أول ما یتبادر للذهن عندما یرد ذكر الإمام المهدی عجّل الله فَرَجه سؤال هو هل یمكن للإنسان أن یطول عمره كل هذه الفترة الطویلة التی تجاوزت الألف سنة؟ وما هی الفائدة من بقاء الإمام المهدی عجّل الله فَرَجه لهذه الفترة الطویلة، وما هو الغرض من إبقائه، وهل هناك أمثلة لبقاء مخلوقات أخرى كل هذه الفترة الطویلة؟
أول ما یتبادر للذهن عندما یرد ذكر الإمام المهدی عجّل الله فَرَجه سؤال هو هل یمكن للإنسان أن یطول عمره كل هذه الفترة الطویلة التی تجاوزت الألف سنة؟ وما هی الفائدة من بقاء الإمام المهدی عجّل الله فَرَجه لهذه الفترة الطویلة، وما هو الغرض من إبقائه، وهل هناك أمثلة لبقاء مخلوقات أخرى كل هذه الفترة الطویلة؟
لقد أجاب الكثیر ممن كتبوا عن الإمام المهدی عجّل الله فَرَجه عن هذه الأسئلة كل بطریقته الخاصة، وبإعطاء بعض الأمثلة وأخصّ بالذكر منها على بقاء بَشر آخرین أحیاء مَثَلَ النبی عیسى علیه السلام الذی أجمعت البشریة على كونه باقیاً یعیش لحد الآن كما یعتقد على الأقل المسیحیون منهم والمسلمون.
وكذلك الخضر علیه السلام الذی تجمع الأدیان الثلاث على بقائه حیاً، وأنه سوف یأتی مع المسیح علیه السلام الذی تجمع الأدیان الثلاثة على قدومه لهذه الدنیا وإنقاذه للبشریة بعدما تُملأ هذه الدنیا ظلماً وعدواناً.
كما أن القرآن الكریم ینصّ على بقاء النبی نوح علیه السلام فی قومه ألف سنة إلاّ خمسین عاماً، ولو أن الآیة هنا تنصّ على صفَتین للفترة التی بقی فیها النبی نوح علیه السلام تنص على ألف سنة، ثم تقول إلاّ خمسین عاماً، وسوف اترك تفاصیل هذه فی مجال آخر موضحاً، فهل هناك فرق بین(السنة و(العام) أم لا؟ كما ینص القرآن الكریم على كون الشهداء((بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ یُرْزَقُونَ)).(1)
وهذه الأمثلة لا مجال للشك فیها إذ إن القرآن(لاَ یَأْتِیهِ الْبَاطِلُ مِن بَیْنِ یَدَیْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ…).(2)
والجواب على السؤال الأول، هل یمكن لمخلوق ما أن یعیش أكثر من ألف سنة، أو أی فترة مدیدة فوق الفترة المتعارف علیها لبقاء الإنسان مثلاً، والتی لا یتجاوز المعمّر فیها أكثر من(مئة) سنة بقلیل إلا ما ندر؟
أقول: إنه من الناحیة العلمیة الدقیقة لا یوجد عمر محدّد للمخلوقات حیث تبدو لأول وهلة ـ وعندما یُنظر إلى الأجزاء الدقیقة من هذه المخلوقات(اعنی الخلیة) أو بشكل أدق(إلى الذرات منها) ـ تبدو وكأنها سوف تعیش للأبد. وسوف أفصّل هذا كما یلی:
عمر الذرة:
إن الذرة بتفاصیلها الجمیلة والدقیقة تعطی صورة حقیقیة عن قدرة الباری عز وجل، وعظمة خلقه فیها، ولما تحمله من قوة جبارة، وطاقة یعرف تأثیرها الجمیع خاصة بعدما علم تأثیرها فی القنبلة الذریة التی أسقطت على هیروشیما وناكازاكی من قبل الأمیركیین فی(الحرب العالمیة الثانیة)، وقد ذكر فی مقالات أخرى أن(القوة الكبرى) الموجودة فی داخل النیوترونات التی تجمع ما بین أجزائها، والتی تدعى بـ(الكویرك تعادل القاعدة(10 مرفوعة للإس 32) من بلایین الفولتات 10 إس 32 كیغا فولت(ألف ملیون فولت وهذه القوة الكهربائیة الجامعة لأجزاء النیوترونات لا یمكن تولیدها بأقوى المحرّكات الكهربائیة التی استطاع الإنسان أن یصنعها على وجه الأرض(أقوى محرك كهربائی تمّ صنعه لحد الآن لا یولد طاقة كهربائیة أكثر من(4000 أربعة آلاف كیغا فولت)، فإذا أردنا أن نولّد كهرباء تعادل الكهربائیة الموجودة فی داخل الذرة(3210 كیغا فولت) فإننا سوف نحتاج إلى مولد كهربائی یصل قطره إلى حدود قطر أحد المجرّات(كمجرّتنا التی نعیش ضمنها مجرة درب التبانة).
