إسماعیل شفیعی سروستانی
– منذ متى بدأت هذه الرحلات؟
– واضح أن الزيارات وتبادل الزيارات موجودان دائما بين الشعوب، لكن الهجرة والحروب والتجارة وغيرها تضطلع بدور مهم في التبادل الثقافي والمالي. واللافت بالنسبة لنا هو بدء تبادل الزيارات والرحلات بين البلدان الشرقية والأوروبية في حقبة ما بعد التنوير الفكري.
– منذ متى بدأت هذه الرحلات؟
– واضح أن الزيارات وتبادل الزيارات موجودان دائما بين الشعوب، لكن الهجرة والحروب والتجارة وغيرها تضطلع بدور مهم في التبادل الثقافي والمالي. واللافت بالنسبة لنا هو بدء تبادل الزيارات والرحلات بين البلدان الشرقية والأوروبية في حقبة ما بعد التنوير الفكري.
– وقبل قرن أو قرنين من تولي القاجار السلطة (في ايران) سافر سياح مختلفون إلى ايران، بحيث أن عدة مجموعات جاءت إلى ايران وحتى بعدهم جاء مبشرون دينيون مدعومون من الكنيسة والمراكز الدينية المسيحية الغربية إلى إيران والعثمانية. وعمل هؤلاء على نشر الديانة المسيحية بين الناس. وماتزال اليوم بقايا العديد من المستشفيات التي أسسوها كوسيلة لاجتذاب المسلمين نحو المسيحية، قائمة. وفي الحقيقة فان هؤلاء المبشرين كانوا بمثابة معبدي الطريق للمتنورين الذين جاؤوا بعدهم ومهدوا الأرضية بدورهم لقبول الفرنجة بين المسلمين.
وربما يمكن القول أن عهد فتحعلي شاه وابنه ناصر الدين شاه، شكل منعطفا مهما في تاريخ دخول تيار التنوري الفكري إلى ايران.
وكان عباس ميرزا إبن فتحعلي شاه القاجاري، والذي حارب الروس بامكانات طفيفة بدعم من علماء الدين وهزم في النهاية بسبب عدم وصول الإمكانات اللوجستية والإمدادات والتموين إليه، بعث شخصين إلى أوروبا ليتعلما الرسم والطب. وقد توفى الطبيب المبتعث في بلاد الفرنجة، لكن طالب مادة الرسم انخرط في محفل للماسونية.
وفي المرحلة الثانية، أوفد خمسة أشخاص آخرين أشهرهم ميرزا صالح شيرازي الذي أسس أول مطبعة وأصدر أول الصحف الإيرانية بعنوان “ورقة الأخبار”. ومن بين الأرمن كان هناك من ذهب إلى الفرنج. وتعرف هؤلاء خلال هذه الرحلة على صورة الحضارة الغربية، أؤكد أنهم تعرفوا على صورة الحضارة الغربية ولم يتعرف أي منهم على حقيقة وطبيعة الثقافة والفكر الغربي بل انبهروا بظاهر الغرب فحسب. فغيروا زيهم وأصبحوا ينتقدون الآداب والتقاليد الدينية ونثروا بعد عودتهم بذر التنوير الفكري بين الناس لاسيما أمراء القاجار وحاولوا من خلال ترجمة الأعمال الأدبية الغربية وتأسيس المحافل الماسونية وغيرها، نشر أخلاق التنوير الفكري في المجتمع.
– أشرت إلى تشكيل المحافل الماسونية، وقد قرأت عن هذا الموضوع مرارا في الكتب والصحف، لكن موضوع الماسونية مازال غامضا بالنسبة لي.
– إن أسئلتك المختلفة تجر كلامي إلى كل اتجاه. طبعا أعطيك الحق، لان لديك الكثير من الكلام والأسئلة التي يجب أن تطرح في هذا الخصوص، وأستطيع تبيان جزء منها، والباقي يعود إليك لكي تقرأ بشأنه بالتفصيل.
وأقول أن المؤسف هو أن التاريخ الماضي طرح في المناهج الدراسية بصورة سيئة ومبعثرة لدرجة أن التلامذة لا يبدون رغبة وحرصا على قراءة هذه الكتب، والسبب هو أن ذكر تاريخ وفاة عدة ملوك وعدة حوادث لا يعالج أمرا. إننا ومن أجل فهم الماضي لا بد لنا من قراءة وفهم الحوادث في ضوء التطورات الثقافية، وربما أن الكثير من القضايا الطفيفة لا تستحق القراءة والحفظ عن ظهر قلب.
– يبدو أننا لا نعرف الكثير من القضايا التي يجب أن نعرف عنها ونتابعها، لانهم دفعونا إلى تعلم أشياء لا تنفع أبدا. وموضوع الماسونية الذي أشرت إليه هو من الفصول الرئيسية المهمة التي يجب دراستها.
إن قراءة التاريخ المعاصر من دون الاهتمام بالماسونية ودورها في هذه الحقبة من حياتنا نحن الإيرانيين على مدى الأعوام المائة والخمسين الأخيرة، ستكون قراءة ناقصة. كالطبيب الذي يسأل باستمرار عن ملبس المريض ودراسته ولون شعره وماركة ساعته ونظارته من دون أن يهتم بدراسة ماضي المرض وكيفية نموه وأعراضه وتأثيرها على مريضه.
إن الماسوني هي كلمة فرنسية، تعني البنّاء الحرّ واللوج تعني “المحفل”. وكان الماسونيون حشدا من المعمارين البنائين الذين قاموا في القرون الوسطى بتشييد الكنائس الكبيرة والقصور. وكان هؤلاء يعقدون لقاءات مغلقة وسرية في نهاية كل يوم عمل في محفل يدعى “لوج” للحيلولة دون تسرب أسرار مهنتهم إلى الآخرين. وكانت هذه المحافل تضطلع في الحقيقة بدور “النقابات المهنية” في الوقت الحاضر وتدافع عن حقوق البنائين الأحرار.
وفي مطلع عصر النهضة حيث اجتاحت التحولات السياسية والاجتماعية، أوروبا ووقعت إضطرابات كثيرة، دخلت هذه المجموعة بشكل آخر إلى الساحة، أي أنها تحولت إلى تنظيم سياسي مهني وفتحت مذاك أبواب المحافل أمام سائر الأشخاص بمن فيهم المتنورون من أنصار المذهب الانساني، واستطاع اليهود النفوذ إليها. وعقب هذا التطور، تحولت المحافل الماسونية إلى تيار فكري – سياسي واضطلعت بدور مهم في التطورات الاجتماعية والسياسية في أوروبا.
إن العديد من قادة الثورة الفرنسية ومتنوري ذلك العصر بمن فيهم مونتسكيو وفولتير وروبسبير وآخرون ممن تخرجوا من هذه المحافل وتولوا قيادة حركة النهضة في أوروبا، أصبحوا يطرحون شيئا فشيئا فكرة الهيمنة على الشعوب المختلفة. وكان الإمساك بالسلطة وتدمير دعائم وركائز الحكومات ومعتقدات الجماهير تشكل الأهداف الرئيسية لهذه المحافل، لانهم كانوا يستطيعون بهذه الطريقة تغيير الشعوب وفق ما يرومون إليه. ولهذا السبب أصبح لا وجود
للهيكليات والتنظيمات المهنية للماسونيين ماعدا بعض الرموز والنقوش التي كان يستخدمها البناءون سابقا في عملهم بما فيها الشاقول وزاوية الضبط القائمة (قونية) والمنقلة و… .
وقد استخدم ماسونيو العهد الجدد هذه الرموز في أزيائهم وبوابات محافلهم وعلامات التعريف بهم وأعلامهم وأختامهم، بحيث نشاهد هذه العلامات والرموز في الوقت الحاضر.
إن نفوذ اليهود وهيمنتهم على هذه المحافل أدت إلى أضافة رموز وشعارات أخرى مثل نجمة داود والشمعدان اليهودي بخمسة أو سبعة فروع وغصن الزيتون و… إلى الرموز السابقة.
ويجب القول أنه خلال الأعوام ما بعد الثورة الفرنسية وبسط التنوير الفكري ونشر الثقافة والحضارة الغربية في أوروبا والعالم، لم تكن التطورات السياسية والإجتماعية للغرب في أي وقت من الأوقات بمنأى عن “الماسونية” و “طلب وعمل” الماسونيين.
– لماذا معلوماتنا عن هذه المجموعة محدودة؟ وقلما يتم التطرق إليها بصورة رسمية؟
– هذا الشئ يعود إلى مدى اختراق الماسونيين للتنظيمات السياسية والاقتصادية والثقافية للغرب والبلدان التي كانت تخضع للنفوذ الغربي، ومن جهة أخرى فانه عندما يعلن المتنورون علانية أنهم يتولون قيادة وتوجيه المجتمعات الغربية والشرقية المختلفة، بديهي ألا يتطرقوا إلى أصلهم وأساسهم وسيخفون أنفسهم بين كدس من المفردات والأكاذيب.
