مفهوم الإنتظار

مفهوم الإنتظار

اسراء ابراهیم کریم

“اللهم صلی على صاحب الزمان وعلى خدامه واعوانه ،على غیبته ونأیه ،واستره سترا عزیزا واجعل له معقلا حریزا واشدد اللهم وطأتک على معاندیه ،واحرس موالیه وزائریه.”

 

 الاهداء:

اهدی هذا العمل المتواضع الى الرسول الاکرم محمد (ص)والى

اهل بیته الاطهار علیهم السلام وبتوفیق من الله العلی العظیم.صلوات الله علیک یامولای یاصاحب الزمان ،ما طلعت کواکب الأسحار ،وأورقت الأشجار ،وأینعت الأثمار ،واختلف

اللیل والنهار ،وغردت الأطیار.اللهم انفعنا بحبه،واحشرنا فی زمرته،وتحت لوائه،اله الحق آمین رب العالمین.

مقدمۀ:

الحمد لله الذی اعطى کل شئ خلقه ثم هدى ،والصلاۀ والسلام على من اختارهم هداۀ لعباده لاسیما خاتم النبیین وسید الرسل ابو القاسم المصطفى محمد (ص واله) وعلى اله المیامین.

التکامل فطرۀ جبل علیها الانسان والسعادۀ غایته التی یسعى الیها ،وهو دائب السعی وراء ما یحقق له الهدف ویوصله الى غایته القصوى. وأتم السعادۀ واکملها هی القرب من الله تعالى والوصول الیه – جلت قدرته – لانه الکمال المطلق . (وان الى ربک المنتهى) سورۀ البقرۀ ایۀ (42). الا ان الانسان عاجز عن الوصول بنفسه الى الکمال المنشود فهو دائم الحاجه طوال مسیرته الى من یاخذ بیده لیدله على غایته المطلوبۀ وهدفه الذی یسعى الیه .

ومن هنا نشأت الحاجه الى الدین لانه السبیل الوحید فی وصول الناس الى غایتهم .فمن لطف الله سبحانه وتعالى انه ارسل هداۀ وادلاء على مرضاته (رسلا مبشرین ومنذرین لئلا یکون للناس على الله حجۀ بعد الرسل)سورۀ النساء ایۀ (165). واوضح القران الکریم بنصوصه الصریحه معالم الهدایه الربانیه وافاقها ومستلزماتها وطرقها ،کما بین لنا عللها واسبابها من جهۀ واسفر عن ثمارها ونتائجها من جهۀ اخرى.

وقد حمل الانبیاء واوصیاءهم مشاعل الهدایه الربانیه ولم یترک الله عباده مهملین دون حجۀ هادیۀ وعلم مرشد ونور مضئ .بان الارض لا تخلو من حجۀ الله على خلقه لئلا یکون للناس على الله حجۀ فالحجۀ قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق . ولو لم یبق فی الارض الا اثنان ،لکان احدهما الحجۀ.

وکان التخطیط الالهی یحتم على الرسول (ص واله) اعداد الصفوۀ من اهل بیته ،والتصریح بأسمائهم وادوارهم لتولی مهمۀ ادائه الحرکۀ النبویۀ العظیمه والهدایۀ الربانیۀ الخالصۀ بأمر من الله سبحانه وصیانۀ للرساله الالهیۀ التی کتب الله لها الخلود من تحریف الجاهلین ،وتربیۀ الاجیال على قیم ومفاهیم الشریعۀ المبارکۀ التی تولوا تبیین معالمها وکشف اسرارها وذخائرها على مر العصور .وحتى یرث الارض ومن علیها .

وتجلى هذا التخطیط الربانی فی ما نص علیه الرسول (ص واله) بقوله (انی تارک فیکم الثقلین ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا :کتاب الله وعترتی ،وانهما لن یفترقا حتى یردا علی الحوض).

ان سیرۀ الائمۀ الاثنى عشر (ع) تمثل المسیرۀ الواقعیۀ للاسلام بعد عصر الرسول (ص واله) وتبلورت فی استمرارهم على نهج الرسول العظیم (ص واله)فکانوا هم الادلاء على الله لنیل مرضاته ،والمستقرین فی امر الله والتامین فی محبته والذائبین فی الشوق الیه ،والسابقین الى تسلق قمم الکمال الانسانی المنشود.

ان قضیۀ الامام المهدی المنتظر الذی بشر به الاسلام وبشرت به الادیان من قبل ،قضیه انسانیۀ قبل ان تکون قضیۀ دینیۀ او اسلامیۀ .

فانها تعبر عن ضرورۀ تحقق الطموح الانسانی بشکله التام.

ومن هنا تاتی هذه الدراسۀ عن الامام المهدی الغیب الشاهد فی نزع لبوس الجهل ولتعریف العالم بمنقذه لا لیستیقن اللذین امنوا ایمانا فحسب بل لتبقى شعلۀ الایمان متلألئۀ فی ایدی المؤمنین ، المجاهدین الصابرین اللذین ینتظرون المهدی الغائب کقائد شاهد ویستعدون للقائه بالایمان والصبر وتهیئۀ الظروف لقدومه لیقودهم نحو النصر الاعظم .

حیث تتخلص الارض من کل صنوف الفساد وتتطهر البلدان من الطغاۀ المستبدین فیسود العدل والاحسان ربوع الدنیا من الارض عباد الله الصالحون.

ومن هنا جاء معنى الانتظار لترسیخ تعلق الانسان وارتباطه بربه الکریم وایمانه العملی بان الله عز وجل غالب على امره وبانه القادر على کل شئ والمدیر لأمر خلائقه بحکمته الرحیمۀ بهم .

وهذه من الثمار المهمۀ التی یکمن فیها صلاح الانسان وطیه لمعارج الکمال وهو الهدف من معظم احکام الشریعۀ وجمیع عباداتها وهو ایضا شرط قبولها فلا قیمۀ لها اذا لم تستند الى هذا الایمان التوحیدی الخالص الذی یرسخه الانتظار….. 

 بسم الله الرحمن الرحیم

من المواضیع المهمۀ التی اوقفتنا عند تصفحنا لمحاور المؤتمر الذی یقام برعایۀ المرجعیۀ العلیا هو الانتظار الذی طالما اردنا ان نعرف حقیقته واهمیته وشروطه حیث اکدت الاحادیث الشریفۀ وباهتمام بالغ على عظمۀ آثار انتظار الفرج الذی ینطبق على الظهور المهدوی کاحد مصادیقه البارزۀ وکذلک انتظار ظهور الامام بالخصوص فنحن نترقب حضور الامام وننتظر قدومه وفی واقع الامر علینا اولا ان نعرف قدر الشخص الذی ننتظره ونترقب قدومه وندرک مقامه فأن انتظاره یختلف عمّا لو کان لانعرف عنه شیئا.

ومن هنا کان من الضروری على المنتظرین لبقیۀ الله الاعظم (ارواحنا وارواح العالمین لتراب مقدمه الفداء) ان نعرف:

1.حقیقۀ الانتظار      2 .شروط الانتظار           3.لماذا الانتظار                     4.اهمیۀ الانتظار

1.حقیقۀ الانتظار :

الانتظار عبارۀ عن: «کیفیۀ نفسانیۀ ینبعث منها التهیؤ لما تنتظره; وضده الیأس; فکلما کان الانتظار أشد کان التهیؤ آکد; ألا ترى أنّه اذا کان لک مسافر تتوقع قدومه ازداد تهیؤک لقدومه کلما قرب حینه، بل ربما تبدل رقادک بالسهاد لشدۀ الانتظار. وکما تتفاوت مراتب الانتظار من هذه الجهۀ، کذلک تتفاوت مراتبه من حیث حبک لمن تنتظره، فکلما اشتد الحب ازداد التهیؤ للحبیب وأوجع فراقه بحیث یغفل المنتظر عن جمیع ما یتعلق بحفظ نفسه ولا یشعر بما یصیبه من الالآم الموجعۀ والشدائد المفظعۀ.  فالمؤمن المنتظر مولاه کلما اشتد انتظاره ازداد جهده فی التهیؤ لذلک بالورع والاجتهاد وتهذیب نفسه وتجنّب الأخلاق الرذیلۀ والتحلّی بالأخلاق الحمیدۀ حتى یفوز بزیارۀ مولاه ومشاهدۀ جماله فی زمان غیبته کما اتفق ذلک لجمع کثیر من الصالحین، ولذلک أمر الأئمۀ الطاهرون(علیهم السلام) فیما سمعت من الروایات وغیرها بتهذیب الصفات وملازمۀ الطاعات. بل روایۀ أبی بصیر مشعرۀ أو دالۀ على توقف الفوز بذلک الأجر حیث قال (الإمام الصادق)(علیه السلام): ))مَن سره أن یکون من أصحاب القائم فلینتظر ولیعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده کان له من الأجر مثل مَن أدرکه… ولا ریب أنه کلما اشتد الانتظار ازداد صاحبه مقاماً وثواباً عند الله عز وجل.

والانتظار یعنی: «ترقب ظهور وقیام الدولۀ القاهرۀ والسلطنۀ الظاهرۀ لمهدی آل محمد(علیهم السلام). وامتلائها قسطاً وعدلاً وانتصار الدین القویم على جمیع الأدیان کما أخبر به الله تعالى نبیه الأکرم ووعده بذلک، بل بشّر به جمیع الأنبیاء والأمم; أنه یأتی مثل هذا الیوم الذی لا یعبد فیه غیر الله تعالى ولا یبقى من الدین شیء مخفی وراء ستر وحجاب مخافۀ أحد…»اذن الانتظار یتضمن حالۀ قلبیۀ توجدها الأصول العقائدیۀ الثابتۀ بشأن حتمیۀ ظهور المهدی الموعود وتحقق أهداف الأنبیاء ورسالاتهم وآمال البشریۀ وطموحاتها على یدیه(علیه السلام); وهذه الحالۀ القلبیۀ تؤدی الى انبعاث حرکۀ عملیۀ تتمحور حول التهیؤ والاستعداد للظهور المنتظر، ولذلک أکدت الأحادیث الشریفۀ على لزوم ترسیخ المعرفۀ الصحیحۀ المستندۀ للادلۀ العقائدیۀ بالإمام المهدی وغیبته وحتمیۀ ظهوره .

وعلیه یتضح أن الانتظار لا یکون صادقاً إلاّ اذا توفرت فیه: «عناصر ثلاثۀ مقترنۀ: عقائدیۀ ونفسیۀ وسلوکیۀ ولولاها لا یبقى للانتظار أی معنى إیمانی صحیح سوى التعسف المبنی على المنطق القائل: (فاذهب أنت وربّک فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون…)المنتج لتمنی الخیر للبشریۀ من دون أی عمل إیجابی فی سبیل ذلک (المائدۀ (5).

ولذلک نلاحظ فی الأحادیث الشریفۀ المتحدثۀ عن قضیۀ الانتظار تأکیدها على معرفۀ الإمام المهدی ودوره وترسیخ الارتباط المستمر به(علیه السلام) فی غیبته کمظهر للانتظار والالتزام العملی بموالاته والتمسک بالشریعۀ الکاملۀ کما اشرنا لذلک فی التکالیف السابقۀ وإعداد المؤمن نفسه کنصیر للإمام المهدی ـ عجل الله فرجه ـ یتحلى بجمیع الصفات الجهادیۀ والعقائدیۀ والأخلاقیۀ اللازمۀ للمساهمۀ فی إنجاز مهمته الإصلاحیۀ الکبرى، وإلاّ لن یکون انتظاراً حقیقیاً وعلى مستوى ذواتنا أیضاً، وکأسلوب من أسالیب تحصینها ضد الانحراف، وتجهیزها للعمل والنشاط, علینا أن نکون فی حالۀ انتظار. فی حالۀ ترقّب دائم مستمر لبزوغ فجر الثورۀ الکبرى، ثورۀ القائد المنتظر. یجب أن نعیش حالۀ توقّع غیر یائس، ولا جازع. عیوننا متطلّعۀ للحدث الأکبر. أسماعنا متلهفۀ لاستماع خبر النهضۀ العظمى. أفئدتنا مفعمۀ بالشوق والشغف لساعۀ الوعد الإلهی. أن نکون على أهبۀ الاستعداد. ننتظر المفاجأۀ ونستشرف لمواجهتها. لا یغیب عن بالنا قضیۀ الإمام المنتظر. ولا ننسى الوعد الإلهی بالنصر الظافر.

هکذا أراد لنا الأئمّۀ أنفسهم، وسجّلوه کموقف یجب أن نتخذه, وکحالۀ نفسیۀ یجب أن نستشعرها ونعیشها باستمرار. استمع معی للإمام علی علیه السلام وهو یقول: ” انتظروا الفرج، ولا تیأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله انتظار الفرج.

واستمع لحدیث آخر عن أبی الجارود من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام: “قلت لأبی جعفر علیه السلام: یا ابن رسول الله هل تعرف مودّتی لکم وانقطاعی إلیکم، وموالاتی إیّاکم؟. فقال: نعم.. والله لأعطینّک دینی ودین آبائی الذی ندین الله عز وجل به: ” شهادۀ لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله.. وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع”

شروط الانتظار:

1 ـ ترسیخ معرفۀ الإمام المهدی ـ عجل الله فرجه ـ والإیمان بإمامته والقیام بمهامها فی غیبته ومعرفۀ طبیعۀ دوره التأریخی وأبعاده والواجبات التی یتضمنها ودور المؤمنین تجاهه، وترسیخ الارتباط به(علیه السلام) وبدوره التأریخی. وکذلک الإیمان بأن ظهوره محتمل فی أی وقت، الأمر الذی یوجب أن یکون المؤمن مستعداً له فی کل وقت. بما یؤهله للمشارکۀ فی ثورته.

ولتحقق هذا الاستعداد اللازم لکی یکون الانتظار صادقاً یجب التحلی بالصفات الأخرى التی یذکرها الإمام السجاد(علیه السلام) والتی تمثل فی واقعها الشروط الأخرى لتحقق مفهوم الانتظار على الصعید العملی، کما نلاحظ فی الفقرات اللاحقۀ.

2 ـ ترسیخ الاخلاص فی القیام بمختلف مقتضیات الانتظار وتنقیته من جمیع الشوائب والأغراض المادیۀ والنفسیۀ، وجعله خالصاً لله تبارک وتعالى وبنیّۀ التعبد له والسعی لرضاه، وبذلک یکون الانتظار «أفضل العبادۀ»، وقد صرّح آیۀ الله السید محمد تقی الإصفهانی بأنّ توفر هذه النیّۀ الخالصۀ شرط فی القیام بواجب الانتظار. وعلى أی حال فإنّ توفر هذا الشرط یرتبط بصورۀ مباشرۀ بالإعداد النفسی لنصرۀ الإمام عند ظهوره; لأنّ فقدانه یسلب المنتظر الأهلیۀ اللازمۀ لتحمل صعاب نصرۀ الإمام ـ عجل الله فرجه ـ فی مهمته الإصلاحیۀ الجهادیۀ الکبرى.

3 . تربیۀ النفس وإعدادها بصورۀ کاملۀ لنصرۀ الإمام من خلال صدق التمسک بالثقلین والتخلق بأخلاقهما لیکون المؤمن بذلک من أتباع الإمام المهدی(علیه السلام) حقاً: «وشیعتنا صدقاً» وتتوفر فیه شروط الشخصیۀ الإلهیۀ والجهادیۀ القادرۀ على نصرۀ الإمام فی طریق تحقیق أهدافه الإلهیۀ، وفی ذلک تمهید لظهوره(علیه السلام) على الصعید الشخصی.

4 . التحرک للتمهید للظهور المهدوی على الصعید الاجتماعی بدعوۀ الناس الى دین الله الحق وتربیۀ أنصار الإمام والتبشیر بثورته الکبرى، ونلاحظ فی حدیث الامام السجاد(علیه السلام) وصفه للمنتظرین بأنهم «الدعاۀ الى دین الله عز وجل سرّاً وجهراً»، وفی ذلک إشارۀ بلیغۀ الى ضرورۀ استمرار تحرک المنتظرین فی التمهید للظهور ورغم کل الصعاب، فإذا کانت الأوضاع موائمۀ دعوا لدین الله جهراً وإلاّ کان تحرکهم سریاً دون أن یسوّغوا لانفسهم التقاعس عن هذا الواجب التمهیدی تذرّعاً بصعوبۀ الظروف.

لماذا الانتظار:

الانتظار من التنظّر، وهو توقّع الشیء. والانتظار المأمور به فی المقام هو توقّع دولۀ الحقّ على یَدی الموعود والمؤمّل من لدن آدم وإلى زماننا هذا. والمستفاد من الروایات أنّ دولۀ الحقّ موعودۀ وعد بها الله سبحانه عبادَه الصالحین، وأنّه یأتی یوم یحکم فیه الحقّ تحت رایۀ السلطان العادل البسیطۀ کلّها؛ قال الله سبحانه (وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الأَْرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِی هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِینَ). والذی ینبغی أن یُلتفت إلیه فی هذا الشأن ـ ضمن العجالۀ ـ أمور، منها:

الأمر الأوّل: أنّ الانتظار واجب بحکم العقل والشرع؛ أمّا العقل فلما نعلم من طبیعۀ البشر أنّه لا یندفع إلى البغیۀ یدفعه إلى العمل، فالتوقّع والانتظار لدولۀ الحقّ علـى ید الإمام المنتظر مقدّمۀ أساسیّۀ ومنطلق فکری وعملی نحو بذل الطاقۀ والجهد فی سبیل الوصول إلى تلک البغیۀ. وأمّا الشرع فقد ورد الأمر بالانتظار فی کثیر من الروایات فبلغ حدّ التواتر، بل فی بعضها أنّ الانتظار مـن أفضل الأعمال فی عصر غاب عنه الحق عن البسیطۀ وأصبحت الأرض بید الطغاۀ یلعبون بالصالحیـــن وبمقدّراتهم، بل بمقدّرات الشعوب کلّها حسب ما تشتهی نفوسهم وتدفع إلیه أهواؤهم؛ فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ضمن حدیث: (انتظار الفرج عبادۀ). وعن أمیر المؤمنین سلام الله علیه ـ وقد سأله رجل عن أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه ـ: قال: (انتظار الفرج)؛ وعن علی بن الحسین علیهما السلام: إنّ أهل زمان غیبته (الإمام المنتظر) القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل کلّ زمان، لأنّ الله تعالى ذِکره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفۀ ما صارت به الغیبۀ عندهم بمنزلۀ المشاهدۀ، وجعلهم فی ذلک الزمان بمنزلۀ المجاهدین بین یَدی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بالسیف، أولئک المخلصون حقّاً، وشیعتنا صدقاً، والدعاۀ إلى دین الله سرّاً وجهراً. وقال علیه السلام: انتظار الفرج من أعظم الفرج؛ وفی روایۀ عن الإمام سلام الله علیه: وانتظروا أمــرنا؛ وعنه علیه الســلام عن جدّه رسول الله أنّه قــال: (اللهم لقِّنی إخوانی) مرّتین، فقال .

من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانک یا رسول الله؟ فقال: لا، إنّکم أصحابی، وإخوانی قوم فی آخر الزمان آمنوا بی ولم یرونی، لقد عرّفنیهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم. وعنه علیه السلام عن جدّه رسول الله: أفضل العبادۀ انتظار الفرج»، وعن الإمام الصادق سلام الله علیه أنّه قال (من مات على هذا الأمر منتظراً له هو بمنزلۀ من کان مع الإمام القائم فی فسطاطه، ثمّ سکت هنیئۀ، ثم قال: هو کمن کان مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم) وعن الإمام موسى الکاظم سلام الله علیه عن آبائه، عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (أفضل أعمال أمتی انتظار الفرج من الله عزّوجل)؛ وعن الإمام الرضا سلام الله علیه وقد سُئل عن شیء من الفرج فقال: (ألیس انتظار الفرج من الفرج)، فقد روی فی أکثر من سبعین روایۀ تدلّ على وجوب الانتظار.

الأمر الثانی: أنّ الانتظار لشیء مهمّ کما یدفع الإنسان للتهیّؤ والإعداد والاستعداد لما یتوقّعه وینتظره، کذلک یقضّ مضجع العدوّ المعادی للحقّ، وقد سطر فی التاریخ کیف کان الطغاۀ یخافون وجود الإمام المنتظر وولادته على غرار خوف فرعون من ولادۀ موسى، حتّى ذبح ما لا یُعلم عدده من الاطفال لیحول دون ولادۀ موسى، ولکنّ الله بالغ أمره. وقد سعى بنو العبّاس، ومن قبلهم بنو أمیّۀ لقطع نسل الرسول صلى الله علیه وآله وسلم وذرّیّۀ علی طمعاً فی الدنیا وحذراً من مجیء دولۀ الحقّ، وکانت أیّام الغیبۀ الصغرى وما تلتها من الأیام موحشۀً ومربکۀ لبنی العبّاس، فکانوا یبحثون عن الإمام المنتظر وعن وکلائه وعمّن یدلّ علیه بحث الخِرْزۀ، فکانوا یقتلون کلّ من یسمعون منه کلمۀ تدلّ على إیمانه بالغائب، فبقاء العدو فی قلق واضطراب وفقد الطمأنینۀ وتخبّطه عشواءً من الفوائد المهمّۀ المترتّبۀ على الانتظار.

الأمر الثالث: لا شکّ فی أنّ إقامۀ دولۀ الحقّ على أنقاض نظم الفساد والجور وإقامۀ صرح العدل على أنقاض قصور الجور والطغیان یتوقّف على الإعداد النفسی، فلو حصلت تلک الدولۀ بدون الاعداد النفسیّ الکامل وإصلاح العقول التی شُوّشت وانحرفت عن نهج التفکیر السلیم وأصبحت ترى فی کثیر من الاحیان الباطل حقّاً، والحقّ باطلاً، وکذلک الاجسام التی تعوّدت على حبّ الدنیا، والعیون التی تأثّرت وتغوّشت بمباهج الحیاۀ الدنیۀ الخلاّبۀ، یکون مصیر تلک الدولۀ مصیر سلطۀ علیّ بن أبی طالب والإمام الحسن علیهما السلام، فإنّ الأسباب الطبیعیۀ لم تکم مؤاتبۀ، والنــــفوس لم تکن مستعدّۀ لدولۀ الحقّ، والظُّلمۀ التی سیطرت علیهم بعد وفاۀ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وانمحت جلّ القلوب الطیبۀ فی تلک المدّۀ التی جاوزت ثلاثۀ وعشرین سنۀ، والظروف التی نعیشها تشبه تلک، فلا بدّ من إصلاح الأنفس بزرع حبّ الدین وحبّ العدل والانصاف وکره الظلم والفساد إعداداً للنفوس لتقبّل الحقّ.
الأمر الرابع: یجب اعداد الظروف الخارجیّۀ بنشر الحقّ وإعداد الأنصار للدین، ونشر الوعی بین المسلمین أوّلاً، وبین غیرهم جلباً للنفوس الصالحۀ للهدایۀ ثانیاً، فإنّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من أهمّ الواجبات الشرعیۀ والعقلیۀ والاجتماعیۀ، فما لم یکن هناک انصار بعدد واف لنصرۀ الحقّ، وما لم یکن هناک وعی کافٍ لاحتواء الحقّ، وما لم یکن هناک ما ینبغی تهیئتُه لاستقبال دولۀ الحقّ، لم یکن وجه لبدء إقامۀ تلک الدولۀ، والاستعجال فی مثل هذا الأمر بالتأکید یأتی بنتائج وخیمۀ ویفوت من ذلک أعظم المقاصد.

الأمر الخامس: یجب إتمام الحجّۀ على کلّ مُناوئ للحقّ ومعاند له، لأنّ دولۀ الحقّ سوف تحاسبهم، فلا ینفع الانصیاع للحقّ حین إقامۀ العدل ووقت المحاسبۀ وإنزال العقوبۀ على کلّ ظالم غاشم وغاصب ومفسد، وإلى هذا المعنى أُشیر فی عدّۀ آیات قرآنیۀ؛ ففی سورۀ الأنعام: (هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَۀُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّکَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ … )  آیۀ 185)

إنّ الانتظار یعنی فی جملته حالۀ الأمل، وعدم القنوط. الأمل الذی هو شرط لکل حرکۀ، نحن مدعوّون إلى تمثله دائماً. والیأس الذی هو مدعاۀ للانحراف، المطلوب منّا رفضه واقتلاع جذوره من أعماق وجداننا. الانتظار یعنی أنّنا ما زلنا على أمل بالنصر. لا مجرّد أمل، وإنما ثقۀ مطلقۀ بتحقق هذا النصر. فالذین یأملون فی شیء قد لا یملکون قناعۀ بأنّهم سینالوه، وهم ینتظرون لکن على وجل وفی ریبۀ.

کل الناس یأملون بانتصار الحق، ومحق الباطل، مسلمین وغیر مسلمین، لکن من یملک الیقین الذی نملکه؟ والذی کان یملکه الأنبیاء والأوصیاء، ویغرسونه فی نفوس أشیاعهم. إنّنا لا نأمل بالنصر، وإنّما نرى أنفسنا ونحن نقترب منه. لا یمضی یوم إلاّ وتکون المسافۀ قد تقلّصت، وأصبحنا على المشارف. هذا هو معنى الانتظار المطلوب. أن لا یخامرنا شک، أدنى شک فی أنّنا سننتصر. أن نرى بعین البصیرۀ رایات الحق تتقدّم، وها نحن ننتظرها کیما تصل إلینا أو نصل إلیها. والذین یصابون بالیأس یفقدون السلاح وهم وسط المعرکۀ.

فما أیسر أن یقعوا فی أسر الضلال والانحراف، وتلک هی الفتنۀ, وقد قال الإمام علیه السلام: ” إنّ هذا الأمر لا یأتیکم إلاّ بعد یأس”(ومن  هنا تأتی قیمۀ الانتظار. على أنّ الانتظار له مدلول آخر، ومعنىً عمیق غایۀ العمق. هذا المدلول هو الذی یفسّر لنا لماذا کان الانتظار مطلوباً، وواحداً من مسؤولیاتنا مع ذواتنا؟

فالانتظار تعبیر عن قناعتنا بجدارۀ الحل الإسلامی. واستعدادنا لتقبّله، والمشی فی رکبه. من یعیش حالۀ الانتظار لنهضۀ القائد المنتظر، لا یستطیع إلاّ الثقۀ بحیویۀ الإسلام، وقابلیته الأزلیۀ على حلّ مشاکل البشریۀ، وسکب السعادۀ فی قلوبها الحرّى. أنت حینما تنتظر من رجل القانون أن یرسم لک حلّ المشکلۀ، أو یختار لک الصیغۀ المفضّلۀ، فإنّک لا محالۀ واثق بقدرته، وجدارته ولو لا ذاک فإنّک لم تکن مستعداً للتفاهم معه فی حل المشکلۀ.

وأنت حین تزور طبیباً تطلب الدواء، لا تفعل ذلک عبثاً، وإلاّ کان من الأیسر لک أن تذهب إلى جیرانک وتعرض له مرضک، وإنّما أنت على قناعۀ کافیۀ بأنّ الطبیب هو الجدیر والمؤهّل لإعطاء العلاج، وتشخیص الداء، ولذا فأنت تؤثر زیارته، وتنتظر منه. فالانتظار إذن هو القناعۀ بالجدارۀ والأهلیۀ. ونحن حینما ننتظر الحل الإسلامی الذی یسود العالم کله تحت رایۀ القائد المنتظر، لا بد أن نکون على أعمق الثقۀ بهذا الحل. فالتقدّم الحضاری، والتطوّر الذی شهدته الأرض.

والتقلب الذی عمّ کل شیء، فی الترکیب الاجتماعی، والوضع الاقتصادی، وطبیعۀ الحالۀ النفسیۀ العامۀ. إنّ کل ذلک لا یغیر من واقعیۀ الإسلام، وقدرته على النجاح، سواء على مستوى النظریۀ، أو على مستوى التطبیق. فسیبقى الإسلام هو الحلّ الحتمی أزلاً وأبداً. ومهما انحرفت البشریۀ عنه، فإنّها ستؤوب إلیه، وستجده حینذاک مصدر کل السعادۀ، ومقتلع جذور الشقاء فی الأرض. ما هی طبیعۀ الانتظار؟ إذا کان علینا أن ننتظر, فما هی طبیعۀ الانتظار المطلوب؟

هناک نوعان من الانتظار: الانتظار الجامد، والانتظار المتحرّک. انتظار أشبه بالموت، أو هو الموت. وانتظار أشبه بالحیاۀ، أو هو الحیاۀ. الأسیر المقیّد بالأغلال، والمدفوع نحو المقصلۀ، ینتظر. والبطل الذی یخوض غمار الحرب، وهو شاکی السلاح، شدید العزم، ینتظر أیضاً. کل من هذین ینتظر الموت والقتل.. لکن هناک فرق کبیر بین نوعی الانتظار. فالأوّل مستسلم، لا یستطیع حراکاً، ولا یفکّر حتى فی الفرار. والثانی متحرّک، مقدام، ینتظر الشهادۀ بکل بطولۀ, بل هو یسعى إلیها، ویرحّب بها. فکیف علینا أن ننتظر القائد المنتظر؟ الإجابۀ على هذا السؤال نأخذها من القرآن، ومن محمّد صلى الله علیه وآله، ومن أهل البیت علیهم السلام. من هذه المدرسۀ الواحدۀ نأخذ الإجابۀ الصحیحۀ.

لقد کان محمّد صلى الله علیه وآله ینتظر. کیف کان ینتظر؟ کان القرآن یأمره بالانتظار، أیّ انتظار ؟ (وَقُلْ للّذینَ لا یُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا على مَکانَتِکُم إنّا عامِلُونَ، وانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ(. لقد انتظر النصر والفتح، لکن هو الذی کان یمهّد للنصر وللفتح لا غیره. لم یکن یطلب أن یأتیه النصر منحۀ خالصۀ من السماء ومن دون ثمن.

لقد هاجر، ولقد قاتل، ولقد دعا، ولقد عمل کل شیء فی سبیل النصر، ثم کان ینتظر النصر.

الانتظار فی القرآن، وعند محمّد صلى الله علیه وآله ردیف العمل (اعمَلُوا على مَکانَتِکُمْ، إنّا عامِلُونَ). (وَانْتَظُرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ). فهناک عمل ثم انتظار. الانتظار فی مفهوم القرآن لا یعنی الجمود والتوقّع البارد الزائف المیت. إنما یعنی التربّص، المداورۀ مع العدو، التحرّک فی شتّى الطرق، استغلال لحظات الضعف، عدم تضییع الفرص، هذا هو التربّص وهو الانتظار القرآنی. (قُلْ کُلٌ مُتَرَبّصٌ، فَتَرَبّصُوُا، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أصْحابُ الصّراطِ السَّوی، وَمَنِ اهتَدى) .

ولقد انتظر أصحاب محمّد صلى الله علیه وآله. کیف انتظروا؟ (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ( کنه لا ینتظر أن یأتیه الموت، وهو فی قعر داره. وإنّما یتقدّم لیکسب الموت، أو یکسب الفتح، فما هو إلاّ إحدى الحسنیین. لقد کان أئمّتنا ینتظرون الفرج، ویوصون أصحابهم بالانتظار. وکما ننتظر الیوم قائم آل محمّد، لقد کانوا مثلنا ینتظرون. لکن هل ترکوا العمل والتضحیۀ، والنشاط الدائب من أجل الحق.

هل وقفوا أسارى الصدف؟ إنّ انتظارهم لم یکن یعنی إلاّ الاستعداد الدائم والعمل المتواصل، فی السرّ أو فی العلن، والتمهید للنتیجۀ المطلوبۀ. هذا هو الانتظار فی مفهوم مدرسۀ أهل البیت علیهم السلام. بث الدعوۀ، وتوجیه الناس. تحصین قواعد الشیعۀ، وتوسیع دائرتها. ألم یبارک الأئمّۀ ثورات العلویین. ثورۀ زید، والنفس الزکیۀ، وحرکات الحسنیین المتصلۀ. لقد مدّوا لها جمیعاً ید العون فی السر، بینما کانوا یحافظون على الخطوط الخلفیۀ، ویحصنون قواعد الشیعۀ فی ذات الوقت. ألم تکن أموالاً طائلۀ تصب فی دورهم لیلاً، وتجمع لهم سرّاً؟ أین کانت تصرف؟ وما معنى هذا العمل؟ لو عرف الأئمّۀ من الانتظار معنى الجمود فلماذا طاردهم العدو، واضطهدهم ورماهم فی غیاهب السجون؟!

فالانتظار عمل ولیس سکوناً. ومن هنا کان ” أحب الأعمال إلى الله انتظار الفرج ” کما عبّر الإمام  فإذا کنا مدعوّین إلى الانتظار، فإنما نحن مدعوون إلى العمل إلى الانتظار المتحرّک الحی، لا إلى الانتظار الجامد المیت. فی الحدیث عن علی بن الحسین علیه السلام: یا أبا خالد: إنّ أهل زمان غیبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل کل زمان… أولئک المخلصون حقاً، وشیعتنا صدقاً والدعاۀ إلى دین الله سرّاً وجهراً” . إنّ مثلنا فی عصر الغیبۀ مثل الطلیعۀ التی تنتظر کتائب الجیش. بعد أن تکون قد مسحت لها الأرض، وکشفت لها الساحۀ.

اهمیۀ الانتظار:

تؤکد الأحادیث الشریفۀ وباهتمام بالغ على عظمۀ آثار انتظار الفرج; ;  . فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادۀ المؤمن کما هو المروی عن الإمام علی(علیه السلام): «أفضل عبادۀ المؤمن انتظار فرج الله( ، وعبادۀ المؤمن أفضل بلا شک من عبادۀ مطلق المسلم، فیکون الانتظار أفضل العبادات الفضلى إذا کان القیام به بنیۀ التعبد لله ولیس رغبۀ فی شیء من الدنیا; ویکون بذلک من أفضل وسائل التقرب الى الله تبارک وتعالى کما یشیر الى ذلک الإمام الصادق(علیه السلام) فی خصوص انتظار الفرج المهدوی حیث یقول: «طوبى لشیعۀ قائمنا، المنتظرین لظهوره فی غیبته والمطیعین له فی ظهوره، أولئک أولیاء الله الذین لا خوف علیهم ولا هم یحزنون) . ولذلک فإن انتظار الفرج هو (أعظم الفرج)  کما یقول الإمام السجاد(علیه السلام)، فهو یدخل المنتظر فی زمرۀِ أولیاء الله.

وتعتبر الأحادیث الشریفۀ أنّ صدق انتظار المؤمن لظهور إمام زمانه الغائب یعزز إخلاصه ونقاء إیمانه من الشک، یقول الإمام الجواد(علیه السلام): (…له غیبۀ یکثر أیامها ویطول أمدها فینتظر خروجه المخلصون وینکره المرتابون..) وحیث إن الانتظار یعزز الإیمان والإخلاص لله عز وجل والثقۀ بحکمته ورعایته لعباده، فهو علامۀ حسن الظن بالله، لذا فلاغرابۀ أن تصفه الأحادیث الشریفۀ بأنه: «أحب الأعمال الى الله)، وبالتالی فهو )أفضل أعمال أمتی( کما یقول رسول الله(صلى الله علیه وآله)

الانتظار یرسخ تعلق الإنسان وارتباطه بربه الکریم وإیمانه العملی بأن الله عز وجل غالب على أمره وبأنه القادر على کل شیء والمدبر لأمر خلائقه بحکمته الرحیم بهم، وهذا من الثمار المهمۀ التی یکمن فیها صلاح الإنسان وطیّه لمعارج الکمال، وهو الهدف من معظم أحکام الشریعۀ وجمیع عباداتها وهو أیضاً شرط قبولها فلا قیمۀ لها إذا لم تستند الى هذا الایمان التوحیدی الخالص الذی یرسخه الانتظار، وهذا أثر مهم من آثاره الذی تذکره الأحادیث الشریفۀ نظیر قول الإمام الصادق(علیه السلام):  ألا أخبرکم بما لا یقبل الله عز وجل من العبادۀ عملاً إلاّ به… شهادۀ أن لا اله إلاّ الله وأن محمداً عبدُه ورسوله والاقرار بما أمر الله والولایۀ لنا والبراءۀ من أعدائنا ـ یعنی الأئمۀ خاصۀ ـ والتسلیم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنینۀ والانتظار للقائم(علیه السلام)

وتصریح الأحادیث الشریفۀ بأن التحلی بالانتظار الحقیقی یؤهل المنتظر ـ وبالآثار المترتبۀ علیه المشار الیها آنفاً ـ للفوز بمقام صحبۀ الإمام المهدی کما یشیر الى ذلک الإمام الصادق فی تتمۀ الحدیث المتقدم حیث یقول:   مَن سره أن یکون من أصحاب القائم فلینتظر ، وکذلک یجعله یفوز بأجر هذه الصحبۀ الجهادیۀ وهذا ما یصرح به الصادق(علیه السلام) حیث یقول:  مَن مات منکم على هذا الأمر منتظراً له کان کمن کان فی فسطاط القائم(علیه السلام )، ویفوز أیضاً بأجر الشهید کما یقول الإمام علی(علیه السلام): «الآخذ بأمرنا معنا غداً فی حظیرۀ القدس والمنتظر لأمرنا کالمتشحّط بدمه فی سبیل الله» ، بل ویفوز بأعلى مراتب الشهداء المجاهدین، یقول الصادق(علیه السلام): «مَن مات منکم وهو منتظر لهذا الأمر کمن کان مع القائم فی فسطاطه; قال الراوی: ثم مکث هنیئۀ، ثم قال: لا بل کمن قارع معه بسیفه، ثم قال: لا والله إلاّ کمن استشهد مع رسول الله(صلى الله علیه وآله ).

والأحادیث المتحدثۀ عن آثار الانتظار کثیرۀ ویُفهم منها أن تباین هذه الآثار فی مراتبها یکشف عن تباین عمل المؤمنین بمقتضیات الانتظار الحقیقی، فکلما سمت مرتبۀ الانتظار تزایدت آثارها المبارکۀ وبالطبع فإن الأمر یرتبط بتجسید حقیقۀ ومقتضیات الانتظاروان للأنتظار خصوصیات یمکن ان نوضحها فی الفقرات اللاحقۀ.

منهجیۀ البناء الحضاری لجماعۀ الانتظار

إذا کانت الحضارۀ هی مجموع ثقافات الأفراد للمجتمع الواحد ومن ثم هی حصیلۀ ثقافات ذلک المجتمع، وإذا کانت الثقافۀ بمعناها الأعم هی السلوک “الراقی” الذی یتحقق بطاعته لله تعالى وذلک من خلال انتهاج التعالیم الشرعیۀ المأمور بها الفرد، وهذه بمجموعها تسمى التقوى التی من خلالها تتحقق سمۀ الالتزام الشرعی لذلک الفرد، ومعلوم أن هذه التقوى التی حث علیها الأئمۀ الأطهار علیهم السلام إحدى أهم آلیات الانتظار.

ففی الکافی بسنده عن أبی الجارود قال : قلت لأبی جعفر یا بن رسول الله هل تعرف مودتی لکم وانقطاعی إلیکم وموالاتی أیاکم؟ قال فقال: نعم، قال: فقلت: فأنی أسألک مسألۀ تجیبنی فیها فإنی مکفوف البصر قلیل المشی ولا أستطیع زیارتکم کل حین، قال : هات حاجتک، قلت: أخبرنی بدینک الذی تدین الله تعالى به أنت وأهل بیتک لأدین الله تعالى به، قال: إن کنت أقصرت الخطبۀ فقد أعظمت المسألۀ، والله لأعطینک دینی ودین آبائی الذی ندین الله تعالى به، شهادۀ أن لا اله إلّا الله، وأنّ محمداً رسول الله والإقرار بما جاء به من عند الله والولایۀ لولینا والبراءۀ من أعدائنا، والتسلیم لأمرنا ، وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع.

على أن أئمۀ أهل البیت علیهم السلام حددوا تکلیف أتباعهم وما یجب أن یعملوه إبان غیبۀ إمامهم، وما هی حدود مسؤولیۀ کل واحدٍ منهم اتجاه نفسه واتجاه الآخرین، أی تحدید التکافل الاجتماعی الذی من خلاله یتاح للمکلف أن یتکامل وللمجتمع الإسلامی أن یرقى إلى درجۀ الکمال والبناء.

روى المجلسی بسندٍ صحیح عن جابر قال: دخلنا على أبی جعفر محمد بن علی علیهما السلام ونحن جماعۀ بعدما قضینا نسکنا فودعناه وقلنا له: أوصنا یا ابن رسول الله، فقال: لیعین قلوبکم ضعیفکم، ولیعطف غنیکم على فقیرکم، ولینصح الرجل أخاه کنصحه لنفسه ، واکتموا أسرارنا، ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءکم عنا ، فإن وجدتموه فی القرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردوه، وإن اشتبه الأمر علیکم فقفوا عنده، وردوه إلینا حتى نشرح لکم من ذلک ما شرح لنا ، فإذا کنتم کما أوصیناکم ولم تعدوا إلى غیره فمات منکم میّت قبل أن یخرج قائمنا کان شهیداً ، ومن أدرک قائمنا فقتل معه کان له أجر شهیدین ، ومن قتل بین یدیه عدواً لنا کان له أجر عشرین شهیداً.

والروایۀ بذلک تحدد المعالم العامۀ للسلوکیۀ الشیعیۀ إبان الغیبۀ ووظیفۀ المکلف عند الانتظار، فقد حدد الإمام علیه السلام سلوکیۀ المکلف على المستوى العملی وعلى المستوى العلمی ـ الفکری کذلک.

الاستقرار النفسی لجماعۀ الانتظار:

لعل أهم ما یمیز أتباع أهل البیت علیهم السلام المتطلعون لانتظار الیوم الموعود هو حالۀ الاستقرار النفسی الذی یمیزهم عن غیرهم.

وهذا الاستقرار ناشئ من حالۀ الاطمئنان المنبعثۀ من التطلع إلى مستقبل مشرق ترتسم صورته فی ذهنیۀ المنتظِر ـ بالکسرـ من خلال فلسفۀ الانتظار التی یدین بها إلى الله تعالى، فحالات الإحباط الناشئۀ من ظروف سیاسیۀ تحیط بأتباع أهل البیت علیهم السلام لم تعد ذات أثر على مستقبل وجودهم، بل وحتى على ما یتطلع إلیه هؤلاء الأتباع من بناء هیکلتهم الاجتماعیۀ والاقتصادیۀ والسیاسیۀ کذلک ، وهذا راجع إلى ما تحمله فلسفۀ الانتظار من آمال تعقدها النفسیۀ الشیعیۀ على قیام دولۀ المنتظَر ـ بالفتح ـ فعلى المستوى الفردی یشعر الفرد وهو یعیش حالۀ الانتظار بالأمل الکبیر فی تحقق أهدافه تحت ظل الدولۀ المهدویۀ المبارکۀ.

فالإحباطات النفسیۀ لأسباب متعددۀ یمکن للفرد أن یتفاداها بما یعقده من آمال على تلک الدولۀ القادمۀ التی تبسط العدل والسلام فی ربوع هذه الأرض المقهورۀ، فإذا لم یتحقق هدفه عاجلاً فإنّ مستقبله فی الآجل سینجزه ذلک الإمام الموعود ، وبذلک فإنّ هذا الفرد سیکون فی حالۀ أمل دائم وترقب متفاءل یصنع من خلاله غده السعید ، وبذلک فإنّ الاستقرار النفسی الذی یعیشه المنتظِر هو إحدى خصوصیاته، وهذا الاستقرار سیکون سبباً فی الإبداع ومن ثم التکامل الذاتی.

أما على المستوى الجماعی فإنّ جماعۀ الانتظار تطمح إلى تحقیق برامجها فی ضوء الآمال المعقودۀ على ترقب الدولۀ المهدویۀ ، وهذه الجماعۀ تستشعر معایشۀ قائدها معها فی کل الأحوال، وتقطع أن نجاح ما تصبو إلیه یکون مرهوناً بتسدید هذا القائد الإلهی ورضاه، وهو مصداق قوله تعالى: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَیَرَى اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) ، قال الصادق علیه السلام : والمؤمنون هم الأئمۀ،  وهذا ما یناسبه سیاق الآیۀ.

ومن غریب ما فسرته بعض المذاهب الإسلامیۀ أن المقصود من قوله تعالى : “و المؤمنون ” هم جماعۀ المؤمنین، وهذا من غریب ما وقع به هؤلاء دفعاً لمحذور الاعتراف بمقامات الأئمۀ الأطهار علیهم السلام التی یقررها القرآن الکریم وتقتضیه شؤون خلافۀ الله فی أرضه ـ فی بحث لیس هنا محل ذکره ـ، على أن الخطاب فی الأمۀ للمؤمنین، فکیف یکون بعد ذلک قول الحکیم حکیماً حینما یکون المخاطب المکلف هو نفس الشاهد على عمله؟! وما إلى غیر ذلک من خروقات الرؤیۀ السیاسیۀ التی تتدخل فی التفسیر القرآنی والحدیث النبوی من أجل “استحصال ” حالات التأیید لمواقفها المناهضۀ لأهل البیت علیهم السلام .

وعلى کل حال فإن نجاح جماعۀ الانتظار یکمن فی تفاؤلها الطموح بقیام دولۀ الحق والعدل، وهی تسعى دائماً إلى صیاغۀ أعمالها على أساس ذلک ، لذا فهی فی حیویۀ دائمۀ غیر مشلولۀ نتیجۀ الإحباطات السیاسیۀ المحیطۀ بجماعۀ الانتظار ، فضلاً عن أن هذه الجماعۀ تحقق نجاحها فی خضم تحدیات تواجهها دائماً.

وعلى هذا فأی نجاح مهما تکون درجته سیکون له معناه فی ظل هذه التحدیات وهو مکسب مهم وقضیۀ خطیرۀ فی ظل ذلک.

ومقابل هذا فإن أی تعثر فی عمل هذه الجماعات سوف لن یسلمها إلى الیأس والتردد طالما هناک البدیل الذی یحققه قیام الدولۀ المهدویۀ المبارکۀ.

وعلى هذا الأساس فإن جماعۀ الانتظار تعیش دائماً طموحاتها الواقعیۀ، متحدیۀ بذلک الصعاب والإحباطات التی تواجهها فی ظل ظروف تتکالب على هذه الجماعۀ سعیاً لإنهائها وتصفیتها.

هذه الحالۀ من التفاؤل التی تعیشها جماعۀ الانتظار تبعث على الأمل فی تحقیق برامجها وبناء حضارتها والسعی من أجل التکامل فی کل المیادین.

من هنا علمنا دواعی العمل الدائم الحثیث لجماعۀ الانتظار، وأسباب نجاحها على کل الأصعدۀ بالرغم من کل ماعانته وتعانیه من ظروف قاهرۀ یصعب معها الإبداع، فضلاً عن البقاء، لولا ذلک الأمل الذی یحدو جماعۀ الانتظار.

وعلمنا فی الوقت نفسه إمکانیۀ تأسیس حضارۀ تعیش طموحاتها هذه الجماعۀ فی ظل فلسفۀ الانتظار.

إلى جانب ذلک، یعیش الفرد البعید عن حالۀ الانتظار حالات التوجس من الفشل وهاجس الخوف على مستقبله المجهول ، فأیۀ قضیۀ یواجهها هذا الفرد تودی بکل طموحاته وتشل قدراته، فهو یحاول أن یحقق مکسبه عاجلاً لغیاب حوافز البدیل فیما لو أخفق على صعید عمله، فإن خسارته هذه ستکون فادحۀ فیما إذا هو أحس بعدم تعویضها بالبدیل.

والانتظار حالۀ أملٍ وطید یعیشه المنتظِر ـ بالکسرـ فإذا غابت عن الإنسان هذه الرؤیۀ فلابد أن تحیط ذاته هواجس الخوف، وبذلک سیکون مهزوماً دائماً، غیر جدیر بإمکانیۀ مواجهۀ الصعاب والمحن التی تعصف به فی کل حین من خلال ظروف عالمیۀِ متقلبۀ وإقلیمیۀ غیر مستقرۀ، وبذلک فلم یکن مثل هذا الفرد جدیراً فی بناء حضارۀ أو السعی لتکامل ذاته وبناء شخصیته.

الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من خصوصیات حضارۀ الانتظار:

على أن ما یمیز جماعۀ الانتظار هو حالۀ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، وهذه الحالۀ تساعد على تمتین أواصر العلاقۀ بین أعضاء هذه الجماعۀ، إذ هی تشیر إلى حالۀ الشعور بالمسؤولیۀ دائماً اتجاه ذات الفرد ومن ثم اتجاه مجتمعه.

فملاحقۀ حالات الخرق للمجتمع الملتزم تتکفل إصلاحه قابلیۀ أفراد المجتمع على متابعۀ المنکر المرتکب من قبل الأفراد أو الجماعات، لتقف بوجه الخطر الناشئ عن هذا الخرق المرتکب ، والمحافظۀ على حدود الشریعۀ بالتذکیر الدائم والرقابۀ المستمرۀ لعدم تجاوز حیثیات الالتزام الدینی.

ومن جهته یسعى هذا المجتمع بکل شرائحه وفصائله إلى تمیتن العلاقۀ بینه وبین إقامۀ الواجبات الدینیۀ، وکذلک المستحبات التی یرغب الشارع فی مزاولتها من قبل المکلفین.

فإذا تمت هذه الحالات واستطاع المجتمع من المداومۀ علیها ورعایۀ حقوقها، أمکن لهذا المجتمع من بناء شخصیته الحضاریۀ المتمیزۀ بالأمن والسلام، وذلک بتجنب المنکر المنهی عنه من قبل أفراده، إضافۀ للعدل والمعروف بکل مصادیقه لعنایۀ أفراد المجتمع بإتیانه والأمر به.

وهکذا سوف تکون لحضارۀ جماعۀ الانتظار حضورها الدائم وشخصیتها المتمیزۀ.

فقد حث أئمۀ أهل البیت علیهم السلام شیعتهم على التزام هذه الفریضۀ وکونها إحدى میزاتهم التی ترکها غیرهم ولم یتحلوا بها، ثم بیّنوا ما لهذه الفریضۀ من آثار وضعیۀ فضلاً عن إسقاط التکلیف بالعمل بها وعدم العقوبۀ عند إتیانها.

عن أبی جعفر علیه السلام قال: یکون فی آخر الزمان قوم ینبع فیهم قوم مراؤون… إلى أن قال: ولو أضرت الصلاۀ بسائر ما یعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها کما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها، إن الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فریضۀ عظیمۀ بها تقام الفرائض، هنالک یتم غضب الله عز وجل علیهم فیعمّهم بعقابه فیهلک الأبرار فی دار الأشرار ، والصغار فی دار الکبار، إن الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر سبیل الأنبیاء، ومنهاج الصلحاء، فریضۀ عظیمۀ بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب ، وتحل المکاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض ، وینتصف من الأعداء ویستقیم الأمر … الحدیث.

والحدیث یبین أسس البناء الحضاری عند مراعاۀ الفریضۀ، فبها تقام الفرائض أی یشیّد مجتمع إسلامی تکون معالمه أحکام الشریعۀ، ویطبق من خلال ذلک النظام الإسلامی الذی یطمح إلیه الجمیع.

کما أنّ قوله علیه السلام: ” وتأمن المذاهب” فإن استتباب الأمن والسلام مرهون بتطبیق هذه الفریضۀ.

وقوله علیه السلام : وتحل المکاسب، فإنّ بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر یتم تشیید البنیۀ الاقتصادیۀ وهیکلۀ النظام المعاشی، وذلک من خلال استتباب الأمن وإمکانیۀ تنشیط دور القطاعات العاملۀ والرسامیل التی یمتلکها أصحابها.

وقوله علیه السلام :” وترد المظالم ” فإن الحقوق المدنیۀ تتحقق فی ظل نظام أمنی مستقر، وبغیاب ذلک لا یمکن القیام بأیۀ مهمۀ من شأنها تحقیق ضمانۀ النظام الإنسانی.

وقوله علیه السلام : و” تعمر الأرض ” فإن الإصلاح الاقتصادی یمکن القیام به عندما یتعاهد ذلک نظام یحفظ الحقوق ویشجّع على استثمارات اقتصادیۀ تتکفل بنظام اقتصادی رشید، وإعمار الأرض لا یقتصر على استصلاحها زراعیاً أو معدنیاً ، فلعل ذلک إشارۀ إلى إصلاح الأرض وما علیها من نظام سکانی یلازم صلاحیۀ الأرض لاحتواء التجمعات البشریۀ حینئذ ٍ.

وقوله علیه السلام : و” ینتصف من الأعداء” فإن بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر حین یستتب الأمن بسببهما یمکن من خلال ذلک إیجاد قوۀ دفاعیۀ ترد کید الأعداء ، أو هجومیۀ تعین جماعۀ الانتظار على حفظ حقوقهم والحصول على مکاسبهم المشروعۀ اتجاه القوى الأخرى.

وقوله علیه السلام: ” ویستقیم الأمر” فهو محصلۀ هذه الجهات التی یمکن تحققها فی ظل القیام بفریضۀ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر .

کما أن اللهجۀ التی یستخدمها الأئمۀ علیهم السلام فی مراعاۀ هذه الفریضۀ والوجوب بإتیانها لهجۀ تتعدى أسلوب الحث والترغیب إلى أسلوب الإنذار والتهدید، وحلول اللعنۀ التی یحذّر الإمام علیه السلام أتباعه منها بسبب ترک الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، أسلوب یشدده الأئمۀ علیهم السلام فی استتباب هذه الفریضۀ بین جماعۀ الانتظار.

فعن محمد بن مسلم قال: کتب أبو عبد الله علیه السلام إلى الشیعۀ: لیعطفن ذوو السن منکم والنهى على ذوی الجهل وطلاب الرئاسۀ، أو لتصیبنّکم لعنتی أجمعین.

على أن من مهام التغییر هو الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فإن ذلک سبب فی بناء حضاری وتکامل ذاتی.

فعن الحسن عن أبیه عن جده قال: کان یقال: لایحل لعین مؤمنۀ ترى الله یعصى فتطرف حتى تغیره.

فإنّ النزعۀ التغییریۀ لدى جماعۀ الانتظار مبنیۀ على محاولۀ الإصلاح والارتباط بالله تعالى وتطبیق شریعته.

خصوصیۀ العزۀ والکرامۀ ورفض الذل والهوان:

وإذا کانت جماعۀ الانتظار ترتبط بقیادتها المعصومۀ التی ستحقق لها آمالها ببسط العدل والسلام بقیام دولتها الموعودۀ، فإن لهذا الشعور الدائم آثاره فی سلوکیۀ هذه الجماعۀ، فهی تستشعر الأمل بتحقیق طموحاتها، وعندها فلا داعی للرکون إلى الغیر أو الشعور بحاجۀ الغیر فهی فی غنىً دائم عن الأخرین، لأنها ترتبط بقیادۀ تسحق بظهورها کل ظلم وطغیان.

وهذه الدواعی لدى جماعۀ الانتظار تدفعها إلى الإحساس بالنجاح والظفر على مدى مستقبل أطروحۀ الانتظار التی تحقق معها قیام دولۀ الحق، وهذه الدواعی تعزز لدى الأفراد منهم العزۀ والکرامۀ ورفض الذل والهوان بالرکون إلى الأخرین. إذن فالانتظار یدعو إلى الأمل الدائم وتحقیق النصر والنجاح على کل المستویات. وهذا هو سبب استقلالیۀ جماعۀ الانتظار وعدم لجوئها إلى غیرها، حیث تقررت شخصیتها من خلال ممارسۀ أسلوب الاعتماد على النفس من دون الخضوع إلى أطروحات الأخرین علمیاً أو عملیاً.

الانتظار الکبیر

المستقبل الذی ینبغی أن تعقد علیه الآمال، والذی شاءت الإرادۀ الإلهیۀ أن یسیر نظام العالم تجاه، هو هذا الذی ذکرناه.

والآن ینبغی أن نعود إلى موضوع انتظار الفرج الذی قسمناه فی بدایۀ هذا الحدیث إلى قسمین:

انتظار بناء حرکی ملتزم عبادی، بل من أفضل العبادات، وانتظار مخرب معوق یبعث على الخمود والخمول والکسل والتقاعس، ویعتبر نوعا من “الإباحیۀ”.

ذکرنا أن هذین اللونین من الانتظار ینطلقان من نوعین من التصور حول الحدث التاریخی العظیم المتمثل بظهور المهدی الموعود.

وهذان التصوران ینتجان بدورهما من نوعین من التصور بشأن تطور التاریخ.

نشرح فیما یلی هذین النوعین من الانتظار نبدأ بالانتظار المخرب:

الانتظار المخرب

بعض المؤمنین بظهور المهدی یتصورون أن نهضۀ هذا المنجی ذات طابع انفجاری محض، وناتجۀ فقط عن انتشار الظلم والجوع والفساد والطغیان، أی أن مسألۀ الظهور نوع من الإصلاح ناتج عن تصاعد الفساد.

هؤلاء یتصورون أن مسیرۀ البشریۀ تتجه إلى انعدام العدل والقسط، وإلى زوال أنصار الحق والحقیقۀ، وإلى استفحال الباطل.

وحینما یصل هذا الانحدار إلى نقطۀ الصفر یحدث الانفجار المرتقب، وتمتد ید الغیب لإنقاذ الحقیقۀ – لا أنصار الحقیقۀ – إذ لن یبقى للحقیقۀ أنصار آنذاک.

هذا التصور یُدین کل إصلاح، لأن الإصلاح، یشکل نقطۀ مضیئۀ على ساحۀ المجتمع العالمی، ویؤخر الإمداد الغیبی کما یعتبر هذا التصور کل ذنب وتمییز وإجحاف مباحا لأن مثل هذه الظواهر تمهد للإصلاح العام وتقرب موعد الانفجار.

هذا التصور یمیل إلى مذهب الذرائع الذی یذهب إلى أن الغایۀ تبرر الوسیلۀ

فإشاعۀ الفساد – بناءاً على هذا التصور – أفضل عامل على تسریع ظهور المهدی وأحسن شکل لانتظار فرج ظهوره.

أصحاب هذا التصور ینظرون إلى الذنوب نظرۀ تفاؤل واستبشار ویعتبرونها عاملا مساعدا على انطلاق الثورۀ المقدسۀ الشاملۀ.

شاهد أيضاً

نفاق

ما هو النفاق من منظور الإمام علي(ع)؟

مقالات العربیة – ایكنا: یقول القرآن الکریم “لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ” وهکذا یبیّن لنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *