الشیعة الإمامیة کیان إسلامی قائم ، أرسى قواعده النبی ( صلى الله علیه وآله ) والأئمة المعصومون ( علیهم السلام ) ، ویُقَدَّر أبناؤه الیوم بما یزید على ربع ملیار مسلماً ، ینتشرون فی أغلب بقاع الأرض ، وفیهم العلماء ، والفلاسفة ، والمفکرون ، والمثقفون ، وحملة الشهادات العالیة ، کما أن لهم مدرستهم الأصیلة ، وفکرهم النیِّر ، وساحتهم الجهادیة .
ارهاب
ویمتاز الفکر الشیعی برصانة المادة ، وقوة الحجة ، ووضوح الرؤیة ، وعدم الضبابیة فی کل شأن من شؤونه ، مما جعله مستهدفاً أکثر من غیره ، وهو الأمر الذی حَمَّلَه الکثیر من المعاناة على طول التاریخ .
الإرهاب لغة یعنی : العنف والتخویف .
واستعمله القرآن الکریم فی أکثر من آیة ، کقوله تعالى :
( إِنَّهُم کَانُوا یُسَارِعُونَ فِی الخَیرَاتِ وَیَدعُونَنَا رغباً وَرهباً ) [ الأنبیاء : ۹۰ ] .
وقوله تعالى :
( وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن ربَاطِ الخَیلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّکُم ) [ الأنفال : ۶۰ ] ، وغیر ذلک من الآیات .
وفُسِّر الإرهاب بأنه : إزعاج النفس بالخوف .
وإن دیننا یحترم الإنسان بِغَض النظر عن الهویة والانتماء بل یحترمه لإنسانیته ، ونحن المسلمین کغیرنا من البشر نتألم ونحزن لکل کارثة تَحِلُّ ، بِغَضِّ النظر عن الدین والمعتقد ، وهذا أمر واضح .
وهناک ثَمَّةَ نظرة خاصة من منظار الفکر الشیعی للإنسان بما هو إنسان من خلال کلام الإمام علی ( علیه السلام ) رائد التشیع حینما بعث مالک الأشتر والیاً من قبله إلى مصر ، کتب له دستور الحکم الإسلامی ، وکیفیة التعامل مع الرعیة ، ولم یترک فیه ملاحظة صغیرة أو کبیرة إلا وذکرها لیعکس لنا فکر الإسلام الأصیل .
فیقول ( علیه السلام ) فی مقطع من کلامه :
( وأشعر قلبک بالرحمة للرعیة ، والمحبة لهم ، واللطف بهم ، ولا تکونن علیهم سبعاً ضاریاً تغتنهم أکلهم ، فإنهم صنفان : إما أخ لک فی الدین ، أو نظیر لک فی الخلق ) .
وهنا یمنع أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) مالک من العنف والإرهاب بحق الرعیة لسببین :
الأول : الأخوة على أساس الدین ، وهذا بالنسبة للمسلمین کافة .
الثانی : والأخوة على أساس التشابه بالخلقة ، وهذا یشمل المسلمین وغیرهم من سائر البشر .
کما أن الإمام ( علیه السلام ) أراد من والیه أن ینطلق فی التعامل مع الناس بهذه الروحیة والسمو ، التی أرادها الإسلام .
ولدینا شواهد کثیرة ، قدیمة وحدیثة ، على رفضنا للإرهاب جملة وتفصیلاً ، نذکر منها :
أولاً : یذکر الطبری فی تأریخه أن خالد بن الولید سار فی عهد أبی بکر إلى منطقة البطاح ، حیث یسکنها مالک بن نویرة وجماعته ، بعدما امتنعوا من دفع الزکاة لسبب ناشئ من اختلاف وجهات النظر فی الخلیفة الشرعی الذی تُسَلَّم له الزکاة .
وقد أمر أبو بکر خالداً وجماعته أن إذا رأیتموهم یصلون فلا تقاتلوهم ، وقد أقاموا وصَلَّوا .
فحبسهم خالد فی لیلة شدیدة البرد وأمر منادیه أن ینادی ( ادفنوا أسراکم ) ، ویقصد اقتلوهم ، وفعلاً قتلوهم ومثلوا بهم .
إن موقفنا من هذا العمل موقف صریح أنه إجرامی وإرهابی لا یَمُتُّ إلى الإسلام بصلة ، ونبرأ إلى الله منه وممن فعله وممن أمر به .
کما أن الإمام علی ( علیه السلام ) اتخذ موقفاً حازماً فی الاحتجاج على هذا العمل ، وإدانة الفاعل ومعاقبته .
ونحن لا زلنا إلى الآن ندین العملیة ، ونعتبرها فعلاً شنیعاً ، ولنا موقف ممن عملها ، رغم مرور أربعة عشر قرن علیها .
ثانیاً : یروی التاریخ أن مسلم بن عقیل ( علیه السلام ) رسول الإمام الحسین (علیه السلام) لأهل الکوفة ، أبان ثورة کربلاء کان خصمه الخط الأموی ، وعبید الله بن زیاد یمثلهم آنذاک بالکوفة ، وأتیحت له فرصة هی بنظر السیاسیین ذهبیة وهی اغتیال وغدر عبید الله حینما جاء لزیارة أحد الوجهاء ، وهو شریک الذی کان فی بیت هانی بن عروة ، ویسکنه مسلم بن عقیل أیضاً ، وامتنع من القیام بالعملیة فی آخر لحظة ، معللاً ذلک بقول الرسول ( صلى الله علیه وآله ) إن الإیمان قید الفتک ، والمؤمن لا یفتک .
وهو مبدأ صحیح فیه دلالة واضحة على أن الإسلام یرفض هذا اللون من القتل ولیس من أخلاق المسلمین .
وهناک نموذجان من تاریخنا المعاصر :
الأول : الثورة الإسلامیة فی إیران ، وهی ثورة شیعیة .
الثانی : حرکة طالبان فی أفغانستان ، وهی حرکة سلفیة .
وکم الفرق واضح بینهما فی التصرف الخارجی ، وروح التعامل مع الناس ، حیث عانى الشعب الأفغانی من التعسف والقهر ما لم یشهده طیلة حیاته .
ولا نحمل فعلهم على فکر مذهب معین ، بل هو تصرف فئة لم تفهم الإسلام حقیقة .
ولو رجعنا إلى زمان النبی ( صلى الله علیه وآله ) ومبدأ الحکومة التی أسسها ، نجد أنه یتجلى فی الرحمة والعطف ، والإحسان الواقعی لا الشعاری ، وعلى المستوى العلمی والعملی .
فالنبی ( صلى الله علیه وآله ) یأخذ العفو ، ویأمر بالمعروف ، ویعرض عن الجاهلین .
کما أنه ( صلى الله علیه وآله ) لم یهاجم مشرکاً قط بلون من ألوان العنف ،
نعم ، فقد کان یطرح ما عنده على شکل دعوة للحق مُعَزَّزَة بالدلیل ، وأخذ فیها بنظر الاعتبار احترام الطرف المقابل .
فإن النبی ( صلى الله علیه وآله ) یضع أمامه الخطاب السماوی :
( أُدعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالحِکمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِی هِیَ أَحسَنُ )
[ النحل : ۱۲۵ ] .بل وحتى الحروب التی خاضها الرسول ( صلى الله علیه وآله ) لم تکن ابتدائیة ، وإنما أغلبها حروب دفاعیة من منطلق الحق المشروع ، ویتجلى فیها الأدب السماوی وعدم تجاوز الحدود .
وحکومة الإمام علی ( علیه السلام ) هی نموذج آخر ، فإن ما اتسمت به من ملامح تعکس رؤیته إلى رفض کل ألوان العنف کما ذکرنا .
إذن یجب أن نفهم بدقة الفکر الشیعی ، وتعامله مع الآخرین ، وعدم إطلاق الکلمات جزافاً .
کما یجب أن نمیز بین الإرهاب بصورته الحقیقیة ، وغیرها المدبلجة لغرض وآخر .
السر فی بقاء التشیع
إن التشیع حالة أصلیة فی الإسلام تجسدت من خلال مراحل ثلاث ، هی :
الأولى :
بدأت هذه المرحلة فی عصر الرسالة ، کما أکدت ذلک مجموعة نصوص مدونة امتلأت بها کتب الحدیث والتفسیر .
الثانیة :
بدأت بعد وفاة النبی ( صلى الله علیه وآله ) مباشرة ، حیث اتجه بعض من الصحابة نحو الإمامة ، والالتزام بزعامة الإمام علی ( علیه السلام ) وأحقِّیته فی قیادة المجتمع الإسلامی .
ومن هؤلاء : سلمان ، وأبو ذر ، وعمار ، والمقداد ، وغیرهم .
الثالثة :
بدأت هذه المرحلة فی عصر الإمام الباقر وابنه الإمام الصادق (علیهما السلام) وأخذت بالنمو والازدهار بسبب توفر الظروف الموضوعیة لنشر معالم مدرسة أهل البیت ( علیهم السلام ) .
ولا یخفى أن الأئمة المعصومین ( علیهم السلام ) الذین هم قادة الشیعة والمحور الذی تدور علیه نظریة التشیع قد ضربوا للناس ومن خلال مواقفهم الشخصیة أروع الأمثلة القدسیة التی غطت على من سواهم .
ولم یستطع الحکام آنذاک من تغییر الواقع مع ما لهذه المواقف من مردود سلبی علیهم .
وفی هذه العُجالة سنتناول ثلاثة مواقف کنموذج وقفها الأئمة ( سلام الله علیهم ) قد جسَّدوا فیها مصلحة الأمة الإسلامیة ، وما یتطلبه الظرف الاجتماعی الذی یعایشونه :
الأول :
خروج الإمام الحسین ( علیه السلام ) من مکة إلى کربلاء ، واستشهاده فی واقعة الطف ، وما ترتب على هذا الموقف الاستشهادی من تحرک فی صفوف الأمة الإسلامیة .
فحدوث واقعة الحرَّة ، وثورة المختار ، وحرکة التوابین بعد مصرع الإمام الحسین ( علیه السلام ) ، فکل تلک الأحداث وأمثالها ظلت تنخر فی جسم الدولة الأمویة حتى زالت فی عام ( ۱۳۲ هـ ) .
الثانی :
الموقف الآخر للإمام علی ( علیه السلام ) عندما رأى أن مصلحة الإسلام العلیا تقتضی حفظ دماء المسلمین قال – عندما عهد أبو بکر لعمر – : ( والله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمین .. ) .
الثالث :
وهذا الإمام السجاد ( علیه السلام ) یدعو لأهل الثغور ، وهم جنود النظام الأموی الذین ارتکبوا فاجعة کربلاء ، ولم یکن دعاءه لهم إلا لحفظ الکیان الإسلامی من الأعداء الذین ما انفکوا یکیدون للدولة الإسلامیة ، وینتهزون الفرص للإطاحة بها .
هذه المواقف وأمثالها التی وقفها الأئمة المعصومون ( علیهم السلام ) عبر التاریخ الإسلامی ، والتی کانت ترى بأن الدفاع عن بیضة الإسلام ، والوحدة الإسلامیة ، وحفظ دماء المسلمین من الأمور الواجبة ، وهذه المواقف برأینا هی التی کانت السر الکامن وراء بقاء مذهب التشیع .
ولم تقتصر تلک المواقف على الأئمة المعصومین ( علیهم السلام ) ، بل تبعهم فی ذلک العلماء والفقهاء والمراجع ، باعتبارهم نُوَّاب الأئمة ( علیهم السلام ) ، والمتتبع المنصف اللتاریخ الشیعی یجد مواقفهم ثابتة ومشرف .
نذکر هنا بعضاً من تلک المواقف کأمثلة :
الأول : مواقف المیرزا الشیرازی من الإنجلیز .
الثانی : مواقف علماء النجف الأشرف وجهادهم ضد الاحتلال البریطانی فی العراق بعد الحرب العالمیة الأولى .
الثالث : موقف آیة الله العظمى السید البروجردی ، ودوره فی تأسیس مجمَّع التقریب بین المذاهب الإسلامیة .
الرابع : مواقف آیة الله العظمى السید محسن الحکیم وآیة الله العظمى السید أبو القاسم الخوئی من علماء السنة ، وإرسال الممثلین عنهم فی الاشتراک بمؤامراتهم ومجالسهم .
الخامس : دعوة الإمام الخمینی إلى الوحدة الإسلامیة ، ومن مصادیق تلک الدعوة أُعلن فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة أسبوع الوحدة الإسلامیة من ۱۲-۱۷ ربیع الأول من کل عام .
المصدر : القیادات اشیعة