تعد مظلة المحافظین الجدد السیاسیة المتمثلة فی الحزب الجمهوری البیئة الأفضل لاستقطاب أعداد كبیرة من المسیحیین المتصهینین، لأن الحزب هو المفضل لدى المتدینین عموما حیث یتبنى الحزب فكرا أحادیا فی السیاسة الخارجیة ویفضل الحلول العسكریة على الحلول الدبلوماسیة أو السیاسیة. وهذه نقطة تعارضٍ بینهم وبین المحافظین التقلدیین الذین یرون ضرورة التعاون مع الحلفاء فی السیاسة الخارجیة، ومن هؤلاء جمیس بیكر الذی كان من أهم شخصیات إدارة الرئیس الأمیركی الأسبق رونالد ریغان.
عماد مكی
صحفی عربی مقیم فی واشنطن
یحاول هذا المقال رسم تصور عام عن التحالف بین المسیحیة الصهیونیة والمحافظین الجدد فی الولایات المتحدة، ویشیر إلى طرف من مظاهر هذا التحالف، ودور الحزب الجمهوری فی تكوین بیئة مناسبة تجمع المحافظین الجدد والمسیحیین الصهیونیین.
الحزب الجمهوری حاضنة الجمیع
أسباب التحالف
أمثلة للتحالف والأدوار
الحزب الجمهوری حاضنة الجمیع
تعد مظلة المحافظین الجدد السیاسیة المتمثلة فی الحزب الجمهوری البیئة الأفضل لاستقطاب أعداد كبیرة من المسیحیین المتصهینین، لأن الحزب هو المفضل لدى المتدینین عموما حیث یتبنى الحزب فكرا أحادیا فی السیاسة الخارجیة ویفضل الحلول العسكریة على الحلول الدبلوماسیة أو السیاسیة. وهذه نقطة تعارضٍ بینهم وبین المحافظین التقلدیین الذین یرون ضرورة التعاون مع الحلفاء فی السیاسة الخارجیة، ومن هؤلاء جمیس بیكر الذی كان من أهم شخصیات إدارة الرئیس الأمیركی الأسبق رونالد ریغان.
ویدعم الناخبون المؤیدون للمسیحیین المتصهینین الحزبَ الجمهوری فی الانتخابات داخل الولایات المتحدة. ویقدر تعداد أتباع المسیحیة الصهیونیة فی الولایات المتحدة وفق دراسة للبروفیسور القس دونالد واغنر من جامعة نورث بارك فی شیكاغو بنحو 40 ملیون نسمة یشكلون حوالی 30% من مجمل عدد أتباع الصهیونیة المسیحیة فی العالم والذی یقدر بنحو 130 ملیون نسمة.
أسباب التحالف
یرى واغنر أن التحالف بین المحافظین والصهیونیین المسیحیین استطاع بعد أحداث 11 سبتمبر/أیلول 2001 توسیع ما یسمى الحرب على الإرهاب لیشمل حرب إسرائیل على الفلسطینیین.
یؤكد فی دراسته أن دعم هذا التحالف لإسرائیل نابع من إیمانهم بالوظیفة التی تؤدیها إسرائیل أو الیهود كما جاء فی التوراة تمهیدا لعودة المسیح علیه السلام. وأصول الدعم ترجع إلى أنه من الناحیة الدینیة یركز الكثیر من القساوسة المتشددین فی الولایات المتحدة خاصة فیما یعرف بولایات حزام الإنجیل Bible Belt فی الجنوب الأمیركی مثل تكساس وجورجیا، على الدراسات الخاصة بـ”نهایة العالم” وعودة المسیح ودور الیهود فی معركة نهایة العالم أو هرمجدون ثم تحولهم إلى المسیحیة أو فنائهم بالكامل.
وكثیر من العامة، خاصة من أوساط المجموعة الكبرى من المتدینین العادیین الذین اكتشفوا دینهم مؤخرا ویطلق علیهم “ولدوا للمسیحیة من جدید”، یعتقدون أنه یتعین علیهم الدخول فی خندق واحد مع مناصرین آخرین لإسرائیل وعلى رأسهم بالطبع تیار المحافظین الجدد، لأن هذا التیار هو الذی یساعد إسرائیل على الإسراع فی عودة المسیح والاقتراب من نهایة العالم.
ویشیر واغنر إلى أن المسیحیین الصهیونیین یرون “الدولة الحدیثة فی إسرائیل باعتبارها تحقیقا لنبوءة توراتیة، وأنها بهذا تستحق دعما سیاسیا ومالیاودینیا”.
ویعتقد واغنر فی دراسته عن الصهیونیة المسیحیة أن دعمها للمحافظین الجدد ولإسرائیل هو دعم تحركه المشاعر المعادیة للإسلام والتعصب الدینی أكثر من المشاعر الدینیة المسیحیة. ویستشهد بتصریحات المحافظ الأمیركی بات بیوكانان حینما قال فی تعلیق له أثناء الحرب الإسرائیلیة الأخیرة على لبنان وفلسطین: “إن المرء لیتساءل إن كان هؤلاء المسیحیون یهتمون فعلا بما یحدث لإخواننا المسیحیین فی لبنان وغزة، والذین یعیشون دون كهرباء بسبب الضربات الجویة الإسرائیلیة، وهو شكل محرّم من أشكال العقاب الجماعی الذی تركهم دون صرف صحی، یأكلون طعاما متعفنا، ویشربون میاها ملوثة، ویعیشون أیاما فی الظلام ودون كهرباء فی هذا الحر الرهیب فی شهر یولیو”/تموز 2006.
أمثلة للتحالفات والأدوار
أولا: تحالف وولسی- شیا
یعرف عن بیت الحریة Freedom House أنه هیئة تدافع عن حقوق الإنسان. ویعرف عنه أنه یقع تحت سیطرة المحافظین الجدد بشكل كبیر.
ویتلقى هذا المركز الكثیر من التمویل من الحكومة الأمیركیة خاصة من “هیئة الوقف القومی للدیمقراطیة” لیقوم بیت الحریة بعد ذلك بدفع تلك الأموال لاحقا للعدید من المنظمات والهیئات القومیة والمحلیة الأخرى فی دول العالم لتنفیذ أو لترویج سیاسات محافظة یدافع عنها بما یبعد شبهة تدخل الحكومة الأمیركیة مباشرة.
ویوجه التمویل الصادر عن هذه المؤسسة إلى دعم المشاریع التی تعكس وجهة نظر المحافظین الجدد ذات الملامح الصهیونیة، ومنها مشروع “تبادل المقالات من المناطق المتعددة Multiregional Exchange project” الذی یجمع ویوزع مقالات من متعاطفین مع حركة المحافظین الجدد وینشرها فی العالم مجانا ویعمل على ضمان تناقلها بین أوساط الإعلام الأجنبی.
وخلاصة التعاون بین التیارین –تحت مظلة بیت الحریة- هو برنامج “بیت الحریة للحریات الدینیة فی العالم”. إذ یقف هذا المركز الفكری والبحثی وراء أشد التقاریر انتقادا للدول العربیة والإسلامیة خاصة فیما یتعلق بمواقفها من إسرائیل والیهود وانتقادات الدول العربیة لإسرائیل، وتصنیفه المستمر لها على أنها مواقف معادیة للسامیة.
كما أنه یصور وبإلحاح إسرائیل على أنها الدیمقراطیة الناصعة الوحیدة فی المنطقة التی تستحق الدعم الأمیركی المستمر.
وقطبا هذا التعاون فی بیت الحریة هما رئیس الاستخبارات الأمیركیة الأسبق جیمس وولسی وهو من المحافظین الجدد والأصولیة المسیحیة، ومدیرة برنامج مراقبة الحریات الدینیة فی المركز نینا شیا.
جیمس وولسی
محافط جدید وعضو فی معهد یتبع المنهج الیمینی فی الترویج لسیاسة اللیكود الإسرائیلی وهو “مركز سیاسات الأمن”. وهو أیضا عضو منظمة “تحریر أمیركا” التی تهدف إلى التخلص من اعتماد الولایات المتحدة على النفط العربی الإسلامی. واستغل جیمس وولسی حضوره الواسع فی وسائل الإعلام الأمیركیة للتبریر الفكری لغزو العراق ومبدأ الحروب الاستباقیة، أحد أهم الموضوعات المفضلة لدى المحافظین الجدد.
وهو كذلك عضو فی الإدارة الاستشاریة “للمعهد الیهودی للأمن القومی”، وهی مؤسسة أمیركیة تسعى للتعاون العسكری بین إسرائیل والولایات المتحدة الأمیركیة وتعمل على تسخیر طاقات الولایات المتحدة العسكریة من أجل المصالح الإسرائیلیة فی المنطقة العربیة.
نینا شیا
نینا شیا عضو أیضا فی لجنة الحریات الدینیة الدولیة USCIRF التی أسسها الكونغرس عام 1998، تحت ضغوط قویة من تیار الیمین المسیحی وفروعه من المسیحیین المتصهینین.
وعرف عن نینا شیا تشددها الدینی ووقوفها وراء حملة دشنت مؤتمرا برعایة بیت الحریة عقد فی ینایر/كانون الثانی 1996 جلب أكثر من 100 من قادة المسیحیین والكنائس لمناقشة ما أسموه الآراء والأعمال التی ترتكب ضد المسیحیة فی العالم. وتسبب ذلك المؤتمر فی حركة مسیحیة نهضویة كبیرة، تمت بالاشتراك مع نشطاء یهود.
ومثلها مثل وولسی، تظهر نینا شیا على الكثیر من المحطات المسیحیة المتشددة والإذاعات الدینیة، وتبرز مواقفها من العالم العربی والإسلامی. وتقف شیا أیضا وراء مطالب متعددة بفرض عقوبات على السودان وإجراءات ضد المملكة العربیة السعودیة ومصر بحجة اضطهاد الأقلیات الدینیة.
ثانیا: تحالف هاغی- بروغ
ومن المنظمات الحدیثة الأخرى التی تجمع بین المسیحیة الصهیونیة والمحافظین الجدد منظمة “مسیحیون متحدون من أجل إسرائیل” التی یرأسها القس الأصولی جون هاغی، الذی أراد الانتقال بأجندة “مسیحیون متحدون من أجل إسرائیل” من مرحلة التخطیط إلى التحرك المباشر فجاء هاغی بدیفد بروج، وهو أحد الأشخاص المطّلعین فی واشنطن والمحسوبین على المحافظین الجدد المناصرین لإسرائیل، لیكون مدیرا تنفیذیا للمنظمة.
وقد كان اختیار بروغ تحركا ذكیا من الناحیة السیاسیة ویعبر عن دهاء واسع، حیث إن بروغ الیهودی الدیانة عمل سابقا مدیرا لمكتب السیناتور الجمهوری عن ولایة بنسلفانیا أرلین سبكتر، كما أنه مؤلف الكتاب الصادر مؤخرا بعنوان “الوقوف مع إسرائیل: لماذا یساند المسیحیون الدولة الیهودیة؟”.
وفی مقابلة جرت مؤخرا قال بروغ مفسرا سبب عمله لصالح منظمة مسیحیة إنه كیهودی محافظ “یعتقد أن هذا هو أهم شیء یستطیع أن یقوم به لیس فقط من أجل إسرائیل ولكن أیضا من أجل الحضارة الیهودیة المسیحیة الیوم، والتی تواجه تهدیدا من الإسلام المتشدد”
وكتب عن نفسه “أنا أعتنق إیمانی الیهودی وأسعى إلى معرفة خالقی من خلال الطرق والنصوص التی قدمها لأسلافی الیهود”.
ویوضح بروغ أیضا أنه “رغم أننی لا أراعی جمیع قوانین الهالاشا (الشریعة الیهودیة) فإننی أعترف بالهالاشا باعتبارها المكون المركزی لدینی”.
التحالف بین الیمین المسیحی المتصهین والمحافظین الجدد إذن هو تحالف فكری ودینی وسیاسی قائم ومنظم وفاعل یعمل من خلال منظمات قویة تنشط فیها رموز وكوادر مؤهلة ولها حضور، وهی كلها أمور تدعو إلى لفت الأنظار.
_______________
المصدر:
الجزیرة