العولمة والعالمیة المهدویة

لاشك ولا ریب إن الإنسان فی وقتنا الحاضر – وعلى الرغم من كل التقدم العلمی والحضاری والتكنولوجی – یموج فی بحر من الظلمات والفتن ، فمنذ ان بدأت الخلیقة وحصلت أول جریمة فی تاریخ البشر حینما قتل قابیل هابیل غاصت البشریة منذ ذلك الوقت فی بحر من الدماء فلا زالت شعوب الأرض تتصارع فیما بینها لأتفه الأسباب لا لشیء سوى الأنانیة وحب السلطة والمال ، فنسی الخلق خالقهم أو تناسوه ، وغفلوا عن سبب الوجود وغایته ، قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون ) ، وتعامت أبصارهم عن الحق ونصرته ، فعم الفساد والظلم وشاع الجور والعدوان ، ولا یزال الله عز وجل یبطش بطشته الكبرى بكل جبار عنید ، وكل امة ظالمة كی تكون عبرة لمن یعتبر ودلیلا لمن یستبصر .

عماد جمیل خلیف

الاهـــــــداء
الى امل المحرومین والمستضعفین ……………
الى قاصم الجبارین والمتكبرین ………………..
الى ناشر رایة الهدى والصلاح ………………….
الى سیدی ومولای الامام المهدی المنتظر (عج) ……………….
اهدی هذا الجهد المتواضع .
تمهید
لاشك ولا ریب إن الإنسان فی وقتنا الحاضر – وعلى الرغم من كل التقدم العلمی والحضاری والتكنولوجی – یموج فی بحر من الظلمات والفتن ، فمنذ ان بدأت الخلیقة وحصلت أول جریمة فی تاریخ البشر حینما قتل قابیل هابیل غاصت البشریة منذ ذلك الوقت فی بحر من الدماء فلا زالت شعوب الأرض تتصارع فیما بینها لأتفه الأسباب لا لشیء سوى الأنانیة وحب السلطة والمال ، فنسی الخلق خالقهم أو تناسوه ، وغفلوا عن سبب الوجود وغایته ، قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون ) ، وتعامت أبصارهم عن الحق ونصرته ، فعم الفساد والظلم وشاع الجور والعدوان ، ولا یزال الله عز وجل یبطش بطشته الكبرى بكل جبار عنید ، وكل امة ظالمة كی تكون عبرة لمن یعتبر ودلیلا لمن یستبصر .
ولازالت رسله تترى على أهل الأرض امة بعد امة ، مبلغین ومنذرین وهادین لطریق الرشاد والسداد ن حیث السعادة الأبدیة برضا الرب وراحة النفس وطمأنینة القلب ، بشرائع إلهیة فیها نظم أمر الإنسان فی دنیاه وسعادته فی آخرته ، فكانت الیهودیة والنصرانیة بتوراتها وإنجیلها ، حتى إذا حرفتا وغیرتا ، ختم الله بالإسلام وجعله كاملا متكاملا فیه كل ما یحتاجه الإنسان لإصلاح أمر دنیاه من قوانین وتشریعات ، لم تترك ناحیة من نواحی الحیاة إلا وبینت فیها الحكم وفصلت فیها القول .
لكن الإنسان یأبى إطاعة هواه فنبذ فریق منهم كتاب الله وراء ظهورهم وعادوا إلى غیهم وبدؤا یكیدون لبعضهم البعض وبرز شیاطین القوم ینظرون ویقننون لأنظمة وضعیة یریدون من خلالها تحقیق مصالحهم وغایاتهم الشخصیة ورغباتهم النفسیة ، من خلال الضحك على عقول الجهال ممن لا دین لهم إنما همج رعاع یلهثون وراء كل ناعق .
فظهرت فی القرون الماضیة النظریات المادیة التی تنكر الوجود الإلهی ولاتحد هدفا لوجود الإنسان إلا تحقیق ملذاته وشهواته وغرائزه ، فتجعله كالبهیمة همها علفها ، إذ لا آخرة فلا حساب ولا عقاب ، إنما هی حیاتنا الدنیا نموت ونحیا .
فظهرت فی قبال الأطروحة الربانیة والشریعة الإلهیة ـ الإسلام ـ نظریات وأنظمة وضعیة معارضة ، قام بتنظیرها بعض من أهل الغرب فكانت الشیوعیة والرأسمالیة ، وكل منها بهرت عقول الملایین من أهل الشرق ـ الاتحاد السوفیتی ـ وأهل الغرب ـ أوربا وأمریكا ـ فطافوا فی الأرجاء مبشرین بتوحید العالم ، وتخلیصه من الفقر والأمراض والظلم والفساد .
وكل یعد أنصاره بالنصر وبحیاة لا مثیل لها ، وبنعیم لیس له حدود ……
ولكن هیهات یأبى الله ذلك ………..
لقد عجزت جمیع القوانین والمذاهب الوضعیة الإنسانیة عن تلبیة حاجات الإنسان فی الحیاة الحرة الكریمة والعیش الرغید فی مجتمع متوحد متسامح لا شائبة فیه .
وجمیع الأدیان الإلهیة وخاصة الأدیان الثلاث (الیهودیة والمسیحیة والإسلام) جاءت بما یخدم الإنسان فی دینیاه وآخرته من قوانین وتشریعات وطریقة سلیمة وصحیحة للحیاة ، لكن الإنسان كان دائما ما یعزف عن كل ما هو خیر له ویسیر خلف أهوائه ونزعاته الشیطانیة التی تجره نحو الهاویة .
لذلك ترى إن المجتمع الإنسانی یسیر یوما بعد یوم نحو الدمار والخراب ، وما هذه الحروب والنزاعات بین الدول والشعوب إلا دلیل على فشل القوانین والأنظمة الوضعیة فی إدارة حیاة الإنسان ،والسبب فی هذا كله یعود إلى أن واضع هذه التشریعات غالبا ما كان یراعی فی وضعه لهذه الأنظمة أهواءه الشخصیة ورغباته النفسیة ومصالحه الآنیة ، دون النظر إلى رغبات الآخرین وتطلعاتهم وآمالهم .
كما إن المقنن لهذه القوانین لیس بذی خبرة تمكنه من استیعاب كل المشاكل الإنسانیة وإیجاد الحلول المناسبة لها . لذلك نرى أن الشیوعیة فشلت قبل أن تولد ، ولم یبق منها سوى شعاراتها التی نادت بها ولم تطبق منها شیء یذكر .
واللیبرالیة تقترب یوما بعد یوم من نهایتها المأساویة ، فإذا كانت الشیوعیة انتهت بتفكك الاتحاد السوفیتی فان الرأسمالیة اللیبرالیة ستنتهی بدمار الدول المتبنیة لهذا النظام المستبد بسبب نزاعات إقلیمیة ودولیة على مصادر الطاقة ومنابع النفط ومراكز الثروات لأنها تعلم جیدا إنها لن تستطیع الاستمرار التسلط إلا من خلال دیمومة هذه المصادر واستمراریة السیطرة علیها ، وسحق الشعوب المستضعفة لان البقاء للأصلح كما تدعی .
إن الدولة الإسلامیة العالمیة المهدویة سوف تظهر بعد أن ییئس الناس من إیجاد الحلول لمشاكلهم المتوارثة والتی صنعوها بأیدیهم من خلال الابتعاد عن التشریع الإلهی ونبذهم دین الله وراء ظهورهم ، عند ذلك فقط سوف تتوحد الشعوب وتنهض الأمة الإنسانیة لبناء مجدها على هذا الكوكب المحطم ، بقیادة الإمام المهدی المنتظر “عج” .
بعد أن یكونوا قد جربوا كل ما لدیهم من أفكار ونظریات وعلوم وتقنیات فلم ینجحوا .
لكل أناس دولة یرقبونها ودولتنا فی آخر الزمان تظهر
المبحث الأول
مقدمة .
تعریف العولمة .
العولمة الاقتصادیة .
العولمة السیاسیة .
العولمة الثقافیة .
العولمة الاجتماعیة .
أهداف العولمة .
نتائج العولمة ومستقبلها .
مقدمة
بعد انتهاء الحرب العالمیة الثانیة وظهور قطبین كبیرین عالمیة هما الاتحاد السوفیتی والذی كان یتبنى المذهب الشیوعی ، والولایات المتحدة الأمریكیة التی كانت تتبنى المذهب الرأسمالی ، بدأت بوادر صراع جدید بین هذه الدول على اثر تقسیم ألمانیا ، فظهر ما یسمى (بالحرب الباردة ) والتی أنتجت سباق التسلح فیما بین الدولتین ، ومحاولة كل منهما بسط نفوذه على مناطق ودول إقلیمیة اقل شأنا .
حتى جاء العام 1961 م حیث التقى الرئیس الأمریكی (كندی) والرئیس السوفیتی (خروتشوف) فی فینا واتفقا على إنهاء الحرب الباردة .
” غیر أن أمریكا كانت ترید القضاء نهائیا على روسیا الاشتراكیة ، ولذلك أعلنت حرب النجوم وسباق التسلح ، واستجابت روسیا لهذا السباق وهذا الصراع إلى أن انتهى بسقوط الاتحاد السوفیتی وانهیاره وتفككه ، وكان طبیعیا أن تعتبر أمریكا هذا الانهیار والسقوط انتصارا للمبدأ الرأسمالی بوصفه نظاما طریقة عیش وانتصارا سیاسیا لها . “(1)
فانتهت الشیوعیة الاشتراكیة قبل أن تولد وقبل أن تحقق أهدافها وشعاراتها وفی مقابل هذا كله كان المد الأمریكی یتقدم بكل قوة نحو الدول الضعیفة والنامیة ، فقد قامت أمریكا باحتلال أكثر من ثلاثین دولة طوال فترة نشؤها بشتى الحجج والذرائع وطوعت النظام الدولی من اجل خدمة أغراضها ، فقد تم إنشاء جمعیة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمیة الثانیة من قبل الدول الخمس العظمى ، فوضعت القوانین وشرعت بما یلائم مصالح هذه الدول وأعطیت حق النقض (الفیتو) على أی قرار من شانه ان یضر بمصالحها ، وانبثق عن هذه الجمعیة مجلس الأمن الدولی والذی كان العصا الغلیظة التی تستخدم لضرب كل من یحاول الخروج عن طاعة هذه الدول .
حتى جاءت حقبة التسعینات من القرن الماضی وخاصة بعد أحداث الخلیج والتی أوجدت فرصة لأمریكا للتدخل فی مناطق نفوذ حیث مركز العالم النفطی والثروات الهائلة فاخذ الساسة الغربیون یطرحون أفكارهم وآرائهم عن مستقبل العالم ونهایة التاریخ ، فطرحوا فكرة النظام العالمی الجدید ، وأخذت وسائل الإعلام الغربی تطرح لفظة العولمة ثم تبناه السیاسیون واخذ یتداول على ألسنتهم ن ولم یتم تعریفه بشكل دقیق اوتوضیحه وتحدیده من قبل هؤلاء ، بل ترك كی یلعب بعقول الآخرین ویفعل فعله السحری شأنه شأن الكثیر من ألفاظ الاستعمار الساحرة والتی لا یمكن تعریفها أو إیجاد تعریف متفق علیه من قبل اثنین لها .
كالحریة والدیمقراطیة والمساواة والوطنیة والقومیة وغیرها من الألفاظ التی تستخدم للضحك على عقول شعوب الدول المستعمرة .
ان (العولمة) هی ولیدة النظام الرأسمالی وولیدة الفكر المادی لهذا النظام ، وتعد مرحلة من مراحل التطور التاریخی للرأسمالیة العالمیة المتمثلة (بأمریكا) إذ أنها بدأت مرحلة جدیدة من الاستعمار والهیمنة والتوسع خاصة بعد فترة التسعینات من القرن الماضی والذی یمثل بدایة الانطلاقة الحقیقیة لفكرة العولمة وتبلورها كأطروحة تدعو لها اللبرالیة الرأسمالیة فی الغرب وانتهجت لها طریقا خاصا فی التطبیق من خلال الزحف باتجاه الدول الفقیرة والنامیة والسیطرة على اقتصادیاتها ومواردها وثرواتها عن طریق فرض الشروط والعقوبات لكی تفتح هذه البلدان أبوابها أمام منتجات الغرب .
