من قمة عاشوراء إلى بحر الظهور: مقام الزيارة

إسماعيل شفيعي سروستاني
الزيارة الحمراء؛ معنى الحياة في عصر الغيبة
وهنا لا بد من التساؤل:  إن كانت عاشوراء وتضحيات الحسين، عليه السلام، وأصحابه في صحراء “كربلاء”، تفسر معنى الموت والغاية من الوجود، وإن الزيارة تفسر معنى الحياة وتواصلها بأسمى معاني الحكمة الإلهية وتمثل الخارطة العامة للخليقة، فلِمَ كل هذا الضياع والإرتباك والفوضى التي يواجهها المسلمون في حياتهم، وكأنهم معلقون بين الأرض والسماء؟

 

وهنا لا بد من التساؤل:
إن كانت عاشوراء وتضحيات الحسين، عليه السلام، وأصحابه في صحراء “كربلاء”، تفسر معنى الموت والغاية من الوجود، وإن الزيارة تفسر معنى الحياة وتواصلها بأسمى معاني الحكمة الإلهية وتمثل الخارطة العامة للخليقة، فلِمَ كل هذا الضياع والإرتباك والفوضى التي يواجهها المسلمون في حياتهم، وكأنهم معلقون بين الأرض والسماء؟
إن الإنفعال والتغافل المتلازم مع الفساد المستشري في العلاقات والمناسبات الفردية والجماعية، والذي يطال الشرق الإسلامي، ليس حصيلة هيمنة المستعمرين على هذا الرقعة من الأرض والبلاد فقط، بل إن وجها من هذا الضياع، يعود إلى أداء وتصرفات الشموليين المتغطرسين، والوجه الآخر منه يتصل باداء المسلمين أنفسهم.
ودور سائر الشعوب والأمم الملحدة والمشركة واليهود والنصارى، جلي، وكل ما يفعلونه يرتد عليهم. إن كلامنا موجه إلى العالم الإسلامي بصفة عامة وإلى عالم التشيع بصفة خاصة.
فان فسر جوهر التشيع بالمودة لأهل البيت، عليهم السلام، وتجلى وازدهر بابداء المودة والعشق للحسين، عليه السلام، فان الزائر سيتسخرج معنى الحياة من الزيارة. الشئ الذي تبنته زينب الكبرى، عليها السلام.
لقد ركز أعداء أهل البيت، عليهم السلام، جهدهم لكي تبقى واقعة عاشوراء حبيسة الجغرافيا الزمانية المتمثلة بعام 61 للهجرة والجغرافيا المكانية المتمثلة بصحراء نينوى، في حين أن سفير الحسين، كان منذ الأيام الأولى ومن أول زيارة للحسين، عليه السلام، في يوم الأربعين، بصدد كسر الحصار الزماني والمكاني الذي كان يطوق انتفاضة الحسين، عليه السلام، وأن يحرك إنتفاضة وأداء أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في مسار التاريخ، ولذلك يمكن القول:
إن الزائر الذي يغادر كربلاء من دون اكتساب فائدة تذكر، ولا تؤثر إنتفاضة أهل بيت النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم على سلوكه وأسلوبه وأدبه وفكره، يكون وكأنه قد تخلى عن الحسين، عليه السلام في كربلاء وعاد إلى دياره.
ويكون بذلك قد تناغم وساير أعداء أهل البيت، عليهم السلام، في معرفة وتعريف واقعة عاشوراء المروعة، في تلك الجغرافيا الزمانية والمكانية لعام 61 للهجرة، بينما لم يكن مقررا أن تبقى هذه الانتفاضة في ظرفها الزماني والمكاني الخاصين.
إن من لم ينسلخ عن ذاته بعد زيارة كربلاء وقراءة زيارة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، ويعود إلى بيته ودياره من دون الحسين، عليه السلام، يشبه انتهاء موسم الحج في ذي الحجة وعودة مئات الألوف من حجاج بيت الله الحرام، دون أن نشهد تطورا خاصا يطرأ في مدن وديار المسلمين والمؤمنين!
إن مقام ومكانة “الزيارة” أسمى وأجلّ من الكثير من المناسبات والصفقات التي نعكف على إنجازها منذ بداية العام وحتى نهايته ونولى أهمية لها وننفق من أجلها.  
ورغم أن الجميع، يشكرون الله ويحمدونه على نعمة نالوها وزوال نقمة عنهم، لكن الشكر الخاص لله، يجب مشاهدته في نيل التوفيق في قرائة زيارة من الزيارات الخاصة بالامام الحسين، عليه السلام.
ونقرأ في زيارة هذا الإمام الشهيد في “عيد الفطر” و”عيد الأضحى”:
“وَالْحَمْدُ للهِ الْفَرْدِ الصَّمَدِ الْماجِدِ الاَحَدِ … الَّذي مِنْ تَطَوُّلِهِ سَهَّلَ لي زِيارَةَ مَوْلايَ بِاِحْسانِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْني عَنْ زِيارَتِهِ مَمْنُوعاً وَلا عَنْ ذِمَّتِهِ مَدْفُوعاً، بَلْ تَطَوَّلَ وَمَنَحَ”؛ 
إن طلب شرف الزيارة، هو الطلب لنيل الحقيقة في الأرض، بينما يتجشم الزوار، عموما عناء سفر الزيارة، من أجل الأجر الأخروي ورفع حوائج الدنيا.
ولم يمض الحسين، عليه السلام، على طريق الشهادة ويدخل ساحة الجهاد والنهضة، من أجل أن يستغفر الناس بعد شهادته من ذنوبهم وآثامهم وأن ينالوا الثواب الأخروي ويحصلوا على نصيب لهم في الجنة والحور العين والقصور!
وكيف لنا أن ننسى هدفه وغايته وكل ما قدمه سبط رسول الله (ص) باخلاص، حتى نريد ان نجعل زيارته محدودة على رفع حوائج الدنيا وكسب ثواب الآخرة؟
إن المسيحيين هم الذين يعتبرون قضية صلب السيد المسيح، عليه السلام، بانه كانت فداء ويقولون أن المسيح، ابن الرب قد صُلِب وافتدى ذنوب من في الأرض بحياته عندما صُلب!
إن الفداء يعتبر من أهم معتقدات المسيحيين، أي إنقاذ البشرية بواسطة موت عيسى، عليه السلام. إنهم يؤمنون بان الفطرة الإنسانية قد خُلقت سليمة وطاهرة منذ البداية لكن وبسبب ذنب آدم وحواء (أكل الفاكهة الممنوعة)، فان هذا الذنب انتقل بين أبناء البشرية من جيل إلى جيل. وبما أنهم يؤمنون أنه يجب تقديم فداء لكل ذنب لكي يُغفر عنهم، وبما أنه لم تكن هناك فدية ترتقي إلى الصفح عن الذنب الكبير لادم وحواء، فان هذا الذنب بقي هكذا لدى الانسان.
وفي منظور أتباع السيد المسيح، عليه السلام، بما أن الذنب الأولي قد انتقل بالوراثة، وبالتالي فان كل البشرية مذنبة وآثمة، فان الله خطط ليُخرج إبنه على هيئة إنسان من رحم مريم المقدسة، ليعيش مثل الإنسان ومن ثم يُصلب حتى يُصفح ويُغفر عن ذنوب كل من يؤمن به.
ومن وجهة نظر المسيحيين، فان المسيح، هو أطهر الأفراد وأكثرهم براءة والقادر على أن يفدي ويضحي بنفسه لكي يُصفح بذلك عن مجمل ذنوب أتباعه، وبالتأكيد فان هذا التعبير والتفسير، صبياني بامتياز.
وكأن المسلمون، من حيث يدرون أم لا يدرون، قد ابتلوا بهذه الشبهة (الفداء)، وأصبحوا على غرار المسيحيين، يظنون بان الحسين، عليه السلام، قد خُلق للصفح عن ذنوبهم ونيل حوائجهم الكبيرة والصغيرة.
لكن الحسين، عليه السلام، أماط اللثام في كل موقع من مواقع حركته، منذ خروجه من المدينة وحتى وصوله الى صحراء كربلاء، عن حكمة رحلته وقال في موقع:
“إن كانَ دينُ مُحمدٍ لَم يَستقِم إلا بِقتلي فَياسيوفَ خُذيني”؛
إن عظمة نهضة الحسين، عليه السلام، هي خارج نطاق دركنا وتصورنا، لذلك فان لم تمنحنا الزيارة إمكانية الخروج من النطاق الجغرافي الترابي المحدود وجغرافيا الزمان المحدودة، ولا تسهم في بناء الصلة والنسبة بيننا وبين أرفع طرح إلهي كليّ، فان الزيارة لم تتم.
إن الزيارة، هي أجمل مجاز لإظهار الولاء والمعرفة وأجلى مسار لإظهار قبول ولاية الإمام المعصوم، عليه السلام.
إن القبول برعاية وإمارة وخلافة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، رهن باعلان الولاء والمحبة له ولأهل بيته، وقبول ولايتهم. فالولاية، رهن بالولاء. إن النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، يعرف جيدا، انه إن أبديت المحبة والعشق لهذه الذرية المكرمة، فان الناس، سيكونون مهيئين لقبول ولايتهم وإمامتهم التامة.
إن مقام ومكانة زيارة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، لدى الله تعالى وأهل البيت والشيعة، تعود إلى رفعة ومقام ومنزلة الإمام الحسين، عليه السلام، من جهة، وإلى تضحياته وإيثاره الفذ في سبيل الله، من جهة أخرى، الشئ الذي لم يكن له مصداق ومثال ولن يكون، منذ خلقة آدم، عليه السلام، وحتى عصر “عاشوراء” وبعده حتى واقعة “الظهور” الكريمة.
إن قيمة ومكانة هذه النهضة في كربلاء ترقى إلى درجة أنه روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:
“أن أرض الكعبة قالت: من مثلي وقد بُنيَ بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كل فج عميق؟ وجعلت حرم الله وأمنه؟ فأوحى الله إليها كفي وقري، ما فَضْلُ ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الابرة غمست في البحر”.
ولم يحظ أي مكان وزمان، بهكذا شرافة منذ بدء الخليقة وإلى الان.
وورد في الكثير من الروايات عن تفضيل أرض كربلاء على أرض مكة.

يتبع إن شاء الله
جـمیع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافی
لا یسمح باستخدام أی مادة بشكل تجاریّ دون أذن خطّیّ من ادارة الموقع
ولا یسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.

شاهد أيضاً

زينب الكبرى، عليها السلام، مفسرة معنى الحياة

اسماعیل شفيعي سروستاني إن نهاية قضية الإمام الحسين، عليه السلام، هي بداية لحضور بارع ورائع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *