الثلاثي المقدس ( القسم السابع: المواجهة بين الشرق الاسلامي والغرب)

اسماعيل شفيعي سروستاني
إن القصة الطويلة حول العلاقة بين الشرق والغرب، تعكس قصة الحروب الطويلة التي اندلعت بين هاتين المنطقتين. ان الحروب الطويلة التي اندلعت بين ايران واليونان قد احتلت حيزا في صفحات الكثير من كتب ومصادرالتاريخ.  وحتى قبل ذلك – قرون ما قبل ميلاد السيد المسيح، عليه السلام – كان الفينيقيون والمصريون يخوضون حروبا مع اليونانيين. ويقول الدكتور محسن الويري في كتابه “الدراسات الاسلامية في الغرب”:

 

اسماعيل شفيعي سروستاني
إن القصة الطويلة حول العلاقة بين الشرق والغرب، تعكس قصة الحروب الطويلة التي اندلعت بين هاتين المنطقتين. ان الحروب الطويلة التي اندلعت بين ايران واليونان قد احتلت حيزا في صفحات الكثير من كتب ومصادرالتاريخ.
وحتى قبل ذلك – قرون ما قبل ميلاد السيد المسيح، عليه السلام – كان الفينيقيون والمصريون يخوضون حروبا مع اليونانيين.
ويقول الدكتور محسن الويري في كتابه “الدراسات الاسلامية في الغرب”:
“ان البعض يعتبر ان جذور “قضية الشرق” والصراع القديم بين الشرق والغرب، تكمن في وقوع الحروب بين داريوش وخشايار شاه مع اليونانيين في مضيقي البوسفور والدردنل في البحر الاسود، وبحر ايجة وكذلك عبور الاسكندر المقدوني من هذه النقطة لشن هجوم عسكري على اسيا والمحاولات للاستيلاء على تلك المضائق التي كانت تضطلع بدور اقتصادي هام. ان الحروب الشهيرة بين ايران والروم تعد هي الاخرى احد الشواهد لتجسيد التمايز بين الشرق والغرب”.
إن حربي موتة وتبوك اللتين وقعتا في عهد النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم في القرن العاشر للميلاد والحروب الصليبية التي استمرت على مدى مئتي عام وهجوم نابليون على مصر في اواخر القرن الثامن عشر تشكل نماذج اخرى للمواجهة بين الشرق والغرب على امتداد التاريخ.
ان الوثائق والمستندات تظهر جيدا اين ومتى وكيف اشتبكنا نحن مع الغرب. المواجهات التي وقعت منذ الازمان السالفة في فترة ما قبل الاسلام وحتى عصرنا الحاضر.
وهذه المواجهة تشتمل على المجالين الثقافي والطبيعي.
ان الوثائق التي نملكها عن المواجهة بين الشرق والغرب، موجودة في الالواح الصخرية المخطوطة والتواريخ.
واول هذه الالواح الصخرية المخطوطة والمصادر، قراها وترجمها الغربيون انفسهم. واول الوثائق المتوافرة عن تاريخ المواجهة، هي وثائق يونانية وليست مصادر اسلامية. وقد قدم هؤلاء في مصادرهم ، معطيات يتم تاسيسا عليها تدريس تاريخ هذه المواجهة للتلامذة في المدارس. حتى وان تجاهلنا ماضي الصراع بين ايران والغرب في العصر الاخميني والاشكاني والساساني.
إنهم يعرفون بانه كانت امبراطورية واحدة في الشرق في وقت من الاوقات وهي الامبراطورية الايرانية وفي الغرب امبراطورية الروم وهاتان الامبراطوريتان كانتا في حرب وتناحر طوال قرون. ان دراسة مراحل وكيفية هذه المواجهة تتطلب مجالا واسعا، لكننا نستعرض هنا ماضي المواجهة بين العالم الاسلامي والغرب.
إن الدراسات التاريخية تظهر انه منذ البداية وفي صدر الاسلام، كانت المواجهة دائرة بين الاسلام والمسيحية المُحرفة. ونشاهد هذه المواجهة منذ زمن النبي الاكرم (ص) واخر هذه المعارك، هي المعركة التي وقعت في الشهر الاخير من حياة النبي الكريم (ص). وكان النبي (ص) يسعى لحسم هذه المعركة لكنها لم تحسم بسبب المكائد التي دبرها بعض الاصحاب.
ومنذ ظهور الاسلام، دخل العالم المسيحي – الذي كانت تحده حدود مشتركة مع البلاد الاسلامية – في مواجهة مع المسلمين.
وقبل الحروب الصليبية بزمن طويل، وفي القرنين الاول والثاني للهجرة، انطلق المسلمون وفتحوا العديد من البلدان. وقد عبروا في القرن الاول للهجرة تحت قيادة قوية، جبل طارق وفتحوا الاندلس ووصلوا الى بوابات فرنسا، وخلفوا ذكريات كثيرة عنهم.
وهذه القضية الكبيرة تظهر بانه ان اراد الاسلام والمسلمون التحرك، فان بامكانهم فتح مناطق شاسعة وايجاد حضارات كبيرة كالاندلس في اسبانيا وحتى ازعاج الغرب على الامد الطويل.
ويتذكر الغرب نماذج مثل الاندلس وحضور المسلمين في اوروبا ويعرف ان عليه دفع اثمان باهظة لمواجهة الثقافة والحضارة اللتين يؤسسهما الاسلام، مثل حضارة الاندلس. مثلما انه دفع اثمانا باهظة للاطاحة بالاندلس.
وهذه القضية تشكل احد اسباب تخوف الغرب من الشرق الاسلامي، لانه يعرف جيدا الشرق الاسلامي والتعارض الجوهري بينه وبين الشرق. ان مجمل خوف وقلق الغرب من الشرق الاسلامي يكمن في ان ينطلق هذا المارد النائم من قمقمه يوما ما – حسب زعمه – او ان تفيق هذه الروح النائمة من سباتها وتسبب ازعاجا للغرب (وهذه تعابير يستخدمها الغرب تجاه الشرق الاسلامي).
وهذه الصورة ترسمها معظم الافلام السينمائية لهوليوود. لذلك فان كل جهود الغرب منصبة على طمس ذلك العنصر القوي او هذا القمقم ليزول هذا العنصر والا يكون بوسعه استعراض قوته، لكن ورغم كل هذه الجهود والمحاولات فانه يرى بغتة بان هذا المنافس مازال قويا ويقف بوجهه بكل ما اوتي من قوة.
وفي الحقبة التي كان فيها الشرق الاسلامي في ذروة ازدهاره وقوته، كان الغرب المسيحي منهمكا في صراع على الحدود الشاسعة للبلاد الاسلامية. ورغم ان الغرب المسيحي كان قد جند وسخر كل امكاناته وقدراته، لكنه هزم في عدة مواقع. خاصة الحروب الصليبية التي استمرت على مدى 200 عام واخر معركة، كانت المعركة التي قادها صلاح الدين الايوبي وكان ايرانيا وكرديا.
ان ذكريات الهزيمة في الحروب الصليبية قد آذت الغرب لدرجة انه مايزال يراوده امل التعويض عن تلك الخسائر. اي انه يسعى لايجاد بلسم يضمد جراحه القديمة من خلال احياء الحروب الصليبية.
إن التفكير بهذه القضية من انه ان دخل المسلمون الساحة على هيئة تيار فعال بروح هجومية ونضالية، فان بمقدورهم ايجاد ازعاج للغرب، وحتى القضاء على ثقافته وحضارته، هاجس يراود الغرب ولا ينفك عنه.
ان التعرف الكامل على ماضي الابطال وحروب الشرق في الاندلس والحروب الصليبية، قد خصص له صفحات مهمة من التاريخ.
وفي الدورات اللاحقة من التاريخ، كانت هناك النهضات المناهضة للاستعمار والتي وقفت بوجه الغرب وحالت دون مواصلته القتل والمذابح والنهب.
وعندما تدخل التيارات الاستعمارية الغربية الى مناطق مختلفة من الشرق بما فيها العراق ومصر وتونس والجزائر والسودان و… فانها ستكون قادرة على البقاء فيها لمدة وجيزة فحسب.
إن قضية الحروب المناهضة للاستعمار والحركات التحررية، قضية يعرفها الغرب حق المعرفة، وهذا الامر تفهمه دول مثل فرنسا واسبانيا وبريطانيا وهولندا وسائر الدول الاستعمارية الغربية. ان هؤلاء يعرفون انه عندما نهض رجال من البلاد الاسلامية لمواجهة التيار الاستعماري الغربي، فان نهضة وهبة حدثتا في الشرق. رجال مثل غاندي وعمر المختار وعز الدين القسام، حرروا الشرق، بتلك العزيمة الراسخة.
إن الحروب المناهضة للاستعمار، تشكل دفترا ضخما يعرفه الغرب جيدا.
والوجه الاخر لهذه المواجهة يكمن في عدم الرضوخ لمبدأ الثقافة والحضارة على الطريقة الغربية.
لقد كرس هؤلاء امكانات ورساميل هائلة لعصرنة الشرق وجعل الشرق، يعتبر الحداثة والثقافة الحديثة، معلمه ومرشده. لكن هذا لم يحدث لحد الان على الرغم من الانبهار الواسع بالغرب في الشرق. وحتى ان الغرب اعتمد اجراءات واسعة في هذا المجال بما فيها تقديم التسهيلات لبلدان الشرق وحقن استراتيجية التنمية عن طريق المنظمات الدولية عسى ان تعتمد دول الشرق، التنمية على الطريقة الغربية وان تتحرك بشكل اسرع باتجاه الحداثة، لكن هذا الشئ لم يحدث بشكل شامل.
وكان الهدف من التنمية هو ازالة البقية الباقية من العناصر السابقة المناهضة للغرب، في الشرق.
وكما نلاحظ فانهم كانوا يروجون لاطروحة التنمية والحداثة عن طريق العلوم الاجتماعية، وكانوا يعتبرون ان الحاجة المسبقة لتحقيق التنمية والحداثة، هي التنمية الانسانية. وقد قاموا باستثمارات واسعة في الشرق من اجل التنمية الانسانية، بدء من اعداد الطلبة والاساتذة وانتهاء بتصميم نماذج تعليمية خاصة، وكل هذا من اجل القضاء على البقية المتبقية من العناصر الثقافية التقليدية، لانهم يؤمنون بان “الحاجة المسبقة للحداثة والوصول الى التنمية الاقتصادية والصناعية، هي التنمية الانسانية” وان التنمية الانسانية تعني ان تتحول نظرة الانسان الشرقي لدرجة يقبل فيها الحداثة، وان ينظر الى العالم والانسان من منظار الانسان الغربي. وطبعا طالما كانت هناك عناصر تقليدية، فانها لن ترضخ للحداثة. ومازالت المقاومة بوجه هذه الظاهرة في الشرق، شديدة. وهذا الموضوع يستحق التأمل والدراسة.
وكما اسلفنا فان القبول التام والكامل للحداثة هو بمثابة الذوب والانحلال في الثقافة العلمانية والرؤية الكمّية.
والملفت ان تيارا مثل الثورة الاسلامية في ايران وقف بوجه الغرب في فترة كانوا ياملون فيها ان يكون بامكانهم التخلص من العناصر الثقافية التقليدية من خلال تقديم نموذج للتنمية والحداثة. لكن تيارا يريد من خلال العودة الى المبادئ الدينية، إحياء العناصر الثقافية السابقة من جديد.
ان معرفة الغرب بتاريخ مواجهة الشرق الاسلامي للحداثة والتنمية، تشكل الوجه الاخر لهذه القضية. لكن اخر وجه في هذا الخصوص واخر تجربة للغرب عن المواجهة في البلاد الاسلامية تتمثل في احياء الاصولية الاسلامية.
ومع انتصار الثورة الاسلامية في ايران انتبه الغرب الى ان المحاولات التي بذلها على مدى مائتي عام للقضاء على المبادئ الثقافية التقليدية للشرق، قد تجلت امامه على هيئة مجتمع جديد. المجتمع الذي كان بصدد العودة الى المبادئ الدينية والفكر الولائي واحياء القيم الثقافية للشرق الاسلامي وارساء منظومة اجتماعية قائمة على التعاليم الدينية. ويرى الغرب فجأة بان الثورة الاسلامية تريد اعتماد ادارة المنظومة الاجتماعية على اساس الدين.
وكما نلاحظ ، فان اربع مراحل من المواجهة او اربعة انماط من المواجهة على مدى القرون الماضية وبعد ظهور الاسلام في الشرق، جعلت الغرب يكتسب خبرات.
إن الغرب يعرف الادوات التي تسهم في ايجاد الدافع الجهادي لدى المسلمين. وهو على علم ايضا بنتائج المواجهة مع المجاهدين المثاليين، لذلك فهو يسعى لاحباط مفعول هذه الادوات بجانب نشر دوافعه المادية بين المسلمين. وهي المظاهر العديدة التي نشهدها اليوم بين البلدان الاسلامية المطلة على الخليج الفارسي. فضلا عن جميع تجارب الغرب السابقة التي تؤكد بان احباط مفعول العوامل المؤثرة والاشخاص المؤثرين هي اقل كلفة من المواجهة. ان بث النفاق بين المسلمين وتاسيس الفرق والطوائف المختلفة وترغيب العملاء المهمين وارسال الجواسيس والتصفية الجسدية للاشخاص اصحاب الاثر والهاء المسلمين بالملذات هي من المكائد والخدع التي يلجأ اليها الغرب ضد المسلمين.
يتبع إن شاء الله

جـميع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافي
لا يسمح باستخدام أي مادة بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من ادارة الموقع
ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.

شاهد أيضاً

الثلاثي المقدس ( القسم الثاني عشر: وجود القدس في الشرق الاوسط)

اسماعيل شفيعي سروستانيواضافة الى ما ذكر، فان مدينة القدس تقع في هذه المنطقة. ولا بد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *