للحياة جوانب غير معدودة، عرف الإنسان بعضها، وما جهله أكثر مما عرفه. والحقيقة أن مجهولات الإنسان أكثر بكثير من معلوماته. ولذلك قيل بأن المرء كلما زادت معارفه، زادت مجاهيله أكثر.
ومن المعلوم أن الإنسان يتعامل مع مجهولاته تعاملاً عدائياً، على حد قول أمير المؤمنين عليه السلام : الناس
للحياة جوانب غير معدودة، عرف الإنسان بعضها، وما جهله أكثر مما عرفه. والحقيقة أن مجهولات الإنسان أكثر بكثير من معلوماته. ولذلك قيل بأن المرء كلما زادت معارفه، زادت مجاهيله أكثر.
ومن المعلوم أن الإنسان يتعامل مع مجهولاته تعاملاً عدائياً، على حد قول أمير المؤمنين عليه السلام : الناس أعداء ما جهلوا. وهي حقيقة ذكرها القرآن الكريم حينما قال (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحيطُوا بِعِلْمِهِ).
وهذا ما يقرره القرآن الكريم، كما هو واضح من اعتراضات النبي موسى عليه السلام على تصرفات الخضر عليه السلام، وقد أعطى الخضر السبب في ذلك مقدما عندما قال له (وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً). ومن هنا نرى بعض الصحابة قد اعترضوا على صلح الحديبية، واعتبروه من الدنيّة في الدين! رغم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرهم بأن هذا هو من أمر الله تعالى.
إنها ظاهرة ثابتة مستقرة في حياة البشر، وهي أنهم لا يصبرون على رؤية أحداث وأفعال تخالف الثوابت عندهم. وتتعارض مع التقاليد والأعراف المستقرة في حياتهم. وبالتالي، ستبرز الإعتراضات القولية والعملية عليها. حتى وإن كانت في الواقع أموراً حقه.
وتحكي لنا روايات المستقبل حصول هذه الظاهرة إبان الظهور المبارك. وأن هناك اعتراضات عديدة ستصدر من الناس إزاء أحداث وأفعال تقع آنذاك، منها :
أولاً : لم يتعارف لدى الناس أن تكون قيادة الدولة بيد شاب لم يتجاوز الثلاثين أو الأربعين، خصوصاً لدى من يعتقد بأن عمر هذا القائد قد تجاوز الألف سنة، ولذلك ستحدث اعتراضات على هذا الجانب.
ففي غيبة النعماني – ص ١٩٤ عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : (لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شابا موفقا لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول). وفي رواية أخرى : أنه قال عليه السلام: (وإن من أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شابا وهم يحسبونه شيخا كبيراً).
ثانياً : اعتاد الناس أن تكون المحاكمة وفق الأدلة الظاهرية من شهود واقرار وماشابه، ولم يعتادوا الأحكام التي تصدر وفق العلم الخاص للحاكم، بل أنهم يجهلون مثل تلك الأحكام، ولذلك ستحدث اعتراضات في هذا الجانب أيضاً، وذلك ما عبّرت عنه الروايات الشريفة بأن المهدي عليه السلام سيحكم بحكم داود وسليمان (ولا يريد بيّنة) وأن مثل هذه الأحكام سينكرها (بعض أصحابه ممن قد ضرب قدامه بالسيف).
ثالثاُ : وهناك أحكام شرعية تعارفت لدى الناس. ولكن نحن نعلم أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد. ولذلك تحكي لنا الروايات الشريفة أن المهدي عليه السلام سيأتي باحكام لم يحكم بها أحد من قبل، والظاهر أن المصلحة الواقعية التي يراها الإمام المهدي عليه السلام آنذاك تقتضي الحكم بمثل تلك الأحكام.
وقد ذكرت الروايات عدة أحكام من ذلك، كقتل الشيخ الزاني ومانع الزكاة. وتوريث الأخ في الأظلة. وقتل ذراري قتلة الحسين ممن رضي بقتله عليه السلام. وتحريم ربح المؤمن على المؤمن واعتباره من الربا.
وغيرها من المواقف التي ذكرتها الروايات.
وإزاء تلك المواقف ينبغي علينا :
أولاً: أن نزيد من معرفتنا المهدوية بقراءة متزايدة للروايات الشريفة، حتى نكون على بينة من أمرنا عند الظهور ونحيط بمجرياته خبرا، فإنّ العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس.
ثانيا: على المؤمن أن يعوّد نفسه الصبر والتروي وعدم الاستعجال باطلاق الاحكام من دون دراسة للحالة من جميع جوانبها.
ثالثاً: الإكثار من الدعاء والتوسل لله تعالى في ان يعصمنا من الزلل وأن ندرك الإمام المهدي عليه السلام على سلامة من ديننا، على حد ما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية …).