الجاهلية الحديثة ( الثانية):المساجد المناقضة للقواعد وأبنية الشرك والنفاق

بقلم إسماعيل  شفيعي سروستاني
يقول الإمام الصادق (ع) عن أبيه، في تفسير الآية  33 من سورة الأحزاب “وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى” ما مضمونه الا تتبرجن تبرج نساء عصر الجاهلية الأولى .
إن مفردة التبرج مأخوذة توسعا من مفردة البرج. واستنادا إلى  المغفور له العلامة طباطبائي في تفسير “الميزان” فإن التبرج يعني الظهور كما تظهر الأبراج لناظريها.
وربما يمكن اعتبار التبرج بهدف إظهار وإبراز الزينة والاستعراض ولفت الأنظار هو الأقرب مفهوما إلى  التبرج الجاهلي.

 

إسماعيل  شفيعي سروستاني
يقول الإمام الصادق (ع) عن أبيه، في تفسير الآية  33 من سورة الأحزاب “وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى” ما مضمونه الا تتبرجن تبرج نساء عصر الجاهلية الأولى .
إن مفردة التبرج مأخوذة توسعا من مفردة البرج. واستنادا إلى  المغفور له العلامة طباطبائي في تفسير “الميزان” فإن التبرج يعني الظهور كما تظهر الأبراج لناظريها.
وربما يمكن اعتبار التبرج بهدف إظهار وإبراز الزينة والاستعراض ولفت الأنظار هو الأقرب مفهوما إلى  التبرج الجاهلي.
إن التظاهر بمعنى الاستعراض وإظهار الزينة، هو الشئ المخفف للتبرج. الرغبة في الاستعراض والتظاهر. الإسقاط الخاص الذي يقف تماما في مقابل الأحجام وضبط النفس والحياء وحتى كتمان السر. وهو نوع من الاستعراض المتهور أمام الناس.
وهذا الاستعراض المتلازم مع التفاخر يُذكّي نار الرغبة والحسد ويدفع النفس الامارة المستقرة في الجسم الصغير لألوف الشيوخ والشباب لخوض سباق كبير.
إن التبرج هو مضاد للستر ومخالف له، لذلك فإن المعصومين (عليهم السلام) وأهل الحكمة والتعقل قد ذموه ونهوا عنه وهو من صفات وسمات إنسان عصر الجاهلية الأولى. وهو الذي يعود ويظهر بعد مضي قرون، على هيئة الجاهلية الثانية في آخر الزمان ويقف في مواجهة إمام الزمان (ع).
وإن نظرنا من منظر القرآن الكريم أي نهي وذم التبرج والتظاهر في الميادين الثقافية والحضارية في السابق والحاضر، نجد بأن المدن هي معاقل التبرج والتظاهر. كما أن البيوت والملابس ووسائط النقل تشبه الأبراج في الاستعراض ولفت الأنظار والتظاهر، كلها تفتقد إلى  صفة الستر، وتشبه الزجاج الشفاف الذين يظهر ويبدي كل ما يكتنز خلفه.
إن الأزقة والأحياء وكل ما في المدينة، تنطوي على مظهر من مظاهر هذه الصفات المذمومة، وتعرض ما لديها على كل مار وماش.
بعبارة أخرى، فإن المدن والأحياء تكون مقر ظهور التبرج التام في نهاية الزمان.
المباني الشامخة التي تناطح السماء، تتفاخر وتتباهى مع بعضها البعض في منافسة حادة. وتظهر تفوقها وتبرز روعتها والوانها وواجهاتها وأمنيات بانيها وأصحابها. إنها تعرض قدرها لتأسر قلوب وعيون مشتريها والمطالبين بها.
وكل بناية تخفي في باطنها استعراض صاحبها وحرصه على التظاهر.
إن المراكز التجارية والمحال وواجهات المحال التجارية و… تعكس كلها ألوانا زاهية لتكسب ود القادم والذاهب، الآتي والراحل. مثلما أن الاطعمة والألبسة والأشربة تزيد من كثافة هذا التظاهر، فقد انفلتت كلها من عقالها ومنزلتها وتحولت إلى  أداة للتبرج والتظاهر.
فالمدن مليئة بأناس يستعرضون أنفسهم منذ الصباح الباكر. إن بزوغ الفجر وشروق الشمس يشكلان منطلقا لمسابقة كبيرة خبرت في العصر الجاهلي وقد عادت في حلة جديدة. وربما أن المدن هي السبب في تباهي الإنسان وفساده أخلاقيا وثقافيا. مثلما أن ابن خلدون يرى في “المقدمة”: إن شخصية الإنسان يخلقها نوع معيشته. إن الإنسان يفضل في الكثير من الحالات الحياة في البادية على الحياة في المدن ويرى بأن الشجاعة والتدين والبطولة والأخلاق  والفطرة النزيهة تتراجع في المدن وحتى إنه يرى بأن جميع هذه الصفات المحمودة تضعف وتتضاءل في المدن إلى  أن تنهار نهائيا وحتى إنه يعتقد بأن المدينة والحياة الحضرية سبب للانحطاط وانقراض الدين والدولة.
إن المدينة والشارع والمركز التجاري والمحال التجارية والابراج والاحياء كلها من قماشة واحدة وتحمل صفات مشتركة. فكلها تظهر باطن إنسان العصر الحاضر الذي يدور مثل عصر الجاهلية الأولى حول مدار التظاهر والتبرج. وكل شئ وكل شخص يعرف في نطاق التظاهر والتبرج، ونبحث خطا عن التبرج في تسريحة شعر الفتيات. فنغلق اعيننا في غفلة من الزمن على الدور الرئيسي لبناء وتخطيط المدن والعمارة والمنازل في تبلور شخصية الإنسان وتنشئة الأجيال ونعتبرها كلها بأنها لا أثر لها.
وذات يوم مر رسول الله (ص) من مكان فشاهد بناية تعلوها قبة، فسأل من صاحب هذه البناية قالوا: إنها لرجل أنصاري. وبعد فترة، جاء ذلك الرجل في زيارة للنبي الأكرم (ص) فأعرض عنه صلى الله عليه وآله وسلم وأظهر استيائه من تشييد ذلك المبنى. وكان النبي الأكرم (ص) يعتبر تشييد هكذا مبان بأنه يتسبب بمشاكل للناس.
ويعد الستر في الحضارة الإسلامية، السمة البارزة للمباني ومحط اهتمام الثقافة النبوية والعلوية، وهو الذي يظهر في العمارة وبناء المدن والمنازل. وفي المقابل، فإن العري والتعري يعد الصفة الذاتية للثقافة والحضارة الغربية.
وقد نقل عن النبي الأكرم (ص) ما مضمونه إن دار كل أمر حرمه.
ومن هذا المنطلق فإن النبي الأكرم (ص) يعتبر بيت الناس كالمسجد الحرام، آمن ويرى أن من دخل بيته فهو آمن كما من دخل المسجد الحرام فهو آمن. 
وبذلك كيف يمكن تصور أن المنادي بهذه الثقافة النبوية والعلوية، يصادق على هذا “التبرج والتظاهر والتزاحم” العفن الكائن في بناء الأبراج وحتى عمارة المساجد الحديثة في مدننا والتي لا تنطوي إلا على إيجاد المتاعب للخلق وإزاحة الستار عن المحارم؟
إن العمارة الحديثة وبناء الأبراج الحديثة وبسبب منشأها الليبرالي والنابع من الفلسفة الإنسانية التي تحكم المهندسين والمعمارين، ترفع إذن الدخول عن جميع البيوت وأماكن الخلوة والمواقع الآمنة للناس. بالضبط مثلما كان سائدا في عصر الجاهلية، إذ كان سكان الحجاز في عصر الجاهلية الأولى أزالوا تقليد كسب الإذن لدخول المنازل والبيوت، إلى  أن أعلن القرآن الكريم في زمن البعثة:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”.
وكيف يمكن أن تعيش في سكينة وهناء وأنت جالس بجوار المعتدين؟
وأليس جعلنا في زحمة الأبراج والمنافذ، الكل عرضة لسهام النظرات السامة لغير المحارم؟ وفي هكذا وضع، فإن الهدوء والطمأنينة والأمن، تصبح كيمياء بعيدة المنال. وجوهرة خسرناها بثمن بخس من دون أن نفكر فيها.
وورد أن ابوسعيد الخدري كان واقفا أمام بيت النبي الأكرم (ص) وكان يريد الحصول على إذن للدخول، سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بألا تحاول الحصول على إذن وأنت أمام الباب.
إن أمن المحارم وأهل الدار يتم تكريمهم لدرجة أنه يتم وضع شروط لكيفية الحصول على إذن للدخول إلى  المنازل ناهيك عن حذف كافة الشروط تحت ذرائع اقتصادية بحتة لا يمكن الدفاع عنها ووضع الناس العزل كما كان في العصر الجاهلي عرضة لسهام العيون السامة، السهام  التي قد يضرب ويصيب كل منها أهل الدار بطريقته.
وهل فكرنا عندما نقرأ في دعاء “الندبة”: “أين هادم أبنية الشرك والنفاق” كيف سيتعامل الإمام (ع) في وقت الظهور مع معطلي الفرائض والسنن ومشيدي أبنية الشرك والنفاق؟
إن قراءة هذه الأدعية ستكون وبالا علينا إن لم نتقيد بادب المنتظرين الحقيقيين وما لم نستعد لإحياء الفرائض والسنن وما لم تكن هناك إرادة جادة لمتابعة الثقافة النبوية والعلوية الحقيقية والتي تتجلى بالكامل في الثقافة المهدوية. إننا عندما نتلو الأدعية والأذكار نكون قد قطعنا عهدا أمام الله والمعصومين (ع) ونضع أنفسنا أمام العهود والمواثيق حتى وإن لم نكلف أنفسنا الوفاء بتلك العهود والمواثيق، وبناء على ذلك فإننا نرضخ لكم كبير من الابتلاءات والتداعيات الناتجة عن نكث العهد والميثاق.
إن هكذا قراءة للأدعية تجرنا أحيانا إلى  حد الاحتيال على حجة الله الحي.
إن نكث العهد مع الله ورسوله (ص) ستكون له حسب السنن الإلهية نتائج مثل هيمنة الأعداء وانقطاع بعض النعم.
إن الإشارة إلى  أبنية الشرك والنفاق وتهديمها في وقت الظهور تنطوي على إشارة أيضا إلى  المشيدين والبنائين المنافقين والمشركين لهذه الأبنية، كما تنطوي في وجه آخر على إشارة إلى  قيام هذه الأبنية على أسس الشرك والنفاق في الميدان الفكري والثقافي، وفي كلتا الحالتين فإن هذه الأبنية تؤسس للشرك والنفاق الخفيّ والجليّ في الحقل الثقافي والحياة المادية للمسلمين.

وأليس التبرج والتظاهر والرياء، يحمل في طياته شركا ونفاقا ويتسبب بهما؟ والكلام لا يدور حول وجود مشركين ومنافقين في هيئة معمارين وبنائين، أقاموا وشيدوا الأبنية لنا، بل الحديث يدور حول الأسلوب الذي تتبعه  العمارة وتخطيط المدن على الأسس النظرية القائمة على الشرك والنفاق، حتى وإن كان مسلم مؤمن قد شيدها. لذلك وانطلاقا من أن الإناء ينضح بما فيه، فإن صورة المبنى تعكس باطنه المتسم بالشرك وتؤسس للنفاق والحياة المتسمة بالشرك في الأرض.
قال ابوهاشم الجعفري : كنت عند الإمام الحسن العسكري عليه السلام فقال : إذا قام القائم يهدم المنار والمقاصير التي في المساجد . فقلت في نفسي لأي معنى هذا ؟ . فأقبل علي فقال : معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة.
ويقول العلامة المجلسي في توضيح هذا الحديث: لأن الإشراف والتسلط على بيوت الناس حرام.
إن من يفعل بمنائر ومقاصير المساجد المشرفة هكذا، كيف سيفعل إذن بالأبراج الشيطانية والموبوءة بالتبرج الجاهلي؟ ويمكن من دون الرجوع حتى إلى رواية واحدة ونهج وسلوك المعصومين (ع) ومن خلال الاستعانة بهذه العلوم الحديثة فهم ودرك تداعيات وتبعات هذه العمارة على جسم وروح سكان المدن.
وكأننا تركنا لوحدنا. ونعتبر أنفسنا بلا إمام ولا سنة ولا حكم، بحيث لوثنا بهذه الطريقة مدننا وديارنا وجعلنا المسلمين يصابون بالأمراض والإنهاك والإبتلاء بالعذاب الدنيوي والأخروي.
وفي أعقاب الإتيان بمستندات حول الإنشاءات والمباني الهرمية في طهران وبعض المدن الإيرانية الأخرى بما فيها مشهد وشيراز ورشت و…، حظر المجلس البلدي في طهران تشييد المباني هرمية الشكل في مدينة طهران.
وإذ نشيد ونقدر هذا الإجراء اللائق لأعضاء المجلس البلدي بطهران نأمل بأن يحذو رؤساء البلديات والمجالس البلدية في البلدان الأخرى حذو طهران وأن يتخذوا إجراء كهذا ويوعزوا بوقف إصدار تراخيص تشييد هكذا مبان لأنها ذات منطلق شيطاني.
لكن ما يدعو للأسف اأ هرطقة حديثة اتبعت في بناء المساجد. وهذه البدعة والهرطقة تعززت في ضوء الاستنساخ من أسلوب العمارة ما بعد الحداثة. وعلى الرغم من أنه يتم استخدام رموز من العمارة الإيرانية والإسلامية في هذه المساجد وعناصر مثل الجنينة والعقد و… في تزيين وإضفاء الجمالية على هذه المساجد وزخرفة فضاءاتها الخارجية، لكن وبسبب اعتماد عمارتها الرئيسية على الأسس الفكرية للمذهب الإنساني فإن الروح السائدة في هذه المباني تظهر نوعا من النظرة الخارجية الخاصة أو بالأحرى  المسلك الذي يسلكه الإنسان الغربي وهو المذهب الإنساني في الميدان الثقافي. وهذا الشئ أخرج هذا البناء العبادي الإسلامي أي المسجد من روحه ومكانته الرئيسية. وحسبما يقول أحد الأساتذة الكبار فإن هذا الوجه البارز أدى إلى  أن يكون المبنى داعيا الناس لنفسه بدلا من دعوة المصلين إلى عبادة الله الواحد الأحد.
ويتابع هذا الناقد فيقول:
إن هذا البناء الذي صمم على أساس العمارة ما بعد الحداثة مثل ديكونستراكشن  وفولدينغ وكاسموجنيك، ينادي مباشرة بفلسفة ديكونستراكشن  وفولدينغ. وربما لا نرى أبدا أي معمار ينتهج هذا الأسلوب قريبا بهذا القدر إلى  توجه فلسفي ما.
إن المسجد في الأنموذج الإلهي، هو مكان السجدة وعبادة الله. وفي الأنموذج الإنساني حيث لا يوجد الله، فمكان سجدة وعبادة من؟ إن هكذا تقليد مثير للسخرية يظهر نفسه هنا أكثر  فأكثر  من أن “مسجدا على طريقة المذهب الإنساني” وصممه وصنعه أسلوب عمارة ديكونستراكشن ، نابع من أوهام ذهن جاك دريدا فيلسوف ما بعد الحضارة الفرنسي. لذلك فإن فلسفة ديكونستراكشن  وهي فلسفة الاضطراب والإيهام والإزدواجية وغياب الاستقرار والخداع وعدم الجدوى والتناقض، لا يمكن أن تتحول إلى  أساس نظري لعمارة مسجد ما.
كما أن فلسفة فولدينغ   التي هي حصيلة ذهن جيل دلوز فيلسوف ما بعد الحداثة الفرنسي، تعتمد الغموض وعدم وجود أفضلية في أي شئ ونبذ التراتيبية العمودية والتأكيد على الحركة الأفقية.
وحقا يجب التساؤل: ما موقع فلسفة الإيهام والتزلزل وعدم الثبات والاستقرار في عمارة مسجد يشيد من أجل اليقين والتوحيد؟
وفي الأعوام الأخيرة من عقد التسعينيات (السبعينيات في التقويم الإيراني) عكفت جماعة تحمل فكرا رجعيا ودابت على التقويض والإضعاف التدريجي للمجال الثقافي الديني والثوري على استهداف القواعد والمعاقل الرئيسية للثورة الإسلامية أي المساجد ووضعت على جدول أعمال أمانة العاصمة طهران تأسيس مراكز ثقافية على طريقة فرنسيي العصر. وقد بدأ هؤلاء هذه الخطوة من أبعد مناطق طهران جنوبا. والطريف أنه تقليدا للماسونيين الفرنسيين الذي حولوا للمرة الأولى ملحمة في باريس إلى  مركز ثقافي، قاموا بإعادة تأهيل مسلخ مدينة طهران في جنوب العاصمة وتحويله إلى  مركز ثقافي.
ونحمد الله أن يدهم لم تطل تركيبة المساجد وسمحوا بأن تبقى سلالم السماء هذه في أرجاء المدينة عسى أن تكفل ارتباط الأرض وأهل الأرض بالعالم الماورائي والقدسي.
والمؤسف أنه بسبب الغفلة المزمنة في مجال الدراسات الثقافية وضرورة الثورة الثقافية الشاملة، استغل الماسونيون والمتشبهون بالماسونية الظروف السائدة، ليستهدفوا بصلافة تامة الأسس الرئيسية للعمارة. فقد أقدم هؤلاء في الخطوة الأولى مستغلين غفلة مجموعات خبراء البلديات، على تأسيس مباني هرمية الشكل وبعد هذه التجربة الشاملة، توجهوا في الخطوة الثانية نحو المساجد.
وقد شهدنا في كل حدب وصوب في طهران تشييد مساجد طغت عليها العمارة في سياق مناقضة البنيوية والتركيبة النمطية بشكل واسع النطاق فكسرت طابعها التوحيدي والعبادي للمسلمين وجعلت المساجد تعتمد وتبنى على أسس وركائز المذهب الإنساني ومعتقدات محافل عبادة الشيطان الماسونية.
وكما أسلفنا، فقد قام هؤلاء المعمارون وفي خطوة تنم عن كسر القواعد بشكل خاص وفي ظل صمت الحجر والإسمنت والفولاذ، بالتنكر لأي نداء توحيدي وحقيقة سماوية تنطوي على نبذ الشرك وعبادة الأنماط المختلفة، لتنادي بالتعددية.
وفي سياق ما يعرف بفلسفة ديكونستراكشن  وقام المعمارون حديثو العهد بتشيد مساجد طهران على أساس هذا الأسلوب المعماري، ثمة جهد حثيث لنبذ أي ادعاء يسعى للإعلان والجهر بنوع من الحقيقة الثابتة والتوحيد في عالم الخلقة والكون وتنظيم العلاقات الإنسانية وبالتالي إحلال نوع من التعددية محله من خلال اعتماد أسلوب كسر ومناقضة القواعد. وهذا الأسلوب من كسر القواعد عن طريق العمارة، وضعه فرانك غري المعمار الأمريكي المتحدر من أصل كندي.
وكما يستشف من هذه الفلسفة، فإنه لا يتم تفضيل شئ على شي آخر وتتناقض مع مفهوم الأوج والتسامي والانطلاق من التعددية نحو الوحدة في العمارة الإسلامية. ولهذا السبب فإنه ليس هناك حاجة إلى  القبة والمنارة اللتين تعكسان التحرك من التعددية إلى  الوحدة والعروج والتسامي في العمارة الإسلامية.
وتم تبيان هذا الموضوع والمفهوم بلغة أخرى في فلسفة الفيلسوف الفرنسي فولدينغ.
إن فولد  تعني الطيّة والثنية أي إن كل ثنية بجانب ثنية أخرى وكل شئ بجانب أحده الآخر. وأي ثنية لا يتم تفضيلها على ثنية أخرى، كما أن الفولدينغ تعني العمودية ونبذ أي تراتيبية وتصنيف. وبذلك فإن الفولدينغ تعني النظام الذي يجعل الأفقية تحل محل التراتيبية.
وفي هذا النسيج، فإن أي فكر لا يتفوق على الآخر. وليس هناك تفسير أسمى وأرفع من الآخر. وكل شئ أفقي. بعبارة أخرى إن فلسفة فولدينغ تسعى لتبديل منطق القيمتين إلى  ديكونسترانت أو مناقضة القواعد وإلى منطق التعددية والتباين.
وعلى الرغم من أن المعمارين الغربيين بمن فيهم بيتر ايزنمن قاموا بتصميم وتنفيذ كنائس على طريقة الفولدينغ، لكنه يجب الانتباه إلى  أنه حتى إن أراد المعمارون الإيرانيون تقليد المعمارين ما بعد الحداثة الغربيين تقليدا شكليا بحتا، فعليهم أن يعلموا بأن العمارة ما بعد الحداثة أرضية النزعة، أي إنه يجب إيلاء اهتماما خاصا ضمن هذا الأسلوب إلى  الأرضيات الثقافية والاجتماعية ومعتقدات وتقاليد المجتمع الذي يمارسون مهنة العمارة فيه.
ونظرا إلى  ما أسلفنا، يكفي أن نتساءل:
•    ما النسبة القائمة بين عمارة مسجد ما وهذا الأسلوب من العمارة؟
•    ما العوامل التي تسعى لمناقضة القواعد والثورة على عمارة المساجد في هذه الديار الإسلامية؟
•    لِمَ ينظنون بأننا نعيش في مدينة العميان وأن أعين جميع خلق الله مغمضة على ما يفعلونه؟
•    لماذا يرى المجلس البلدي بطهران أنه في غنى عن امتلاك مجمع ثقافي ونخبوي لدراسة أساليب  العمارة الحضرية المهمة؟
•    من المسؤول أو المسؤولون عن منع اتباع هذه الهرطقات السافرة؟
•    وهل هؤلاء جهزوا أنفسهم للتعرض للمحاسبة والمؤاخذة على يد الصاحب الرئيسي الشريعة؟
وكل هذا بغض النظر عن الدور الذي تضطلع به العمارة الحديثة والمعتمدة على الأفكار النابعة من الفلسفة الإنسانية والشيطانية للمعمارين الماسونيين في إطلاق يد القوى الشيطانية لتعبث بحياة وجسم ورح سكان هذه المدينة العزلاء.

الهواشی :

  1. بحار الانوار، ج 22، ص 189
  2. تفسير الميزان، ج 16، ص 309
  3. نقلا عن فصلية “فرهنك كوثر”، الرقم 50، ص 56
  4. نهج الفصاحة، ص 331، ح 1582؛ الخصال، ج 1، ص 122
  5. الدكتور آيتي،تاريخ نبي الإسلام، ص 561
  6. سورة النور (24)، الآية  27
  7. تفسير الميزان، ج 14، ص 135
  8. الغيبة للشيخ الطوسي، ص 123؛ المناقب لابن شهر اشوب، ج 4، ص 437
  9. روضة المتقين، ج 2، ص 109
  10. ابراهيم ارجمندي، “مسجد الإمام الرضا (ع)”، العمارة ما بعد الحداثة، مشرق نيوز
  11. المصدر السابق
  12. folding
  13. مشرق نيوز
  14. Deconstruction
  15. Fold
  16. سورة الذاريات (51)، الايتان

 

شاهد أيضاً

الجاهلية الحديثة ( الثانية): الأصولية العلوية والماكيافيلية الأموية

تجميع : مهدي روحي في المنطق الماكيافيلي الذي يعتبر معاوية أحد مظاهرة الجلية، يجب استخدام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *