من قمة عاشوراء إلى بحر الظهور:الزيارة، تمهيد للتواصل

اسماعیل شفیعی سروستانی
إن زيارة الحسين، هي التواصل المستديم مع الحسين، عليه السلام، والإعلان عن الوقوف في صف الحسين، عليه السلام، وديمومة الحضور في قافلة الحسين، عليه السلام؛ والا فان من ينفصل وينعزل عن الحسين، عليه السلام، يكون قد انفصل عن القافلة وسيقع عاجلا أم آجلا في شرك “الشام” الأسود.

 

إن زيارة الحسين، هي التواصل المستديم مع الحسين، عليه السلام، والإعلان عن الوقوف في صف الحسين، عليه السلام، وديمومة الحضور في قافلة الحسين، عليه السلام؛ والا فان من ينفصل وينعزل عن الحسين، عليه السلام، يكون قد انفصل عن القافلة وسيقع عاجلا أم آجلا في شرك “الشام” الأسود.
وألم يقرأ المؤمنون بعد “عاشوراء” في زيارة “وارث” وهم يتوجهون إلى الإمام:
“فَيا لَيْتَني كُنْتُ مَعكُم فَافوزَ مَعكُم”؛
إن زيارة أبو عبد الله، عليه السلام، هي مسار توصل الزائر بذلك اليوم وتلك الفرصة المهدورة، اليوم الذي يتمنى الجميع لو كانوا حاضرين فيه ويستشهدون بين يدي الحسين، عليه السلام، في كربلاء.
وإن كان الإنسان الشيعي، زائرا للإمام في كربلاء حقا، لن يبتلى في مختلف الميادين العقائدية والثقافية وفي التعاملات، بالبلاء الذي أبتلي به جيش الشام (الظالمون في كل عصر وزمان).
ومن لا يصبح زائرا، فانه سيقع في براثن جيش الشام عاجلا أم آجلا. وهذا الإبتلاء هو بمعنى الإبتلاء في الميادين الثقافية والحضارية المشركة لأهل الغدر والختل في كل عصر ودورة.
وأبان بن تغلب هو من كبار مشايخ الشيعة وصحابي الإمام جعفر الصادق (ع). يقول له الإمام (ع) يوما: يا أبان متى ذهبت لزيارة قبر الحسين، عليه السلام؟ فيقول أبان: لم أذهب للزيارة لفترة طويلة، فيقول الإمام: أنت من أكابر مشايخ الشيعة، وقد تركت الحسين، عليه السلام، ولا تذهب لزيارته.
وهنا لا يقول الامام الصادق (ع)، إنك لم تزر الحسين بل يقول: يجب عليك بوصفك أحد أكابر الشيعة ألا تتخلى عن الحسين، عليه السلام.
إن ترك الزيارة، هو بمثابة التخلي عن الحسين، عليه السلام، وأهمية هذا الأمر تتضاعف بالنسبة لأكابر القوم ومشايخهم.
عن مُعاوية بن وَهْب، عن الإمام الصادق عليه السلام «قال: قال لي : يا معاويةُ لا تَدَع زيارةَ قبر الحسين عليه السلام لخوف، فإنَّ مَن ترك زيارَته رأى من الحَسْرَة ما يتمنّى أنَّ قبره كان عِنده”.
وإن كان هناك خوف أو حادثة أو حاكم ظالم، يحول دون زيارة “بيت الله الحرام”، فلن يبقى تكليف على المسلمين، وبوسعهم الامتناع عن السفر للزيارة، لكن هذا الأمر يجد وجها آخر فيما يخص زيارة الحسين، عليه السلام.
ففي تقليد الإنسان الشيعي، ليس ثمة دليل أو مسوغ، لتعطيل ذلك. وأي خوف لا يجب أن يحول دون ارتباط الشيعة بأبي عبد الله الحسين، عليه السلام.
إن قطع الإرتباط بأبي عبد الله الحسين، عليه السلام، وانتفاضته، هو بمثابة قطع الشيعة ارتباطهم بأكبر واقعة، من المقرر أن تقع في آخر الزمان مع ظهور إمام العصر والزمان (عج).
إن قطع هذا الإرتباط والتواصل، يعني وقوع شيعة الحسين، عليه السلام، في قبضة جيش “الشام”.
وقد أشارت المصادر إلى الكثير من القضايا والمسائل التي تستحق الدراسة، حول الصعوبات والأثمان التي دفعها شيعة أهل الولاية في سبيل الزيارة.
وأثناء الزيارة، نقول آخر الكلام، إقتباسا من “زيارة الأربعين” متوجهين إلى الإمام الحسين، عليه السلام:
“وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَأمْري لأمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يَأذَنَ اللهُ لَكُمْ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ …”؛
فالزائر يعلن هذه العبارة مخاطبا إمامه، وقد انتهت واقعة كربلاء و ووري الشهداء، الثرى. إذن أين تبرز معنى “وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ”؟
أيها الحسين، إن قوتي معدة لنصرتكم، ونصرتي معدة لكم، حتى يأذن الله لكم بالعودة. وهذه الميزات الثلاث تتأتى من الأربعين وزيارة الأربعين، ويقول الإمام الصادق، عليه السلام: كل من تمتع بهذه الميزات الثلاث، فانه من شيعة الإمام الحسين، عليه السلام”.
وهل نظرتم إلى الراية الحمراء، التي ترفرف على قبة ضريح أبي عبد الله الحسين، عليه السلام؟ فمنذ الأيام الغابرة وقبل بعثة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، كانت العرب تتخلى عن الحرب في الأشهر الحرم، وكانت تبقي على جهوزيتها حتى نهاية الشهر. وكانوا ينصبون على أعلى الخيمة، راية حمراء، ليعلنوا: بان توقف الحرب، لا يعني انتهاء القتال. لأننا سنخرج السيوف من أغمادها مرة أخرى.
إن الراية الحمراء الخفاقة فوق ضريح الإمام الحسين، عليه السلام، هي بهذا المعنى أيضا. وكأنه يتم الإعلان:
إن الحرب والجهاد وعاشوراء لم تنته، ورغم أن القتال قد توقف في الظاهر مع سقوط الشهداء على ثرى كربلاء، لكن الثارات والقتال مع أهل الغدر والختل، لم ينته بعد.
ومنذ أول زيارة أربعين في عام 61 للهجرة، فان زائر الأمام الحسين، عليه السلام، وشيعته يعلنون: وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حتى تحين تلك الساعة التي تُذلل فيه العقبات ويُجهز الجيش مرة أخرى لمواصلة القتال.
إن نهاية النهضة، ليست سوى إزالة جميع علائم الظلم والإضطهاد والفساد من على الأرض وتأسيس الدولة الكريمة لحضرة الحق، على يد الثائر لدم الحسين، عليه السلام.
وإن كان الحسين، عليه السلام، قد أعلن:
“إن كانَ دينُ مُحمدٍ لَم يَستقِم إلا بِقتلي فَياسيوفَ خُذيني”؛ فان الزائر يعلن الشئ ذاته.
ومن لا تكون زيارته حمراء، فليس زائرا. لأنه في كربلاء، يزور شهيدا ترفرف راية حمراء خفاقة على قبة ضريحة، فكيف لا تكون زيارته حمراء؟ ومن لم يؤد هكذا زيارة، يكون في الحقيقة قد زار نفسه وطلب رفع حوائجه لا أن يكون في طلب الحسين، عليه السلام! وكان عليه أن يقرأ من صميم قلبه: “وقلبي لقلبكم سلم”.
إن إبداء المودة والمحبة، يجب أن يمران من القلب. فالقلب وحده يكفل دوام المحبة الصادقة وبقائها.
“وأمرِي لأمرِكُم مُتَّبِع!”؛
ويربط الزائر في وقت الزيارة، شؤونه الدنيوية والأخروية والفردية والجماعية والعلنية والخفية، في جميع الساحات والميادين، بمطلب الإمام الحسين، عليه السلام. لذلك يمكن التساؤل:
كيف يمكن لجميع المناسبات والتعاملات والعلاقات الإقتصادية والثقافية والسياسية للمسلمين، أن تكون مضطربة ومشوهة وفاسدة الى هذا الحد؟
وعندما لا يُستخدم القلب ولا تتصل الأمور بالحسين وأبناء الحسين، عليه السلام، فان الزيارة وقراءة الزيارة ستكون بلا جدوى، وبالتالي فان العدو لا يرهبه هذا النوع من الزيارة.
ويجب التساؤل: أيها الزائر، نصرتك معدة لمن ؟
فإن كانت معدة للحسين، عليه السلام، وتنتظر لتذهب معه إلى الميدان في الزمن الجديد، فطوبا لك، وإلا فانك ستشهد الكبير من الخسران، لأنك تكون حينها قد تورطت من علم أو دون علم بالغدر والختل، لماذا؟
فعندما يعلن أحدهم على لسانه أيها الحسين أن “قَلبي لقلبكم سِلم وأمرِي لأمرِكُم مُتَّبِع” لكنه يربط قلبه بمجال آخر عمليا ويمتثل لأمر آخر، فانه يكون قد أصيب بالختل والغدر. وهذا الشئ لا يقل عن فعل أهل الكوفة! الذين أرسلوا دعوة إلى الإمام الحسين، عليه السلام، لكنهم قدموا نصرتهم ل “جيش الشام”.
فالنهضة تجد معناها ومغزاها في قول أن ” قَلبي لقلبكم سِلم” و ” وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ” وإن الزائر ينتبه مع إقامة الزيارة إلى أن:
إن الحياة تتجلى معانيها في جغرافيا المناداة بالحق والجهاد العادل، وهذا هو سر تحرر أي إنسان من الذل والهوان.
إن الزيارة هي بمثابة رفع راية النهضة والجهاد عالية خفاقة إلى أن يحين فصل الإذن بنهضة الثأر لدم الحسين، عليه السلام، وظهور الإمام المهدي المنتظر، عليه السلام.
ويقول الإمام الرضا، عليه السلام،بشأن من يمارس الخداع والغدر مع الإمام المبين: إن من يغدر بالإمام، فانه يُحشر يوم القيامة وفمه أعوج

شاهد أيضاً

زينب الكبرى، عليها السلام، مفسرة معنى الحياة

اسماعیل شفيعي سروستاني إن نهاية قضية الإمام الحسين، عليه السلام، هي بداية لحضور بارع ورائع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *