اسماعیل شفيعي سروستاني
إن التعرف على الاسلام والدراسات الشرقية في الغرب، بدا منذ عصر الحروب الصليبية، حيث تلقى النبلاء التائهون الاوامر من البابا وجماعة من القساوسة الصليبيين، بمهاجمة الشرق. وبدات تلك الجماعة التي كانت تحلم بثروات الشرق، اكبر حشد عسكري تحت غطاء ازالة العقبات التي تعترض زيارة “بيت المقدس” وتحرير “القدس” من ايدي المسلمين. ان غفلة المسلمين وتبعثر حكام الولايات والمقاطعات، مهدا الطريق للصليبيين، للوصول الى الشرق وتقدموا حتى قلب البلدان الاسلامية والاستيلاء الكامل على “بيت المقدس”.
اسماعیل شفيعي سروستاني
إن التعرف على الاسلام والدراسات الشرقية في الغرب، بدا منذ عصر الحروب الصليبية، حيث تلقى النبلاء التائهون الاوامر من البابا وجماعة من القساوسة الصليبيين، بمهاجمة الشرق. وبدات تلك الجماعة التي كانت تحلم بثروات الشرق، اكبر حشد عسكري تحت غطاء ازالة العقبات التي تعترض زيارة “بيت المقدس” وتحرير “القدس” من ايدي المسلمين. ان غفلة المسلمين وتبعثر حكام الولايات والمقاطعات، مهدا الطريق للصليبيين، للوصول الى الشرق وتقدموا حتى قلب البلدان الاسلامية والاستيلاء الكامل على “بيت المقدس”.
وهنا دخل القاضي ابوسعيد الهروي في رمضان 492 للهجرة الى بلاط الخليفة وهو حليق الراس من دون عمامة برسم الحداد، وصارخا. وتبعه حشد غفير من الشيوخ والشبان، وايدوا بضجة، اقواله، وقدموا مثله مشهدا من الغضب، وهم حالقو الراس وبلحى كثة. ويسعى عدد من اهل البلاط ، لتهدئة القاضي، لكنه يدفعهم جانبا بازدراء ويذهب بحسم وتصميم الى وسط الصالة، ويعتلي المنبر ليخاطب الحضور بغض النظر عن منصبهم وموقعهم، ببلاغة وفصاحة واعظ متحمس.
كيف تسمحون لانفسكم في ظل امان زاخر بالسعادة مثل زهور البساتين ان ياخذكم النعاس في حياة طائشة وعابرة، وان تغفلون عن الدنيا والا يكون لاخوانكم في الشام مكان للعيش الا بين فضلات الابل واحشاء الطيور الجارحة؟ وكم هي الدماء التي سالت! وكم هي الفتيات الحسناوات اللواتي اضطررن لتغطية وجوهن بايديهن من الحياء! وهل ان العرب الغيارى راضين عن هذه الاهانة؟ وهل ان الايرانيين الشجعان، يصبرون على انتهاك الحرمات هذه؟
ويقول المؤرخون العرب:
وهذا الخطاب، ابكى الحضور وادمى قلوبهم.
وكان الحضور يهتزون من شدة البكاء، لكن الهروي لم يكن يريد منهم ان يجهشوا بالبكاء وكان يصرخ قائلا: ان اسوأ سلاح المرء ان يبكي فيما يتطاير لهيب نيران الحرب من السيوف.
وفي يوم الجمعة 22 شعبان 492 للهجرة، الموافق 15 يونيو 1099، استولى الفرنجة على “بيت المقدس” بعد ان حاصروها اربعين يوما. وبعد يومين توقفت المذابح، ولم يبق حتى مسلم واحد بين قلاع المدينة. وكان الالوف من المسلمين قد سقطوا في الحفر المليئة بالدماء على عتبة المنازل او اطراف المساجد. وكان من بينهم حشد من ائمة الجماعة وعلماء الدين والصوفيون.
وهذه المذابح ونهب بيت المقدس التي شكلت نقطة بداية العداء الذي استمر الف سنة بين المسلمين والعالم الغربي، لم تحدث اي استنهاض وقفزة مفاجئة. ومضى نحو نصف قرن على المشرق الاسلامي حتى يجند نفسه لمواجهة العالم المسيحي، وان صرخة الجهاد التي اطلقها قاضي قضاة دمشق (الهروي) في بلاط الخليفة، كانت اول اجراء رسمي في مجال المقاومة.
وعلى الرغم من انه تم استعادة الاراضي الاسلامية من الفرنجة المسيحيين، بعد 200 عام من الحروب الصليبية، بفضل بسالة رجال مثل اسد الدين شيركوه وصلاح الدين الايوبي، لكن ذكريات وتداعيات هذه الاعوام وجرائم الصليبيين، لم تمح ابدا عن ذاكرة البلاد الاسلامية.
ومرة اخرى، اقحم الغرب، الصليبيين المدججين بالسلاح، في ساحة القتال. ويتقدم مدينة بمدينة وقرية بقرية. فهو كما السابق لا يتواني عن اقتراف اي جريمة. انه لا يميز بين الاتراك والفرس والعرب والاكراد. وهؤلاء من وجهة نظره، كلهم مسلمون يجب قتلهم.
إن اسم الاسلام وتقليد المسلمين، قد وحدا الغرب المسيحي واليهودية الصهيونية بحيث ان هؤلاء لا يقبلون الا بالزوال الكامل لتقليد المسلمين. ومن السذاجة بمكان، تصور ان عسكر الفرنجة سيتوقفون عند ابواب “النجف” و “كربلاء”!
إن التدمير الكامل للبلاد الاسلامية وتدنيس كافة المساجد والمشاهد الشريفة وقتل المسلمين لاسيما الشيعة، يشكل استراتيجية المسيحيين المتصهينين في اول عقد من الالفية الجديدة، لكن لا صوت ولا صرخة ولا تهديد ولا تمهيد ينطلق من البلاد الاسلامية ومن الكتاب والمفكرين لمواجهة كل هذا الخطر المحدق الذي يتهدد كيان الاسلام والمسلمين.
إن كارثة التنوير الفكري قد قضت على مدى القرنين الماضيين، على كل الحساسيات والتعصب والحمية والكبرياء لدى المسلمين.
وان لم نعبئ ونجند اليوم كل القوة والطاقة الكامنة لدى مسلمي العالم لاطلاق صرخة تدوي في السماء والارض، وان لم نسخر كل الارصدة المالية والاعتمادات الدولية والرساميل والموارد الطبيعية، لوقف هذا السيل الجارف الذي دخل الساحة تحت مسمى المسيح والصليب، فان الفرصة ستكون قد فاتت علينا وغدا سيكون الوقت متاخرا. وغدا يعني تحمل ازيد من الف عام من سلطة المسيحية المتصهينة وهيمنتها على كل المساجد والمشاهد والمنابر ومقدورات ومقدرات الشرق الاسلامي.
إن تدمير “بيت المقدس” ونسف “مسجد الكوفة” و تهديد “المسجد الحرام” يعني انهيار الاعمدة الرئيسية التي تحمي وتصون المدن الاسلامية والمجتمعات الاسلامية على امتداد المعمورة.
إن تجربة الوجود اليهودي في فلسطين المحتلة لاكثر من خمسين عاما، تظهر انه كلما اطلق المسلمون صرخة احتجاج وتهديد، كلما تقوقع وتراجع هؤلاء، وخفضوا من حجم تهديداتهم. ان استمرار هذا الصمت والانفعال، الى مستوى الاحجام حتى عن تقديم الدعم اللفظي او النزول الى الشارع، سيمحو “المسجد الاقصى” و “قبة الصخرة” عن بيت المقدس قريبا والى الابد.
وكأن صرخة صلاح الدين الايوبي تدوي مرة اخرى بعد قرون.
انظروا الى الافرنجة كيف يحاربون في سبيل دينهم بهذا الاصرار والتعنت، في حين لا نحرك نحن المسلمون ساكنا ولا نبدي حماسة للمضي قدما بهذا الجهاد المقدس.
يتبع إن شاء الله
جـمیع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافی
لا یسمح باستخدام أی مادة بشكل تجاریّ دون أذن خطّیّ من ادارة الموقع
ولا یسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.