اسماعیل شفیعي سروستاني
إن نتيجة تلك الطبيعة الاستكبارية تبرز على هيئة النزعة الحادة للاستيلاء والتملك. فان استولى الغرب على الدنيا برمتها وامتلكها كلها، فانه ان راى مكانا ونقطة وبلدا أو جزيرة لا تتبعه ولا تمتثل لاوامره ونواهيه، لا يطيق ذلك ويريد ان يخضع ذلك المكان لسيطرته. ويعتبر ان تلك الجزيرة المتمردة قد انفصلت وانفردت لنفسها. وهذا الامر يثير تخوفه من ان هذه الجزيرة المعزولة قد تثير شهية الانفصال لدى سائر المناطق والمواقع. ان هذا الميل الحاد للتملك والاستيلاء حوّل الانسان الغربي و …
اسماعیل شفیعي سروستاني
إن نتيجة تلك الطبيعة الاستكبارية تبرز على هيئة النزعة الحادة للاستيلاء والتملك. فان استولى الغرب على الدنيا برمتها وامتلكها كلها، فانه ان راى مكانا ونقطة وبلدا أو جزيرة لا تتبعه ولا تمتثل لاوامره ونواهيه، لا يطيق ذلك ويريد ان يخضع ذلك المكان لسيطرته. ويعتبر ان تلك الجزيرة المتمردة قد انفصلت وانفردت لنفسها. وهذا الامر يثير تخوفه من ان هذه الجزيرة المعزولة قد تثير شهية الانفصال لدى سائر المناطق والمواقع. ان هذا الميل الحاد للتملك والاستيلاء حوّل الانسان الغربي وثقافته الى كائن شمولي يعتبر نفسه مالك كل شئ على الاطلاق. ان هذا التيار يضفي لونه على كل شخص وكل شئ. وكل من نما وترعرع مع ذلك التيار فانه سيتحول الى مستكبر صغير. والمثال الذي يمكن ذكره في هذا السياق هو “النضال على طريقة سبارتاكوس”.
وفي روما القديمة كان هناك غلادياتور يدعى “سبارتاكوس”. وكان في الحقيقة عبدا ثار ضد الامبراطورية الرومانية.
وعندما نجح سبارتاكوس من خلال تعبئة سائر العبيد في القضاء على الامبراطورية الرومانية، سار على النهج ذاته الذي كان ينتهجه سائر الامبراطوريين. وكان قد تحول الى امبراطور. ويطلق على هذا النمط من النضال، “النضال على طريقة سبارتاكوس”. ولم يكن يملك نموذجا ليحل محل نموذج الامبراطورية الرومانية، لكن ألا يطغى ولا يتحول الى امبراطور. فقد تحول سبارتاكوس خلال مسيرة نضاله الى قيصر جديد.
وهذا التيار هو على هذه الشاكلة، وان تحرك احد باتجاه هذا التيار فان الفكر والثقافة والعمل الجاري هو بشكل يصاب به ويتحول على مر الزمن الى فرد مستكبر وطالب سلطة. لذلك فان هذا الاساس يجب ان ينهار. وهذا النظام يجب ان يتغير. ان هذه النزعة الحادة للاستيلاء والتملك بشكل بحيث ان جميع الافراد الذين ينشأون في تلك البيئة والنظام سيصبحون كذلك. ونستغرب في بعض الاحيان ونتساءل: لماذا لا تتحرك الشعوب الغربية ضد انظمتها الحاكمة؟
ونتساءل احيانا: لماذا لا يعترض الصحفيون ومنتجو الافلام واصحاب الاقلام والادباء في الغرب؟ ولا يمارسون النقد؟ ولا يبدون تحركا؟ ولماذا لا ينتقدون بشكل جاد واساسي التيار الحاكم في بلدانهم ومجتمعاتهم ويمرون دائما مرور الكرام على هذه التطورات.
وهذه التساؤلات تاتي اصلا كنتيجة لافتراضنا الذهني الخاطئ. اننا نظن بان توجهات وموقف الاعلام الغربي ضد الاسلام وايران والثورة الاسلامية تاتي قسرا وامتثالا لاوامر الحكومات الغربية، في حين ان الامر ليس كذلك ان تكون حكوماتهم قد ارغمتهم جميعا لكي يتخذوا مواقف معادية للمسلمين. ومبدئيا فانه ليس ثمة حاجة لهذا الاكراه والتحكم. ان الافراد يعيشون ويترعرعون في نظام يتحولون في مسار التحول والنشاة الفكرية تلقائيا الى اميركا صغيرة أو يهودي صغير. انهم يتخذون هذا الموقف والتوجه بشكل طبيعي ويتخندقون تاسيسا على تربيتهم وتعليمهم في وجه العبودية والاسلام والمسلمين.
“إن الارادة المبنية على السلطة” والرغبة العارمة للامتلاك والاستيلاء ورح الربحية سائدة لدي جميع من ترعرعوا في هذا التيار الثقافي كل حسب موقعه ومكانته. وهذا الطبع موجود لدى الصحفي والمخرج السينمائي والمعمار الغربي و…، الا ما ندر منهم من يدير ظهره لهذا التيار ويتخلى عنه.
ان الحضارة الغربية تؤكد اكثر من اللازم على التقدم والتنمية، وهنا تبدي النفس الامارة نفسها. ولهذا السبب فان التقدم والتنمية التي لا حدود لها تشكل ركيزته الرئيسية، لان لا نهاية للرغبات النفسانية وطلبات النفس الامارة. فان تركت النفس وشانها فانها ستصل الى نقطة تعتبر نفسها الاله. اي انها لا تضع اي حدود وقيود لها. وان سارت على طريق “العبودية” فانها ستبلغ مرتبة “الفناء في الله” وان سارت على طريق “الانانية” فانها ستقرر انها الحق وانها الله.
ورب سائل يتساءل بان لا ضير في التقدم والتنمية، وحتى في القضايا المادية، كيف نستخدم هاتين المفردتين من دون اي قيود؟
وللتوضيح يجب القول بداية بان التقدم هي ترجمة اللفظة الفرنسية “بروغره”. ان هذه المفردة لها مسماها الخاص بها. ففي العالم الغربي توصلوا بناء على النظرة الى العالم والعالم المادي الى هذه النتيجة بان كل شئ يسير نحو التطور (وفقا لنظرية داروين) وكل مرحلة من التطور تدحض بالضرورة المرحلة التي سبقتها. والتطور يحدث ايضا في التعاليم البشرية. لذلك فان الاستنتاجات البشرية وميولهم الدينية وآرائهم حول العالم وادم والخليقة والحشر والنشر و… تعود الى هذه النقطة من أن:
“انهم لم يتقدموا بل كان حصيلة جهلهم وخوفهم. وان كان للانسان دين، فان ذلك ناتج عن جهله. انه اختلق الدين والاله لاجل ان يعطي تعريفا عن الكون او بسبب انه كان يخاف في الطبيعة من بعض الاشياء، كان يستجير منها الى الله او بما انه لم يحصل على اجوبة لاسئلته لذلك فانه اعتبر الله عاملا وسببا للخلق والعيش في الطبيعة. لكن ما ان فهم ان بامكانه ادراك القضايا عن طريق التجربة، تحول هو الى معيار لكل شئ ووضع جانبا جميع الاستنتاجات السابقة واصبح في غنى عن الدين”.
ونشهد مثل هذه الافكار والاراء في جميع اعمال العلماء الغربيين لاسيما في العلوم الاجتماعية. ان توجه العصر الجديد نحو العالم المادي حصل لانه ادار ظهره للسماء والعالم الماورائي والغيب. لذلك وبعد ادارة الظهر هذه للسماء، ارسي الراي القائل بان الاستنتاج الرئيسي والعادل، هو الاستنتاج المبني على التجربة.
إن “الفلسفة الوضعية” تبين هذه النقطة. اثبات الوضعية لقبول كل شئ بما في ذلك الدين والله. وكنتيجة لهذا التفكير فقد روج انصار الفلسفة الوضعية أوهاما مفادها ان الانسان القديم بما انه لم يكن يملك ادوات التجربة، كان يلجأ الى اشياء وهمية باسم الله.
وكان جراح قلب يدعى البروفيسور برنارد قد قال يوما:
“اني يمكن ان اقبل الله عندما استطيع اجراء عملية جراحية عليه بواسطة مبضعي”.
وفي الحقيقة فان الغرب اعلن بانه يقبل بجميع سكان العالم والمجردات والموضوعات المرتبطة بالقضايا المعنوية والروحانية بما فيها الله والدين والروح والعالم الاخر و… شريطة ان يكون قادرا ان توضيح مفردة “التطور” كان ضروريا لاجل ان نعرف ما هو اساس هذا الراي ومن اين جاء؟
وفي هذا النوع من الفكر والراي فان تطور الفرد والمجتمع يعني ان ما كان يملكه في السابق قد انتهى وان الماضي قابل للانكار ولا اصاله له، وان ما يمكن الحصول عليه من الان فصاعدا بمدد العلوم التجريبية، يكتسي اصالة. بعبارة اخرى فانه يتم انكار ورفض جميع الاستنتاجات السابقة لسبب انها غير قابلة للكشف والتجربة والدراسة بواسطة الادوات التجريبية والحسية.
ولسنوات ورد مصطلح “التنمية” في ادبياتنا السياسية والاجتماعية ويستخدمه الجميع. اننا نستخدم التنمية من دون قيد او شرط.
وهذه المفردة هي ترجمة كلمة Development””. وتعني هذه المفردة في الادبيات الاقتصادية والسياسية والثقافية للغرب “التنمية الكميّة”. التنمية التي تفضي الى الحداثة. ان العمل من اجل تحقيق التنمية هو محاولة لارساء الحداثة. والعمل لتجاوز التقاليد والوصول الى الحداثة.
وتستخدم هاتان المفردتان (التقليد والحداثة) معا دائما. ولهذا السبب فانهم ان ارادوا في العلوم الاجتماعية المعاصرة، املاء التنمية على بلدان ما يسمى العالم الثالث، فانهم يعتبرون التنمية الانسانية مقدمة للتنمية السياسية والاجتماعية. ويعتبرون التنمية الاقتصادية بانها عامل ارتباط للحداثة. لكن ثمة عقبة تعترض طريق التنمية الا وهي الدين والتقليد. لذلك فانهم يقولون في علم الاجتماع المعاصر بان التنمية الانسانية هي مقدمة للتنمية الاقتصادية.
لكن ما معنى التنمية الانسانية؟ ان تنمية الانسان التقليدي تعني ايجاد التغيرات الثقافية فيه لكي يتخلى عن اتجاهاته وميوله الدينية ويتقبل الحداثة برحابة صدر. لا يمكن تنمية مجتمع عصري ذي ابعاد مادية لكن يبقى انسانه، انسانا تقليديا ومتمسكا بالدين. وهذا الموضوع لا يمكن ان يتحقق.
ان نظرة الانسان الشرقي الى الطبيعة هي نظرة دينية. وعندما ينظر الى القمر فانه يصلي على النبي (ص) لانه يعتبر القمر آية من ايات الله، ولانه يعتبر العالم كله آية وخلق على يد الله تعالى.
لكن تبذل محاولات في عملية التنمية لكي يبلغ هذا الانسان مبلغا تصبح فيه نظرته الى الطبيعة نظرة انسان يتغلب عليه الاستيلاء والتملك. وعندما ينظر الى الماء فانه يرى H2O وعندما ينظر الى القمر تتبادر الى ذهنه مناجم الذهب والرصاص والنحاس والمنغنز ويريد ان يستولي عليها من اجل المزيد من الاستثمار لا من اجل العبودية والتسبيح.
وفي هذه الحالة، فان الانسان الذي يستخف بالتقاليد الشرقية والدينية، يعتبر جميع العوامل والعناصر المنتشرة في الطبيعة بانها فاقدة للروح والقدسية وهي جسم بلا روح، ويبذل قصارى جهده من اجل الاستيلاء عليها ويعتبر ان من اللازم الاستيلاء على كل هذا ولا تحده اي حدود وقيود في هذا الطريق. انه يدمرالطبيعة ويجفف البحار ويزيل الغابات من اجل الاستيلاء عليها.
لكن الانسان التقليدي، عندما ينظر الى الطبيعة يسبح لله ويحمده. انه يعرف بان الطيور وجميع عناصر الطبيعة تسبح لله وبحمده. وأوصي بانه ان وضع لقمة في فمه ان يقول:
“بسم الله الرحمن الرحيم”.
ومن دون ان نريد انكار ضرورة الانماء والاعمار والرخاء ومع التاكيد على ضرورة العمران والانماء لاستمرار الحياة، يجب القول ان ما يروج له الغرب على يد علمائه تحت اسم “التنمية او Development” ليس مجرد عمران وانماء، بل عمران وانماء مع “شرط مسبق” لتجاوز “التقليد والدين”.
نعرف جيدا بان “الربح” هو ركن وركيزة الاقتصاد في العصر الحاضر فضلا عن “الاستهلاك والاسراف” باعتباره جزء لا يتجزأ من التنمية الاقتصادية الحديثة. مثلما هو الحال مع “التظاهر وعبادة الموضة” و “المنافسة الزائفة وغير النزيهة”. وفي ضوء ذلك ان اراد شخص ان يكون تابعا للتقاليد الدينية والابتعاد عن الربا والاسراف والتظاهر وعبادة الموضة والدعاية الزائفة، فانه لن يصل الى “التنمية على الطريقة الغربية” والحداثة الخاوية من الدين والتكليف الديني. لذلك ومن اجل ارساء الاخلاق والاسلوب العصري، يقترحون تنمية الانسان الديني والشرقي من خلال برامج واعداده ليكون جاهزا لتقبل الثقافة الجديدة.
وخلف قناع هذا الحدث المنمق والزائف، تدور رحى حرب شاملة. معركة لا نهاية لها لتقويض الشرق والثقافة الدينية في الغرب وان جنود واسلحة هذه المعركة، مختلفون. والا فان الحرب هي هي والغاية هي هي.
وفي ساحة القتال هذه، هناك جنود مهندمون واخرون يجلسون خلف الطاولات المزخرفة ليستهدفون بسلاح القلم والسياسة، كيان الثقافة الاسلامية والمسلمين واختراق كل حدودها. ويخوض المثقفون التكنوقراط والراسماليون المنمقون والطنانون صراعا مستديما مع اولي الحق والايمان ويتسابقون معا من اجل الاستيلاء على مجمل الممتلكات والموجودات الثقافية والمادية للشرق الاسلامي.
يتبع إن شاء الله
جـميع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافي
لا يسمح باستخدام أي مادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من ادارة الموقع
ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.