تربیة التربیة والتعلیم فی الإسلام: تربیة العقل‏

للمرحوم الشیخ حجت جملة بلیغة جداً فی باب الاجتهاد فهو یقول: «إن الاجتهاد الواقعی یكون عندما تعرض قضیة جدیدة على الإنسان بدون أن یكون له أیة سابقة ذهنیة بها ولم تطرح فی أی كتاب من قبلُ، ثم تعرض علیه فیستطیع مباشرةً أن یطبق الأصول بشكل صحیح لاستنباط الحكم، أما الإنسان الذی یدرس المسائل من «الجواهر» وفیه المقدمات والنتیجة (الصغرى والكبرى والنتیجة) وهو یتعلم فقط ویقول: نعم فهمت إن صاحب الجواهر یقول هكذا، وأنا أختار وأتبنى رأیه هذا لیس اجتهاداً، هذا الذی یقوم به الكثیرون.

* مفهوم الاجتهاد:
للمرحوم الشیخ حجت جملة بلیغة جداً فی باب الاجتهاد فهو یقول: «إن الاجتهاد الواقعی یكون عندما تعرض قضیة جدیدة على الإنسان بدون أن یكون له أیة سابقة ذهنیة بها ولم تطرح فی أی كتاب من قبلُ، ثم تعرض علیه فیستطیع مباشرةً أن یطبق الأصول بشكل صحیح لاستنباط الحكم، أما الإنسان الذی یدرس المسائل من «الجواهر» وفیه المقدمات والنتیجة (الصغرى والكبرى والنتیجة) وهو یتعلم فقط ویقول: نعم فهمت إن صاحب الجواهر یقول هكذا، وأنا أختار وأتبنى رأیه هذا لیس اجتهاداً، هذا الذی یقوم به الكثیرون.
الاجتهاد هو الابتكار وقیام‏ الإنسان بنفسه برد الفرع إلى الأصل، ولهذا فالمجتهد الواقعی فی كل علم یكون هكذا. وفی الغالب یكون المجتهدون عبارة عن مقلدین ولكن فی المستوى العالی. وأنتم ترون أنه فی كل عدة قرون یبرز شخص یغیر الأصول ویحل محلها أُصولًا جیدة وقواعد حدیثة. ثم یلحقه جمیع المجتهدین. فالمجتهد الأصلی هو مثل ذلك الشخص، والبقیة مقلدون على شكل مجتهدین وهم أرفع بقلیل من غیرهم. وهذا ما ینطبق على كافة العلوم سواء فی الآداب أو الفلسفة أو المنطق فی الفقه والأصول والفیزیاء والریاضیات. ففی الفیزیاء یأتی أحد العلماء وینشئ مذهباً فیزیائیاً ثم یتبعه جمیع علماء الفیزیاء. وذلك العالم هو الذی یمكن أن نطلق علیه عنوان المجتهد الواقعی.
ولكن التفكر بدون التعلیم والتعلم لیس ممكناً، فالمادة الأصلیة للتفكر هی التعلم. (وبالطبع نحن نتحدث) عن التفكیر العقلانی ولا نشیر إلى قضیة الوحی). وعندما یتحدث الإسلام عن التفكر بعنوان أنه عبادة فهذا غیر التعلم الذی هو عبادة. فهاتان مسألتان. یوجد فی باب التعلیم والتعلم أنهما عبادة. وفی باب التفكر أیضاً أنه عبادة. وما لدینا فی مجال التفكیر أكثر ممّا فی باب التعلم. فمثلًا: أفضل العبادة التفكر، لا عبادة كالتفكر كان أكثر عبادة أبی ذر التفكر- والكثیر أیضاً- ففی التفكر وبمعزل عن النتیجة التی یصل إلیها الإنسان بفكره، فإنه ینمی هذه القدرة.
ویوجد فی القرآن مطالب عدیدة فی مجال التفكر والتعقل. ولا یلزم أن نجمع آیات القرآن فی هذا الباب الموارد التی یدعو فیها القرآن إلى التفكر والتعقل كثیرة.

* دعوة الإسلام إلى التعلیم والتعلم‏
وأما المسألة الأخرى فهی ما یرتبط بالعلم والتعلم الذی یحصل بین أفراد البشر. ولا أتصور أن هناك حاجة للبحث فی دعوة الإسلام للتعلیم والتعلّم، لأنه أمر واضح، بل یجب البحث فی حدود العلم الإسلامی والتعالیم الإسلامی، فأی علم یریده الإسلام؟ وأوائل الآیات القرآنیة: اقرأ باسم ربك الذی خلق، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذی علم بالقلم علم الإنسان ما لم یعلم خیر شاهد على الاعتناء الشدید للإسلام بالتعلم.
الذی علَم بالقلم‏
والقلم هو مظهر العلم والكتابة.
والآیات الأخرى:
هل یستوی الذین یعلمون والذین لا یعلمون (الزمر/ 9).
وقل الذین أوتوا العلم ویلكم ثواب الله خیر لمن آمن وعمل صالحاً (القصص/ 80).
وكذلك ما روی عن رسول الله (ص) أنه قال: بالتعلیم أرسلت. وفی تلك القصة المعروفة عندما یدخل (ص) إلى المسجد فیرى حلقین مجتمعتین واحدة مشغولة بالعبادة والأخرى بالعلم فقال (ص): «كلاهما على خیر ولكن بالتعلیم أرسلت» ثم دخل فی تلك الحلقة المشغولة بالعلم.
الإسلام یحث على التعلیم والتعلم وأحد مقاصده صیرورة الأمة الإسلامیة عالمة.
الآیة الأخرى: هو الذی بعث فی الأُمیّین رسولًا منهم یتلو علیهم آیاته ویزكیهم ویعلمهم الكتاب والحكمة (الجمعة/ 2).
ویزكیهم ترتبط بالتربیة.
ویعلمهم الكتاب والحكمة، هل‏ المقصودُ من الكتاب أیُّ الكتاب أم القرآن؟ والحكمة هی إدراك الحقیقة ولا بحث فی هذا الكلام ولكن البحث هو أیُّ شی‏ء یُعَدُّ حكمةً وأیُّ شی‏ء لا.
یؤتِی الحكمةَ من یشاء، ومن یؤتَ الحكمةَ فقد أُوتی خیراً كثیراً (البقرة/ 269).
وهكذا فلا كلام بشأن مبدأ ودعوة الإسلام بشكل عام إلى التعلیم والتعلم وأن هدف الإسلام وأحد مقاصده صیرورة الأمة الإسلامیة عالمة. و «طلب العلم فریضة على كل مسلم» من مسلمات الأحادیث النبویة. والمسلم أیضاً أن لا خصوصیة هنا للمسلم مقابل المُسلِمة.

* أی علم؟
فی مسألة التعلیم والتعلم، فإن العمدة أن نرى حدود هذا الأمر ما هی؟ وفی إحدى المحاضرات التی طبعت تحت عنوان «حدیث الشهر» قدَّمْتُ بحث حول ریضة العلم بأن بعض العلوم تعتبر واجباً عینیاً، أی أن العلم یكون لازماً وواجباً على كل مسلم قبل معرفة العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله والیوم الآخر.
فذلك المقدار الذی هو مقدمة الإیمان أو من شروطه هو علم واجب عینی لأنَّ الإسلام اعتقادٌ عن علم لا عن تقلید. وهذا ما ذكره كافة العلماء. و «طلب العلم فریضة» یشمل بالقدر المسلّم جمیع العلوم التی هی من شروط الإیمان، وإذا تجاوزنا فینبغی أن ننظر ما هو هذا العلم؟
أحد الأبحاث الذی دار الجدال واللغط حوله بین مختلف فئات العلماء المسلمین فی ماهیة هذا العلم الفریضة، ما هو؟
قال الفقهاء أن المقصود هو علم الفقه لأنه مقدمة للعمل، أما علماء الأخلاق فنفوا ذلك وقالوا إن علم الأخلاق هو أشد لزوماً ووجوباً. وعلماء الكلام فسروا ذلك بأنه علم الكلام وكل فرقة فسرته حسب مشربها. ولكن هذا لا بحث فیه. فإن‏ العلم إما أن یكون هدفاً أو مقدمة للوصول إلى الهدف. فعندما یكون هدفاً یكون واجباً مثل الأصول العقائدیة، وكذلك حتى لو لم یكن هدفاً بحد ذاته ولكنه مقدمة الوصول إلى أحد الأهداف الإسلامیة فإنه من باب مقدمة الواجب واجبة یصبح كذلك ونفس هؤلاء الفقهاء یقولون: إن تعلم الأحكام واجب مقدمی أو تهیؤی فالشی‏ء الواجب علینا هو العمل، كالصلاة، ولكن الذی یرید أن یصلى صلاة صحیحة لا یمكنه ذلك بدون تعلم أحكامها. وهذا لا یختص بمسائل الصلاة والصوم وأمثالها، فكل وظیفة من الوظائف الإسلامیة تحتاج إلى العلم. وهو یتحول إلى علم واجب لأنه واجب نفسی تهیؤی وعلم الأخلاق بالطبع من هذا القبیل، فالإسلام یرید تزكیة النفس «ویزكیهم» وهذا ما لا یمكن أن یحدث بدون علم. وعندما نرید أن نتعلم سلسلة من تعالیم القرآن، فمن البدیهی أنَّ تعلُّمَ القرآنِ وتفسیرَه یصبح واجباً. فتتسع عندئذٍ دائرةً القرآن العلم لیصبح هناك أیضاً سلسلة من الواجبات الكفائیة وهی التی تقوم على أساس تقسیم العمل. مثل ضرورة وجود الطبیب لیرجع إلیه المرضى. والطبیب لا یتحقق بدون التعلم. ولهذا یقال إن تعلّم الطب واجب كفائی. أما ما هی حدوده؟ فلا یوجد حد معین، لكل زمان حد، ففی عصر كان یجب تعلم «القانون» لابن سینا، والیوم شی‏ء آخر …
المثال الآخر التجارة. فهل یوجد فی النظام الاقتصادی الإسلامی أشخاص وسطاء ما بین المنتج والمستهلك. وإذا كان هذا الأمر مؤیداً فإن علم التجارة یصبح واجباً.

* مثال آخر فی القرآن الكریم:
وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخیل ترهبون به عدو الله وعدوّكم.
هل أن تهیئة القوة إلى درجة ترهبون به عدو الله وعدوكم واجبةٌ أم لا؟ نعم واجبة، ولكن هذا الأمر لا یتحقق بذاته فالقوة لا تحصل بمجرد حمل المعول بل لها طریق هو العلم. إلى أی حد؟
إلى ذلك الحد الذی ترهبون به … یختلف مع كل زمان.
لهذا فإن طلب العلم فریضة على كل مسلم لیصبح تكلیفاً واضحاً، فبعض العلوم تكون واجباً عینیاً على كل فرد وبعضها واجب كفائی. وبناءً على هذا لا یبقى مجال للشك والشبهة حتى یقول البعض: إن العلم الواجب هو فقط العلم الدینی.
كلا فتعلّم الدین هو علم، وتعلّم الشی‏ء الذی یمكن الإنسان من أداء تكلیفه الشرعی علم آخر. وغایة الأمر أن قسماً من الدین یعتبر تعلّمه واجباً عینیاً [مثل معرفة الله‏] وقسم آخر واجب مقدماتی [مثل تعلّم أحكام الصلاة].
* الخلاصة:
1- أولى الإسلام إهتماماً بالغاً بالتربیة والتعلیم.
2- والتربیة تتوجه إلى تطویر القدرات الفكریة عند المتعلم وبتعبیر آخر … إعطائه إمكانیة التجزئة والتحلیل.
3- العقل خلاف العلم. فالعلم یعطی معلومات، أما التعقل فیوصل إلى النتائج السلیمة.
لا یمكن الاستغناء عن الأفراد الواعین الذین تتحقق المشاریع على أیدیهم.

شاهد أيضاً

الإنتظار حالة ترقب لنبأ عظيم

مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام قال سماحة السيد على السبزواري في حديثه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *