هل الهدف لقاء الإمام المهدی (علیه السلام)؟
لا إشکال أنَّ الهدف الأسمى والسعادۀ الکبرى هی فی التشرّف بلقاء الإمام الحجّۀ (علیه السلام) ولکن حتَّى نفهم هذه النقطۀ جیّداً فهناک ثلاثۀ أسئلۀ نطرحها ونجیب عنها:
1. السؤال الأوّل: هل من الممکن لقاء الإمام (علیه السلام) أم لا؟
ربَّما یقول شخص بأنَّ لقاء الإمام باب مسدود مغلق،
لما رواه الشیخ الصدوق فی کتابه (کمال الدین)، والشیخ الطوسی فی کتابه (الغیبۀ)، عن الحسن بن أحمد المکتَّب (رضی الله عنه) _ کان من أجلاّء علماء الإمامیّۀ _، یقول فی آخر سنۀ وفی آخر شهر من حیاۀ السفیر الرابع وهو (علی بن محمّد السمری) آخر سفراء الإمام المنتظر خرج إلیه توقیع من الإمام المنتظر (علیه السلام):
(بـِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِیم، یَا عَلِیَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُریَّ أعْظَمَ اللهُ أجْرَ إِخْوَانـِکَ فِیکَ، فَإنَّکَ مَیَّتٌ مَا بَیْنَکَ وَبَیْنَ سِتَّۀِ أیَّام فَأجْمِعْ أمْرَکَ وَلاَ تُوص إِلَى أحَدٍ یَقُومَ مَقَامَکَ بَعْدَ وَفَاتِکَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَیْبَۀُ التَّامَّۀُ فَلاَ ظُهُورَ إِلاَّ بَعْدَ إِذْن اللهِ عز وجل وَذَلِکَ بَعْدَ طُولِ الأمَدِ وَقَسْوَۀِ الْقُلُوبِ وَامْتِلاَءِ الأرْض جَوْراً، وَسَیَأتِی شِیعَتِی مَنْ یَدَّعِی الْمُشَاهَدَۀَ ألاَ فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَۀَ قَبْلَ خُرُوج السُّفْیَانِیّ وَالصَّیْحَۀِ فَهُوَ کَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّۀَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِیّ الْعَظِیم), حیث یستفاد منه أنَّ لقاء الإمام ممتنع لأنَّه یقول: (من ادَّعى المشاهدۀ فهو کاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّۀ إلاَّ بالله).
الجواب: الأمر لیس کذلک لعدّۀ أمور:
• الأمر الأوّل: إنَّ غیبۀ الإمام لیست غیبۀ انعزالیۀ وإنَّما هی غیبۀ اتّصالیۀ بمعنى أنَّ الإمام لیس غائباً عن المجتمع ویعیش فی جبل أو فی جزیرۀ أو فی مکان وحده، لا، لیس الأمر کذلک، فغیبۀ الإمام غیبۀ اتّصالیۀ، بمعنى أنَّ الغائب عنوانه لا شخصه، فهو یعیش مع الناس، یأکل معهم، یشرب معهم، وقد یتزوَّج، هو بین ظهرانینا لکنّا لا نعرف عنوانه، فغیبته غیبۀ اتّصالیۀ ولیست غیبۀ انعزالیۀ،
ولذلک نقرأ فی دعاء الندبۀ: (بِنَفْسِی أنْتَ مِنْ مُغَیَّبٍ لَمْ یَخْلُ مِنَّا، بِنَفْسِی أنْتَ مِنْ نَازِح مَا نَزَحَ عَنَّا، بِنَفْسِی أنْتَ اُمْنِیَّۀُ شَائِقٍ یَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَۀٍ ذَکَرَا فَحَنَّا),
إذن غیبته هی غیبۀ عنوان لا غیبۀ شخص فهو متَّصل بنا یعیش معنا، ولذلک فإنَّ لقائه أمر ممکن جدَّاً وأمر متیسّر إذا أراد الإمام ذلک فإنَّ بیده تحدید اللقاء ولیس بأیدینا.
• الأمر الثانی: تواتر لدى الشیعۀ الإمامیّۀ لقاء الإمام مع کثیر من العلماء بنحو یورث القطع والیقین بأنَّ لقائه ممکن ولیس باباً مغلقاً ولا مسدود.
• الأمر الثالث: هذا التوقیع الشریف الذی قال:
(ألا فمن ادّعى المشاهدۀ قبل خروج السفیانی والصیحۀ فهو کاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّۀ إلاَّ بالله)، یتحدَّث عن السفارۀ لا عن اللقاء، فالممتنع هو السفارۀ بمعنى أنَّه بعد السفیر الرابع لا توجد سفارۀ إلى أن یخرج الإمام ویظهر ظهوراً تامّاً،
فالمغلق هو السفارۀ لا اللقاء، والقرینۀ على ذلک سیاق الروایۀ لأنَّها تتکلَّم عن کتاب إلى سفیر الإمام تقول: أنت آخر سفیر ولا توص لأحد من بعدک، قد وقعت الغیبۀ التامّۀ، وسیأتی شیعتی من یدَّعی المشاهدۀ بمعنى (من یدَّعی السفارۀ)، فمن ادّعى المشاهدۀ یعنی السفارۀ فهو کاذب مفتر,
والسفیر یختلف عن الإنسان العادی، فإنَّ المواطن یعرف بعض أخبار الدولۀ لکن سفیرها یعرف أسرارها ویعرف سیاستها الداخلیۀ والخارجیۀ ویناط به البحث فی قضایا مصیریۀ وخطیرۀ.
والإمام المنتظر یقول: (لا سفیر لی بعد السفیر الرابع) یعنی لا أبعث للأمّۀ سفیراً یعرف أسراری ویبلغ الأمّۀ القضایا المصیریۀ والخطیرۀ فهذا باب مسدود، أمَّا أن یلتقی الإنسان بالإمام ویستنیر بأنواره وبإرشاداته فهو أمر ممکن ولیست سفارۀ حتَّى ینفیها هذا الحدیث.
وإن کان الإمام (علیه السلام) لا یبذل لقائه لکلّ أحد، بل هو الذی یختار من یلتقی به لمصلحۀ عامّۀ أو خاصّۀ، وإلاَّ لو بذل الإمام لقائه لأیّ شخص لکان ذلک خلاف الحکمۀ أی نقضاً للغرض من هذا اللقاء، لأنَّه (علیه السلام) لا یلتقی بشخص إلاَّ لأجل مصلحۀ عامّۀ أو خاصّۀ تقتضی هذا اللقاء، فلا بدَّ أن یکون الملاقی أهلاً لهذا اللقاء ولتحقیق هذه المصلحۀ العامّۀ أو الخاصّۀ.
2. السؤال الثانی: ما هی طبیعۀ لقاء الإمام (علیه السلام)
لقاء الإمام هو لقاء الله لأنَّ الإمام مظهر لله، فلقاء الإمام یعنی لقاء الله عز وجل، وهو لقاء
الفناء لا لقاء الارتباط کما یعبَّر عنه فی مصطلح علم الفلسفۀ, إذ هناک فرق بین العلاقۀ الارتباطیۀ والعلاقۀ الفنائیۀ :
ولتقریب الفکرۀ نضرب مثلاً:
إذا وضعت عسلاً فی کأس حلیب، فالحلیب مع العسل یسمّى (علاقۀ ارتباطیۀ) إذ ما زلت عندما تشرب الحلیب تشعر أنَّ هناک حلیباً وأنَّ هناک عسلاً، یعنی هناک وجودان ارتبط أحدهما بالآخر،
بینما إذا صهر الذهب مع معدن آخر وأصبح مادۀ واحدۀ فهذه تسمّى (علاقۀ فنائیۀ)، لأنَّک لا تشعر بأنَّ هناک شیئین، بل مادۀ واحدۀ، بینما علاقۀ الامتزاج بین الحلیب والعسل علاقۀ ارتباطیۀ لا فنائیۀ، هذا بلحاظ الوجود الخارجی وکذلک بلحاظ الوجود الذهنی ویحصل بالتأمّل فی علاقۀ الاسم بالمسمّى،
مثلاً: إذا جیء لی بولد وأسمیته نادر فعندما یقول لی واحد من الناس: نادر، لا یتبادر ذهنی إلى الولد لأنّی لم أتعوَّد على ذلک, فأشعر بأنَّ هناک وجودین وجود للولد وهو ابنی ووجود للحروف، لکن إذا مرَّت الأیّام واعتدت على الاسم فبمجرَّد أن یقال لی: نادر، ینتقل ذهنی إلى ولدی ولا أشعر بالحروف أبداً، وهذه تسمّى (علاقۀ فنائیۀ) فناء الاسم فی المسمّى،
فالعلاقۀ بین الاسم وبین المسمّى فی أوّل أیّام الولادۀ کانت ارتباطیۀ ربط الاسم بالمسمّى، لکن بمرور الوقت تحوَّلت العلاقۀ من علاقۀ ارتباطیۀ إلى علاقۀ فنائیۀ، ولا تشعر بالاسم أبداً،
وهکذا لقاؤنا مع الله یجب أن یکون لقاء فناء بحیث نشعر أن لیس هناک وجودان وجود لنا ووجود لله، ولا نشعر إلاَّ بوجود الله، هذا ما یسمّى بالعلاقۀ الفنائیۀ،
واللقاء الفنائی أن یصل الإنسان إلى حدّ الإحساس بحضور الله،
فالقرآن الکریم یعبّر عن العلاقۀ الفنائیۀ عندما یقول:
(إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ) (الفتح: 10)، حیث یشعر الإنسان أنَّ ید الله تلامس یده، ویقول تعالى: (أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ یَقْبَلُ التَّوْبَۀَ عَنْ عِبادِهِ وَیَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (التوبۀ: 104)، بحیث نصل إلى الشعور بأنَّ الله هو الذی یأخذ صدقاتنا منّا، وقال تعالى فی آیۀ ثالثۀ: (لَنْ یَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلکِنْ یَنالُهُ التَّقْوى مِنْکُمْ) (الحجّ: 37).
فالمطلوب فی لقائنا مع الله أن یکون لقاء الفناء أی أن لا نشعر بأنفسنا، بل لا نشعر إلاَّ بوجود الله، وهذا ما تحدَّث عنه الإمام الحسین (علیه السلام) فی دعاء یوم عرفۀ: (مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِیلٍ یَدُلُّ عَلَیْکَ، وَمَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَکُونَ الآثَارُ هِیَ الَّتِی تُوصِلُ إِلَیْکَ، عَمِیَتْ عَیْنٌ لا تَرَاکَ عَلَیْهَا رَقِیباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَۀُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبَّکَ نَصِیباً).
3. السؤال الثالث: هل یرید الإمام (علیه السلام) لقاءنا؟
إنَّ علماء العرفان یقولون: هناک فرق بین :
• لقاء الأنس
• ولقاء التشریف,
والفرق بینهما هو أنَّ لقاء التشریف بمعنى أن یمنَّ علیَّ الإمام(علیه السلام) ویرینی طلعته الرشیدۀ وغرَّته الحمیدۀ کما جاء فی الدعاء: (اللَّهُمَّ أرِنی الطَّلْعَۀَ الرَّشِیدَۀَ، وَالْغُرَّۀَ الْحَمِیدَۀَ، وَاکْحُلْ نَاظِری بِنَظْرَۀٍ مِنّی إِلَیْهِ، وَعَجَّلْ فَرَجَهُ )،
لکن الإمام لا یرید ذلک, بل الإمام یرید لقاء الأنس، وکیف یلتقی بنا الإمام لقاء الأنس إذا لم نکن أهلاً لإیناس الإمام, ولم نکن أهلاً لتفریح قلب الإمام،
إذن الإمام یرید شیئاً ونحن نرید شیئاً، نحن نرید أن نبقى على ذنوبنا ومعاصینا وعلى الإمام أن یشرّفنا بلقائه ویکرمنا بطلعته والإمام ینادینا: أنا لا أرید هذا اللقاء :
أرید لقاء الأنس أرید أن التقی بکم وأنا فرح بکم، مبتهج بکم، والفرح والبهجۀ والأنس تتوقَّف على أن ننصهر بالإمام وأن تکون علاقتنا بالإمام علاقۀ فنائیۀ لا ارتباطیۀ حتَّى یکون لقاؤنا مع الإمام لقاء الأنس،
وإلاَّ فالإمام یتفضَّل علینا باللقاء وهو کریم لکنَّه یرید أن یکرمنا بلقاء یعبّر عنه بلقاء الأنس، فما نطلبه نحن غیر ما یطلبه الإمام منّا.
علاقۀ العشق بالإمام (علیه السلام):
من المفید الاعتراف بأنَّ علاقتنا بالإمام علاقۀ سطحیۀ، علاقۀ جافّۀ جدَّاً، علاقۀ یابسۀ، ربَّما تکون علاقتنا بأساتذتنا أقوى من علاقتنا بالإمام,
ربَّما تکون علاقتنا بأصدقائنا وأحبّائنا أقوى من علاقتنا بالإمام، ربَّما تکون علاقتنا بمراجعنا وزعمائنا أقوى من علاقتنا بالإمام،
فلذا یجب مراجعۀ الذوات لتکون علاقتنا بالإمام علاقۀ حبّ وعشق لا مجرَّد دعاء، فنحن ندعو للإمام ولکن ما یریده الإمام منّا لیس مجرَّد لقلقۀ لسان فی الدعاء،
بل الإمام المهدی (عجل) یرید علاقۀ حبّ وعشق کی نکون أهلاً للقائه وأهلاً لتکریمه وأهلاً لتشریفه.
نشر بتاریخ 10-03-2011