وكيف يمكن أن يكون قرابة 90 بالمائة من قادة وموجهي الأنظمة السياسية الأوروبية ورؤساء وزرائها على مدى سبعين أو ثمانين عاما من الماسونيين وأن يسمحوا لاحد البوح بأسرارهم.
وطبعا السبب الآخر يعود إلى طريقة عملهم. وكما قلت فان أسلوب العمل المخفي والسري كان سائدا بين البنائين منذ الماضي أي القرون الوسطى، وكان يؤدي ألا تتسرب معلوماتهم إلى خارج المحفل. وهذه الطريقة واصلها ماسونيو العصر الحديث واتبعوا في الحقيقة طريقة “الإخفاء”، بحيث عندما تتأسس محفل الماسونية في ايران في عصر ناصر الدين شاه على يد المتنورين العائدين من الفرنج، أطلقوا عليه اسم “المحفل المنسي” أي المكان الذي إن خرج أحد منه يجب أن ينسى كل شئ، وهذه الطريقة كانت متبعة بالتحديد من قبل اليهود.
– لذلك فانك تعتبرهم عاملا في توسيع ونشر الأفكار غير الدينية؟
– نعم، لدي سببان لهذا الموضوع وآمل أن أناقشه باسهاب في محله. السبب الاول هو كيفية تصرف وحضور هذه المجموعة في المجتعات خاصة الاسلامية والشرقية والآخر أفكارهم. لقد كانت المحافل الماسونية بؤرة ومركز قوة وأداء الرأسماليين واليهود الصهاينة والأجهزة الإستخباراتية، بحيث أن العديد من التيارات السياسية والاقتصادية والثقافية تأسست على يد هؤلاء. وربما إن عرفت بان الموقعين على اتفاقيتي “تركمان شاي” و “كلستان” اللتين تسببتا في خسارة ايران للكثير من مدنها الشمالية، كانوا من الماسونيين أو أن هويدا وشريف امامي والكثير الآخرين من عملاء امريكا وبريطانيا كانوا منخرطين في هذه المحافل، ستفهم هذا الجزء من كلامي بشكل أفضل.
والموضوع الثاني، النظام الفكري والعقائدي الخاص بهم، وما أن قبله أحد يتحول إلى تابع للمحافل الماسونية الاوربية وراع للمصالح الغربية والصهيونية.
وفي كتاب “الغزو الثقافي والدور التاريخي للمتنورين” (الذي صدر عام 1993) يأتي المؤلف على ذكر جانب من الموضوعات والمصاديق، بوسعك الرجوع إليه للمزيد من المعلومات، لكن يبدو أننا ابتعدنا عن الموضوع، أليس كذلك؟
– ربما! لكن التعرف على هذه القضايا كان ممتعا أيضا.
– لكني كنت أتحدث عن الأسباب التي دفعت الشعوب الاسلامية بما فيها الايرانيين إلى الإصابة بمرض التنوير الفكري.
– وهل كان الماسونيون، يرجون لهذا الفكر؟
– نعم! إن هذا التيار يستحدث نوعا من تغير الرؤية والنظرة الثقافية لدى أعضائه والنتيجة الاولية لهذه الرؤية تؤدي إلى أنقطاعهم وزوال حرصهم على الثقافة والتصديق شيئا فشيئا بانه يجب الإنضمام إلى الثقافة العالمية. ومع تنامي هذه القناعة لدى الشخص، فانه يفقد شيئا فشيئا تعصبه وتبعيته للكثير من الأشياء بما فيها الثقافة الوطنية والدينية ويذهب في هذا الطريق إلى حد أنه يضع على جدول أعماله الذود عن الثقافة والمصالح والسياسات الغربية، ويرفده بلسانه وقلمه.
– وكيف انتشرت هذه الثقافة في ايران وعلى يد من؟
– في عصر ناصر الدين شاه، ذهب شخص يدعى ميرزا يعقوب من قرى منطقة “جلفا” التي يقطهنا الأرمن إلى روسيا وتعلم اللغتين الروسية والفرنسية، وبعد عودته إلى ايران عمل في السفارة الروسية. ومكنه إلمامه باللغة الفرنسية وتواصله مع رجالات وشخصيات البلاط من تسجيل ابنه ملكم البالغ من العمر عشر سنوات في مدرسة الأرمن. وبعد دراسته في هذه المدرسة أرسل ملكم إلى خارج البلاد وبعد تعلمه لمادة بولي تكنيك وبعض الموضوعات السياسية والعلمية وحتى خدع الشعوذة عاد إلى ايران. وتصادف وصوله مع أواخر وزارة أمير كبير أي عام 1888 للميلاد. وبعد فترة عمل كمعلم ومترجم في مدرسة “دار الفنون” وحظي باهتمام رئيس الوزراء آنذاك اقاخان نوري.
ويقول خان ملك ساساني في كتاب “واضعو سياسات العصر القاجاري” بان ملكم توجه عام 1894 برفقة فرخ خان أمين الملك غفاري إلى بلاط نابليون وانضم الى المحفل الماسوني الفرنسي ولدى عودته إلى ايران أسس “المحفل المنسي”.
ويعتبر “المحفل المنسي” أول محفل ماسوني في ايران، وحتى أن ناصر الدين شاه كان يتردد عليه، لكن ملكم لم يكن يدع أن يتعرف الشاه على ما يجري فيه، وكما يستشف من مجموعة كتبه انه عندما كان الشاه يزور المحفل كان هو يقوم باعمال شعوذة وغيرها لاظهار أن كل ما يدور ويجري في المحفل هو هذا.
ويرى بعض الباحثين أن هذا المحفل تأسس عام 1896 للميلاد. وكان ميرزا يعقوب وابنه ملكم يديرانه، لكنهما كانا قد قبلا على الظاهر بجلال الدين ميرزا ابن فتحعلي شاه ليكون رئيسا له. وبعد سنوات كان ملكم قد أخبر أحد العلماء البريطانيين ويدعى ويلفرد بلنت:
إن هذا الأسلوب كان دائما متبعا في البلدان الاسلامية بما فيها ايران، والسبب واضح لان الثقافة التقليدية والدينية كانت تطغى بشكل فاعل وحي على المجتمع الايراني على مدى قرون متمادية، ولم تكن في نطاق عقيدة بسيطة وشخصية، بل كانت ممتزجة باخلاق واعمال وممارسات فردية وجماعية فضلا عن أن التيار التربوي والتعليمي الذي كان يتبعه رجال الدين وحضورهم بين الجماهير شكل عقبة كأداء أمام الفكر والممارسة غير الدينية، ويجب أيضا الإنتباه إلى أن هذه العقبة أي الدين أدت إلى أن يكون “الدين الأصيل” معرضا للضرر من ناحية الدين والمتدينين لان الحصانة أمام الأفكار غير الدينية ممكنة عندما تكون هذه الافكار قد دخلت الساحة بصورة مباشرة، وعندما تتسم الثقافة والفكر غير الدينيين، بطابع ديني، عندها تكون لها تداعيات.
وكان ملكم خان قد فهم هذا الموضوع جيدا، لذلك فانه تم لحد الان استغلال طريقة تشكيل الكفر بظاهر ديني إلى أقصى حد لايجاد انحراف وشرخ بين المسلمين وتعريضهم للأفكار الباطلة.
ولم يمض وقت حتى أصدر ناصر الدين شاه قرارا بحل “المحفل المنسي” وأرغم جلال الدين ميرزا الذي كان رئيس المحفل على البقاء في المنزل. وتم نفي ملكم وأبيه من إيران إلى بغداد. وبعد مدة، اضطر ملكم للتوجه نحو اسطنبول ليكون في خدمة حسين خان مشير الدولة الذي كان في تلك الفترة سفيرا لايران لدى الدولة العثمانية. وجاء في مقدمة “مجموعة أعمال ملكم” أن ملكم اعتنق المسيحية أثناء وجوده في الدولة العثمانية وحتى أنه تخلى عن الجنسية الايرانية. وساهمت العلاقات الودية بين سفير ايران وملكم في تعيين السفير ملكم مستشارا له.
وخلال هذه الفترة عمل حسين خان مشير الدولة بمساعدة ملكم خان على التمهيد لزيارة ناصر الدين شاه إلى الفرنجة. وفي عام 1911 عين ملكم وزير مفوضا لايران لدى لندن بعد العفو عنه وساهم ملكم في التخطيط لزيارة ناصر الدين شاه هذه.
ومهد حسين خان مشير الدولة لاتفاقية امتياز تأسيس بنك ومد خطوط السكك الحديد وقضايا أخرى لكي يتم خلال زيارة ناصر الدين شاه إلى الفرنجة التوقيع عليها مع سائر الإمتيازات الخاصة من قبل البارون جوليوس دو رويتر والشاه.
وكان أحد عملاء الإستعمار البريطاني المخضرمين ويدعى اللورد كرزن قد قال في موقع حول هذا الإمتياز:
إن هذا الأمتياز كان هبة قدمتها ايران وإن كانت الحكومة البريطانية قادرة على المضي قدما في هذه اللعبة حتى النهاية، ليس كان بمثابة “كش مات” لشاه ايران فحسب بل كان سيوقف قيصر روسية عند حده.
وإن كان هذا الإتفاق يوقع، لكانت أهم مصادر الثروة والصناعة والزراعة الايرانية تقع بيد بريطانيا. الشئ الذي لم يكن يحلم به البريطانيون إطلاقا، لانه بموجب الاتفاق كان سيتم نقل جميع خطوط السكك الحديد الايرانية إلى البارون جوليوس دورويتر لمدة سبعين عاما فضلا عن وضع جميع مناجم الذهب والفضة والأحجار الكريمة بتصرف صاحب الإمتياز، وإضافة إلى ذلك فان جميع الشؤون الجمركية وإرواء الأراضي وامتياز بناء القنوات كانت ستنقل أيضا.
والآن أتعرف ماذا كان سيحدث في ضوء هذا الإتفاق؟ كانت ايران ستوضع كليا بتصرف بريطانيا.
– ألم يكن مشير الدولة سفيرا لايران وألم يكن يعرف فحوى هذا النوع من الإتفاقيات؟
– لقد كان ميرزا حسين خان مشير الدولة والذي لقب لاحقا ب “سبهسالار” (أمير الجيش) قد أنضم في الدولة العثمانية أو تركيا إلى عضوية المحفل الماسوني وكان من عملاء بريطانيا. وقال اللورد كرزن الذي كان ماسونيا وسياسيا بريطانيا:
لم يكن تشوق وحرص إيران على الصداقة الحميمة مع بريطانيا بقدر ما كان عليه إبان عهد ميرزا خان سبهسالار.
ومن أجل أن تعرف عمق خيانة أشخاص مثل مشير الدولة أود أن تتعرف على أقوال الأجانب وأحكامهم بشأن هؤلاء الأشخاص. فعلى سبيل المثال ثمة كتاب للسير هانري راولينسون بعنوان “بريطانيا وروسية في الشرق”، ويذكر في هذا الكتاب أن برنامج ميرزا حسين خان مشير الدولة الذي كان الصدر الأعظم كان له نفوذ في جميع القضايا والأمور، وقد طرح لاحياء إيران وكان ينوي توحيد مصالح إيران مع مصالح بريطانيا.
وكان ميرزا حسين سفيرا لايران في اسطنبول لعشر سنوات وكان ناشطا في المحافل الماسونية وبدأ عضويته في الماسونية العالمية المعروفة في محفل “غراند رويال” ومن ثم انتقل إلى المحفل رقم 175 التابع لمنظمة “انغلند”.
وأذكرّ بان مشير الدولة كان له نفوذ وتأثير كبيرين على ناصر الدين شاه وفي ظل ذلك دفع الشاه إلى التوقيع على إتفاقية عار أمدها سبعين عاما وهي غير مسبوقة في تاريخ الإتفاقيات الإستعمارية، وبالتحديد مع يهودي بريطاني.
– وما التعهدات التي التزم بها طرفنا في الإتفاق أي بريطانيا لقاء كل تلك الإمتيازات؟
– وفي مقابل كل هذه الإمتيازات التي قدمها أستاذ الماسونية الايراني إلى الماسوني البريطاني البارون جوليوس دورويتر، تهد الأخير بتقديم قرض قدره ستة ملايين جنيه استرليني إلى إيران بفائدة خمسة بالمائة. والطريف أنه إن لم تكن إعتراضات واحتجاجات المسلمين المجاهدين ولم يعرض احتجاجاتهم، موقع ناصر الدين للخطر، لما كان الأخير يضطر لإلغاء الإتفاق وعزل سبهسالار. لانه وبعد هذا العزل القسري عينه بعد فترة في منصب وزير الخارجية واختاره لاحقا صدرا أعظما له.
– كيف يكون هذا؟! لِمَ كل هذه الدونية؟
– ودائما ينجذب المتنورون إلى ظاهر الصورة المغرية للحضارة الغربية وينبهرون بها، وليس يخلقون في ضوئها تطلعا وغاية يعتبرون أنها زاخرة بالسعادة فحسب بل يعتبرون من الضروي ترويجها في أرجاء المعمورة ولذلك يصبحون في خدمة نشر تلك الثقافة والحضارة.
إن ملكم يعتبر من أوائل المجموعات الحداثية التي تعتبر أن الحكمة والحصافة تكمن في أن يتلقف الايرانيون الحضارة الغربية برحابة صدر.
ويسلط فريدن ادميت في كتابين له بعنوان “فكر الرقيّ” و “فكر الحرية” الضوء على آراء وأفكار المتنورين في عصر الحركة الدستورية في ايران (المشروطة) بمن فيهم ملكم خان. ويكتب في الصفحة 113 من كتاب “فكر الحرية” عن مدى انجذاب ملكم على لسانه:
إن شرط الحكمة هو أن نتقبل بكل وجودنا الحضارة الأوروبية ونجعل اتجاهنا الفكري يواكب تكامل التاريخ وروح العصر.
وكان ملكم في تاريخ نشر الحضارة الغربية في ايران، مبدعا ومبتكرا لمبدأ إقتباس الحضارة الفرنجية من دون تصرف إيراني فيها. إنه كان يؤمن في الحقيقة بالإستسلام المطلق ومن دون قيد أو شرط أمام الحضارة الأوروبية وكان يرى بان الإيرانيين يجب أن يقبلوا في جميع أوجه حياتهم السياسية والإقتصادية بمبادئ الحضارة الغربية، لان مبادئ الرقي والإزدهار تسير معا في كل موقع ومكان. وكان يقول أنه خلال اقتباس مبادئ الحضارة الجديدة ومبادئ الرقي العقلي والفكري لا يحق لنا أن نسعى للإختراع، بل يجب أن نقتدي بالفرنجة وأننا كنا ومازلنا بحاجة إلى الآخرين بدءا من صناعة البارود ووصولا إلى صناعة الأحذية. وهل تساءلت يوما أنه لماذا لم نكن قادرين منذ المشروطة وحتى عام 1979 على تخطي المرحلة الأولية للتكنولوجيا الغربية رغم امتلاكنا هذا الكم الهائل من الدارسين والمتعلمين الأكاديميين وأهل العلم والادب وغيرهم؟
– نعم! كان هذا السؤال قد خطر على بالي، لكني لم أجد جوابا له.
– لان معلمي المتنورين كانوا يركزون جميعا على التقليد الأعمى للغرب في جميع الحقول والميادين وجميع أوجه الحياة.
وكان أسعد يصغي بدقة. وكان يبدو كظمآن حصل على الماء للتو. وكان يطرح السؤال تلو السؤال. وكنت مرتاحا لكونه جلب معه دفترا وقلما يكتب فيه ما يريده. وكان يكتب بسرعة أثناء الحديث. وكان حرصه وتشوقه للإصغاء والفهم يذكرني بفترة حداثتي وشبابي. العصر الذي كنت أتنقل فيه بسبب أنعدام المعلم، من فصل دراسي إلى آخر ومن متحدث إلى آخر.
كنت أشعر بارهاق وتعب يد وأصابع أسعد الذي كان يسجل الموضوعات بسرعة ولهذا السبب غيرت الموضوع وقلت:
– أسعد!
– نعم سيدي!
– أريد أن أخبرك عن الرحلة القصيرة التي قمت بها هذا الاسبوع.
– إلى أين سافرت؟
– إلى بندرعباس.
– عظيم، إنه مكان جيد! يعجبني الجنوب كثيرا.
– وأنا أيضا كنت أحب جنوب البلاد كثيرا. ففي الجنوب كل شئ ساخن، الأرض والسماء والبحر على غرار حميمية أهله.
– لأي غرض سافرت؟
وأعطيت نبذة عن الرحلة ومن ثم غادرنا المتنزه ونحن نتمشى. وكالأسبوع المنصرم، رافقني حتى تقاطع الشارع. وعند الوداع أخذت رقم هاتفه لأطلعه إن طرأ طارئ وتغير موعد اللقاء اللاحق.
یتبع إن شاء الله
جـمیع الحقـوق مـحفوظـة لموقع موعود الثقافی
لا یسمح باستخدام أی مادة بشكل تجاریّ دون أذن خطّیّ من ادارة الموقع
ولا یسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.