تعریف العولمة
هناك اختلاف كبیر بین الكتاب والمثقفین فی تعریف العولمة ، ویرجع السبب فی ذلك إلى أن هذا المصطلح حدیث العهد فی السیاسة الدولیة ، ولم یتم لحد ألان إشباعه بالفهم والدراسة فلم یدخل فی میدان الدراسة الأكادیمیة فی الجامعات والكلیات .
والسبب الثانی هو اختلاف وجهات النظر لدى الكتاب والمثقفین أنفسهم فی تعریف العولمة فلا ینظرون إلیها من وجهة نظر واحدة ، فالكاتب الاقتصادی ینظر من زاویة الاقتصاد فیسمیها العولمة الاقتصادیة ، والسیاسی ینظر إلیها من زاویة تأثیرها فی السیاسة فیسمیها العولمة السیاسیة ، والباحث الاجتماعی ینظر إلیها من زاویة تأثیرها فی المجتمعات وثقافة الشعوب فیسمیها العولمة الاجتماعیة والثقافیة ، وهكذا .
فی حین أن العولمة كنظام وأطروحة رأسمالیة شاملة لكل ما قیل أو یقال فی الشأن الدولی من سیاسة واقتصاد وثقافة واجتماع وغیرها .
لذلك فنحن هنا سنأخذ المعنى اللغوی للعولمة لنبدأ به ، ثم ننتقل لنعرض بعض التعاریف التی فسرت العولمة لكی یتم لنا الإلمام بالمعنى الحقیقی للعولمة وفهمها ولو بشكل یسیر .
” كلمة العولمة فی اللغة العربیة ، والبعض سماها (بالشوملة) ، هی ترجمة للكلمة الانكلیزیة globalization ، والكلمة الفرنسیة mondialisation .
فالكلمة تعنی وضع الشیء على مستوى عالمی ، اوتعمیم خاص وطنی لیصبح عالمیا”(2)
وقیل أیضا : ” العولمة ترجمة فرنسیة تعنی الشیء على مستوى عالمی ، أی نقله من المحدد المراقب إلى غیر المحدد الذی ینأى عن كل رقابة وهی أیضا ترجمة لكلمة globalization الانكلیزیة التی ظهرت أول ما ظهرت فی الولایات المتحدة الأمریكیة ، وتعنی تعمیم الشیء وتوسیع دائرته لیشمل الكل .”(3)
فی حین ان البعض الآخر یسمیها بتسمیات أخرى ( الكوننة ، الكونیة ، الكوكبة ، الشوملة ، الحداثة ، الحداثویة ) .
ولكن الكلمة العربیة التی شاع استعمالها فی ترجمة الكلمة الانكلیزیة هی (العولمة ) .
وهذه الصیغة (فعولة ) تستخدم للدلالة على تحویل شیء إلى شیء آخر أو صیغة أخرى .
أما فی الاصطلاح فقد عرفت بعدة تعریفات منها ، أنها :-
” مصطلح سیاسی عرفه البعض بأنه :نظام عالمی جدید یقوم على العقل الالكترونی والثورة المعلوماتیة القائمة على أساس المعلومات ، والإبداع التقنی غیر المحدود دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقیم والحدود الجغرافیة والسیاسیة القائمة فی العالم .(4)
” وعرفه آخرون انه :القوى التی لایمكن السیطرة علیها للأسواق الدولیة والشركات المتعددة الجنسیة التی لیس لها ولاء لأیة دولة أو قومیة .”(5)
أو هی :
” تحرك متسارع نحو عالمیة متكاملة عززه إلغاء القیوم التنظیمیة والتفاعل مع التغیرات المتسارعة فی تكنولوجیا الاتصالات والحاسب “.(6)
وقیل هی :
” مسعى لإزالة الحدود والموانع ما بین الدول للسماح بحریة الأفكار والثقافات والأموال والسلع دون قیود تفرضها السیادة الوطنیة أو الخصوصیات القومیة.(7)
والبعض الآخر عرفها بأنها :
” كل المستجدات والتطورات التی تسعى بقصد أو دون قصد إلى دمج سكان العالم فی مجتمع واحد “.(8)
من الملاحظ أن جمیع هذه التعریفات لم تكن دقیقة التوصیف للعولمة الرأسمالیة ، لان الكثیر منها یركز على الجانب الاقتصادی من العولمة ، والحق معهم فی ذلك لان العمود الفقری للرأسمالیة هو الاقتصاد والربح المادی السریع .
كما أنهم یركزون على الجانب العلمی والتطور التقنی الحاصل فیعدونه سبب رئیسی فی ظهور العولمة فیعرفونها به .
بعد هذا كله یمكننا تعریف العولمة تعریفا جامعا مانعا بأنها :
مصطلح سیاسی رأسمالی یصف مرحلة من مراحل التطور التاریخی للیبرالیة الرأسمالیة فی العمل على توحید العالم بصورة مباشرة أو غیر مباشرة سیاسیا واقتصادیا وثقافیا واجتماعیا تحت قیادة الرأسمالیة العالمیة أمریكا .
العولمة الاقتصادیة أو الجانب الاقتصادی للعولمة
لقد أعدت الرأسمالیة العالمیة الخطط الكفیلة بالسیطرة الاقتصادیة على الدول الفقیرة والنامیة ، مستغلة البون الشاسع ما بینها وبین هذه الدول فی مجال التطور العلمی والتقنی والتكنولوجی ، فقد أنشأت صندوق النقد الدولی والبنك الدولی :
” وهما منظمتان أممیتان ، فالأول یقوم على ضبط النقد الدولی واستقراره ، والآخر یمارس عملیات الإقراض ودراسات الجدوى فی مجال الإنشاء والتعمیر للدول المتضررة من الحروب والدول الفقیرة ضمن شروط قاسیة “. (9)
ولما كان صندوق النقد الدولی من إنشاء الدول العظمى فقد :
” كانت طریقة إنشائه مصوغة بشكل یؤدی إلى هیمنة أمریكا على قراراته فقد جعلوا الأصوات التی تتمتع بها الدول تتوقف على حصتها فی الصندوق ولما كانت حصة أمریكا هی الأكبر (2 ,27 %) من رأس المال فان قراراته كانت قرارات أمریكیة كما تفرع عنها البنك الدولی للإنشاء والتعمیر وابرز إغراضه إعادة اعمار ما دمرته الحرب ومساعدة الدول المتخلفة اقتصادیا وتقدیم القروض والضمانات لدول العالم النامی “(10).
لذلك فان أیة دولة تقع فی أزمة أو ظروف طارئة وتحتاج إلى الدعم الدولی فإنها سوف تتجه نحو صندوق النقد الدولی والذی تتحكم به أمریكا ، فیقوم بالإقراض لهذه الدولة بفوائد مركبة وضمن شروط قاسیة وصعبة للغایة ، حیث یفرض على هذه الدولة السیر فی نهج اقتصادی متشدد ، من خلال تقلیل الإنفاق الحكومی العام ، ورفع الدعم عن السلع الضروریة ، ورفع أسعار المشتقات النفطیة وخصخصة القطاع العام وتحویله إلى الخاص ، وفتح أبواب الاستثمار للشركات العالمیة فی جمیع القطاعات الحیویة للدولة كالنفط والغاز وغیرها .
إن هذه الإجراءات وغیرها كفیلة بان تجعل هذه الدولة أسیرة لصندوق النقد الدولی ولا تستطیع التخلص من هذا الكابوس الذی الم بها ولفترة طویلة جدا ومن ثم تعجز عن النهوض من جدید فتقع تحت الوصایة الغربیة .
ثم إن هناك مؤسسة اقتصادیة أخرى تم إنشاءها من قبل الغرب قامت على أنقاض اتفاقیة (الجات) -الاتفاقیة العامة للتجارة والتعرفة الكمر كیة – التی لم تر النور ، فتم إنشاء منظمة التجارة العالمیة” فی مراكش عام 1994 م ، وبدا العمل بها 1995 م “.(11)
حیث تم سن قوانین خاصة باقتصادیات السوق الحرة وحریة الملكیة الفردیة والاستثمار والتجارة بین الدول ، وإنشاء هیئة لفض النزاعات والتحكیم ، وقوانین حقوق العمال وغیرها.
حتى انك لتجد الیوم الكثیر من الدول العملاقة (كالصین) مثلا تحاول جاهدة الدخول فی هذه المنظمة لكن بدون جدوى ، إذ أن الدول الغربیة تفرض علیها شروط قاسیة من اجل تركیعها ولكی تسمح بفتح أسواقها للبضائع الغربیة وتخفیض الرسوم الكمر كیة على السلع المصدرة إلیها .
إن هذا الثالوث الذی ذكرناه (صندوق النقد الدولی ، والبنك الدولی ، ومنظمة التجارة العالمیة ) لكفیل بإذلال وإخضاع الدول التی تقف بوجه الدول العظمى أو تحاول أن تنهض باقتصادها لكی تنافس الدول المتقدمة ، كما انه یضمن استمراریة تدفق السلع والخدمات إلى الدول الفقیرة والمستهلكة دون أی منافسة أو رسوم كمركیة وبأقل تكلفة وأعلى قیمة من الربح .
حتى ترانا الیوم نلاحظ وبشكل واضح سیطرة الشركات الغربیة على جمیع مفاصل الاقتصاد فی العالم حیث تدل التقاریر على أن :
” خمس دول غربیة فیها 127 شركة من أصل 200 شركة كبرى فی العالم ، وهی أمریكا ، والیابان ، وفرنسا ، وألمانیا ، وبریطانیا “. (12)
لقد نجحت هذه الشركات فی الهیمنة على الأسواق والسیطرة على معظم التجارة العالمیة من خلال إنتاجها الكبیر ورأس مالها الوفیر ، بحیث أنها أصبحت قادرة على زعزعة أنظمة دول قائمة بذاتها .
” وعلى سبیل المثال نصیب أمریكا من السوق العالمیة من برامج الكمبیوتر سابقة التجهیز سنة 1994 م ،60 % ونصیبها من سوق الكتب العالمیة سنة1995 م ، 32 % “.(13)
لقد أدت عولمة الاقتصاد إلى تحكم مجموعة قلیلة من الإقطاعیین بقوت الملایین بل الملیارات من البشر ، وظهر بشكل جلی مآسی العولمة الرأسمالیة حیث أصبح الفقر سمة عالمیة وبلغ حدا لا یمكن تصوره .
ففی “عام 1998 م كان فی الولایات المتحدة وحدها 170 ملیار دیرا ، بینما لم یكن عددهم فی عام 1982 م یزید على 13 ملیار دیرا ، ویكفی أن ملیار دیرا واحدا هو بیل جیتس رئیس شركة میكروسوفت یملك ثروة ما یعادل صافی ثروات 106 ملیون مواطن أمریكی أی ثلث السكان تقریبا “. (14)
فی حین نجد :
” 30 % من سكان العالم دخلهم الیومی یقل عن دولارین ، و 20 % من سكان العالم یقل دخلهم الیومی عن دولار واحد وكلهم من الدول النامیة “.(15)
بعد هذا كله كیف لأی دولة من الدول النامیة أن تنهض باقتصادها أو یمكن لها التمتع بثرواتها دون تدخل أجنبی غربی أو دون العودة إلى هذه الشركات المتعددة الجنسیات لكی تستثمر فیها وتجعلها متسلحة بسلاح التقدم العلمی والتكنولوجی الذی قطعت فیه الشعوب الغربیة مراحل متقدمة لن تستطیع الدول النامیة وخصوصا الإسلامیة من اللحاق بركبه حتى قیام الساعة ، خاصة فی ظل حكام الجور والفساد الجاثمین على صدور أبناء هذه الشعوب .
ومن الجدیر بالذكر إن ” العولمة الاقتصادیة هی المجال الوحید الذی اتفق على تعریف له : حیث تبنى مؤتمر الأمم المتحدة للإدارة والتنمیة unctad تعریفا له یقوم على فكرة فتح السوق والتبادل الحر وتقلیل سلطة الدولة على حركة الاقتصاد “.(16)
لذلك فان المرحلة الرئیسیة والأولى للعولمة تأتی من خلال السیطرة الاقتصادیة والتی تمثل حجر الزاویة فی هذا المخطط الرهیب للعولمة ، لان ذلك یعنی التحكم بمصیر شعوب تلك الدول وتقییدها وخضوعها للغرب ، وان حاولت هذه الشعوب التمرد أو الثورة فإنها سوف تصطدم بالحالة الاقتصادیة المتأزمة والمشاكل المستعصیة فی البلاد ، أو بانقلابات عسكریة لبعض عملاء الغرب الذین زرعتهم فی المؤسسة العسكریة لخدمة أغراضها .
