المسوغات الدینیة للسیاسة الأمیركیة إزاء الشرق الأوسط

هذا المقال یحاول إبراز مدى التسویغ الدینی لغزو أفغانستان والعراق من خلال التركیز على التصریحات الصادرة عن الرئیس بوش نفسه و”الفتاوى” الصادرة عن الكنائس الأمیركیة التی رددتها وسائل الإعلام الدینیة التابعة للیمین المسیحی عموما وللصهیونیة المسیحیة خصوصا واستخدامها لنصوص من الإنجیل وأسفار التوراة (العهد القدیم) لتبریر الحرب.

عادل الدقاقی
صحافی عربی مقیم فی واشنطن
خلال الحملة الانتخابیة للفوز بترشیح الحزب الجمهوری لخوض انتخابات الرئاسة قال جورج بوش الابن إن السید المسیح هو أفضل فیلسوف سیاسی لدیه لكونه أنقذه من طریق الضلال ودله على الصراط المستقیم.
هذا المقال یحاول إبراز مدى التسویغ الدینی لغزو أفغانستان والعراق من خلال التركیز على التصریحات الصادرة عن الرئیس بوش نفسه و”الفتاوى” الصادرة عن الكنائس الأمیركیة التی رددتها وسائل الإعلام الدینیة التابعة للیمین المسیحی عموما وللصهیونیة المسیحیة خصوصا واستخدامها لنصوص من الإنجیل وأسفار التوراة (العهد القدیم) لتبریر الحرب.
بوش: أشعر أن الله یریدنی
یرى بعض المراقبین أن الرئیس بوش ومساعدیه یتعمدون استخدام العبارات ذات المعنى المزدوج التی تظهر على أنها عادیة بالنسبة للمستمع العادی، لكنها تحمل فی طیاتها إشارات مشفرة لا یستطیع فكها سوى الشخص الذی یفهم معناها الحقیقی ویدرك المرجعیة الدینیة التی تستند إلیها.
بعبارة أخرى، عندما یقول الرئیس بوش مثلا إن “منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة تاریخیة ومفصلیة یتوجب على شعوبها الاختیار بین الدیمقراطیة والحریة وبین الاستبداد والتطرف” یتلقى الشخص العادی هذه العبارة بمعناها السطحی والمظهری على أنها تنم عن حسن نیة والتزام الرئیس بوش بالمبادئ الأمیركیة الراسخة المتمثلة فی الدفاع عن الحریة وحقوق الإنسان.
لكن بالنسبة للشخص المتدین، وأعنی هنا بالتحدید الملایین من أتباع الكنائس الإنجیلیة الذین یشكلون القاعدة الانتخابیة للرئیس بوش وللیمین المحافظ، تبرز التزام الرئیس بوش بتطبیق حكم الله فی الأرض وتحقیق الرؤیة التی نص علیها الإنجیل والعهد القدیم ووردت فی سفر الرؤیة أی تخلیص منطقة الشرق الأوسط من قوى الشر الذی هو شرط أساسی لعودة المسیح وتحضیر المنطقة لخوض المعركة الأخیرة التی سینتصر فیها الخیر على الشیطان وبالتالی إقامة دولة الله على الأرض.
ومنذ الوهلة الأولى لدى وقوع هجمات 11 سبتمبر/ أیلول أضفى بوش على ما یجری صفة النزاع الكونی والأبدی، الذی ینص علیه الإنجیل والتوراة، بین المؤمنین والدجالین أتباع الشیطان. وقال عقب ساعات قلیلة من وقوع الهجمات إن تلك الهجمات تمثل “انطلاقة الحرب الكونیة ضد الشر”، وأضاف أن الولایات المتحدة مدعوة لكی تتحمل “مهمتها التاریخیة” وأن “الرد على هذه الهجمات هو تخلیص العالم من الشر”. وشدد على أن النصر مؤكد فی هذه الحرب لأن الله یقف إلى جانب قوى الخیر التی تمثلها الولایات المتحدة. وردد حینها خلال خطاب بثته وسائل الإعلام المزمور التوراتی رقم 23 الذی یقول “تقدم إلى الأمام ودافع عن الحریة وعن كل ما هو خیر وعادل فی عالمنا”.
وخلال جمیع التصریحات التی سبقت الحرب فی أفغانستان واستمرت حتى بعدها وصولا إلى الحرب فی العراق، واصل الرئیس بوش استخدام التعبیرات الدینیة والاستشهاد بفقرات من الإنجیل فی محاولة لتوضیح نظرته الخاصة لما یجری فی العالم.
الكنائس تحشد للحرب استشهادا بالإنجیل
أظهر استطلاع للرأی العام الأمیركی أجراه معهد بیو لاستطلاعات الرأی فی مارس/ آذار 2003، قبل أیام قلیلة من الحرب فی العراق أن نسبة 77% من الإنجیلیین البیض یؤیدون استخدام الولایات المتحدة للقوة العسكریة للإطاحة بنظام حكم صدام حسین.

ویجب الإشارة هنا إلى أن مجموع الإنجیلیین بلغ أكثر من 60 ملیون شخص خلال عام 2000 وهو فی تصاعد مستمر، وهو ما یظهر مدى تأثیر الكنائس الإنجیلیة والقساوسة فی بلورة رأی هذه الشریحة الاجتماعیة التی تشكل قاعدة انتخابیة رئیسة للرئیس بوش والمحافظین الجدد، وذلك من خلال الترویج للفكرة التی تعتبر أن الولایات المتحدة بقیادة الرئیس بوش “القائد المتدین والتقی الورع” تعمل على تطبیق مشیئة الله فی الأرض.
لاهای: العراق نقطة محوریة خلال أحداث نهایة العالم
یعتبر تیم لاهای أحد أبرز الإنجیلیین المقربین من الرئیس بوش وقال عنه معهد دراسة الإنجیلیین الأمیركیین أن لاهای یعتبر الزعیم الإنجیلی الأكثر تأثیرا فی الولایات المتحدة على مدى السنوات الـ25 الأخیرة من القرن العشرین.
ظهر لاهای مرات عدة على شاشات التلفزیون والبرامج الحواریة الإذاعیة للتصریح بأن الحرب سواء فی أفغانستان أو العراق ضروریة بالنسبة للمؤمنین. وذهب إلى حد القول خلال العدید من المناسبات إن “العراق یشكل نقطة محوریة خلال أحداث نهایة العالم” حیث إن العراق سیلعب دورا أساسیا فی معركة هرمجدون التی ستقع فی مجدو فی فلسطین.
وقال فی سلسلة مقالات وتصریحات صحفیة بوصفه أكبر خبیر دینی فی شؤون الحشر ویوم القیامة إنه “بعد غزو العراق وتخلیصه من حكم الطاغیة وإعتاق شعبه وإعادة إعماره سیصبح العراق الدولة العربیة الوحیدة التی لن تدخل فی حرب ضد إسرائیل وضد جیش الله خلال الحرب الأخیرة”.
روبرستون: صدام وإخراج الیهود من أراضیهم
بناء على رؤیة أن العراق یمثل جزءا محوریا من الصراع الهادف إلى تحضیر منطقة الشرق الأوسط للحرب الأخیرة، حاول بعض القساوسة الإنجیلیین ومن أبرزهم بات روبرتسون وهو مؤسس ورئیس شبكة التلفزیون المسیحیة CBN ومؤسس بعض المراكز والجامعات الخاصة بتدریس المسیحیة، الربط بین صدام حسین و”نبوخذ نصر”، وهو الملك الكلدانی الذی حكم بابل خلال القرن الخامس قبل المیلاد وقام بغزو القدس وأحرق هیكل سلیمان وأخرج الیهود من أرضهم وقام بتهجیرهم خلال ما یعرف بالسبی البابلی. وقد نصت علیه التوراة (وثیقة العهد القدیم) فی رؤیة دانییل (إصحاح4:4-18).
وحاول روبرتسون مرات عدة خلال برنامجه الشهیر “نادی السبعمائة” تهویل الخطر الذی یشكله صدام حسین على إسرائیل وقال إنه یمثل قوى الشر المعادیة للمسیح التی تحاول تقویض قیام الدولة الموعودة “دولة الله فی الأرض” التی ستقام لمدة 1000 سنة بعد عودة المسیح وذلك بطبیعة الحال وفقا لمعتقدات المسیحیین الذین یؤمنون بالألفیة.
وقبیل الحرب فی العراق خصص روبرتسون حیزا واسعا من برنامجه نادی السبعمائة وخطبه لتوضیح أهمیة موقع العراق والشرق الأوسط عبر التاریخ وعبر توافد العدید من الإمبراطوریات علیها وكان یُظهر خرائط للعراق مشددا على الإشارة إلیه باسمه القدیم ومثلما ورد فی الإنجیل وهو بلاد الرافدین.
فالویل: إن الله مؤید للحرب
یعتبر جیری فالویل من أبرز الإنجیلیین الیوم فی الولایات المتحدة ومن مجموعة القساوسة القلائل المقربین من الرئیس بوش. هو رئیس قساوسة كنیسة طریق توماس المعمدانیة فی لینش بورغ بولایة فیرجینیا، وهو مؤسس بعثات فالویل المسیحیة ومستشار ومؤسس جامعة الحریة الدینیة بفیرجینیا أیضا، ولدیه برنامج تلفزیونی وآخر إذاعی. وقال مرة تلو الأخرى عقب هجمات 11 سبتمبر/ أیلول إنه یتعین على الرئیس بوش والقوات الأمیركیة تعقب أسامة بن لادن زعیم تنظیم القاعدة وجمیع من وصفهم بالإرهابیین فی جمیع أنحاء العالم مهما استغرق ذلك من وقت وقتلهم باسم الله.
وفی الوقت الذی كانت فیه حكومة الرئیس بوش تدق طبول الحرب التی ستشنها على العراق كان فالویل یشدد خلال عظات یوم الأحد على ضرورة تأیید قرار الحرب لأنها حرب مقدسة، وقال “إننا عندما نشن الحرب فی العراق سنقوم بذلك لإعادة المسیح إلى الأرض لكی تقوم الحرب الأخیرة التی ستخلص العالم من جمیع الكافرین”.
كان یقول فالویل دائما إن الإنجیل ینص على أن الله یوجب على المؤمنین معاقبة الكافرین مستشهدا بسور من الإنجیل. وقد أصدر مقالا مثیرا للجدل أطلق علیه عنون “إن الله مؤید للحرب” یبرر فیه سبب وضرورة غزو العراق والإطاحة بنظام حكم صدام حسین، وقال إن المسیحیین كانوا یجادلون بشأن قضیة شن الحرب ضد قوى الشر منذ عقود طویلة وأضاف أن “الإنجیل لم یلتزم الصمت بشأن هذه القضیة”، وأضاف أنه فی الوقت الذی نص فیه الإنجیل مرات عدة على ضرورة أن یجنح المرء للسلم نص أیضا على الحرب. وقال “إنه فی الوقت الذی یعتبر فیه رافضو الحرب أن السید المسیح مثال للسلام غیر المتناهی، یتجاهلون الروایة بكاملها التی وردت فی الرؤیة التاسعة عشرة ویظهر فیها المسیح فی یده سیف حاد یصعق الأمم ویحكمهم”. وأضاف أن الانجیل ینص على أن هناك وقتا للسلم ووقتا للحرب.
لاند: الحرب ‏الاستباقیة ضد العراق هی حرب عادلة
القس ریتشارد لاند هو رئیس لجنة الأخلاق والحریة الدینیة فی مجمع الكنسیة المعمدانیة الجنوبیة التی یبلغ عدد أتباعها أكثر من 16 ملیون شخص ولدیها أكثر من 42 ألف كنیسة عبر الولایات المتحدة. ویعتبر أیضا من أبرز الزعماء الإنجیلیین المقربین من الرئیس بوش والمدافعین الشرسین عن سیاساته خلال ظهوره بشكل مستمر على البرامج التلفزیونیة على شاشات MSNBC وCNN وABC وCBS وFox News وغیرها ولدیه برنامجان إذاعیان یومیان وثالث أسبوعی تذاع جمیعها على موجات عدد من الإذاعات المسیحیة.
وبالإضافة إلى تسخیر جمیع تلك البرامج لحشد التأیید لسیاسات الرئیس بوش المحافظة، ما یتعلق منها بقضیة الإجهاض وزواج المثلیین والأبحاث العلمیة الخاصة بالخلایا الجذعیة، كانت برامج لاند الحواریة بوقا للتسویق لقرار الرئیس بوش شن الحرب فی أفغانستان والعراق وحشد التأیید الشعبی لها ومنحها التبریرات الدینیة.
خلال العام 2002 وجه لاند رسالة نیابة عن خمسة قساوسة إنجیلیین تناقلتها وسائل الإعلام الأمیركیة بشكل واسع یعتبر فیها أن شن الحرب الاستباقیة ضد العراق حرب مشروعة لأنها تتوفر على جمیع شروط “الحرب العادلة” المنصوص علیها فی الدین المسیحی. وقال فی الرسالة “إننا نؤمن بأن سیاساتك المعلنة والمتعلقة بصدام حسین هی سیاسات حذرة وتندرج فی الإطار الزمنی النزیهة الذی تنص علیه نظریة الحرب العادلة”.
ستانلی: دعم الحرب واجب دینی
قال تشارلز ستانلی القس بالكنسیة المعمودیة الأولى بأتلانتا خلال إحدى عظات الأحد التی یشاهدها ملایین المشاهدین عبر شاشات التلفزة “یتعین علینا أن نقدم المساعدة فی شن هذه الحرب بأی شكل من الأشكال”.
وأضاف ستانلی وهو زعیم سابق لمجمع الكنسیة المعمدانیة الجنوبیة “إن الله یقاتل ضد الذین یعارضونه ویقاتلون ضده وضد أتباعه”. لیكون بذلك القس ستانلی قد أضفى الشرعیة الدینیة الكاملة على الحرب ومباركة الله لها، وبالتالی فإن تأیید الحرب التی یقودها بوش هو واجب دینی ومعارضتها هی معصیة لمشیئة الله.
جیش الله
مثلما ذكرت أصبحت الفكرة الرئیسة والمحوریة التی یرددها القساوسة الإنجیلیون خلال عظاة یوم الأحد هی أن الولایات المتحدة بقیادة الرئیس بوش تعمل على تطبیق مشیئة الله فی الأرض.
وهذه المسألة لم تقتصر على رجال الدین الإنجیلیین وحسب بل رددها العدید من السیاسیین سواء بشكل مباشر وواضح أم بشكلی ضمنی. ففی أكثر من مرة قال النائب توم دیلی عندما كان یتولى منصب زعیم الأغلبیة الجمهوریة فی مجلس النواب إنه یتعین دعم الحرب ضد العراق لأنها “البشیر الذی یسبق عودة المسیح إلى الأرض ویفسح المجال لحدوثها”.
فالجنرال بویكن قائد العملیات السریة فی الجیش الأمیركی ذكر فی العدید من التصریحات أن الحرب التی تشنها الولایات المتحدة ضد ما تصفه بالإرهاب هی صراع بین القیم المسیحیة الیهودیة والشیطان.
وكان الجنرال یویكن یتولى مهمة القضاء على أسامة بن ولادن وصدام حسین وعُین فیما بعد نائبا لوزیر الدفاع لشؤون الاستخبارات قال فی یونیو/ حزیران 2003 فی كلمة بإحدى الكنائس بأوریغان إن “المتطرفین الإسلامیین یكرهوننا لأننا أمة مسیحیة، ولأن أساسنا وجذورنا تنبعث من القیم الیهودیة المسیحیة”. وتابع یقول إن الحرب التی تخوضها الولایات المتحدة ضد الإرهاب “هی حرب ضد عدو اسمه الشیطان”.
وقال إن الرئیس بوش “تولى منصب الرئاسة فی البیت الأبیض لأن الله اختاره لتولی ذلك المنصب”. وقال فی كلمة بإحدى الكنائس عام 2002 وهو یرتدی الزی العسكری الأمیركی “إننا جیش الله، فی بیت الله، وقد أقیمت مملكة الله لمثل هذه الأوقات التی نعیشها”.   
وفی ختام هذا المقال تجدر الإشارة إلى أن العدید من رجال الدین المسیحیین رفضوا الحرب فی العراق وشددوا على أنها حرب غیر شرعیة كما رفضوا إضفاء طابع الدین أو الشرعیة الإنجیلیة علیها بمن فیهم البابا یوحنا بولس الثانی وخلفه البابا بندیكت الـ16 وعشرات القساوسة الكاثولیك والبروتستانت والإنجیلیین.

شاهد أيضاً

نفاق

ما هو النفاق من منظور الإمام علي(ع)؟

مقالات العربیة – ایكنا: یقول القرآن الکریم “لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ” وهکذا یبیّن لنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *