفارد والز في تقريره لعام 1995 حول النشاطات التبشيرية في “افريقيا”:
إن مكانة أفريقيا هي نفس مكانة أميركا الجنوبية، وإن هذه القارة ستصبح مكانا لتجمع وخزانة الكاثوليكيين في المستقبل.
وأورد بعض الأرقام والإحصاءات ليقول:
كان في عام 1901 بداية القرن العشرين، 1.1 مليون كاثوليكي في افريقيا برمتها، أي واحد بالمائة من مجمل سكان افريقيا، لكننا نقوم الآن بإضافة مليوني كاثوليكي إلى العدد السابق سنويا. وهناك في الوقت الحاضر 65 مليون شخص أي 16% من مجمل سكان افريقيا، من الكاثوليك، ونتوقع أن يصل هذا الرقم إلى مائة مليون شخص بنهاية القرن الحاضر.
ولا بدأن نعرف بأن المسلمين يشكلون العدد الأكبر من سكان “افريقيا”. وقد أنفقت الكنيسة الكاثوليكية 32 مليار دولار على مشاريع التبشير المسيحي. كما أنهم ترجموا الإنجيل إلى 625 لغة و لكنة افريقية وحتى أنهم أعدوا أناجيل للأميين بطريقة النظام الصوتي.
وجاء في تقرير “الاكونوميست”:
إن زيادة عدد المسيحيين يتم عن طريق تحويل البلدان النامية إلى المسيحية. وفي عام 1900، كان نحو 80% من المسيحيين يعيشون في البلدان الأوروبية والأمريكية، لكن 60% من المسيحيين يعيشون في الوقت الحاضر في البلدان النامية.
إن الكلمة التي ألقاها البابا السابق أي جون بولص الثاني بمناسبة الذكرى السنوية لميلاد السيد المسيح(ع) في روما عام 1993، مثيرة للانتباه، فقد قال:
أيها الأساقفة، إنكم تتحملون مسؤولية جسيمة، تتمثل في تحويل كل أفريقيا إلى المسيحية حتى عام 2000.
ووفقا لتقرير المتحدث باسم “الفاتيكان”، فإن 2340 محطة إذاعية وتلفزيونية تعمل على مدار الساعة على بث تعاليم الإنجيل للمناطق التي يقطنها المسلمون في افريقيا. فضلا عن أن الكنيسة تشرف في هذه المنطقة من العالم على إدارة 11000 حضانة أطفال وتعلم المسيحية لهؤلاء الأطفال، وهذا يشكل في الحقيقة غيضا من فيض.
وان أمعنا في التدقيق اليوم وألقينا نظرة على ما يدور في حوالينا، سنرى بأن أكثرمن مائة إذاعة تبث على مدار الساعة برامج مسيحية باللغة الفارسية وحتى باللكنات الايرانية مثل اللورية والاصفهانية واليزدية، فضلا عن أن هناك أكثرمن 2000 موقع الكتروني يعمل على إثارة الشبهات العقائدية لدى الشبان الايرانيين.
إن ما ذكرناه ، يشكل جانبا فحسب من النشاطات التبشيرية في عصرنا الحاضر. إن استراتيجية الكنيسة في الألفية الثالثة التي نعيشها الآن تتمثل في جعل سكان اسيا يعتنقون المسيحية. والا تعلمون أن الفيليبين لم يعد ذلك البلد الذي يشكل فيه المسلمون اغلبية السكان؟
اضف إلى ذلك توزيع ملايين الاناجيل والاقراص المدمجة باللغة الفارسية في الساحات الرئيسية من المدينة وكذلك مجموعة من الكتب الدينية المسيحية التي تلقى بداخل المنازل ليلا.
وهذه سنة إلهية ثابتة لا تتغير بأن كل أمرء وجماعة تجني ثمار همتها وجهودها وتخطيطها.
إن واقعة الثورة الإسلامية في ايران عام 1979، جعلت العالم الإسلامي وسكان آسيا ينتبهون فجأة إلى أنفسهم. واتسع نطاق الصحوة الإسلامية وبرز نوع من المطالبة والتعطش لمواجهة الاستعمار ونبذ مظاهر الانبهار بالغرب وإحياء التقاليد الإسلامية في التعاملات والعلاقات الثقافية والمادية. ان تسارع وتيرة هذه النهضة والهبة الدامية لشعب هذا البلد، سيحول ايران والايرانيين قريبا إلى نموذج وأسوة للمقاومة والدعوة إلى الإسلام، ولكن… .
هيهات أن يكون الشعور بالامن واكتساب القوة وطرد بقايا الطاغوت، قد شغلنا عن مهمتنا الرئيسية والجدية وكل ما تبنيناه لحماية حقوق المستضعفين ونشر المعارف الإسلامية واقتناص الفرص وانجاز الدعوة. ومن هذه الفرص التي هي كلها حصيلة مجاهدة سكان هذه الديار، دخل السلفيون والوهابيون التابعون لجهاز السلطة في “المملكة العربية السعودية” وبضوء أخضر من الغرب، على الخط ، وفتحوا مظلة الدعاية في الميادين المتوافرة، وبين الشعوب المتعطشة للإسلام والحرية، فاختطفوا وصادروا القسم الأكبر من ثمار شجرة الثورة الإسلامية من أيدينا ومن أيدي الشيعة ومن يد حجة الله الحي.
فقد اقتنص هؤلاء كل الفرص لمواجهة ايران الإسلامية ومحاربة الشيعة، وبث الفرقة في صفوف المسلمين.
***
ولابد من التحرك قبل فوات الأوان وقبل أن تفوت الفرص علينا. وضروري توسيع رؤانا وتحاشي الإفراط والتفريط. وبلا شك فإن أي راع لا يرتضي بأن يفقد ولو حمل ضلّ طريقه عن القطيع.
وكيف نقضي أسابيع وأشهر أحيانا للحوار وحتى الاحتجاج والاعتصام حول موضوع طفيف، لكننا نلوذ بالصمت ولا ننبس ببنت شفة ازاء الأحداث الكبرى والوقائع التي تقع على الصعيد الدولي والتي تعرض الدين كله للخطر.
فرسان الحرب الباردة
وضع المسيحيون المتصهينون تاسيس المحطات الاذاعية والقنوات التلفزيونية وبعبارة أخرى الكنائس المسموعة والمرئية على جدول أعمالهم منذ عام 1960 وذلك للتبليغ السريع والشامل لرسائلهم الدينية.
وفي هذا العام ، قام القس البروتستانتي ومبشر هذه الحركة بت روبرتسون بتاسيس أول قناة تلفزيونية في “فيرجينيا” ووصل خلال اقل من ثلاثين عاما إلى 500 قناة تلفزيونية ايفإنجيلية و 750 اذاعة ايفإنجيلية.
وحتى عام 1989 تولت 984 مؤسسة بحثية ومنظمة دينية مهمة اعداد وانتاج مواد وبرامج هذه الشبكة الواسعة.
ومع بدء عقد الثمانينيات، اصبحت عبادة اسرائيل، محور اهتمامات قادة الكنيسة البروتستانتية الايفإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية، ودفع ذلك بالقنوات التلفزيونية والمحطات الاذاعية الدينية أي الكنائس المرئية والمسموعة، إلى تقديم اسرائيل في برامجها على انها أهم موضوع وقضية الساعة.
وبناء على معتقدات الزعماء ورجال الدين البروتستانت، فإن ازدهار الشعب اليهودي في وطنه القومي وانتصاراته العسكرية الساحقة تشير إلى قرب حلول نهاية الزمان ومجئ المسيح الثاني وبدء الغلبة النهائية على قوي الشر.
ولا يجب تجاهل ان 60 إلى 62 بالمائة من سكان الولايات المتحدة الأمريكية هم من البروتستانت، في حين ان الكاثوليك لا يشكلون الا نسبة 25 إلى 27 بالمائة. واقدمت هذه الحركة في اجراء جاد وعابر للحدود وبهدف تادية واجب ديني بالظاهر، على نقل اجتماعاتها وبرامجها التبشيرية من اميركا واوروبا واميركا اللاتينية إلى شبه القارة الهندية وافريقيا وبعض الدول العربية، واعدت برامج واسعة لمتلقيها في الهند ولبنان وتركيا و… لدرجة أن برامج القساوسة المتنفذين في الكنائس التلفزيونية، ترجمت وبثت باللغة العربية وتم أخيرا ترجمة هذه البرامج باللغة الفارسية أيضا وبثها عبر قناة فضائية.
وان كان المبشرون الدينيون والماسونيون في القرن الثالث عشر للهجرة، يقفون جنبا إلى جنب المستشرقين لتعبيد الطريق لساسة وجنرالات الغرب الاستعماري البريطاني والهولندي و… في البلدان الشرقية والإسلامية، فإن رجال السياسة والعسكر في العصر الجديد اصبحوا يعبدون الطريق للمبشرين الدينيين.
وعندما انتخب رونالد ريغن ممثل أفلام الكاوبوي رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، اشار العديد من السذج واصحاب النظرة السطحية في بلدان الشرق، إلى الشعب الأمريكي ولامه بسبب بلاهته، وتحسر البعض لكل هذه الحرية والديمقراطية! لكن أحدا لم ينتبه إلى تصريحات هذا الكاوبوي الهرم حينما قال:
ادعو الله ان يوفقني للضغط على زر اطلاق الصاروخ النووي لتبدا حرب هرمجدون.
وقال هذا الكاوبوي الضاحك عام 1983 فيما كان يتوجه مخاطبا الايباك، اللوبي اليهودي:
عندما اراجع الأنبياء السابقين في العهد القديم والكتاب المقدس والعلامات التي تتوقع معركة هرمجدون، اسال نفسي: هل بإمكان جيلنا ان يشهد وقوع هذه الحرب؟ صدقوا ان هذه التنبؤات تنطبق على العصور التي نعيشها.
كما ان جيمي كاتر وبهيئته الديمقراطية والذي اعتبر التواصل بين اميركا واليهودية يرقي إلى الوحدة في الأخلاق والثقافة والاحكام، قال:
إن تاسيس دولة اسرائيل عام 1948 يمهد للعودة إلى أرض الشمس المقدسة التي طرد منها اليهود قبل مئات السنين. ان تاسيس امة اسرائيل، هو استكمال لتنبؤات الكتاب المقدس وخلاصة جميع الأعمال.
إن ريغن وكارتر وبعدهما جورج بوش وتصورا منهم بانهم الممهدون للظهور المقدس ومنتجبون من قبل الله، كانوا بصدد تحقيق ارادة الله على الأرض. وكان بوش قد قال عشية عام 2003 وامام ملتقي المتحدثين الدينيين بمدينة “ناشويل” بولاية تنسي الأمريكية:
لقد استدعيت الولايات المتحدة لتقديم الحرية التي هي موهبة من مواهب الله، لجميع الشعوب في ارجاء العالم.
وقال بعد حادث 11 سبتمبر:
اننا نريد تحقيق ارادة الله.
وربما عندما أعلن جيمز وات وزير الداخلية الأمريكي الاسبق امام الكونغرس الأمريكي: انه “بسبب الظهور المجدد وقرب مجي المسيح لا يمكننا ان نكون بصدد تدمير مصادرنا الطبيعية” فهم المسيحيون المتصهينون والملايين من متلقي الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية الأمريكية والبريطانية، مغزي هذا الكلام. ان هؤلاء كانوا بالتاكيد من ضمن الاناس الاوائل الذي خبروا سر تواجد اميركا في الشرق الاوسط والعراق والقرارات التالية للبيت الابيض.
وعندما كان قادة البلدان العربية والإسلامية يعتبرون ان السيطرة على حقول النفط في الشرق الاوسط تشكل دافع دعاة الحرب الغربيين في حربي “الخليج الفارسي” و “العراق”، ربما انتبه عدد قليل من المحللين إلى اداء عشرات القنوات الفضائية التي اعتمدت أحدث الاساليب والقوالب الدعائية لتبليغ أحدث تعاليم مبشري الكنيسة البروتستانتية الأمريكية والبريطانية من قبل أكثرالمبشرين خبرة وتأنقا بمن فيهم السيدة جويس ماير والسيد بني هين. ان الذين يتحدثون من دون الحاجة لربط زنّار أو ارتداء رداء او… بلغة بليغة وينقلون كلمات “الكتاب المقدس” حول مجي المسيح الثاني ومحبته وشفائه المرضي، يقومون بابكاء عشرات الالوف من الاشخاص وبعد لحظات إضحاكم وينهون برنامجهم بالتبشير بقرب مجئ المسيح الثاني والدعاء الجماعي لوقوع هرمجدون ومقتل الكائنات الشريرة (المسلمين والعرب) على يد جحافل الخير الأمريكية والبريطانية.
وهذا هو جزء من البرامج التي تبثها على مدار الساعة أكثرمن 1550 محطة اذاعية وقناة تلفزيونية و 80000 قس ومتحدث ومبشر وأكثرمن 257 مؤسسة علمية و 100000 طالب بروتستانتي. وجدير ذكره ان استماع 610 ألف اسرة عن طريق 160 مركزا للبرنامج التلفزيوني للمبشر الإنجيلي السيد جري فالول، يكشف عن حجم هذا التيار الثقافي والتبشيري الذي اقحم اليوم الاصولية في قلب الحكم الأمريكي “البيت الابيض” ودخل الشرق الاوسط من خلال الافادة من جميع الإمكانات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية.
ويوميا يزور الالوف مجسم “هيكل سليمان” وينتظرون مع مئات الرهبان المدربين على خدمة هذا المعبد الكبير، دمار “بيت المقدس”، لكي يتم بعده اقامة هيكل ومعبد سليمان على انقاضه في “اورشليم” وليكون مقر السيد المسيح(ع) جاهزا لاستقباله.
وان تقرأ اليوم السيدة جويس ماير وبني هين في هيئة قساوسة متمكنين، ايات “الكتاب المقدس” من باحة الكنيسة التلفزيونية الكائنة في اميركا وبريطانيا، فإنهم سيتحدثون غدا من الكنيسة حديثة التاسيس لهذه الفرقة في “الكويت”، وسيكون من بين أكثرمن مليون متلق للكتاب المقدس في العراق من يصغون بلاشك لهذا الكلام. الاناس الذي سيدعمون قريبا تحت شارة وعنوان المسلمين المتصهينين، كيان اسرائيل وايديولوجية هرمجدون، مثلما ان بعض المثقفين الليبراليي النزعة، يصنفون ضمن هذه الزمرة.
وهذه الجماعة الصلفة اكتشفت قبل المسلمين كلهم انه لا يمكن تجاهل الطاقة الكامنة والإنقاذية للمهدوية وكانت قبل ان تتحرر هذه الطاقة وتنتشر بين المسلمين – كما حدث في ايران عام 1979- بصدد استخدامها ولتكون في خدمتها، في حين ان المسلمين راحوا يبحثون عن المكاشفة والاحلام في حديثهم عن امام العصر والزمان(عج).
وقد ادركت هذه الجماعة الصلفة انه من أجل مكافحة المسلمين والتخلص من هذا المأزق الايديولوجي وتجربة نهاية التاريخ، فإنه لا سلاح امضي من اللجوء إلى المعنوية وكسر التقاليد الكنسية البراقة وتوسيع الوعظ والتبشير باساليب حديثة للاناس المكبلين في شبكة الليبرالية الأخلاقية والمذهب التجريبي العلمي، بحيث ظهر بني هيل امام الوف المشاهدين وهو يشفي المرضي من خلال الخدع الإعلامية!! بالضبط عندما تخلي الكثير من الثوريين المسلمين عن المعنوية والأخلاق وجميع التقاليد الحسنة السابقة خوفا من اتهامهم بالخرافة والشعبوية واصبحوا كمثقفي العقود الأخيرة من القرن العشرين، يعتبرون ان البحوث العلمية والتجريبية والافادة من علم النفس وعلم الاجتماع، اسست لنجاح وانتشار الإسلام في بلاد الكفر.
وادركت هذه الجماعة الصلفة بأن الجهاد الاحمر هو سلاح مضاء ان خرج من غمده، فإن لا سلاح قادر على الوقوف بوجهه. لذلك فإنهم سلموا السلاح الكليل والصدئ المتمثل في التنمية الاقتصادية والرخاء والحداثة للمسلمين وجردوهم من السلاح، ليدخلوا هم الساحة تحت مسمي جنود المسيح أو الصليبيين الآخرين الذين قالوا انهم مكلفون بتحقيق الارادة الالهية.
ووصف فرانكلين غراهام أحد قادة تيار المسيحية الصهيونية باميركا، الإسلام بانه دين الشر والكراهية، لكي يتسني لجورج بوش اعلان نفسه بانه رئيس حرب واصدار الاوأمر بتدنيس “كربلاء المقدسة” و “النجف الاشرف”.
وقد نشر هؤلاء في ظل الآلة الحربية الأمريكية والبريطانية، مائدتهم التبشيرية، بحيث يرفع المسلمون الاتراك والعرب والفرس والهنود ايديهم بالدعاء من أجل بقاء اسرائيل وقيام حكومة اليهود، وينفقون من اموالهم ويقفون بوجه ثقافتهم وحكوماتهم الوطنية والدينية، وهذه هي الحرب الثقافية الباردة، لكنها موجهة ضد المسلمين في العقد الأول من الألفية الثالثة. ان هؤلاء هم فرسان هذه الحرب القذرة والمقززة.
وذكرنا كل هذا من أجل تبيان أهمية هذه الواقعة المشؤومة، وتقديم نماذج من هؤلاء الفرسان والادوار التي يضطلعون بها في أحد البلدان الإسلامية.
وقد قدم بني هين بوصفه قس ايفإنجيلي ، في اوآخر عام 2005، وخلال برنامج تلفزيوني، أحد الفرسان العاملين في “العراق”.
وفي مستهل البرنامج دعا، بني هين، القس اندرو وايت رئيس جامعة تدريب مبشري كنيسة بريطانيا، لكي يحضر على المسرح ويكون امام الناس، وقال في معرض تقديمه له بانه مقرب جدا من ملكة بريطانيا. ومن ثم خرج اندرو وايت إلى المسرح وشرح خدماته. ان ما ياتي لاحقا، هو تقرير عن هذا البرنامج التلفزيوني:
اندرو وايت: ان الأعمال التي يقوم بها الرب في الكنيسة الإنجيلية، مذهلة. ان الكنيسة الإنجيلية هي في تنام مضطرد، لاسيما في افريقيا. ان انصارها في افريقيا أكثرمما هم في بريطانيا واميركا والغرب بمجمله.
[وهذه العبارة، تذكر الكاتب بجملة من السيد خاتمي الرئيس الايراني السابق حينما قال لدى عودته من جولة على عدة بلدان افريقية في اوآخر ولايته الرئاسية: لقد انتبهت في هذه الجولة بأن زيارتي إلى افريقيا كم جاءت متآخرة. وربما لم يكن يعرف هو بأن المبشرين الإنجيليين وانصار اسرائيل، قد احتلوا الاجواء الثقافية لافريقيا].
بني هين: السيد اندرو وايت، هل هناك من معك وجاء من العراق؟
اندرو وايت: نعم، لقد خدمت في العراق خلال السنوات الست الماضية، وكان صديقي المقرب خلال هذه الفترة، المساعد السابق لسلاح الجو العراقي، انه يدعي “جورجيس سعادة” وهو بجانبي الان.
ارحب بهذا الرجل باسم الله، لكن هذا الرجل الذي كان مساعدي، هو الآن رئيس هيئة اركان القوات المسلحة والناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء العراقي. ان ميزته تشبه “النبي دانيال” الذي كان في خدمة الملك، لان هذا الرجل كان يتولي رئاسة الكنائس الإنجيلية في العراق لعدة سنوات. وهو الآن اقوي رجل في العراق. وان نظرنا في التلفزيون إلى “اياد علاوي” رئيس وزراء العراق، سنري هذا الرجل يقف خلفه دائما، وهو يهمس في اذن رئيس الوزراء، ويقول له ما يجب ان يقوله. لذلك فهو صاحب السلطة الحقيقية. انه دانيال العصر.
ويعتبر اندرو وايت رئيس جامعة تدريب مبشري الكنيسة البريطانية ونصير مذهب المسيحيين المتصهينين، يعتبر رئيس هيئة اركان القوات المسلحة في بلد إسلامي بانه مساعده وصديقه وعنصره. ويصفه امام شاشات التلفزيوين بالنبي دانيال الذي كان في خدمة ملك طاغية. الرجل الذي كان يهمس اوأمر سيده في اذن رئيس وزراء العراق.
اندرو وايت: لقد كانت لي علاقة وثيقة مع بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي في العراق، لكننا نعيش الآن ذروة قوتنا في العراق عن طريق “جورجيس” [اقرا الجملة ثانية]. وبعد ان عين في هذا المنصب، زار جورجيس مباشرة كولين بأول وقال له “ان اليسوع المسيح هو الذي عينني في هذا المنصب، وساخدم اليسوع”.
وذات يوم قلت في نفسي، انه يجب ان ازور قبر ” النبي حزقيال” المدفون في العراق. فتحركت صوب النجف التي تعتبر أحد اخطر المناطق حيث تضم ضريح النبي حزقيال، الذي يقع خلف مسجد قديمي جدا. وقد كتب على ضريحه جزء من السِفر الثالث والاربعين لحزقيال.
ويقع قبر النبي حزقيال في “وادي السلام” بالنجف. وكان القس اندرو وايت قد وصف من منطلق الخبث منطقة “النجف” بانها خطرة جدا. المنطقة التي يقطنها الشيعة وهي تتمتع بظروف امنية افضل بكثير من سائر المدن رغم الوضع الحرج في بغداد، لكن الملفت هنا هو ان هذا القس الايفإنجيلي، يوسع بمكر دائرة حضور بني اسرائيل حتى “وادي السلام”، لكي يوحي للمتلقين المسيحيين واليهود بأن جغرافيا اسرائيل وحدودها الامنية تصل إلى “وادي السلام” في النجف، بحيث أنهم احتلوا كل فلسطين تحت ذرائع من هذا القبيل وحتى انهم غير جاهزين للتخلي عن “قطاع غزة”. ان بني اسرائيل يعتبرون في الحقيقة جميع مناطق العالم التي ورد اسمها وعنوانها في “التوارة” المُحرفة، بانها جزء من ملكهم.
في حين ان النجف هي محط اهتمام وتركيز الشيعة لسببين مهمين. أحده احتضانها لضريح الإمام على امير المؤمنين(ع) والآخر هو كونها أحد مراكز المرجعية الدينية لعالم التشيع.
ويسترسل في الحديث فيقول:
وكان حارس قبر النبي حزقيال، مسلم شيعي، رحب بنا بحفاوة. لقد احسسنا في هذا الموقع وجود الله القادر المتعال. وكانت هناك غرف صغيرة في اطراف القبر للصلاة. قلت للحارس، ما هذه الغرف الصغيرة؟ قال: ان الناس ياتون كل ليلة إلى هنا لاداء الصلاة، لانهم يعرفون انه كان نبيا كبيرا، بعثه الله.
انه يطلب بمكر ودهاء من متلقيه الإنجيليين، بأن يزوروا هذه المنطقة والضريح. وليمارسوا العبادة في هذه الغرف الصغيرة، لتحويل الصورة الإسلامية لوادي السلام إلى صورة يهودية ومسيحية.
وكنا في طريق العودة من هذه الرحلة الممتعة. عبرنا “بابل”، وعندما شاهدنا قصر صدام الرئيس العراقي السابق وقد نهب الآن بالكامل، سمعت بوضوح بأن الله يقول لي “لقد سقطت بابل” وعندما تسقط بابل ستظهر عظمة الله.
في حين ان “بابل” كانت قد سقطت عدة مرات منذ العصور الغابرة ولحد الان، فقد دمرت في عهد “نبوخذ نصر”. فكيف يمكن اذن اعتبار دمار العراق اليوم وسقوط حكم صدام كأحد المصاديق المذكورة في “الكتاب المقدس”، فضلا عن ان أرض العراق لم تعد تسمي اليوم ب “بابل”، وهذا يتعأرض مع التفسير الوارد في الكتاب المقدس المزعوم من المسيحيين المتصهينين.
ويحاول اندرو وايت من خلال ذكر اسم بابل بدلا من مدينة “الحلة” لفت انتباه متلقيه إلى ما ورد في “التوراة” ودور وموقع بابل في التاريخ الماضي لليهود وموضوع سقوط بابل كحادث يسبق الظهور، بحيث أن المسيحيين المتصهينين يعتبرون السيطرة على بابل بانه جزء لا يتجزأ من مجمل النبوءات وتحقق المشيئة الالهية.
ومن ثم يتوجه اندرو وايت إلى جورجيس والناس قائلا:
من الملائم ان ندعو له. لرجل كبير يرقد هنا. انه رجل كبير للغاية. وزوجته ترقد هنا أيضا. انه أحد رجال الله حقا.
ويلتفت بني هين إلى الاناس الذي كانوا يصغون بتحير وتشوق إلى هذه القصة ليقول:
لذلك يجب الصلاة من أجل هذين الرجلين الالهيين (اندرو وايت وجوجيس). يجب ان نكون إلى جانبهما. اعزائي! ان ما يحدث الآن في العالم، يحدث لسبب وأحد وهو ان الإنجيل ينتشر في ارجاء المعمورة وتتبرك به النفوس. ان الشعب العراقي متعطش. متعطش لمحبة الله، وهذا أمر مقبول. ان العالم العربي هو كبرعمة جميلة تتفح وان هكذا رجالا موجودون هنا لهذا الغرض. اتعرفون، انه لا يتحدث مطلقا عن الاخطار الهائلة التي تحدق به.
وقد آن الاوان لان نصلي نحن والروح القدس واليسوع من أجل هذين الرجلين واسرتهما.
إلهنا، اننا ندعوك لتبارك لهما. ايها الربّ، ان الاعتماد على البشرية خطأ. انك انت الوحيد الذي تحمينا. اننا نصلي اليوم من أجل ان تحفظ هذين الرجلين كنور عينك وان تكتنفهما بحمايتك. وان تحفظهما في ظل دعمك. إلهي، حقق مطالبك عن طريقهما لكي يتالق اسم ابنك اليسوع، احفظ عن طريق هؤلاء الرجال الالهيين الذين يعملون من اجلك، اسرهم وابنائهم واحفادهم باسم اليسوع. إلهنا اجعلهم سالمين وكن معهم دائما باسم اليسوع. آمين.
الله يعلم انه لماذا يقولون آمين. هل من أجل تدمير مدن العراق واحيائه بوحشية وسفك دماء الوف النساء والرجال وما يعتبرونه ازدهار العراق؟ أم لشئ آخر!
ومن ثم يقول اندرو وايت:
– أود ان احبك كابني. كنت أود ذات يوم ان ازور العراق. أتدري، لقد نلت امنيتي الان. الكل في العراق يقولون: ماذا يفعل هذا الاثنان هنا، لانهم شاهدونا على شاشة التلفزيون، الناس يسالون، ماذا يريد هذان الاثنان هنا، لكننا جئنا من أجل مساعدة رئيس الوزراء.
– عندما تحدثنا مرة معا، طرحت عليك سؤالا، واكرر الآن السؤال نفسه، اريد ان اعرف هل تغير ردك؟
– من دون ان تطرح سؤالك، ساقول لك: كلا، لم يتغير اطلاقا، ان العديد من الملائكة تدعمنا هنا، طيب، صلوا من اجلي.
إن هذا الحوار الذي يرافقه تصميم مشاهد ماكرة، يقدم محتلي وغزاة العراق بانهم مبعوثون ومكلفون من قبل الله. ومن ان هؤلاء جاؤوا إلى العراق بأمر من الله ومن أجل عيسي المسيح(ع)، واستقبلوا الاخطار. ولذلك فإنه يجب الثناء عليهم كقديسين.
إن النجاح في تكليف رجال متنفذين ومؤثرين، لكن عملاء في الجهاز السياسي للدول الإسلامية، طبعا يستحق الشكر والثناء بالنسبة للقساوسة الإنجيليين وانصارهم. وفي المقابل، يجب البكاء والنحيب على سكان البلاد الإسلامية.
واجبنا
وهنا يجب الإقرار بأن محاولات الأجانب المبدعين للسيطرة والنهب، تشكل أحد ابعاد القضية. والبعد الآخر يتمثل في الغفلة والاهمال والتقاعس وانكار الجميل الذي يجعل اصحابه يستحقون الهيمنة الاجنبية عليهم وفقا للسنة الثابتة التي لا تتغير.
ولا بد هنا من التذكير باساليب قطع الطريق على توغل ونفوذ عملاء الاستكبار والصهيونية وسد الثغرات:
1- لا بد ان تتحرك المراكز العلمية والثقافية لاسيما الحوزات العلمية فورا من أجل التعرف على اللاهوت والمنظومة العقائدية والثقافية للشعوب غير الإسلامية ، وكذلك دراسة اراء واهواء الفرق شبه الإسلامية التي تملك الجهوزية للتحول إلى عميل للاجنبي (من اليهود والنصاري) لتتوفر بذلك إمكانية النقد والردّ على الشبهات المحتملة؛
2- يتعين على المؤسسات الثقافية المسؤولة التعرف على كافة الفرق الدينية الموجودة في البلدان المجاورة وتجهيز المكتبات وإيجاد الأرضيات اللأزمة لاستخدام طاقاتها لتحديد الشبهات واعداد الدعاة الدينيين وايفادهم إلى الاماكن التي تتوفر فيها إمكانية استغلال الطبع اللطيف والرقيق للشبان، وذلك من أجل ازالة فرص هذا الاستغلال؛
3- لا بد للمراكز والمؤسسات الدينية ان تعيد النظر في اساليب التبليغ الديني والافادة من اصحاب العلم والمعرفة والوعي لاقامة ارتباط صريح وسريع والتناغم مع الشبان والأحداث لبناء أول عقد من الألفية الجديدة. وكل هذا ممكن من خلال الابتعاد عن الانتقائية الثقافية وشائبة الاستغراب الجاري.
4- على المؤسسات المعنية ان تدرك الظروف والوضع الحإلى ومعرفة ان الخصم يتربص بنا في الحرب الثقافية، لتوفر إمكانية الحد من اصدار الكتب المشبوهة والمثيرة للشبهات. ان موضوع المناخ الثقافي المنفتح والتنمية المنفلتة وحرية اصدار أي شبهة بين المسلمين، تتعأرض وقاعدة التواجد الذكي في ميدان النضال وخلاف للنص الصريح لكتاب الله وكلمات الأئمة المعصومين(ع)؛
5- ان تولي الرجال والنساء المثقفين واصحاب القلم والبحث والمتخصصين في شؤون الدين، المناصب الاجتماعية والسياسية والتنفيذية فيما توجد إمكانية ان يحل محلهم رجال ونساء مؤمنين ومخلصين وخبراء، يعد ظلما للجيل الشاب والوسط الثقافي في العصر الحاضر؛
6- لا بد للمؤسسات والاجهزة المسؤولة، ان تتخلي عن التقاعس والكسل الذي استمر على مدى خمسة وعشرين عاما، لتوفير إمكانية هدوء البال لدى اصحاب القلم والبحث والمعرفة ليتسني لهؤلاء حماية وصيانة الجغرافيا الثقافية لهذه البلاد الإسلامية بعيدا عن هاجس المعاش والحاجة المادية، وهذا الكلام لا يعني بالطبع إيجاد مساحة اوسع لمشعوذي ساحة القلم والادب لكي يهاجموا بلا هوادة مجمل الجغرافيا الثقافية للمسلمين والشيعة. مثلما ان الساحة المقدسة للإسلام والثقافة الإسلامية كانت على مدى السنوات الأخيرة وبعد عام 1989 ولحد الان، هدفا للهجوم المدروس للمثقفين الملحدين وفي الحقيقة فرسان الحرب الباردة.
یتبع ان شاء الله …