فما هی هذه القوة الجبارة التی أودعها الباری عزّ وجلّ فی الذرة فی أجزائها، والتی لا یمكن لبشر ما ولا ـ حتى فی المستقبل المنظور ـ أن یحطم(قلب الذرة) وهذا من رابع المستحیلات كما شاهدنا.
ولكن السؤال ما هو عمر الذرة؟ الجواب على ذلك هو أن أجزاءها على ما یبدو تعیش إلى الأبد، على الأقل على مستوى الالكترونات(التی یقدر عمرها باللانهائیة وكذلك الحال بالنسبة للنیوترونات حیث یقدر علماء الفیزیاء عمرها ببلایین بلایین المرات بقدر عمر الكون المنظور، والذی یقرّ له لحد الآن بحدود 14 بلیون سنة، إذ إن عمر البروتونات یقدّر بحدود 3610 عشرة إس 36 من السنین، بینما عمر الكون كله لا یقدّر بحدود(104×3210 سنة).
إذاً: إن الذرات بأجزائها المختلفة، والتی تكوّن أجزاء كل شیء مخلوق على وجه الأرض، بل فی كل هذا الكون سوف تبقى إلى الأبد بالنسبة لنا وإلى الخالق بالطبع، إذ إن وجوده أزلی منذ خلق هذه الذرّات وإلى أن تحین الساعة التی یدعوها إلیه لكی تلاقی الجزاء الذی تستحقه.
إذ إن كل شیء فی هذا الكون كُلّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ القصص، وعلى ما یبدو من هذا العمر المدید لأجزاء الذرة، أنها لم تخلق لهذه الدنیا أبداً، وإنما خلقت لیوم الآخرة حیث لا تفوت الباری عزّ وجلّ أی ذرة منها، وسوف یأتی بها الباری عزّ وجلّ، ولیس هناك أوضح من هذه الآیة الكریمة فی صورة لقمان حیث یخاطب النبی لقمان علیه السلام ابنه ویقول له واصفاً وصفاً دقیقاً أصغر أنواع المخلوقات(ولو لم یأتِ باسمٍ الذرة لأن وصف الذرة وأجزائها لم یكن مكتشفاً فی ذلك الوقت، ولم یتمكن إنسان ذلك العصر من اكتشاف معالم الذرة، بل لم یتمكن إنسان هذا العصر أن یرى أجزاء الذرة ولحد الآن) بقوله، ـ ودعونا نتعمق فی وصف القرآن الكریم للذرات فی هذا الكون وكیف أنها سوف تعود إلى الباری عندما یدعوها إلیه ـ فی الآیة من سورة لقمان یَا بُنَیّ إِنّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِی صَخْرَةٍ أَوْ فِی السّماوَاتِ أَوْ فِی أی یا بنی إن یكن هناك مثقال حبة أی جزء الْأَرْضِ یَأْتِ بِهَا اللّهُ صغیر جداً بمقدار المثقال من حبة الخردل ـ لأنها أصغر شیء منظور عند الإنسان، فهی عبارة عن بذور نبات الخردل وهی بالفعل أصغر أنواع البذور المنظورة ـ وإن هذه الحبة الصغیرة الدقیقة إذا كانت موجودة فی داخل صخرة(أی أنها حتى ولو كانت متحجرة بلغة العصر الحدیث) أو أنها موجودة فی مكان ما فی هذا الكون الرحب الواسع(فی السماوات) أو على أی مكان فی الأرض، فإن الباری عزّ وجل سوف یأتی بها إلیه ویلقیها جزاءها الأوفى. أی وصف أوفى وأدق من وصف القرآن الكریم للأجزاء الدقیقة الموجودة فی هذا الكون، ولا أدقّ من الذرّات، وكیف أن الباری عزّ وجل سوف یأتی بها إلیه بقدرته وجبروته وعظمته سبحانه وتعالى عما یصفون.
مما تقدم اتضح أن الذرة عمرها مدید، وأن(المادة لا تفنى)، وأنها باقیة إلى یوم یبعثون. فسوف لن تفنى هذه الذرات أبداً، والباری عزّ وجل سوف یأتی بها من أی مكان فی هذا الكون حتى ولو كانت مطمورة، بل حتى ولو كانت متحجرة فی أی صخرة أو فی أی مكان فی السماوات أو فی الأرض.
ولكن قد یتساءل آخرون بأننا نتعامل مع إنسان كامل(الإمام المهدی عجّل الله فَرَجه)) ولیس مع ذراته، وهل یمكن أن یطول عمر هذا الإنسان لفترة طویلة أم لا؟
أقول فی الجواب على ذلك(ولو أن الجزء الأول من هذا الجواب قد تمت الإجابة علیه) إن الباری عزّ وجل قد أبقى على مخلوقاته المقرّبة إلیه كالشهداء جمیعاً ونبیّ الله عیسى علیه السلام والخضر علیه السلام على شكل ذرات وبتركیبة أخرى كالإبقاء على أرواحهم مثلاً، الروح أیضاً من الأسرار التی خصّ الباری بها نفسه ((وَیَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّی وَمَا أُوتِیتُم مّنَ الْعِلْمِ إِلّا قَلِیلاً)).(3)
وما تزال الروح بعیدة عن متناول العلم الحدیث والى المستقبل المنظور على الأقل . ولم یتمكن العلم الحدیث من التعرّف على كنهها أبداً، ولسبب بسیط واضح هو عندما یُراد تحلیل الخلایا للكشف عن أسرار تكوین البروتینات والأنزیمات ـ وهی الأجزاء المهمة التی بدونها لا تستطیع الخلیة أن تعیش أجزاء قلیلة من الثانیة ـ ووجدت طریقة جدیدة یظهر سر جدید من أسرار الحیاة فی الخلایا، وكلما فتحت أبواب لأسرار أكثر وأكثر، كلما زاد التعقید فی الكشف عن أسرار الروح، ألم یقل الباری عزّ وجل مَا أُوتِیتُم مّنَ الْعِلْمِ إِلّا قَلِیلاً.
لنأخذ الآن الخلیة كتركیبة أكبر من الذرة ولنرى ماذا عن عمرها ومن الذی یوجب موتها وإنهاء حیاتها، ومن الذرة یوقظها ومن الذی یهلكها ویزیلها من الوجود؟
عمر الخلیة:
لا یوجد عمر محدد لأی خلیة من خلایا المخلوقات، سواء كانت الـ(فیروس) وهی أصغر أنواع الخلایا التی لا تستطیع التكاثر إلاّ بوجودها داخل خلایا أخرى، أو(البكتیریا) التی تستطیع أن تعیش بمفردها دون الاعتماد على غیرها، أو أی خلیة من خلایا المخلوقات الأخرى التی تحوی أجسامها أكثر من خلیة، ابتداء من الأمیبا والاسفنج مثلاً والریدات والقواقع إلى الفقاریات فاللبائن فالإنسان، فلا یوجد عمر محدد لأی خلیة من الخلایا، ولو تعمّقنا فی أی خلیة منها نجدها بتركیبة واحدة متشابهة تحوی الخلایا على الساتیوبلازم(المادة الحیویة) الحاویة كل المواد والأنزیمات والبروتینات المصنعة من قبل الخلیة، وهناك الدماغ المفكر للخلیة الذی یرسل الأوامر لتصنیع هذه المواد، وهذا الدماغ المفكر هو(نواة الخلیة) الحاوی على تركیبة الذی هو بدوره من أغرب وأعقد مخلوقات الباری لأنه یحوی من المعلومات ما لا تحویه أكبر كمبیوترات العالم وأعقدها، إذ إن البكتریا الصغیرة التی لا ترى بالعین المجردة، ولا ترى إلاّ باستعمال أكبر المجاهر،(وقد تكون أصغر بكتیریا) یحوی من المعلومات ما یعادل مكتبة حاویة مجلد من كتاب الأنسكلوبیدیا البریطانیة مثلاً.
سبحان الله: بكتیریا صغیرة واحدة تحوی على معلومات تعادل(1000) كتاب، فكیف الحال بخلیة دماغ الإنسان مثلاً الذی یعادل فیه أكثر من(500) مرة بقدر البكتیریا،(طول فی خلایا الإنسان یعادل خمسة أمتار، وطول فی البكتیریات بحدود 10 سنتیمترات) أی أن خلیة واحدة من خلایا دماغ الإنسان فیها من المعلومات بقدر(500) مرّة أكثر من البكتیریا، أی أن خلیة واحدة من خلایا دماغ الإنسان حاویة لمعلومات تعادل نصف ملیون كتاب مثل كتب الأنسكلوبیدیا البریطانیة، فسبحان الخالق المدبر.
المهم من كل هذا أنه لا توجد فی هذه الخلایا أی معالم لإنهاء حیاتها، وعندما یكشف عنها تحت المجهر نجدها فی نشاط وحیویة وحركة دائبة سریعة، یتم فیها صناعة البروتینات والأنزیمات وبملایین المرات فی أجزاء دقیقة جداً من الثانیة، وإن أی بروتین یصنع فی بلایین بلایین المصانع منها هی(الرایبوسومات فی وقت یقدر(10 إس(32) من الثانیة) أی(32) صفراً ما بعد الفارزة من الثانیة)، یتم فی هذه الأجزاء الدقیقة من الثانیة تصنیع أی بروتین فی ملایین الرایبوسومات مع العلم أن الإنسان وبكل ما توصل إلیه من تكنولوجیا عالیة وكفاءة وجدارة فی علوم الكیمیاء الحیویة لم یستطع ولحد الآن بل وحتى فی المستقبل المنظور أن یصنع أی بروتین حتى أبسطها كـ(الألبوین) مثلاً، فهذا خارج عن قدرته حتى فی نهایة القرن الحادی والعشرین.
لم یستطع الإنسان ولحد الآن أن یكتشف سبب إنهاء الخلیة لعمرها وموتها بعد الوصول إلى فترة معینة قد كتبها الباری عزّ وجل لها، حیث تبدأ هذه الخلایا بتحطیم نفسها، ویتم ذلك بوجود قنابل موقوتة فی داخلها، وهی مادة أنزیمیة مخزونة فی داخل أكیاس تدعى بـ(الأیسوسومات)، وهذه الأنزیمات عندما تطلق فی الخلیة وبأوامر ـ على ما یبدو آتیة من قلب الخلیة ودماغها المفكر، وعلى ما یبدو من آخر الجینات فی داخل نواة الخلیة ـ تبدأ كل اللایسوسومات فی تلك الخلیة المعنیة بالانطلاق فوراً من أكیاسها لتحطّم الخلیة، وتنهی حیاتها على الفور، وتحولها إلى كتلة من المواد العضویة والأحماض الأمینیة لامتصاصها كمادة غذائیة للخلایا المجاورة، هذا إذا لم تمت تلك الخلایا المجاورة. ولا یعنی هذا أن جمیع الخلایا أعمارها طویلة والى الأبد، وإنما هناك خلایا لا تستطیع أن تعیش أكثر من(100) یوم، مثلاً خلایا دم الإنسان الحمراء، وهذه الخلایا بالمناسبة لیس فیها نواة ولا تصنع فیها أنزیمات جدیدة ولا بروتینات، وإنما برمجت من قبل الباری عزّ وجل ولفترة محدودة جداً، حتى إذا أتمت مهمتها وتم نقل الأوكسجین بواسطتها من الرئتین إلى الخلایا الأخرى ولفترة محددة تنتهی حیاتها وتتحطم الخلیة بانطلاق الرایبوسومات فیها وفی الوقت المحدد، ثم یمتصّها الكبد لیستفاد من المواد العضویة فیها والحدید أیضاً كمادة لا عضویة أخرى فی تصنیع خلایا جدیدة من قبل خلایا نخاع العظم.
ویتفاوت أعمار الخلایا الأخرى عمراً حتى یصل الحال فی بعض الخلایا البیضاء فی الدم إلى أن تعیش أكثر من عشرین سنة أو حتى طیلة عمر الإنسان، خاصة التی تولّد المناعة التی تستمر الحیاة فیها إلى موت الإنسان، وأطول أعمار خلایا الإنسان تلك هی العضلات وخلایا الجهاز العصبی والدماغ، إذ إن هذه الخلایا لا تموت إلا بعد موت الإنسان وتوقف القلب عن الحركة وموت خلایاه. وكما قلت إن هذه الخلایا لا تبدو ـ لأول وهلة وقبل فترة وجیزة قبل موتها ـ أنها سوف تموت، وإنما تستمر بالنشاط والفعالیة، حتى إذا جاء أجلها والعمر المحدد لها الذی لا تستأخر عنه ساعة ولا تستقدم، حینها یطلق آخر(الجینات) المخفیة فی داخل الأوامر بتحطیم الخلایا جمیعها، فتنطلق اللایسوسومات لتحطم الخلیة نفسها بنفسها. وهنا یظهر تحرك جدید فی عالم الخلیة لإیجاد هذا الجین الذی یحطم الخلایا والذی سمی بـ(جین الموت والذی یعتقد أنه هو المسؤول عن إطلاق اللایسوسومات(محطات الخلیة). والعجیب أن القرآن الكریم یشیر إلى أن الباری قد خلق أسباب الموت لمخلوقات قبل أن یخلق أسباب الحیاة، فیقول عزّ وجل ((خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَكُمْ أَیّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الملك)(4) توضح أن الموت هو المخلوق أولاً فی مخلوقات الباری قبل الحیاة، وأن الحیاة نفسها فی المخلوقات تحوی موتها ضمنیاً وفی داخلها، وأن كلاهما حق(الموت والحیاة ومع العلم أن وجود محطات الخلیة هذه لیس معناه بالضرورة أنها فقط لتحطیم الخلیة ودمارها، وإنما قد یكون لها فائدة أخرى، فنجد مثلاً لدى الحیوانات اللبونة التی تولّد الحلیب فی أثدائها، أن خلایا الثدی تحطم جزءاً من نفسها بواسطة أخلاق اللایسوسومات، فتحوّل تقریباً نصف الخلیة إلى حلیب یتم إطلاقه إلى الخارج، وأن الضفدع مثلاً یفقد الذنب عندما یكبر وسبب اختفاء الذنب لیس قطعه وإنهاؤه، وإنما یتم إطلاق اللایسوسومات فی جمیع خلایا الذنب بعضلاته وعظامه ودمه وخلایا الجلد وبوقت واحد وبأوامر من أنویة) هذه الأجهزة وبتوقیت عجیب فرید. كذلك الحال مثلاً فی تكوین الأقدام والأیدی، فإن الخلایا الواقعة ما بین الأصابع تنطلق فیها اللایسوسومات وفی وقت واحد وبحدود الخلایا التی لا تمتد أكثر من طول الإصبع نفسه سواء فی الأیدی أو الأرجل وتذوب هذه الخلایا وتتعرج الأصابع عن بعض.
فسبحان الخالق الباری الذی یقول فی هذا الصدد((بَلَى قَادِرِینَ عَلَى أَن نّسَوّیَ بَنَانَهُ القیامة)). كذلك الحال فی عملیة سقوط الأوراق التی یسقط الملایین منها كل لحظة من بلایین الأشجار على امتداد وجه البسیطة، كلها بالطریقة نفسها إذ تطلق وبوقت واحد ثابت اللایسوسومات فی الخلایا الواقعة بالضبط بالسیقان الصغیرة الواقعة ما بین جذع الشجرة الرئیس وسویق الورقة، وفی وقت واحد تسقط الأوراق فی الخریف تاركة الشجرة الأصلیة الأمّ تبنی من حول أماكن سقوط أوراقها خلایا جدیدة، وتلحم مكان سقوط هذه الأوراق إلى حین حلول الربیع حیث تبدأ الحیاة من جدید فی براعم جدیدة نشطة تنبت أوراقاً حیة نشطة فعّالة مكانها، وبذلك یتم الحفاظ على الشجرة الأمّ من الموت وبرداً وجموداً، فی الشتاء، والإبقاء على الأشجار على حالها دون سقوطها، وإنما تسقط أوراقها حین تمر الأزمة ویمر الشتاء ویأتی الربیع فتنشط الخلایا من جدید وتنبعث فیها الحیاة ویتم بذلك صدق قول الباری عز وجل((خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ الملك)).
والشیء نفسه یحدث عندما تنزع الحیّات والسحالی والسلاحف جلدها السابق، إذ إن الخلایا الواقعة ما بین الجلدَین القدیم والجدید تطلق فیها اللایسوسومات وتذوب هذه الخلایا ویقذف بالجلد كاملاً إلى الخارج . كما أن أسرع عملیة بتر وخلع عضو من الأعضاء یتم فیها إطلاق هذه اللایسوسومات هی عندما یمسك بذنب أبو بریص) مثلاً، فإنه على الفور یترك ذنبه بید الماسك له ویهرب هو ناجیاً بنفسه فی أعظم عملیة بتر عضو لا تسفك فیها الدماء ولا یشعر الحیوان بأی ألم جراء هذه العملیة الدقیقة، وهناك آلاف الأمثلة على ذلك یطول الحدیث بذكرها هنا، وكلها تدلّ على عظمة الباری عزّ وجل فی خلق الموت قبل الحیاة، وهذه سنّة الحیاة فی هذه الدنیا، ولا بقاء إلاّ له.
من كل هذا یتضح أنه لیس هناك عمر محدّد للخلیة، وأنها یمكن أن تبقى إلى الأبد دون أن تتأثر وتموت طالما تتغذى ویصلها المواد الأولیة والماء، فإن معاملها التی تصنع البروتینات وهی(الرایبوسومات) سوف تستمر بالعمل وبطاقتها الاعتیادیة، وقد عرفنا من الذی یمیت الخلیة، وقلنا إنه(جین الموت) الذی لم یكتشف لحد الآن، والذی هو من بین ملایین الجینات غیر المعروفة لحد الآن.
إذ لا یعرف العلم الحدیث إلا عدداً قلیلاً منها بواسطة عمل هندسة الجینات لأن الاطلاع على كل الجینات یحتاج إلى وقت طویل جداً لا یكفی قرن أو قرنان لإنجازه، ومعرفة كل أسرار الجینات وبواسطة مؤسسات من آلاف الخبراء والأخصائیین فی علوم البیولوجیا والبیلوجیا الجزئیة.
أقول لولا(جین الموت) الذی یوقف فی ساعة ووقت ثابت معین حیث ((لا یَستَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ یَسْتَقْدِمُونَ)).(5)
ولا أحد یعلم لحدّ الآن كنه جین الموت هذا، فكیف الحال بالساعة التی توقفه ومن الذی یوقفه، إذ لیس هناك جواب على ذلك سوى(ملك الموت) المأمور بقضاء الله وبقدره، الذی یوقف جین الموت هذا وفی جمیع خلایا جسم الإنسان، وعندما تحین ساعة موته الذی یأتیه حتى ولو كان فی بروج مشیّدة ((أَیْنََما تَكُونُوا یُدْرِككّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِی بُرُوجٍ مُشَیّدَةٍ)).(6)
ولو استطاع الإنسان أن یتعرّف على جین الموت هذا فإنه قد یستطیع إیقافه ولكن هذا من رابع المستحیلات وذلك لأنه لا یزال مجهولاً، وهو من بین ملایین الجینات الأخرى المجهولة، وإن كروموسومات الإنسان ومادة بحدود 99 من الجینات غیر معروف) تحوی الملایین من الجینات غیر العاملة والخاملة، ولا یعرف أحد ولحد الآن لماذا توقفت، وتنشط من ضمنها بالطبع جینات أخرى لكی تقوم الخلیة بالانشطار والتكاثر. وإذا صحّ التعبیر عنها فهی جینات الحیاة وهی المسؤولة عن حدوث الحالة المرضیة(السرطان)، إذ إن هذا المرض هو نشاط غیر اعتیادی لخلایا قد توقف فیها الانشطار والانقسام فی خلایا الدماغ مثلاً، أو عضلات القلب مثلاً، وفجأة تتیقظ وتنشط وتبدأ تنشطر وتتقاسم وتتكاثر وتنمو وتؤلّف الورم السرطانی الذی لا یستطیع أحد أن یوقفه، ولا یستطیع العلم الحدیث ولحد الآن أن یوقف هذا الجین وعلى مستوى كل الخلایا خاصة إذا أفلتت إحدى هذه الخلایا فی دم الإنسان فسوف تذهب إلى مكان آخر وتبدأ بالانشطار وتحضیر الخلایا المجاورة بالتكاثر، فسبحان الباری المصوّر الذی خلق عاملَی(الموت والحیاة) فی الخلیة الواحدة المتمثلة فی(جین الموت) وجین الانشطار والحیویة(جین الحیاة)، وبذلك خلق سبب الموت والحیاة فی خلیة واحدة وفی جمیع الخلایا وهو((الّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَكُمْ أَیّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الملك)).
ومما تقدم اتضح لنا إمكانیة بقاء الخلایا إلى أجل طویل وعمر مدید إذا لم یحدث لها طارئ وأطلق فیها(جین الموت)، وإذا كانت هذه الخلایا ذات العمر المدید تؤلّف جسم مخلوق ما مثل الإنسان، بل مثل الإنسان الأمثل الذی یعد لقیادة هذا العالم وإنقاذ البشریة جمعاء كالإمام المهدی عجّل الله فرجه الشریف مثلاً، فإن الباری قادر على أن یبقیه، وسوف لا یرسل المصوّر الذی بیده أسباب الموت والحیاة، لا یرسل(ملك الموت) الموكل بجینات الموت التی تطرقنا إلیها، وهذه سوف لن تنشط وتبقى خاملة ویبقى الإمام عائشاً حیاً ما بین ظهرانینا یدور فی أرجاء الدنیا یرقب البشریة وما یجری فیها إلى أن تحین الساعة التی یأمره الباری لكی یقوم بالأمر ویقود البشریة نحو الإصلاح والسعادة وإزالة الظلم والفساد.
والله الموفق
عبد الوهاب الحكیم
الهوامش:
(1) آل عمران/ 169
(2) فصلت/ 42
(3) الإسراء / 85
(4) 2. والآیة
(5) الأعراف / 34
(6) النساء / 78