وهذا ما یفسر الاضطرابات الكثیرة فی الدول النامیة والفقیرة وعدم الاستقرار السیاسی وكثرة الحروب والدماء ، وهذه الأمور كلها لصالح هذه القوى الخارجیة من اجل الهیمنة والتسلط .
وكما یقول ” ابرازموس 1508 م (إذا حاربت بسیف المال فستكون الغالب دوما ) “.(17)
وقد أشار كتاب (فخ العولمة – الاعتداء على الدیمقراطیة والرفاهیة ) الذی ألفه هانس بیتر مارتین وهارالد شومان الألمانیان إلى مستقبل العولمة ونتائجها فی الجانب الاقتصادی : فقد ذكرا فیه ” إن العولمة من خلال السیاسات اللیبرالیة الحدیثة التی تعتمد علیها إنما ترسم لنا صورة المستقبل بالعودة للماضی السحیق للرأسمالیة ، فبعد قرن طغت فیه الأفكار الاشتراكیة والدیمقراطیة ، ومبادئ العدالة الاجتماعیة ، تلوح الآن فی الأفق حركة حضارة تقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة والطبقة الوسطى من مكتسبات ، ولیست زیادة البطالة وانخفاض الأجور وتدهور مستویات المعیشة وتقلص الخدمات الاجتماعیة التی تقدمها الدول وإطلاق آلیات السوق وابتعاد الحكومات عن التدخل فی النشاط الاقتصادی ، وحصر دورها فی (حراسة النظام ) وتفاقم التفاوت فی توزیع الدخل والثروة بین المواطنین وهی الأمور التی ترسم ملامح الحیاة الاقتصادیة والاجتماعیة فی غالبیة دول العالم كل هذه الأمور لیست فی الحقیقة إلا عودة الأوضاع التی میزت البدایات الأولى للنظام الرأسمالی إبان مرحلة الثورة الصناعیة (1750 – 1850م) وهی أمور سوف تزداد سوءا مع السرعة التی تتحرك بها عجلات العولمة المستندة إلى اللیبرالیة الحدیثة “. (18)
العولمة السیاسیة أو الجانب السیاسی للعولمة
إن الجانب السیاسی للعولمة یعد من أهم الجوانب والذی یلعب دورا مهما فی إخضاع الشعوب وإذلالها وهو یتخذ جانبین ، جانب عسكری باستخدام القوة العسكریة لتطویع الدول وتركیعها ، وجانب سیاسی دبلوماسی باستخدام سیاسات الضغط والابتزاز عن طریق مؤسسات ومنظمات أنشأت من قبل الغرب لهذا الغرض .
فقد تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة وبشك یلائم التوجهات الغربیة ، فبعد سقوط ألمانیا برزت قوتین عظیمتین على الساحة الدولیة هما (الولایات المتحدة الأمریكیة ، والاتحاد السوفیتی) . ومن اجل إعادة ترتیب الأوضاع بعد الحرب العالمیة الثانیة تم إنشاء الجمعیة العامة للأمم المتحدة ، التی انبثق عنها مجلس الأمن الدولی الذی یتكون من خمس عشرة دولة بضمنها خمس دول دائمة العضویة هی ( أمریكا ، الاتحاد السوفیتی ، فرنسا ، بریطانیا ، الصین ) . وهذه الدول هی دول نوویة .
ومن الجدیر بالذكر هنا أن جمیع القوانین والأنظمة التی یطلق علیها أممیة أو عالمیة أو دولیة من قبل هذه المنظمات هی فی الأصل قوانین غربیة وشرعت من قبل المشرع الغربی ولم یكن للشعوب النامیة أو المستضعفة والإسلامیة منها خصوصا ، أی دور فی صیاغتها ، بل إنها حتى لم تراعی التشریعات والقوانین الإلهیة التی جاء بها الإسلام الحنیف ومع ذلك نجد أن الدول التی تدعی إنها إسلامیة سارعت إلى الانضمام إلى هذه المنظمة والاحتكام إلى قوانینها .
كما أن الغرب قد تنبه لأهمیة هذه المنظمة منذ البدء فجعل مقرها فی نیویورك فی الولایات المتحدة الأمریكیة كی یتم السیطرة علیها بشكل دائم وكامل ولم یسمح بنقل مقرها إلى أی دولة أخرى كی تبقى هذه المنظمة ملبیة لحاجات الغرب التسلطیة .
إن من أهم أسالیب العولمة والهیمنة السیاسیة بشقیها العسكری والدبلوماسی ما یأتی :-
عقد الاتفاقیات والمعاهدات السیاسیة والعسكریة بین الدول الكبرى من اجل إیجاد تحالفات وتكتلات لإخضاع الدول الفقیرة ، والوقوف ضد الدول التی تعادیها إیدیولوجیا ، ومن هذه التحالفات ( حلف شمال الأطلسی ، وحلف وارسو الذی انهار بانهیار الاتحاد السوفیتی) .
عقد اتفاقیات الدفاع المشترك بین الدول الكبرى وبعض الدول النامیة بحجة حمایتها ، ومن ثم إنشاء قواعد عسكریة دائمة فی هذه البلدان وهذا نوع جدید من أنواع الاستعمار .
التدخل السیاسی فی بعض الدول المضطربة ، عن طریق فرض قرارات من قبل منظمة الأمم المتحدة أو من خلال ما یسمى بقوات حفظ النظام التابعة لها ، والتی تكون بقیادة غربیة .
الاحتلال العسكری المباشر لبعض الدول الضعیفة وخاصة الغنیة بالثروات النفطیة والطبیعیة بحجة تهدیدها للأمن والسلم الدولیین ، أو دعمها للإرهاب والجماعات الإرهابیة .
فرض صفقات الأسلحة والمعدات العسكریة على الدول النامیة والفقیرة لضمان تبعیة هذه الدول عسكریا .
إیجاد مناطق توتر عالمیة وخاصة فی الشرق الأوسط حیث منابع الثروات ومنها البترول لضمان السیطرة الغربیة وإیجاد الذرائع للتدخل السیاسی والعسكری بحجة بسط الأمن وحمایة إسرائیل .
القیام بانقلابات عسكریة فی بعض الدول لزعزعة استقرارها عن طریق تدریب وتجنید ضباط وقادة عسكریین فی الغرب وإرسالهم إلى بلدانهم حیث یكونون عملاء تابعین یطبقون الأوامر الغربیة .
الضغط على بعض الدول سیاسیا عن طریق بعض التقاریر التی تتحدث عن انتهاك حقوق الإنسان أو انتهاك للحریة والدیمقراطیة فی هذا البلد أو ذاك ، حیث یستخدم هذا الأمر كوسیلة ضغط وابتزاز ضد الدول من اجل القیام بإصلاحات سیاسیة وإیجاد المبررات لقیام المعارضة المدعومة غالبا من الغرب بالتحرك الجماهیری لإسقاط الحكومة .
ازدواجیة المعاییر فی تطبیق القوانین والتشریعات التی یدعى أنها دولیة حیث تعمل الولایات المتحدة الأمریكیة فی فرض القرارات لإغراض نفعیة وشخصیة فی حین تستخدم حق النقض الفیتو ضد أی قرار .
10- صناعة بعض القادة فی هذه البلدان وإعدادهم لاستلام السلطة ومحاولة إظهارهم
بالمظهر اللائق أمام شعوبهم فی حین أنهم یعملون لتكریس مصالح الغرب .
لقد كانت البوادر الهیمنة والإخضاع للشعوب یتمثل :
” بإسقاط أمریكا لأول قنبلتین ذریتین على مدینتی هیروشیما وناكازاكی بالیابان ، (حیث) خطا الإنسان خطوات عدة فی أكثر من اتجاه على طریق السیطرة والإخضاع : خطوة على طریق القوة التدمیریة الهائلة للأنفس والممتلكات ، وخطوة على طریق التقاتل وإیقاع الخسائر بالعدو بأقل مواجهة تذكر مع استخدام أكثر للذكاء الإنسانی فی التخطیط والتنظیم والأدوات والتقنیات وخطوة على طریق التهدید بالقوة والبطش كرادع وقائی من اجل السیطرة والإخضاع “. (19)
لقد فضحت هذه الإعمال وغیرها استغلال الغرب لمصطلح الدیمقراطیة وحقوق الإنسان فی السیاسة الدولیة ، إذ أنها حینما یتعلق الأمر بمصلحتها الآنیة فان هذه الحقوق والمبادئ لا نكاد نراها أو نحس بها ولا یقام لها وزن .
وهی ” تعمل بجد كی تصبح هذه المفاهیم مقاییس وقناعات أمم العالم وخاصة الأمة الإسلامیة فقد عملت على إیجاد دول كارتونیة ترفع شعار الإسلام وتدعی إنها تطبقه وهی فی الحقیقة لا تطبق منه إلا بعض الإحكام وبشكل مشوه إلى أن جعلت الناس یضیقون ذرعا بهم “. (20)
بعد هذا نصل إلى قمة المأساة الإنسانیة فی خضوعها للرأسمالیة وسیاسة العولمة المنبثقة عنه واستغلال النظام الدولی إلى ابعد الحدود .
” فان هؤلاء السادة الذین وضع النظام الدیمقراطی الرأسمالی فی أیدیهم كل نفوذ ، وزودهم بكل قوة وطاقة ، سوف یمدون أنظارهم – وبوحی من عقلیة هذا النظام – الى الآفاق ویشعرون بوحی من مصالحهم وإغراضهم أنهم فی حاجة الى مناطق نفوذ جدیدة “. (21)
العولمة الثقافیة أو الجانب الثقافی للعولمة
إن الغزو الثقافی من قبل دول العالم وخاصة الإسلامیة منها كبیر وخطیر جدا لأنه یمس ثقافة الشعوب وتقالیدها وأنماط عیشها كما انه لا یقف عند حد معین .
والعولمة الثقافیة یمكن أن نصفها (بتغریب الثقافة) أو (أمركة الثقافة) .
ونعنی بها جعل الثقافة الغربیة وما فیها من قیم اجتماعیة وتقالید وأعراف وأفكار وأنماط معیشة نموذجا یحتذى به من قبل شعوب الدول الأخرى ، من خلال إلغاء ثقافات هذه الشعوب وتقالیدها لتحل الثقافة الغربیة محلها .
وبطبیعة الحال فان هذا یعنی مسخ الهویة الدینیة والوطنیة والقومیة لهذا الشعب وقطع الجیل الجدید من الشباب من جذوره العریقة وحضارته المتوارثة لتحل محلها الثقافة والقیم والعادات الغربیة .
وهنا تكمن خطورة العولمة الثقافیة لأنها بالنتیجة تغزو العقول والأفكار ، وهی لا تحتاج فی هذا الأمر إلى جیوش وأساطیل وسلاح أو حروب ودماء ، وإنما هی تعمل عملها السحری من خلال استغلال التطور التقنی والمعلوماتی الحاصل فی العالم ووسائل الإعلام التی تخترق جمیع الحدود والبلدان بلا رقیب أو حسیب .
والدول الغربیة وظفت هذا الأمر جیدا فی مصالحها من خلال استغلال وسائل الإعلام والاتصال وسیطرتها علیها ، حیث تقوم بترویج الفساد الأخلاقی من خلال عرض الأفلام الإباحیة والفضائح الجنسیة والمخدرات والمشروبات الكحولیة والترویج لها حیث أن :
” هناك نصف ملیون موقع على الانترنت تتعامل مع الصور المخلة بالآداب ، وتشرح طرق استعمال المخدرات ووسائل استخدام العنف 1997 م . “. (22)
وما جعل المرأة سلعة تباع وتشترى إلا مثال واضح على ذلك ، إذ أنها تستخدم فی الدعایة الإعلانیة للمنتجات والسلع الغربیة وخاصة مستحضرات التجمیل والعطور والملابس ، وكذلك شیوع تجارة الجنس وغیرها من رذائل النظام الغربی .
لقد ساعد انتشار الفضائیات واستخدام الانترنت ووسائل الاتصال الأخرى بشكل واضح وسریع ف نشر الفكر الغربی الفاسد والترویج للثقافة الغربیة ، ویقابله من ناحیة أخرى الضعف الثقافی والدینی لشعوب الدول الفقیرة والنامیة وعدم وجود أسالیب دفاع وحصانة للشباب إمام هذا السیل الجارف من المعلومات والأفكار والبرامج والأفلام المستوردة .
ویسجل الكاتب والمؤلف (هنری غوباز) فی كتابه :” إن هذه الحرب هی اخطر والعن من الحرب الساخنة لان الأخیرة (أی الساخنة) تعیی الجماهیر ، بینما الأولى تشل الإرادات حیث تتسلل بمكر تدریجیا وتدق بمطرقتها بإلحاح واستمرار على الأذهان والعقول والأذواق فتسممها لیصبح المرء عبد قیم وأخلاقیات مستوردة غربیة “. (23)
لذلك فلیس من المستغرب إن نسمع الرئیس الأمریكی بیل كلینتون وهو یقول :
” إن أمریكا تؤمن بان قیمها صالحة لكل الجنس البشری ، وأننا نستشعر إن علینا التزاما مقدسا لتحویل العالم إلى صورتنا “. (24)
هذه القیم المتمثلة بالانحلال الأخلاقی كالتحرش الجنسی والمخدرات وشرب الخمر هی صورة أمریكا كما یقول كلینتون صالحة لكل الجنس البشری ، وكأنه غفل عن إنها لو كانت صالحة لشرعها الله عز وجل ولما حرمها .
ثم من أین لبشر أو إنسان عادی غیر معصوم أن یحدد ما هو صالح أو طالح للبشریة جمعاء وإنهم یجب أن یكونوا علیه وعلى صورته ؟
لقد أشار مؤلفا كتاب فخ (العولمة ) إلى هذا الأمر حینما قالا :
” إن ثمة جهود خارقة تبذل لكی یتخذ العالم صورة واحدة ، ولا ریب فی أن المحصلة النهائیة لمثل هذا التطور ستكون فی المجال الثقافی كما یتبناها ابن نیویورك الفنان(كورت روی ستون) بسیادة الصراخ والزعیق الأمریكی بمفرده فی العالم اجمع “. (25)
ومن الجدیر بالذكر الإشارة هنا إلى إن الولایات المتحدة الأمریكیة وأوربا یسیطران على 80 % من وسائل الإعلام فی العالم . كما إن اكبر قنوات الاتصال فی العالم هی غربیة ، وقد جعل فیها اللغة الإنكلیزیة هی اللغة السائدة ، وخاصة فی مجال شبكة الانترنت والتی تستخدم من قبل جمیع شعوب العالم وتسیطر علیها شركات غربیة متعددة الجنسیات .
ویملك الغرب اكبر محطات ووكالات إعلام هی :-
” الوكالة المشتركة للصحافة (اسوسایتدبرس ) الأمریكیة .
الوكالة المتحدة للصحافة (یونایتد برس ) الأمریكیة .
وكالة رویترز الانكلیزیة .
وكالة فرانس برس الفرنسیة “.(26)
إن استخدام التقنیات ووسائل الاتصال الحدیثة والتقدم العلمی استخداما معقولا وسلیما لا إشكال ولا ضیر فیه بل هو من صلب الثقافة العالمیة من اجل التواصل بین الشعوب والدول والملاقحة بین الثقافات العالمیة ، وإیجاد القواسم مشتركة للتفاعل الحضاری ولكن ما یراد هنا هو عولمة الثقافة ، فإننا :
” إذا فرقنا بین عالمیة الثقافة وعولمة الثقافة عرفنا البون الشاسع بین مجرد الانفتاح الثقافی العالمی وبین فرض الهیمنة على العقلیة الاجتماعیة البشریة ، فعالمیة الثقافة تجسدها تكنولوجیا الاتصالات والحواسب والتشابك الاقتصادی ، بینما تشكل العولمة الثقافیة فرض نهج بذاته ومصالح وقیم ثقافیة بذاتها ، وكل ما تراه القوة ذات الهیمنة أمرا نافعا وضروریا لها وفاء لمصالحها “.(27)
العولمة الاجتماعیة أو الجانب الاجتماعی للعولمة
أما فی الجانب الاجتماعی فان الغرب یعمل بجد كی یفرض النمط الغربی فی العیش ویجعل الأسرة الغربیة هی مثال الأسرة المتقدمة ، وهو یستخدم منظمة الأمم المتحدة وما ینبثق عنها من مؤسسات من اجل توظیف هذا الأمر ، ویكرس الجهود الحثیثة لفرض قیمه وآراءه على مجتمعات الدول النامیة والفقیرة ن حیث یقوم بعقد المؤتمرات والندوات التی تخص الأسرة والطفل والشباب والمرأة وغیرها . فیطرح مواضیع خطیرة وحساسة نحو حریة المرأة والمساواة بینها وبین الرجل فی الحقوق والواجبات والحریة الجنسیة ، ویجعل المقیاس الأسری الغربی هو المقیاس الحقیقی للأسرة الناجحة .
إن الطامة الكبرى هی أن هذه المؤتمرات والندوات غالبا ما تعقد فی البلدان النامیة والفقیرة ، ویسارع أهلها إلى تطبیق ما یصدر عنها من آراء وأفكار وتوصیات وتعمل حكومات هذه الدول على تبنی أطروحاتها ، من دون النظر إلى ما یراد منها من محاولة لطمس الهویة الثقافیة والاجتماعیة لهذه البلدان ، وتحویلها إلى النمط الاجتماعی الغربی .
بل إن الغرب یرى أن الدولة التی توجد فیها مطاعم (ماكدونالد) هی دولة متفتحة وراقیة ، كما أن الدول الغربیة تستغل مسالة حقوق الإنسان وتجعلها ذریعة للتدخل فی المجتمعات الأخرى فتدعو إلى إطلاق الحریات الشخصیة وفتح الباب على مصراعیه أمام الشباب لیفعل ما یشاء .
بل إنهم ذهبوا إلى ابعد من ذلك ، حین قاموا بعقد الندوات والمؤتمرات التی تناقش حقوق الحیوان ، وكانت آخر صیحة فی هذا المجال مؤتمر (الحمیر) الذی عقد فی مصر عام 2007 م ، برعایة بریطانیا وبمشاركة بعض الدول ، من اجل النظر فیما تعانیه (الحمیر) من ظروف عمل صعبة فی بعض البلدان ، واستغلال وضرب شدید وتجویع .
ولعمری إننا وصلنا إلى مراحل متقدمة من الرقی الإنسانی حینما تقدس الشعوب الغربیة المجتمعات الحیوانیة للكلاب والقطط والحمیر إلى حد العبادة ، وتطالب بالحقوق الخاصة بها ، فتنام كلاب أمریكا قریرة العین متخمة البطن لایجفل لها طرف فی حین أن شعوب العالم ومجتمعاته تعانی فقرا مدقعا یلتحف فیه الفقراء التراب ویأكلون الحشائش دون أن یعقد لهم أی مؤتمر دولی أو أممی لحل مشاكلهم ، وما نراه الیوم فی المجتمع الإفریقی لخیر مثال على هذا الأمر .
إن هذه الازدواجیة فی النظر إلى الأمور ینبع من أن :
” النظام الرأسمالی الدیمقراطی لیس منبثقا عن عقیدة معینة عن الحیاة والكون ، ولا مرتكزا على فهم كامل لقیمها التی تتصل بالحیاة الاجتماعیة وتؤثر فیها “(28).
فمثلا انبثق عن مؤتمر بكین وثیقة تؤكد ك
” على حریة الإنسان فی تغییر جنسه ، وعلى حق الفتاة والمرأة بالتمتع بحیاة جنسیة آمنة مع من ترید وفی أی سن ترید “.(29)
ویمكن أن نعدد ابرز ما یخرج من هذه المؤتمرات والندوات من توصیات : –
” الحریة الجنسیة وإباحة العلاقات الجنسیة خارج إطار الأسرة ، وتقلیل قیمة الزواج
تكریس المفهوم الغربی للأسرة ، وهی أنها تتكون من شخصین فأكثر ولو كانا من نوع واحد .
إباحة الشذوذ الجنسی بكل أنواعه ، ومن المعلوم انه مقر فی بعض القوانین الغربیة .
فرض مفهوم المساواة الشكلی بین المرأة والرجل فی الحقوق والواجبات والحیاة العامة ” . (30)
من الملاحظ إن هذه الأمور موجهة لتدمیر المجتمعات المحافظة كالمجتمع الإسلامی لأنها تؤدی إلى تدمیر عقول الشباب بما تحمله من إغراءات ودعوات لإطلاق الشهوات الدفینة فی النفس البشریة ، وهی موجهة بالخصوص إلى الأسرة المسلمة لأنها أسرة مترابطة ذات علاقات متینة مبنیة على الحب والاحترام المتبادل والطاعة للوالدین .
والإسلام بطبیعة تشریعاته وقوانینه واطر عمله یقوم على قاعدة رئیسیة ولبنة أساسیة هی الأسرة والتی تعد النواة الحقیقیة لقیام المجتمع الإسلامی وتحطیم مشروعه الحضاری العالمی .
” لقد صمم الغرب الصلیبی الزاحف أن یهدم ویدمر ، لكن بأسلوب غیر أسلوب التتار والصلیبین القدماء ، لقد اتجه إلى تدمیر العقائد والأفكار وهدم القیم والأخلاق وتحطیم الآداب والتقالید بمعاول خفیة لا تراها الأعین بسرعة ولا تلمسها الأیدی بسهولة ، وبأسالیب ماكرة لا تثیر الشعوب ، ولكن بغیر إطلاق الرصاص ، بل بطریقة السم البطیء .
وبعد تحطیم كل ما یملك الإنسان من عقیدة یؤمن بها وفكر إنسانی حقیقی یسیر نحوه ، وطریقة عیش ینتفع بها فیسعد ویسعد مجتمعه معه ، یصبح عند ذاك إنسان لا قیمة له غارق فی بحر الشهوات والملذات غیر مكترث بما یدور حوله ولا یشعر به ، ویعیش على الهامش ویذوب فی بحر المجتمع المادی الذی انشاءه الغرب ویدعو إلى تبنیه .
” وینطلق من هنا عملاق المادة ، یغزو ویحارب ، ویقید ویكبل ، ویستعمر ویستثمر ، ارضاءا للشهوات وإشباعا للرغبات “.(31)
أهداف العولمة
” العولمة تبشیر سیء یهدف المبشرون به إلى إرجاع العالم إلى العصور القدیمة المظلمة فی تاریخ البشریة حیث كان العالم مقسما إلى طبقتین طبقة الإقطاع وهی الأقلیة الضئیلة ، وطبقة الأكثریة الساحقة وهی طبقة الفقراء والعبید ط (32).
إن أصحاب فكرة العولمة یدعون إلى أن یصبح العالم عبارة عن قریة كونیة صغیرة متوحدة بإدارة غربیة رأسمالیة ، یساعدهم فی ذلك التطور العلمی الهائل الحاصل فی مجال الاتصالات ونقل المعلومات ، وان یسود النظام الاقتصادی والسیاسی والثقافی الغربی على جمیع اقتصادیات وثقافات المجتمعات الإنسانیة .
إن المشرعین لهذا النظام یرون بأنهم الأحق فی قیادة العالم من غیرهم بما یمتلكون من قوة وسلطة ومال وتقدم علمی وتقنی یدعمه اقتصاد رأسمالی عملاق .
” إن الهدف المعلن من العولمة هو إزالة الحواجز وتذویب الفروق بین المجتمعات الإنسانیة المختلفة لسیادة آلیة رأس المال التی تأبى أی قیود ، والیة المعلومات التی تأبى أی رقابة ، وكذلك إشاعة القیم الإنسانیة المشتركة التی یراد لها أن تجمع البشر وتكون أرضیة لإنفاذ آلیة رأس المال وآلیة المعلومات المشار إلیها ، فإجراءات العولمة الحالیة تحاول ان تشمل الاقتصاد والسیاسة والاجتماع والإستراتیجیة والثقافة ، من خلال نظریة لیبرالیة شاملة جاعلة شعارها (المصیر الواحد للبشریة) .(33)
إن رفع شعارات الحریة والدیمقراطیة وحقوق الإنسان والمصیر المشترك ومحاولة توحید العالم تحت إطار لیبرالی غربی ، لا یلغی الحقیقة التی تختفی خلف هذه الشعارات والتی تعود الغرب على إخفائها خلف شعاراته البراقة ، هذه الحقیقة التی أشار إلیها احد الكتاب الامریكین وهو فوكویاما حین قال ” إن هذه التحولات هی نهایة للتاریخ بعد أن تسقط كافة المبادئ والمذاهب وتسیطر الرأسمالیة اللیبرالیة وینتهی التاریخ “. (34)
” ومع ذلك یجب التأكید بان العولمة التی یراد لها أن تسود هی نتاج حضارة الغرب والصیغة الأكثر حداثة وفجاجة لهذه الحضارة ، والتی تجسدها الولایات المتحدة الأمریكیة ، إنها تجسید وتكثیف المابعدیات ، ما بعد الرأسمالیة وما بعد الحداثة ، وما بعد الایدیولوجیا ، وما بعد سیادة الدولة القومیة “(35).
نتائج العولمة ومستقبلها
إن النتیجة الحتمیة لمشروع العولمة سوف یكون مأساویا ومدمرا لشعوب الدول المتبنیة لهذا المشروع ن لان العولمة تقوم على أسس مادیة لنظام رأسمالی لیبرالی مادی بحت ، وهو بدوره لا یرتكز على قاعدة فلسفیة للحیاة أو عقیدة حقیقیة یسیر على نهجها ، بل هو نظام وضعی غیر قادر على إسعاد البشریة ، شانه فی ذلك شان الكثیر من الأنظمة الوضعیة التی شرعها الإنسان وبان فی نهایة المطاف خطؤها أو عدم قدرتها على تحقیق سعادته .
وقد أشار السید محمد باقر الصدر (قدس سره) إلى هذا الأمر فی كتابه (فلسفتنا) حینما قال :
” إن الدیمقراطیة الرأسمالیة نظام محكوم علیه بالانهیار والفشل المحقق فی نظر الإسلام ، لكن لا باعتبار ما یزعمه الاقتصاد الشیوعی من تناقضات رأس المال بطبیعته ، وعوامل الفناء التی تحملها الملكیة الخاصة فی ذاتها ، لان الإسلام یختلف فی طریقته المنطقیة واقتصاده السیاسی وفلسفته الاجتماعیة عن مفاهیم هذا الزعم وطریقته الجدلیة ویضمن وضع الملكیة الفردیة فی تعمیم اجتماعی خال من تلك التناقضات المزعومة .
بل إن مرد الفشل والوضع الفاجع الذی نبت به الدیمقراطیة الرأسمالیة فی عقیدة الإسلام إلى مفاهیمها المادیة الخالصة ، التی لا یمكن أن یسعد البشر ، بنظام یستوحی جوهره منها ، ویستمد خطوطه العامة من روحها وتوجیهها “(36).
إن هذا الفشل الذی اشرنا إلیه یمثل الجانب الفكری والفلسفی الذی تقوم علیه اللیبرالیة الرأسمالیة ومشروعها العولمی .
أما الجانب الآخر للفشل فیتمثل فی التطبیق العملی لهذه النظریات والأفكار والأطروحات المادیة ، إذ أنها سوف تصطدم بالواقع الإنسانی الرافض لهذا المشروع من جهة من جهة أخرى الاصطدام بالسنة الإلهیة للكون المتمثلة بإرادة الله عز وجل فی خلقه .
فالعولمة بما تتبناه من فكر إلغاء الآخر فی ثقافته وسیاسته ومجتمعه وعقیدته سوف تصطدم بالمجتمعات المحافظة والتی ترتكز على أسس عقائدیة ودینیة متینة ضاربة فی عمق التاریخ مما ینتج عن هذا التصادم ردة فعل معاكسة لمشروع العولمة .
كما إن الشعوب المتبنیة لهذا النظام هی نفسها تعانی من مشاكل جمة لا یمكن حلها بسهولة ، ” فإذا نظرنا إلى العولمة باعتبارها غزوا فكریا ومواجهة حضاریة بل فرضا لنمط من العیش فان آثاره المدمرة لا تزال كامنة فی الشعوب التی تعیشه وتحیاه ، ولا یزال المشرعون الذین شرعوا أفكاره وإحكامه مشغولین فی تشریع الأفكار والإحكام التی ترقع ما أحدثه هذا النمط من العیش من مآس للبشریة ، ومن شرور ترزح تحتها الشعوب التی تعتنقه وتطبقه فی حیاتها ولا تملك منه فكاكا بعد أن أصبح لهذا النمط فی بلادهم من العراقة ما یجعل الانفكاك منه أمرا فی غایة الصعوبة “. (37)
أما الجهة الثانیة وهی الاصطدام بالسنة الإلهیة والتخطیط الإلهی فی تدبیر شؤون خلقه ، فان الله عز وجل أبى إلا أن یجعل وراثة أرضه لعباده الصالحین ، قال تعالى (ولقد كتبنا فی ألزبور من بعد الذكر إن الأرض یرثها عبادی الصالحون ) الأنبیاء 105 .
فالقوانین والأنظمة والتشریعات الإلهیة التی بینها الأنبیاء وأرسل للناس هی الأمثل لقیادة الشعوب والأمم ، دون أخطاء أو هفوات ، لو طبقت بشكل صحیح لان المشرع لها هو الله عز وجل وهو اعلم بنفوس خلقه وغایاتهم ورغباتهم ، قال تعالى (أفلا یعلم من خلق وهو اللطیف الخبیر) .
بخلاف الأدیان والقوانین الوضعیة التی تنبع من أشخاص عادیین من اجل إرضاء رغباتهم أو تحقیق غایاتهم وطموحاتهم الشخصیة ، والتی تكون قاصرة عن الإحاطة بكل نواحی الحیاة .
” إن الأدیان الوضعیة تعتمد فی هذا التحلیل على اجتهادات شخصیة دون دلیل علمی بینما الأدیان الإلهیة تنطلق من قرار الهی إن هذه المسیرة البشریة بقرار من الله تعالى ستنتهی إلى مجتمع سعید (وعد الله الذین آمنوا منكم وعملوا الصالحات لیستخلفنهم فی الأرض ) . هذا القرار الإلهی موجود بان الحكم سیكون للمستضعفین فی الأرض وقد أنبات به الكتب الإلهیة ولو بقی التقدم العلمی بدون إخبار الهی غیبی فانه لا یملك دلیلا یتوصل به إلى هذه النتیجة ، نحن نرى الیوم كلما زاد التقدم العلمی زادت المأساة والبؤس بسبب عدم الاستخدام الصحیح لهذا التقدم العلمی “. (38)
المبحث الثانی
المنقذ العالمی فی فكر الشعوب والأمم .
المنقذ العالمی فی الأدیان الثلاث .
الركائز الأساسیة لعالمیة الفكرة المهدویة .
عالمیة المهدی الإسلامی .
اهداف المهدویة ومستقبلها .
العولمة والعالمیة .
صراع حضارات ام حوار حضارات .

المنقذ العالمی فی فكر الشعوب والأمم
إن فكرة المنتظر والمنقذ العالمی تكاد تكون القاسم المشترك بین جمیع الشعوب والأمم والحضارات فقد أكدت الدراسات والبحوث والاستقراء لجمیع الأدیان والعقائد ، انه لا یكاد شعب من الشعوب أو امة من الأمم تخلو من هذه الفكرة ، وهی ضاربة فی عمق التاریخ البشری منذ نشوء الخلیقة ، فكل شعب وكل امة تنتظر الشخص والقائد المنقذ الذی یخلصها من الشرور والظلم ویحقق لها الحیاة الحرة الكریمة حیث یسود العدل والأمان والاطمئنان .
حتى لنرى أن هذه الفكرة قد استغلت بشكل واضح وكبیر من قبل بعض الأفراد ذوی النفوس المریضة من اجل الوصول إلى السلطة ، من خلال إیهام شعوبهم بأنهم هم المنتظرون لإنقاذ الأمة ، حتى إذا ما استمكنوا من السلطة بطشوا بالشعب وأصبح حكمهم ملكا عضوضا یتوارثه الأبناء عن الآباء .
إذا فاصل الفكرة مشتركة بین جمیع الأدیان والشعوب ، ولكن الاختلاف یقع فی نفس مصداق المصطلح ، ومن هو ؟
إذن فالمنتظر هو ” عنوان لطموح اتجهت إلیه البشریة بمختلف أدیانها ومذاهبها ، وصیاغة لإلهام فطری ، أدرك الناس من خلاله – على الرغم من تنوع عقائدهم إلى الغیب – إن للإنسانیة یوما موعودا على الأرض ، تحقق فیه رسالات السماء بمغزاها الكبیر وهدفها النهائی وتجد فیه المسیرة المكدودة للإنسان على مر التاریخ استقرارها وطمأنینتها بعد عناء طویل “.(39)
ففكرة المنتظر والمصلح العالمی من البدیهیات والضروریات الإنسانیة ، فالشعوب المظلومة تنتظر من یحقق العدل ویأتی بقوانین عادلة حقیقیة ، ویخلصها من القوانین الظالمة التی شرعها بعض حكام والجبابرة من اجل السیطرة علیهم وتقیید حریاتهم وقتل الروح الإنسانیة فیهم لا لشیء سوى الأنانیة والطمع .
” فقد امن الزرادشتیون بعودة بهرام شاه ، وامن الهنود بعودة فیشنو ، وینتظر البوذیون ظهور بوذا* ، كما ینتظر الأسبان ملكهم روذریق ، والمغول قائدهم جنكیز خان ، وقد وجد هذا المعتقد عند قدامى المصریین ، كما وجد فی القدیم من كتب الصینیین ، وینتظر المجوس اشیدربابی احد أعقاب زرادشت ، وان مسیحی الأحباش ینتظرون عودة تیودور كمهدی فی آخر الزمان “.(40)
یعتقد البوذیون فی(بوذا) حتى أنهم یسمونه(المسیح) المولود الوحید ومخلص العالم ، ویقولون (انه اله كامل تجسد بالناسوت ، وانه قدم نفسه ذبیحة لیكفر ذنوب البشر) أهل البیت فی الكتاب المقدس ص126 .
فجمیع الشعوب والأمم تحمل فی عقائدها وطیات فكرها الفكرة أو الأطروحة المهدویة ، ولم یقتصر الأمر على الشعوب المتدینة أو التی نشأت الفكرة لدیها عن طریق الاعتقاد الدینی .
بل إن الكثیر من الملحدین والمنكرین للوجود الإلهی ، آمنوا بهذه الفكرة وكذلك الفلاسفة والكتاب والعلماء وخاصة من أهل الغرب .
فقد ” صرح عباقرة الغرب وفلاسفته بان العالم فی انتظار المصلح العظیم الذی سیأخذ بزمام الأمور ویوحد الجمیع تحت رایة واحدة وشعار واحد .
منهم الفیلسوف الانكلیزی الشهیر برتراندراسل قال (إن العالم فی انتظار مصلح یوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد ) .
ومنهم العلامة اینشتاین صاحب النظریة النسبیة ، قال (ان الیوم الذی یسود العالم كله الصلح والصفاء ویكون الناس متحابین متآخین لیس ببعید “. (41)
وكذلك ” الفیلسوف الانكلیزی برنارد شو بشر بمجیء المصلح فی كتابه (الإنسان والسوبرمان )(42).
ومنهم أیضاً مینا جرجس ” إن العلامات التی ذكرها الرب فی الإنجیل تبدو واضحة بأكثر جلاء هذه الأیام وأصبحنا نعیشها كلها ….. كما انه لا توجد علامة من تلك العلامات التی ذكرها الرب فی الإنجیل إلا ونراها واضحة هذه الأیام ، الأمر الذی یدعونا أن نكون فی حالة استعداد قصوى لاستقبال الرب الآتی على سحب السماء “(43).
إذاً فاصل الفكرة ثابت عند جمیع شعوب العالم ولا وجود للشك فیه وان كان هناك اختلاف فی شیء ما ، فمرده إلى الاختلاف فی ثقافة الشعوب نفسها ، إذ أن كل شعب یدعی أن المنقذ سوف یكون منه ، أو كل شعب یرى أن قائده هو الذی سیخلصه فی نهایة المطاف من الظلم وبغض النظر أیضاً عن كون هذا الشعب موحِداً أم لا .
المنقذ العالمی فی الأدیان الثلاث
تكاد تكون فكرة المنقذ أو المصلح العالمی واضحة المعالم وبشكل بارز فی الدیانات الثلاث الرئیسیة (الیهودیة والمسیحیة والإسلام) .
وان الدین الإسلامی قد انفرد – باعتباره خاتم الأدیان والشرائع – بكونه یعطی الصورة الحقیقیة والواضحة بكل أبعادها عن المصلح العالمی ، بل حتى انه یسمیه ویذكر نسبه واصله وصفاته وحركته وغیرها .
ولكن مع ذلك نجد إن بعض أجزاء هذه الصورة أو مركباتها قد سبق أن ظهرت فی الدیانتین السابقتین (الیهودیة والمسیحیة ) ، ومع كل ما جرى على الكتابین المقدسین (التوراة والإنجیل ) من تحریف وتزویر ودس وحذف وإضافة ، لكی یناسب أذواق الأحبار والرهبان ، إلا إننا نجد بعض الخیوط والإشارات متبقیة هنا أو هناك فی هذین الكتابین تشیر وبشكل واضح إلى المصلح العالمی .
” فالیهودیة تؤمن بوجود منقذ ومخلص یظهر فی (جبل صهیون) وقد جاءت البشارة من سفر اشعیا لتشیر إلى هذا المعنى : –
ستخرج بقیة من القدس من(جبل صهیون) .
غیرة رب الجنود ستصنع هذا .
وكما ورد التأكید على هذا المعنى فی سفر (زكریا)
ابتهجی كثیرا یا بنت صهیون .
هو ذا ملكك سیأتی إلیك .
عادل منصور .
نجد فی هذه البشارة التأكید على مجیء المنقذ فی المستقبل “.(44)
هذه الإشارات وغیرها كثیر نراها بوضوح موجودة ویؤمن بها الیهود ، وهم یؤمنون بعودة عزیر (ع) .
” وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تفصیلات فی هذه العقیدة عند الیهود ، إلا إن المقدار الثابت هو أنها فكرة متأصلة فی تراثهم الدینی وبقوة بالغة مكنت الیهود – من خلال تحریف تفصیلاتها ومصادیقها – أن تقیم على أساسها تحركا استراتیجیا طویل المدى وطویل النفس ، استقطبت له الطاقات الیهودیة المتباینة الأفكار والاتجاهات – ونجحت فی تجمیع جهودها وتحریكها باتجاه تحقیق ما صوره قادة الیهودیة لأتباعهم بأنه مصداق التمهید لظهور المنقذ الموعود “.(45)
أما المسیحیون فان إیمانهم برجوع المسیح عیسى بن مریم (ع) ، وانه هو المنقذ فهو من الواضحات التی لاتحتاج إلى دلیل ، بل إننا نجدها واضحة على السنة كتابهم ومثقفیهم وعلمائهم واضحة جلیة كما اشرنا إلیها سابقا .
وفی الإسلام فان فكرة المصلح العالمی من البدیهیات لدى جمیع المسلمین ولا نكاد نرى منكر إلا من بعض الكتاب فی العصر الحدیث (كأحمد أمین) ویرجع اسبب فی ذلك إلى تأثرهم بالمستشرقین ، مثل ” جولدزیهر المجری فی كتابه (العقیدة والشریعة فی الإسلام) حیث وصفها بأنها من الأساطیر ذات الجذور غیر الإسلامیة لكنه قال أیضا باتفاق كلمة الأدیان علیها “. (46)
وما عدا ذلك فان الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة الشریفة قد دلت بوضوح وبشكل لا یدعو إلى الریب أو الشك إن المنتظر والمنقذ الإسلامی العالمی سیظهر فی آخر الزمان لكی یقیم الحق والقسط ویوحد العالم .
قال تعالى (ولقد كتبنا فی ألزبور من بعد الذكر إن الأرض یرضها عبادی الصالحون ) .الأنبیاء 105 .
وقال تعالى (وعد الله الذین آمنوا منكم وعملوا الصالحات لیستخلفنهم فی الأرض كما استخلف الذین من قبلهم ولیمكنن لهم دینهم الذی ارتضى لهم ) . النور 55 .
وقال عز وجل (هو الذی أرسل رسوله بالهدى ودین الحق لیظهره على الدین كله ولو كره المشركون) الصف 9 .
أما الأحادیث النبویة الشریفة فهی متواترة وكثیرة ، فقد قال رسول الله (ص) :-
” والذی بعثنی بالحق بشیرا ونذیرا لو لم یبق من الدنیا إلا یوم واحد لطول الله ذلك الیوم حتى یخرج فیه ولدی المهدی ، فینزل روح الله عیسى بن مریم فیصلی خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ویبلغ سلطانه المشرق والمغرب “(47).
وعن رسول الله (ص) قال ” سیكون بعدی خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة ثم یخرج المهدی (ع) من أهل بیتی یملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا “.(48)
فهذه الأحادیث وغیرها دلیل على ثبوت الفكرة المهدویة وفكرة المصلح العالمی عند المسلمین ، وفی ذلك یقول ابن خلدون ” اعلم أن المشهور بین الكافة من أهل الإسلام على ممر الاعصار ، انه لابد فی آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البیت ، یؤید الدین ، ویظهر العدل ، ویتبعه المسلمون ، ویستولی على الممالك الإسلامیة ویسمى الهدی “.(49)
لذلك نرى أن المسلمین فی كل مكان فی شوق كبیر وعظیم لیوم الظهور المقدس ، فكلما زادت التحدیات وازدادت قوى الظلم الغربیة بطشا وتنكیلا بالشعوب الإسلامیة ، ازداد معها الإیمان بقرب الظهور المبارك وانتصار المسلمین ، وإظهار الإسلام بحقیقته على یدی الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشریف .
الركائز الأساسیة لعالمیة الفكرة المهدویة
إن فكرة المنتظر والمصلح العالمی أو المهدی المنتظر وحكومته العالمیة فی دولة الحق الإلهیة تنطلق من أساسین متینین رئیسیین یمثلان القاعدة الرئیسیة والحقیقیة لعالمیة الأطروحة المهدویة :
أطروحة إلهیة :-
إن أطروحة المهدی المنتظر (عج) هی أطروحة إلهیة ، لأنها تمثل إرادة الله عز وجل فی الوصول بالإنسان – هذا المخلوق الأرضی الذی كرمه الله عز وجل على سائر الموجودات – إلى درجات الكمال والرقی فی جمیع المجالات الروحیة والمادیة من خلال قیادة موحدة لجمیع شعوب الأرض فی دولة واحدة عظیمة تدین بدین واحد هو الإسلام ، وما هدف إرسال الرسل والأنبیاء إلا هذا الأمر والذی وعد الله عز وجل فی كتابه الكریم بأنه سینجزه لعباده لا محالة فی كثیر من الآیات المباركة .
قال تعالى : (ونرید أن نمن على الذین استضعفوا فی الأرض فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثین ) .
وقال تعالى : (لیظهره على الدین كله ولو كره المشركون …..) .
وإلا إذا لم تظهر هذه الدولة وتتوحد الشعوب وتوحد الله عز وجل ، ویتم القضاء على الفساد والجور والطواغیت ، فما هی الفائدة من بعثة الأنبیاء والرسل وإنزال الكتب السماویة ، إذ سیكون الأمر كله عبثا ولهوا ، وحاشا الله عز وجل أن یفعل هذا ، قال تعالى : (وما خلقنا السموات والأرض وما بینهما لاعبین ) .
ضرورة إنسانیة : –
إن جمیع الشعوب والقبائل والحضارات كانت وما تزال تؤمن بوجود مصلح عالمی یظهر لكی یوحد البشریة جمعاء تحت لوائه وحكومته فیزیل كل الحواجز والمعوقات نحو التوحد ونشر الإخوة بین الشعوب ویزیل كل أنواع الظلم والاستعباد ، وهذه الفكرة لا یختص بها شعب دون شعب آخر ، ولا یختص بها الدین الإسلامی أو الشعب الإسلامی فقط ، وان كان المنتظر الإسلامی هو المصداق الحقیقی والوحید لمفهوم المصلح العالمی .
عالمیة المهدی الإسلامی
إن عالمیة المهدی الإسلامی تنطلق من عالمیة الإسلام باعتباره خاتم الأدیان والشرائع وكتابه المنزل (القران الكریم) خاتم الكتب السماویة .
فالإسلام دین لكل الشعوب ، قال تعالى (إن الدین عند الله الإسلام ) ومن یأت یوم القیامة بغیر هذا الدین فلن یقبل منه ( ومن یبتغ غیر الإسلام دینا فلن یقبل منه) .
” إن الإسلام فی عقائده وعباداته وأخلاقه وشرائعه ونظمه السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة ربانی بصورة مطلقة من حیث المبادئ الأساسیة والقواعد الكلیة “.(50)
فكل ما جاء به الإسلام من قوانین ونظم وتشریعات وأحكام ، هی عالمیة صالحة لكل البشر فی كل زمان ومكان ، وان حدث ما حدث فی تاریخ الشعوب الإسلامیة من حروب ودمار وخراب وتأخر فلیس مرده إلى قصور فی الدین الإسلامی بل إلى تقصیر فی المسلمین أنفسهم فهم لم یستوعبوا التشریع الإسلامی بكامل حدوده وأطره .
والفكرة المهدویة الإسلامیة تعد من ركائز الدین الإسلامی العقائدیة ، إذ أن الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة الشریفة أشارت بوضوح إلى ذلك ، والمهدی الإسلامی ضرورة لابد منها من اجل إكمال مسیرة الخط الرسالی للنبی (ص) ، فخاتم الأنبیاء قد رحل إلى دار البقاء ولم یتحقق معه الهدف الأكبر من نشر الرسالة المحمدیة فی جمیع بلاد الأرض ، وهذا الهدف سیبقى منوطا بظهور الإمام المهدی(عج) .
وجمیع الفرق الإسلامیة تتفق على ظهور الإمام المهدی (عج) فی آخر الزمان ، وانه لابد من ظهوره وقیام الدولة الإسلامیة العظیمة وجعل الإسلام الدین الوحید الذی تدین به البشریة ویوحد الله عز وجل أهل الشرق وأهل الغرب ، حتى لا یبقى على الأرض مشرك .
قال تعالى : (هو الذی أرسل رسوله بالهدى ودین الحق لیظهره على الدین كله وكفى به بالله شهیدا) الفتح 28 .
وقال تعالى 🙁 یریدون أن یطفئوا نور الله بأفواههم ویأبى الله إلا أن یتم نوره ولو كره الكافرون هو الذی أرسل رسوله بالهدى ودین الحق لیظهره على الدین كله ولوكره المشركون )التوبة 32-33 .
وقال تعالى : (وعد الله الذین آمنوا منكم وعملوا الصالحات لیستخلفنهم فی الأرض كما استخلف الذین من قبلهم ولیمكنن لهم دینهم الذی ارتضى لهم ولیبدلنهم من بعد خوفهم أمناً یعبدوننی لا یشركون بی شیئا ومن كفر بعد ذلك فاؤلئك هم الفاسقون ) النور55 .
فهذه الآیات وغیرها تشیر بوضوح إلى الوعد الإلهی للمؤمنین باستخلاف الأرض وإظهار الدین الإسلامی فی جمیع أرجاء المعمورة .
وقد بشر النبی (ص) بالإمام المهدی (عج) وانه من أهل البیت علیهم السلام ، وبالخصوص من ولد فاطمة الزهراء سلام الله علیها ، وانه الإمام الثانی عشر من أئمة أهل البیت علیهم السلام .
“قال رسول الله (ص) : أبشركم بالمهدی ، یبعث فی أمتی على اختلاف من الناس وزلازل فیملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما “.(51)
وقال (ص) :” الأئمة من بعدی اثنا عشر أولهم علی بن أبی طالب وآخرهم القائم ، هم خلفائی وأوصیائی وأولیائی ، وحجج الله على أمتی بعدی ، المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر “.(52)
” وقال (ص) : إنی تارك فیكم الثقلین ما أن تمسكتم بهما بعدی لن تضلوا : كتاب الله وعترتی ، وإنما لن یفترقا حتى یردا علی الحوض .
وكان أئمة أهل البیت صلوات الله علیهم خیر من عرفهم النبی الأكرم (ص) بأمر من الله تعالى لقیادة الأمة من بعده”.(53)
فإذا كان الدین الإسلامی خاتم الأدیان فان مهدیه هو من سیحكم الأرض ویوحد العالم ، وینشر القسط والعدل ، وأی ادعاء غیر ذلك فهو باطل لان جمیع الأدیان السابقة قد نسخها الدین الإسلامی ، فلا یؤخذ بها ، ولا یؤخذ بشیء مما یدعیه أتباعها .
وأما أهل الإلحاد والكفر كالبوذیین والمجوس وغیرهم ، فان بطلان عقائدهم وادعاءاتهم واضح لا یحتاج إلى دلیل .
والمشروع الإسلامی المهدوی مشروع متكامل من جمیع نواحی الحیاة الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة ، بل حتى الروحیة منها .
” وإذا كانت الظروف والأوضاع لم تساعد على إقامة الدولة الإسلامیة العالمیة فإنها ستكون مؤاتیة فی عهد الظهور بلا معوقات ولا عراقیل وخصوصا بعد فشل الأطروحات غیر الإسلامیة وفشل الحكومات السابقة للظهور فی إقامة الدولة الموحدة “. (54)
ان دولة الحق الإلهی بقیادة الإمام المهدی(عج) سوف تظهر للوجود بعد أن تصل البشریة إلى مرحلة الیأس من جمیع القوانین الوضعیة والتی لن تحقق له إلا الشقاء والعناء والقهر ، عند ذلك یبدأ الناس یلهجون بذكر المهدی(عج) ، وینادون باسمه لكی یخلصهم مما هم فیه من ظلم واستبداد ، فیبدأ تحركه المبارك ، لذلك فان :
” الخطوة الأولى فی توحید العالم والمجتمع البشری هو إیمان الأدیان جمیعا بالإمام المهدی (عج) ، والدخول تحت رایته ذلك أن الدعوة لدمج العالم لیست دعوة حدیثة بل إنها ارتبطت تاریخیا بالدیانات السماویة القدیمة ، لقد انطلقت هذه الدیانات من فكرة وحدة البشریة أمام الخالق وبالتالی فان الجوهر بالنسبة لكل الدیانات هو دعوة الشعوب والأمم للتقارب والتكامل تحت رایة الإیمان بوجود رب واحد وخالق واحد وقیم وقناعات ومسلمات مشتركة تحكم السلوك الإنسانی فی كل أنحاء العالم “.(55)
ثم یبدأ الإمام المهدی (عج) رحلته العظیمة فی السیر بالبشریة نحو التكامل والرقی والسعادة من خلال بناء المجتمع الموحد المتكامل فیدعو الشعوب إلى التوحد تحت رایته ویعطیهم الأدلة على عالمیة قیادته وشمولیتها ، فیخرج للیهود التوراة ، وینزل عیسى (ع) فیدعو المسیحیین للإیمان بالمهدی (ع) ، والدخول فی الإسلام وتنقاد له الأمة الإسلامیة لأنه هو القائد الحقیقی الذی سیبعث الأمة من سباتها العمیق فیحیی معالم الدین الإسلامی وسنة رسول الله (ص) ، فیدین له القاصی والدانی ، والى ذلك یشیر القران الكریم فی قوله تعالى:( وله اسم من فی السموات والأرض طوعا وكرها .)آل عمران83
وكذلك قول الرسول محمد (ص) 🙁 والذی بعثنی بالحق بشیرا لو لم یبق من الدنیا إلا یوم واحد لطول الله ذلك الیوم حتى یخرج فیه ولدی المهدی ، فینزل روح الله عیسى بن مریم فیصلی خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ، ویبلغ سلطانه المشرق والمغرب “.(56)
أهداف المهدویة ونتائجها
” لم یعد المهدی (ع) فكرة ننتظر ولادتها ، ونبؤه نتطلع إلى مصداقها بل واقعا قائما ننتظر فاعلیته وإنسانا معینا یعیش بیننا بلحمه ودمه ونراه ویرانا ن ویعیش آمالنا وآلامنا ویشاركنا أحزاننا وأفراحنا ، ویشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذبین وبؤس البائسین وظلم الظالمین ، ویكتوی بذلك من قریب أو بعید ، وینتظر بلهفة اللحظة التی یتاح له فیها أن یمد یده إلى كل مظلوم وكل محروم وكل یائس ویقطع دابر الظالمین “. (57)
والمهدی المنتظر(عج) یمثل حل لجمیع معاناة الشعوب المحرومة ، ویمثل الحل الإلهی لمشكلة الحكم الجائر والتسلط المزمنة فی تاریخ البشریة ، إذ إن كل ما جرى ویجری من ظلامات مرده إلى جور الحكام وفسادهم .
وقد أكد ذلك القران الكریم فهو :
” یرفض بشدة النظرة العبثیة إلى التاریخ ویشدد على وجود قواعد ثابتة لمسیرة الأمم والجماعات فیقول 0 فهل ینظرون إلى سنة الأولین فلن تجد لسنة الله تبدیلا ولن تجد لسنة الله تحویلا ) فاطر 43 . “.(58)
فالسنة الإلهیة تقتضی انتصار الحق على الشر ، وزوال ملك الجبابرة وانتصار المستضعفین والمحرومین .
وانه لابد لكل فرعون من موسى ، والمهدی (عج) یمثل آخر حلقة من حلقات الصراع بین قوى الخیر والشر فهو المجتث لأصول الظالمین والكافرین .
فقد روی عن الإمام الباقر (ع) انه قال ” دولتنا آخر الدول ولم یبق أهل بیت – لهم دولة – إلا ملكوا قبلنا – لئلا یقولوا – إذا راؤا سیرتنا : إذا ملكنا سرنا مثل سیرة هؤلاء ، وهو قول الله عز وجل (والعقبة للمتقین) “.(59)
إن هدف الإمام المهدی المنتظر (عج) هو نشر العدل والمساواة وتحقیق الأمن والسعادة لجمیع الشعوب ” إن العالم البشری الذی یتخبط فی أزماته وحروبه وان العولمة تسیر فی الاتجاه المعاكس لتحقیق السعادة البشریة ، دلیل على أن العدالة حلم بشری تحن لتحقیقه ، ومن هنا فان هذا الحلم البشری لا یتحقق إلا عند ظهور المنتظر الذی یحمل رایة نشر العدل والقضاء على الظلم “. (60)
ویمكن أن نوجز مظاهر الدولة العالمیة المهدویة بما یأتی : –
” انتصار الحق والتقوى والعدل والحریة على الظلم والدجل والاستكبار والاستعباد .
عمران الأرض بحیث لا تبقى بقعة غیر عامرة .
بلوغ البشریة حد النضج والتكامل یلتزم فیه الإنسان طریق العقل والعقیدة .
قیام حكومة عالمیة موحدة “.(61)
القضاء على أعداء الإسلام وحكام الجور .
” وحدة العقیدة والفكر “. (62)
بسط الأمن وانتهاء الحروب والنزاعات .
إن هذه المظاهر للدولة المهدویة بالتأكید سوف تأتی ثمارها على جمیع الأصعدة ، فمن ابرز أهدافه علیه السلام هو القضاء على الظالمین والمستكبرین الذین أذاقوا شعوبهم كل أنواع العذاب ، فعن الصادق (ع) ” ان القائم منا منصور بالرعب مؤید بالنصر ، تطوى له الأرض وتظهر الكنوز كلها ویظهر الله به دینه ولو كره المشركون “. (63)
وفی عهده علیه السلام تنعم شعوب الأرض نعمة عظیمة لا مثیل لها ، إذ تؤتی الأرض خیراتها وتمطر السماء مدرارا ، وتصفو الدنیا لأهلها ، فعن الإمام علی(ع) ” لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء مطرها ولأخرجت الأرض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم ، حتى تمشی المرأة بین العراق والشام لا تضع قدما إلا على النبات وعلى رأسها مكتلها لا یهیجها سبع ولا تخافه “. (64)
ویكون قانون الدولة هو القانون والتشریع الإسلامی ، ویطبق كل ما جاء فی الإسلام من أحكام ونظم . وبطبیعة الحال فان سعادة الشعوب هو من خلال عدالة القوانین السائدة ودقة تطبیقها .
” إن القوانین بشتى أقسامها وأنواعها من جمیع جوانبها ومجالاتها تعتبر هی الأداة التوجیهیة والجهاز التربوی الذی یسّیر المجتمع نحو الفضائل والرذائل ویسوقهم نحو الخیر أو الشر “.
كما انه علیه السلام یصل بالإنسان إلى مرحلة التكامل والنضج العقلی والمعرفی فیزیل ما فی عقول الناس من عاهة وما فی قلوبهم من أمراض اجتماعیة أو نفسیة ، وسوف تنفتح شعوب الأرض على العوالم الكونیة الأخرى التی عجز الإنسان عن الوصول إلیها إذ أن نشر العلم والمعرفة واكتمال حلقة التطور التقنی على ید الإمام المهدی (ع) سیجعل الإنسان قادرا على الاتصال بالعوالم الكونیة البعیدة عنه .
العولمة والعالمیة
إن العولمة بكل ما تحویه من اطر ومفاهیم وسیاسات ما هی إلا نظام استعماری جدید بطرق جدیدة أكثر حداثة من خلال استغلال التطور العلمی والتقنی .
ونتائجها سوف تكون مأساویة على الشعوب من خلال انتشار الظلم والفقر والحرمان ، وما تخلفه الإمراض الاجتماعیة من حروب ودمار وخراب .
ودعاة العولمة لن یستطیعوا توحید العالم تحت قیادتهم ، وما تعانیه شعوبهم من مشاكل ومآسی لأكبر دلیل على ذلك فهم غیر قادرین على إسعاد البشریة بما یطرحونه من أفكار ونظم .
وفی هذا الإطار یقول احد الأمریكان :
” هل تملكون فی أفواهكم احتیاطیا مناسبا من اللعاب كی تبصقوا على تمثال الحریة بأمریكا ، إذ لا حریة سوى حریة الإباحیة ، فنحن شعب مستعبد لقوى مجهولة تتحكم فینا وفی مصائرنا وتسیر بنا إلى حیث ترید هی لا إلى حیث نرید نحن .
وقال آخر : التكنولوجیا لدینا نحن الأمریكان موجهة إلى جهتین لا ثالث لهما ، تكنولوجیا تصل ببعض الأمریكان للقمر ، وتكنولوجیا تصل بالشق الأعظم من الأمریكان ومن یلوذ بهم إلى مستودع النفایات “.(65)
هذا هو باختصار الطریق الذی تسیر به العولمة ودعاتها ، طریق الخراب والدمار وإضعاف الشعوب واستعمارها .
أما العالمیة المهدویة فهدفها واضح وصریح هو هدف الشعوب المحرومة والمستضعفة – لأهدف أصحاب رؤوس الأموال والإقطاعیین – فی الحیاة الحرة الكریمة العادلة ، وفی العیش بأمان من خلال دولة موحدة ، فلا حدود ولا فواصل بین بقاع الأرض .
فالمهدویة نظام عالمی متكامل لأنه ینطلق من النظریة الإسلامیة ومن التشریع الإسلامی .
” فالإسلام یمثل بنظامه المتمیز الفرید منهجا متكاملا لتنظیم الحیاة عقائدیا من حیث علاقة الإنسان مع الله ، وقانونیا مع الناس ، وسیاسیا مع الدولة ، واقتصادیا مع العمل ، بما یستوعب الحیاة كلها وحركتها .
أما العالمیة فتعنی أن الشریعة الإسلامیة فی أحكامها ومبادئها وتوجیهها ذات صیغة إنسانیة عالمیة “. (66)
وهذه العالمیة الإسلامیة هی الامتداد الحقیقی للعالمیة المهدویة وقد عرف التاریخ الإنسانی اكبر ثورة أخلاقیة وتشریعیة قام بها الإنسان على وجه الأرض ، وهی ثورة النبی المصطفى (ص) ، فنقل العرب من مجتمع البداوة والتصحر إلى مجتمع الحضارة والتقدم والعلم ، مجتمع التوحید والإیمان ، من خلال الشریعة الإسلامیة .
صراع حضارات أم حوار حضارات
یعرف البعض الحضارة بأنها:
” نظام اجتماعی یعین الإنسان على الزیادة من إنتاجه الثقافی فهی تتكون من أربعة عناصر ، المواد الاقتصادیة والنظم السیاسیة والتقالید الخلقیة ومتابعة العلوم والفنون “.(67)
أن الغرب یعتقد أن حضارته وما فیها من نظم سیاسیة واقتصادیة واجتماعیة تمثل قمة الحضارات الإنسانیة وأرقاها ، وهی جدیرة بان تعمم على جمیع حضارات الشعوب بما حققته من أمان وحریة وتقدم لشعوبها .
وأنهم جدیرون بقیادة العالم بما یمتلكون من حضارة متقدمة ومتطورة ، وما یجری على الساحة الإنسانیة من صراع وحروب ما هو إلا نتیجة صراع حضارات قدیمة فی طریقها إلى الزوال وحضارات حدیثة متطورة ناهضة تشق طریقها نحو الأمام .
ولكن هذا الأمر خلاف الحقیقة والواقع البشری الإنسانی ، فالنظریة الإلهیة والإنسانیة على حد سواء تؤكدان بان أصل البشریة واحد وحضارته واحدة یتناقلها الأبناء عن الآباء من آدم علیه السلام إلى یومنا هذا ، قال تعالى ( وان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) ، وكل الحضارات السابقة ورثتها الحضارة الإسلامیة ، فلا حضارة سوى الحضارة الإسلامیة باقیة وستبقى ، وما نراه الیوم لدى الغرب ما هو إلا مدنیة وتقدم علمی فقط فلا وجود لحضارة حقیقیة تستحق أن تقود العالم أو أن یقتدى بها .
مع العلم أن الغرب ” یحتقر كل الحضارات – باستثناء الیونانیة – ولا یقیم لها وزنا ، ویدرب إفراده على التعالی والتكبر ، كما یصم كل معتز بحضارته بأنه یعادی الغرب وحضارته “.(68)
والإسلام یتقبل كل ما لدى الغرب من مدنیة وتطور فلا مانع منه ، أما ما لدیهم من مفاهیم وقیم وعادات غیر أخلاقیة فانه یرفضها ، إذ أنها خلاف التشریع الإلهی والفطرة الإنسانیة .
والغرب یعتقد بان الخطر الأساسی الذی یواجهه هو الإسلام ، وفی هذا الإطار یقول :
” نعوم تشو مسكی : فی هذا الجزء من العالم سیكون الإسلام بسبب تأییده المطلق للمقهورین والمظلومین أكثر جاذبیة ، فهذا الدین المطرد فی الانتشار على المستوى العالمی هو الدیانة الوحیدة المستعدة للمنازلة والكفاح “.(69)
فالغرب یعلم جیدا أن العقیدة الإسلامیة شاملة لكل نواحی الحیاة وقادرة على اسعاد البشریة اذا ما طبقت قوانینها وتشریعاتها ، وفیها الدواء الشافی لكل الامراض الانسانیة .
یقول مسؤول فی وزارة الخارجیة الفرنسیة عام 1952 م ” لیست الشیوعیة خطرا على أوربا فیما یبدو لی ، إن الخطر الحقیقی الذی یهددنا تهدیدا مباشرا وعنیفا هو الخطر الإسلامی ، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربی ، فهم یملكون تراثهم الروحی الخاص بهم ویتمتعون بحضارة تاریخیة ذات أصالة ، فهم جدیرون ان یقیموا بها قواعد عالم جدید دون حاجة إلى إذابة شخصیتهم الحضاریة والروحیة فی الحضارة الغربیة وإذا تهیأت لهم أسباب الإنتاج الصناعی فی نظامه الواسع انطلقوا فی العالم یحملون تراثهم الحضاری الغنی وانتشروا فی الأرض یزیلون منها قواعد الروح الغربیة ویقذفون رسالتها إلى متاحف التاریخ “.(70)
إن هذا العداء للحضارة الإسلامیة متأصل فی نفوس هؤلاء ، فهم یرون ان كل ما جاء به الإسلام یهدد عروشهم ونظمهم الفاسدة وتطلعاتهم للسیطرة متناسین سنة الله عز وجل فی الأرض وتحطیمه للأنوف الظالمین والمستكبرین .
” فالحضارة تراث عالمی لا یجوز شطره إلى جزئیین منفصلین ، فلا وجود لحضارة شرقیة ولا غربیة وإنما هناك حضارة عالمیة واحدة یجب الإیمان بها والإخلاص لها ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الغرب یرید أن ینكر هذه الحقیقة خصوصا على الحضارة الإسلامیة “(71)

المصـادر:
أعلام الهدیة ، المجمع العالمی لأهل البیت (ع) .
كمال الدین وتمام النعمة ، الشیخ الصدوق .
كتاب الغیبة ، الشیخ الطوسی .
إلزام الناصب فی إثبات الحجة الغائب ، الشیخ الیزدی الحائری .
الإمام المهدی من المهد الى الظهور ، محمد كاظم القزوینی .
فلسفتنا ، محمد باقر الصدر (قدس سره) .
المفاجأة بشراك یا قدس ، محمد عیسى داود .
الإسلام مقاصده وخصائصه ، د. محمد عقله .
ثقافة أهل البیت (ع) ، كاظم النصیری الواسطی .
10- معالم الحكومة فی عهد ظهور الإمام المهدی (ع) ، شهاب الدین حسینی .
11- أهل البیت فی الكتاب المقدس ، كاظم النصیری الواسطی .
12- الحركة الإصلاحیة من الحسین (ع) إلى المهدی (ع) ، السید صدر الدین القبانجی .
13- بحث حول المهدی ، السید محمد باقر الصدر (قدس سره) .
14- تاریخ ابن خلدون .
15- نهضة الإمام المهدی فی ضوء فلسفة التاریخ ، مجموعة كتب إسلامیة .
16- موقع النبأ ، العدد 35 ، العولمة رؤى ومخاطر ، مرتضى معاش .
17- موقع النبأ ، العدد 39- 40 ، دولة الإمام المهدی وبدائل العولمة ، مرتضى معاش .
18- موقع الفسطاط ، العرب وتحدیات عصر العولمة ، د. إبراهیم الابرش .
19- موقع البیان ،العولمة ومقاومة واستثمار ، د. إبراهیم الناصر .
عولمة الرأسمالیة ورأسمالیة العولمة ، اخمد عبد الدائم .
العولمة حلقة فی تطور آلیات السیطرة ، خالد ابو الفتوح .
20- بحث البعد الثقافی لمفهوم العولمة وأثره على الثابت والمتغیر فی الشریعة الإسلامیة ، ناصر بن سلیمان .
تم الاستعانة فی إتمام هذا البحث ببعض الأقراص المدمجة والتی تحتوی على بعض المؤلفات والكتب الإسلامیة ، وكذلك بعض المواقع على شبكة الانترنت .

الهوامش:
(1) عولمة الرأسمالیة ورأسمالیة العولمة.
(2) الفسطاط ، ص23 .
(3) البعد الثقافی لمفهوم العولمة ، ص1 .
(4) عولمة الرأسمالیة ورأسمالیة العولمة ، ص2 .
(5) المصدر السابق ، ص2 .
(6) البعد الثقافی لمفهوم العولمة ، ص1 .
(7) الفسطاط ، ص4 .
(8) النبأ ، اعدد 39- 40 ، ص1 .
(9) العولمة مقاومة واستثمار ، ص3 .
(10) عولمة الرأسمالیة ورأسمالیة العولمة ، ص2 .
(11) المصدر السابق ، ص2 .
(12) العولمة مقاومة واستثمار ، ص7 . (حیث أشار التقریر إلى وجود 62 شركة فی الیابان ، 53 شركة فی أمریكا ، 23 شركة فی ألمانیا ، 19 شركة فی فرنسا ، 11 شركة فی بریطانیا ، 8 فی سویسرا ، 6 فی كوریا الجنوبیة ، 5 فی ایطالیا ، 4 فی هولندا وهذه الشركات تحتكر 80 % من التجارة العالمیة .
(13) البعد الثقافی لمفهوم العولمة ، ص6 .
(14) النبأ ، العدد 35 ، ص3 .
(15) العولمة مقاومة واستثمار ، ص6 .
(16) المصدر السابق ، ص2 .
(17) العولمة حلقة فی تطور آلیات السیطرة ، ص3 .
(18) البعد الثقافی لمفهوم العولمة ، ص9-10 .
(19) العولمة حلقة فی تطور آلیات السیطرة ، ص1 .
(20) عولمة الرأسمالیة ورأسمالیة العولمة ، ص3 .
(21) فلسفتنا ، محمد باقر الصدر ، ص33 .
(22) العولمة مقاومة واستثمار ، إبراهیم الناصر ، ص8 .
(23) ثقافة اهل البیت ، ص172 .
(24) العولمة مقاومة واستثمار ، ص3 .
(25) العولمة مقاومة وتفاعل ، ص1 ، عن فخ العولمة ص49 .
(26) البعد الثقافی لمفهوم العولمة ، ص7 .
(27) المصدر السابق ، ص6 .
(28) فلسفتنا ، محمد باقر الصدر ، ص61 .
(29) عولمة الرأسمالیة ورأسمالیة العولمة ، ص2 .
(30) العولمة مقاومة واستثمار ، ص8 .
(31) فلسفتنا ، محمد باقر الصدر ، ص34 .
(32) النبأ ، العدد 35 ، ص2 .
(33) العولمة حلقة فی تطور آلیات السیطرة ، ص4 .
(34) النبأ ، العدد 39 – 40 ، ص2 .
(35) الفسطاط ، ص9 .
(36) فلسفتنا ، محمد باقر الصدر ، ص53 .
(37) عولمة الرأسمالیة ورأسمالیة العولمة ، ص6 .
(38) الحركة الإصلاحیة ، السید صدر الدین القبانجی ، ص122 .
(39) بحث حول المهدی ، محمد باقر الصدر، ص7 .
(40) معالم الحكومة ، ص46 .
(41) أهل البیت فی الكتاب المقدس ، ص127 .
(42) معالم الحكومة ، ص48 .
(43) المصدر السابق ، ص49 .
(44) أهل البیت فی الكتاب المقدس ، ص111-113 ، بتصرف .
(45) أعلام الهدایة ، ص24 .
(46) المصدر السابق ، ص22 ، بتصرف .
(47) معالم الحكومة ، ص106 .
(48) إلزام الناصب ، ص441 .
(49) تاریخ ابن خلدون ، 1 : 555 / الفصل 52 .
(50) الإسلام مقاصده وخصائصه ، ص24 .
(51) إلزام الناصب ، ص440 .
(52) كمال الدین ، ص247 .
(53) أعلام الهدایة ، ص12 .
(54) معالم الحكومة ، ص104 .
(55) النبأ ، ص9 .
(56) معالم الحكومة ، ص106 .
(57) أعلام الهدایة ، ص51 .
(58) نهضة المهدی ، ص39 .
(59) كتاب الغیبة ، الشیخ الطوسی ، ص382 .
(60) النبأ ،العدد 39 – 40 ، ص10 .
(61) نهضة المهدی ، ص82 .
(62) معالم الحكومة ، ص104 .
(63) معالم الحكومة ، ص148 .
(64) الإمام المهدی من المهد إلى الظهور ، ص139 .
(65) المفاجأة بشراك یا قدس ، ص31 .
(66) الإسلام مقاصده وخصائصه ، ص38 .
(67) ثقافة اهل البیت (ع) ، ص13 .
(68) المصدر السابق ، ص13 .
(69) النبا ، العدد 39-40 ، ص8 .
(70) ثقافة أهل البیت (ع) ، ص152 .
(71) المصدر السابق ، ص14

شاهد أيضاً

الإنتظار حالة ترقب لنبأ عظيم

مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام قال سماحة السيد على السبزواري في حديثه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *