حمل غالبیة المهاجرین الأوروبیین إلى الأراضی الأمیركیة العقیدة البروتستانتیة الأصولیة التی كانوا یحاولون تطبیقها فی مجتمعاتهم ولم ینجحوا. ومنذ بدایة تأسیس الدولة الأمیركیة فی القرن الـ17 لعبت الرؤى الأصولیة المسیحیة البروتستانتیة دورا كبیرا فی تشكیل هویة الدولة.
محمد المنشاوی
رئیس تحریر تقریر واشنطن
حمل غالبیة المهاجرین الأوروبیین إلى الأراضی الأمیركیة العقیدة البروتستانتیة الأصولیة التی كانوا یحاولون تطبیقها فی مجتمعاتهم ولم ینجحوا. ومنذ بدایة تأسیس الدولة الأمیركیة فی القرن الـ17 لعبت الرؤى الأصولیة المسیحیة البروتستانتیة دورا كبیرا فی تشكیل هویة الدولة.
المسیحیة الصهیونیة
النشأة
الأدبیات
المسیحیة الصهیونیة
تأثرت العقیدة البروتستانتیة كثیرا بالیهودیة، ونتج عن هذا التأثر تعایش یشبه التحالف المقدس بین البروتستانتیة والیهودیة بصورة عامة، وخلقت علاقة أكثر خصوصیة بین الصهیونیة الیهودیة والبروتستانتیة الأصولیة.
وتتمیز البروتستانتیة فی الولایات المتحدة بصفتین یمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسیحیة الصهیونیة:
• هیمنة الاتجاه الأصولی على البروتستانتیة.
• سیطرة التهود على الأصولیین البروتستانتیین.
وآمنت المسیحیة الصهیونیة Christian Zionism “قبل تأسیس دولة إسرائیل” بضرورة عودة الشعب الیهودی إلى أرضه الموعودة فی فلسطین، وإقامة كیان یهودی فیها یمهد للعودة الثانیة للمسیح وتأسیسه لمملكة الألف عام.
وتمثل فكرة عودة الیهود إلى فلسطین حجر الأساس فی فكر المسیحیة الصهیونیة، لذا كانت فكرة إنشاء “وطن قومی للیهود فی فلسطین” التی آمن بها المسیحیون البروتستانت قبل إیمان الیهود أنفسهم بها هی أهم ما یجمع بین الطرفین.
ومصطلح المسیحیة الصهیونیة لم یتم الإشارة إلیه كثیرا قبل حقبة التسعینیات من القرن الماضی، وتصنف هذه المدرسة ضمن جماعات حركة البروتستانت الإنجیلیین Protestant Evangelical ، ولهذه الحركة ما یقرب من 130 ملیون عضو فی كل قارات العالم.
ویمكن تعریف المسیحیة الصهیونیة بأنها “المسیحیة التی تدعم الصهیونیة”، وأصبح یطلق على من ینتمون إلى هذه الحركة اسم “مسیحیین متصهینین”.
وتتلخص فكرة هذه الحركة فی ضرورة المساعدة لتحقیق نبوءة الله من خلال تقدیم الدعم لإسرائیل.
وترید المسیحیة الصهیونیة إعادة بناء الهیكل الیهودی فی الموقع الذی یقوم علیه المسجد الأقصى الیوم. وفی نظرهم یتم ذلك عن طریق تحقیق هیمنة إسرائیلیة كاملة على كل “فلسطین”، كون فلسطین هی (الأرض الموعودة). وتعتقد المسیحیة الصهیونیة أن من شأن القیام بذلك تعمیم البركة الإلهیة على العالم كله.
نشأة الحركة
نشأت المسیحیة الصهیونیة -كما نعرفها الیوم- فی إنجلترا فی القرن الـ17، حیث تم ربطها بالسیاسة لا سیما بتصور قیام دولة یهودیة حسب زعمها لنبوءة الكتاب المقدس، ومع بدء الهجرات الواسعة إلى الولایات المتحدة أخذت الحركة أبعادا سیاسیة واضحة وثابتة، كما أخذت بعدا دولیا یتمثل فی تقدیم الدعم الكامل للشعب الیهودی فی فلسطین.
وتتصل جذور هذه الحركة بتیار دینی یعود إلى القرن الأول للمسیحیة ویسمى بتیار الألفیة (Millenarianism)، والألفیة هی معتقد دینی نشأ فی أوساط المسیحیین من أصل یهودی، وهو یعود إلى استمرارهم فی الاعتقاد بأن المسیح سیعود إلى هذا العالم محاطا بالقدیسین لیملك فی الأرض ألف سنة ولذلك سموا بالألفیة.
هناك تفسیر اعتمد تاریخیا فی العقیدة المسیحیة ینص على أن الأمة الیهودیة انتهت بمجیء المسیح، وأن خروج الیهود من فلسطین كان عقابا لهم على صلب السید المسیح، وأن فلسطین هی إرث المسیح للمسیحیین، إلا أن ظهور حركة الإصلاح الدینی فی أوروبا فی القرن الـ16 تبنت مقولة أن “الیهود هم شعب الله المختار”، وأنهم الأمة المفضلة عند الرب، وأن هناكوعدا إلهیا یربط الیهود بفلسطین، لذا ارتبط الإیمان المسیحی البروتستانتی بعد حركة الإصلاح بالإیمان بعودة المسیح الثانیة بشرط قیام الكیان الصهیونی على كل أرض فلسطین.
وحدث انقسام بین منظری المسیحیة الصهیونیة فی القرن الـ19، وظهرت مدرستان، البریطانیة الداعمة لنظریة تحول الیهود للمسیحیة قبل عودتهم لفلسطین كمسیحیین، والأمیركیة التی آمنت بأن الیهود سیعودون إلى فلسطین كیهود قبل تحولهم للمسیحیة.
ورأس فكر المدرسة الأمیركیة القس الأیرلندی جون نیلسون داربی الذی یعتبر بمثابة الأب الروحی لحركة المسیحیة الصهیونیة الأمیركیة.
وخلال 60 عاما بشر داربی لنظریته بكتابة العدید من المؤلفات التی فصلت رؤیته لنظریة عودة المسیح الثانیة، ونظریة الألفیة. وقام داربی بست زیارات تبشیریة للولایات المتحدة، ومن ثم أصبح داعیة مشهورا ومدرسا له أتباع كثیرون.
وحمل لواء الحركة من داربی عدة قساوسة من أشهرهم داویت مودی الذی عرف بترویجه لنظریة “شعب الله المختار”، وویلیام یوجین بلاكستون الذی ألف كتاب “المسیح آت” عام 1887 وأكد فیه على نظریة حق الیهودی طبقا لقراءته للتوراة فی فلسطین. إلا أن أكثر المنظرین تطرفا كان القس سایروس سكوفیلد الذی ألف كتابا عنوانه “إنجیل سكوفیلد المرجعی” عام 1917، وهو الكتاب الذی أصبح بمثابة المرجع الأول لحركة المسیحیة الصهیونیة.
ومن أشهر السیاسیین الذین أسهموا فی نمو حركة المسیحیة الصهیونیة عضو البرلمان البریطانی اللورد شافتسبری، وكان شافتسبری مسیحیا محافظا وعلى علاقة جیدة بصانعی السیاسة البریطانیین فی منتصف القرن الـ19. وفی العام 1839 ذكر شافتسبری فی مقال نشر فی دوریة شهیرة Quarterly Review أنه “یجب أن نشجع عودة الیهود إلى فلسطین بأعداد كبیرة، حتى یستطیعوا مرة أخرى القیام بالرعی فی سامراء والجلیل”، وكان ذلك قبل 57 عاما من ظهور الحركة الصهیونیة العالمیة، وكان اللورد شافتسبری هو أول من وصف الیهود وفلسطین قائلا “شعب بلا وطن.. لوطن بلا شعب”.
یعد تیودور هرتزل مؤسس الصهیونیة الحدیثة هو أول من استخدم مصطلح “الصهیونیة المسیحیة”، وعرف المسیحی المتصهین بأنه “المسیحی الذی یدعم الصهیونیة”، بعد ذلك تطور المصطلح لیأخذ بعدا دینیا، وأصبح المسیحی المتصهین هو “الإنسان الذی یساعد الله لتحقیق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوی لإسرائیل، بدلا من مساعدته على تحقیق برنامجه الإنجیلی من خلال جسد المسیح”.
تیودور هرتزل نفسه آمن وطرح فكرة الدولة الیهودیة ولم تكن دوافعه دینیة بالأساس، فهو قومی علمانی، وأعلن استعداده لقبول استیطان الیهود فی أوغندا أو العراق أو كندا أو حتى الأرجنتین، أما المسیحیون المتصهینون فقد آمنوا بأن فلسطین هی وطن الیهود، واعتبروا ذلك شرطا لعودة المسیح، لذا انتقدوا الموقف المتساهل من قبل تیودور هرتزل.
أدبیات حركة المسیحیة الصهیونی
تلتقی الحركتان الصهیونیة الیهودیة والصهیونیة المسیحیة حول “مشروع إعادة بناء الهیكل الیهودی فی الموقع الذی یقوم علیه المسجد الأقصى الیوم”. لذا فالهدف الذی تعمل الحركتان على تحقیقه یتمحور حول فرض سیادة یهودیة كاملة على كل فلسطین بدعوة أنها “أرض الیهود الموعودة” ومن شأن ذلك أن یؤدی إلى تعمیم البركة الإلهیة على كل العالم
وترجمت معتقدات هذه الحركة بدایة فی العام 1917 مع صدور وعد بلفور “الذی أید فكرة وطن قومی للیهود فی فلسطین” وافق أغلب البروتستانت الأمیركیین على هذه الفكرة واعتبروا تنفیذها واجبا دینیا راسخا.
وتأثرت المسیحیة الصهیونیة بثلاثة توجهات یجمع بینها خلفیة التفسیر الدینی المعتمد على النصوص التوراتیة، ورغم تباین هذه التوجهات وتناقضها بعضها مع بعض أحیانا، فإن التفسیر الحرفی للتوراة والإیمان بضرورة مساعدة إسرائیل جمع بینهم. والحركات الثلاث هی:
1. حركة تهتم بقضیة نهایة العالم ومؤشراته.
2. حركة تهتم بقضیة التقرب من الیهود من أجل المسیح.
3. حركة تركز على الدفاع عن إسرائیل وعلى مباركتها ودعمها بكل ما هو ممكن ومتاح.
وأهم ما یجمع بین المسیحیة الصهیونیة والیهودیة الیوم یمكن تلخیصه فی ثلاث نقاط أساسیة:
1. التراث المسیحی الیهودی المشترك.
2. الأخلاق الیهودیة المسیحیة.
3. الالتزام الأدبی والأخلاقی بدعم إسرائیل.
تترجم حركة المسیحیة الصهیونیة أفكارها إلى سیاسات داعمة لإسرائیل، وتطلب ذلك خلق منظمات ومؤسسات تعمل بجد نحو تحقیق هذا الهدف. لذا قامت حركة المسیحیة الصهیونیة بإنشاء العدید من المؤسسات مثل “اللجنة المسیحیة الإسرائیلیة للعلاقات العامة” ومؤسسة الائتلاف الوحدوی الوطنی من أجل إسرائیل”، ومن أهداف هذه المؤسسات دعم إسرائیل لدى المؤسسات الأمیركیة المختلفة، السیاسی منها وغیر السیاسی.
وهناك ما یقرب من 40 ملیونا من أتباع الصهیونیة المسیحیة داخل الولایات المتحدة وحدها، ویزداد أتباع تلك الحركة خاصة بعدما أصبح لها حضور بارز فی كل قطاعات المجتمع الأمیركی.
ویشهد الإعلام الأمیركی حضورا متزایدا لهم حیث إن هناك ما یقرب من 100 محطة تلفزیونیة، إضافة إلى أكثر من 1000 محطة إذاعیة ویعمل فی مجال التبشیر ما یقرب من 80 ألف قسیس.