نَّ الحدیث عن الأئمة المعصومین علیهم السلام من أهم الأحادیث التی یجب علینا أنْ ننشرها فی كل آنٍ، لتتعرف الأجیال على أئمتها، وتستلهم من سیرتهم الدروس النافعة، للوصول إلى طاعة الله ورضاه، والفوز بسعادة الدارین فی الدنیا والآخرة، والنجاة من الزیغ والضلال، حیث لا یكون ذلك إلا بالتمسك بهم كما روی فی ذلك عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم فی حدیثه المشهور بحدیث الثقلین،…
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدُ لله والحمدُ حقه، كما یستحقهُ حمداً كثیرا، وأصلی وأسلمُ على مَنْ أُرسلَ للعالمینَ بشیراً ونذیرا، وعلى آلهِ الهداةِ الذین أُذْهِبَ عنهم الرجس وطُهِّروا تطهیرا.
إنَّ الحدیث عن الأئمة المعصومین علیهم السلام من أهم الأحادیث التی یجب علینا أنْ ننشرها فی كل آنٍ، لتتعرف الأجیال على أئمتها، وتستلهم من سیرتهم الدروس النافعة، للوصول إلى طاعة الله ورضاه، والفوز بسعادة الدارین فی الدنیا والآخرة، والنجاة من الزیغ والضلال، حیث لا یكون ذلك إلا بالتمسك بهم كما روی فی ذلك عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم فی حدیثه المشهور بحدیث الثقلین، إذ یوصی الأمة بقوله صلى الله علیه وآله وسلم كما یروى عن أبی سعید الخدری (إنِّی قد تركتُ فیكم ما إنْ أخذتم بهِ لن تضلوا بعدی الثقلین وأحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض وعترتی أهل البیت ألا إنهما لن یفترقا حتى یردا علیَّ الحوض) وفی روایة بعد ذلك یقول صلى الله علیه وآله وسلم: (فلا تَقْدَمُوهُمْ فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تُعَلِّمُوهُمْ فإنَّهُمْ أعلم منكم)(1).
ونسلط الضوء فی هذه السطور على بعض ما یتعلق بمسألة الإمام الثانی عشر من أئمتنا علیه السلام وغیبته وتحقق الانتظار لدولته التی سیقیم فیها العدل الإلهی. فلو تتبعنا جمیع أحادیث النبی صلى الله علیه وآله وسلم والأئمة المعصومین علیهم السلام فی بیان أمر الإمام المهدی (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ) لرأینا أنَّ أغلب هذهِ الأحادیث تبشرُ المؤمنین بفرجهِ فی آخر الزمان، ذلك الزمان الذی تملأ الأرض فیها ظلماً، فترى الإسلام والمسلمین فی صراعٍ عظیم مع الكفار والمنافقین الذی یریدون إطفاء نور الله فی الأرض ونشر الظلم والعدوان والفساد، وهذا ما نراه الیوم مِنْ تكالب أعداء المسلمین وأعداء أهل البیت من الاعتداءات الأثیمة على المؤمنین، فیجب علینا أنْ نؤمنَ بما وَعَدَنَا اللهُ ورسولُهُ فی الغلبة والنصرة علیهم عند خروج الإمام المهدی (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ).
ولأجل أنْ یتحقق ذلك النصر الإلهی ویكون الانتظار لفرجه مثمراً سوف نحاول معك عزیزی القارىء أنْ نطلع على بعض الكلمات التی یجب علینا أنْ نطلع علیها ونعیها لنكون من المنتظرین لفرجه الشریف والعاملین لنصرته علیه السلام ویكون انتظارنا تحقیقاً لذلك الأمل الموعود.
فقد یسأل بعضٌ من الناس ما نوع النصرة التی یجب أنْ نقوم بها ؟
فهل الجلوس والتلفظ بألفاظ الفرج والدعاء له ؟
أم العمل الدؤوب لكل المستویات فی المجتمع لتهیأة الأرضیة الملائمة للظهور ؟!!
أم ما هو واجبنا الذی یجب أنْ نقوم به ؟
فسوف نحاول فی هذه الصفحات بیان بعض الواجبات والأمور التی یجب أنْ نهیأها لذلك المجتمع المنتظر لإمام زمانه لیكون حقیقةً من المنتظر له، والاستعداد لذلك من أجل نصرته. والله ولی التوفیق.
ولادته علیه السلام:
الإمام المهدی علیه السلام هو الإمام الثانی عشر من أئمة المسلمین الذین فرض الله تعالى طاعتهم وولایتهم والذین نصَّ النبی صلى الله علیه وآله وسلم علیهم فی موارد عدة منها الحدیث المشهور بانَّ الخلفاء من بعده اثنا عشر كلهم من قریش وغیره.
فهو محمد بن الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیه السلام.
ومن ألقابه علیه السلام: المهدی، المنتظر، الحجة، القائم …
ولد الإمام المهدی (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ) فی سامراء فی الخامس عشر من شهر شعبان سنة (255هـ)، وكان عمرهُ عند وفاة أبیهِ خمس سنوات، وكان أبوهُ الإمام الحسن العسكری علیه السلام یخشى علیهِ كثیراً من السلطات العباسیة لعلمهم إنَّهُ یولد إمام من نسلِ النبی صلى الله علیه وآله وسلم فیهِ هلاك ملوك الظالمین والطواغیت، ولقد كانت له علیه السلام غیبتان غاب بهما عن الناس، الأولى هی الغیبة الصغرى التی دامت سبعون عاماً فكان الناس لا یستطیعون الوصول إلیهِ إلا عن طریق أحد من سفرائهِ ونوابهِ الأربعة وهم:
1- عثمان بن سعید العمری ، المدفون فی بغداد .
2- محمد بن عثمان الخلانی ، المدفون فی بغداد .
3- الحسین بن روح النوبختی ، المدفون فی بغداد .
4- علی بن محمد السمری ، المدفون فی بغداد .
فلقد كان هؤلاء الأربعة هم السفراء والواسطة بین الإمام (عَجَّلَ الله تعالى فَرَجَهُ) وبین الناس فی إیصالِ وصایا الإمام وحلِّ مشاكلهم ومسائلهم ولا یعرف مكانهُ سوى هؤلاء، وبعد وفاة السفیر الرابع وهو الشیخ علی ابن محمد السمری بدأت غیبة الإمام الكبرى التی شاء الله تعالى فیها أنْ یغیب ثم یظهرهُ الله تعالى لیملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً كما أخبر بذلك النبی صلى الله علیه وآله وسلم أمتهُ وكذلك الأئمة المعصومون علیهم السلام، ولقد اتفق المسلمون على ظهور المهدی فی آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم والجور، ونشر أعلام العدل وإعلاء كلمة الحق، وإظهار الدین كله ولو كره المشركون، فهو بإذنِ الله ینجی العالم من ذلِّ العبودیة لغیر الله، ویلغی الأخلاق والعادات الذمیمة، ویبطل القوانین الكافرة التی سنتها الأهواء، ویقطع أواصر التعصبات القومیة والعنصریة، ویمحو أسباب العداء والبغضاء التی صارتْ سبباً لاختلاف الأمة وافتراق الكلمة، ویحقق الله سبحانه بظهوره وعده الذی وعد به المؤمنین بقوله: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَى لَهُمْ وَلَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِكُونَ بِی شَیْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))(2) وقال تعالى: ((وَنُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ))(3) وقال تعالى: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ))(4) وسـوف تشهد الأمـة بعد ظهـوره علیه السلام عصراً ذهبیاً لا یبقى فیه على الأرض بیت إلا ودخلته كلمة الإسلام، ولا تبقى قریة إلا وینادى فیها بشهادة لا إله إلا الله بكرةً وعشیاً.
فلقد تواترت النصوص الصحیحة والأخبار المرویة من طریق أهل السنة والشیعة المؤكدة على إمامة أهل البیت علیهم السلام والمشیرة صراحة إلى أنَّ عددهم كعدد نقباء بنی إسرائیل، وأنَّ آخر هؤلاء الأئمة هو الذی یملأ الأرض – فی عهده – عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وأن أحادیث الإمام الثانی عشر الموسوم بالمهدی المنتظر قد رواها جملة من محدثی السنة فی صحاحهم المختلفة كأمثال الترمذی (المتوفى عام 297 هـ) وأبی داود (المتوفى عام 275 هـ) وابن ماجة (المتوفى عام 275 هـ) وغیرهم ……
فهذا هو المهدی الذی اتفق المُحَدِّثون والمتكلمون علیه، وإنما الاختلاف بین الشیعة والسنة فی ولادته، فالشیعة ذهبت إلى أنَّ المهـدی الموعود هو الإمام الثانی عشر الذی ولد بسامراء عام 255 هـ واختفى بعد وفاة أبیه عام 260 هـ، وقد تضافرت علیه النصوص من آبائه، على وجه ما ترك شكاً ولا شبهة، ووافقتهم جماعة من علماء أهل السنة، وقالوا بأنه ولد وأنه محمد بن الحسن العسكری، نعم كثیرٌ منهم قالوا بأنه سیولد فی آخر الزمان، وبما أنَّ أهل البیت أدرى بما فی البیت، فمن رجع إلى روایات أئمة أهل البیت فی كتبهم یظهر له الحق، وأنَّ المولود للإمام العسكری هو المهدی الموعود.
ومن الأحادیث التی وردت عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم فی الإمام المهدی علیه السلام:
* روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: لو لَمْ یبقَ مِنَ الدُّنْیا إلا یوم لبعث الله تعالى رجلاً مِنْ أهلِ بیتی.
* روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: لا تقومُ الساعَةُ حتى تملأ الأرضَ ظُلْماً وعُدْواناً ثم یخرجُ مِنْ عترتی مَنْ یملأها قِسْطاً وَعَدْلاً.
* روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : لو لَمْ یبقَ مِنَ الدنیا إلا یوم واحد لطوَّلَ اللهُ ذلك الیوم حتى یخرجَ رجلٌ مِنْ أُمَّتی یواطىء اسْمُهُ اسْمِی وكنیتُهُ كُنْیَتی یملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً.
الإمام الحسن العسكری والتمهید لقضیة الإمام المهدی علیه السلام
لقد كان لجمیع الأئمة علیهم السلام دور فی الحدیث والإخبار عن الإمام المهدی علیه السلام وما یتعلق بسیرته وغیبته ولكن كان من أهم تلك الأدوار هو دور الإمام الحسن العسكری علیه السلام فی تهیأة الأمة لاستقبال أمر جدیدٍ وهو غیبة إمامها عنها، فإنَّ أهم إنجاز للإمام الحسن العسكری علیه السلام هو التخطیط الحاذق لصیانة ولده المهدی (عجل الله فرجه) من أیدی العتاة العابثین الذین كانوا یتربصون به الدوائر منذ عقود قبل ولادته ومن هنا كانت التمهیدات التی اتخذها الإمام العسكری علیه السلام بفضل جهود آبائه السابقین علیه السلام وتحذیراتهم تنصبُّ على إخفاء ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذین زرعتهم السلطة…. إلى إتمام الحجة به على شیعته ومحبیه وأولیائه، ففی مجال كتمان أمر الإمام المهدی (عجل الله فرجه) عن عیون أعدائه فقد أشارت نصوص أهل البیت علیهم السلام إلى أنَّه ابن سیدة الإماء، وأنّه الذی تخفى على الناس ولادته، ویغیب عنهم شخصه، وفی هذه النصوص ثلاث إرشادت أساسیة تُحقق هذا الكتمان: أولها أنَّ أمَّه أمَةٌ وهی سیدة الإماء وقد اختار الإمام الحسن العسكری علیه السلام عندما بلغ أوج الفتوة والشباب، وحان وقت الزواج والاقتران- لهذه المهمة إحدى الجواری شریكة لحیاته. وقد أنجبت هذه السیدة الكریمة ابنها الوحید المنتظر لدولة الحق، وقد خفیت الولادة حتى على أقرب القریبین من الإمام فإنَّ عمة الأمام علیه السلام لم تتعرف على حَمل أم الإمام المهدی علیه السلام فضلاً عن غیرها، ومن هنا كانت الولادة فی ظروف سرّیة جداً وبعد منتصف اللیل، وقد خطط الإمام العسكری علیه السلام لیبقی الإمام المهدی علیه السلام بعیداً عن الأنظار كما ولد خفیة ولم یَطّلع علیه إلا الخواص أو أخص الخواص من شیعته.
وأما كیفیة إتمام الحجة فی هذه الظروف الاستثنائیة على شیعته فقد تحققت ضمن خطوات ومراحل دقیقة منها:
الخطوة الأولى: النصوص التی جاءت عن الإمام العسكری علیه السلام قبل ولادة الإمام المهدی (عجل الله فرجه) تبشیرا بولادته. فلقد جاءت النصوص المبشرة بولادة المهدی (عجل الله فرجه) عن أبیه الإمام الحسن العسكری علیه السلام تالیة لنصوص الإمام الهادی علیه السلام التی ركزت على أنّه حفید الهادی وأنّه ابن الحسن العسكری وأنَّ الناس سوف لا یرون شخصه ولا یحلّ لهم ذكره باسمه وأنّه الذی یقول الناس عنه أنّه لم یولد بعد وأنّه الذی یغیب عنهم ویرفع من بین أظهرهم وأنّه الذی ستختلف شیعته إلى أنْ یقوم، وعلى الشیعة أنْ تلتف حول العلماء الذین ینوبون عنه وینتظرون قیامه ودولته ویتمسكون بأهل البیت علیهم السلام ویظهرون له الولاء بالدعاء والزیارة وأنّه الذی سیكون إماماً وهو ابن خمس سنین، ومن هذه النصوص التی أشارت إلى ذلك أنّه روى الصدوق عن الكلینی أنّ جاریة أبی محمد علیه السلام لما حملت قال لها: (ستحملین ذكراً واسمه محمد وهو القائم من بعدی) وغیرها من الأحادیث ….
الخطوة الثانیة: الإشهاد على الولادة. لقد قام الإمام الحسن علیه السلام بالإشهاد على الولادة فضلا عن إخباره وإقراره بولادته وذلك إتماما للحجة بالرغم من حراجة الظروف وضرورة الكتمان التام عن أعین الجواسیس الذین كانوا یرصدون دار الإمام وجواریه قبل الولادة وبعدها. إنّ السیدة العلویة الطاهرة حكیمة بنت الإمام الجواد وأخت الإمام الهادی وعمة الإمام الحسن العسكری علیه السلام قد تولت أمر نرجس أم الإمام المهدی (عجل الله فرجه) فی ساعة الولادة وصرّحت بمشاهدة الإمام المهدی بعد مولده وصرح الإمام العسكری علیه السلام بأنها قد غسّلته وساعدتها بعض النسوة مثل جاریة أبی علی الخیزران التی أهداها إلى الإمام الحسن العسكری علیه السلام.
الخطوة الثالثة: الإخبار بالولادة ومداولة الخبر بین الشیعة بشكل خاص من دون رؤیة الإمام (عجل الله فرجه). وتمثلت هذه الخطوة بإخبار الإمام العسكری علیه السلام شیعته بأنَّ الإمام المهدی المنتظر (عجل الله فرجه) قد وُلد وحاول نشر هذا الخبر بین شیعته بكل تحفظ. ولدینا ثمانیة عشر حدیثا یتضمن كل منها سعی الإمام علیه السلام لنشر خبر الولادة بین شیعته وأولیائه وهی ما بین صریح وغیر صریح قد اكتفى فیه الإمام علیه السلام بالتلمیح حسب ما یقتضیه الحال، فمنها الخبر الذی صرح فیه الإمام الحسن علیه السلام بعلَّتین لوضع بنی العباس سیوفهم على أهل البیت علیهم السلام واغتیالهم من دون أن یكونوا قد تصدوا للثورة العلنیة علیهم حیث جاء فیه: (فسعوا فی قتل أهل بیت رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وإبادة نسله طمعاً منهم فی الوصول إلى منع تولد القائم أو قتله فأبى الله أنْ یكشف أمره لواحد منهم إلا أنْ یتم نوره ولو كره الكافرون)، وقد تضمن هذا الحدیث الإخبار بولادته خفیة لیتم الله نوره ……
الخطوة الرابعة: الإشهاد الخاص والعام بعد الولادة ورؤیة شخص المهدی (عجل الله فرجه). وتمثلت فی الإشهاد على ولادة الإمام المهدی (عجل الله فرجه) ووجوده وحیاته. فعن أبی غانم الخادم أنّه ولد لأبی محمد ولد فسمّاه محمدا فعرضه على أصحابه فی الیوم الثالث وقال: (هذا صاحبكم من بعدی وخلیفتی علیكم وهو القائم الذی تمتد إلیه الأعناق بالانتظار فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً فملأها قسطاً وعدلاً). وعن عمر الأهوازی أن أبا محمد أراه ابنه وقال: (هذا صاحبكم من بعدی). وعن معاویة بن حكیم ومحمد بن أیوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمری أنهم قالوا: عرض علینا أبو محمد الحسن بن علی علیهما السلام ونحن فی منزله وكنا أربعین رجلاً عن الحجة من بعده فخرج علیهم غلام أشبه الناس به فقال: (هذا إمامكم من بعدی وخلیفتی علیكم أطیعوه ولا تتفرقوا من بعدی فی أدیانكم فتهلكوا أما إنكم لا ترونه بعد یومكم هذا)، قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلا أیام قلائل حتى مضى أبو محمد علیه السلام.
الخطوة الخامسة: التمهید لرؤیة الإمام المهدی (عجل الله فرجه) خلال خمس سنوات من قِبَلِ بعض خواص الشیعة والارتباط به عن كثب وتكلیفه مسؤولیة الإجابة على أسئلة شیعته المختلفة وإخباره عما فی ضمیرهم وهو فی المهد أو فی دور الصِّبا من دون أنْ یتلكّأ فی ذلك، وهذا خیر دلیل على إمامته وأنّه حجة الله الموعود المنتظر. ومما حدّث به أحمد بن إسحاق حین سأل الإمام الحسن العسكری عن علامة یطمئن إلیها قلبه حول الإمام المهدی (عجل الله فرجه) حین أراه إیاه وقد كان غلاما كأنّ وجهه القمر لیلة البدر من أبناء ثلاث سنین أنّ الغلام نطق بلسان عربی فصیح فقال :(أنا بقیة الله فی أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثراً بعد عین یا أحمد بن إسحاق).
الخطوة السادسة: التخطیط للارتباط بالإمام المهدی (عجل الله فرجه) بواسطة وكلاء الإمام العسكری علیه السلام الذین أصبحوا فیما بعد وكلاء للإمام المهدی بنفس الأسلوب الذی كان معلوما لدى الشیعة – من دون أنْ یتجشموا الأخطار والصعاب لذلك- حیث كانوا قد اعتادوا علیه فی حیاة الإمام العسكری علیه السلام وقد كان عثمان بن سعید الوكیل الأول للإمام المهدی (عجل الله فرجه) بعد استشهاد الإمام الحسن العسكری علیه السلام ثم أصبح محمد بن عثمان وكیله الثانی -كما هو المعروف فی ترتیب النواب الأربعة للإمام المهدی (عجل الله فرجه)- ثم الحسین بن روح وكیله الثالث ثم علی بن محمد السمری وكیله الرابع.
الخطوة السابعة: البیانات والأحادیث التی أفصحت للشیعة عما سیجری لهم ولإمامهم الغائب فی المستقبل وما ینبغی لهم أنْ یقوموا به لئلا یفاجأوا بأمور لا یعرفون كیفیة التعامل معها مثل ما یحصل بعد الغیبة من الحیرة والاختلاف بین الشیعة وما ینبغی لهم من الصبر والانتظار للفرج والثبات على الإیمان والدعاء للإمام ولتعجیل فرجه الشریف. ومن هنا نفهم السر فی كثرة هذه النصوص وتنوّع موضوعاتها إذا ما قسناها إلى نصوص الإمام الهادی علیه السلام ولاحظنا قِصَر الفترة الزمنیة لإمامة الإمام العسكری وهی لا تتجاوز الست سنوات بینما كانت إمامة الإمام الهادی علیه السلام تناهز الـ (34) سنة مما یعنی أنها كانت ستة أضعاف مدة إمامه ابنه العسكری علیه السلام وتكفی هذه الخطوات السبع للتمهید اللازم لتصبح قضیة الإمام المهدی (عجل الله فرجه) قضیة واقعیة تعیشها الجماعة الصالحة بكل وجودها رغم الظروف الحرجة التی كانت تكتنف الإمام المهدی.
فكل ذلك من الخطوات وغیرها كان الإمام العسكری علیه السلام یرید من وراءها الاستعداد والتهیؤ للمرحلة القادمة من حیاة الأمة ولإمامها الغائب عنها، ولذا أعَدّ المؤمنین لهذه المرحلة إعداداً فكریاً وذهنیاً ونفسیاً وروحیاً.
حتى وقعت تلك الغیبة التی وعدنا بها من قبل النبی وأهل بیته علیهم السلام وسوف یكون الحل الأمثل للتعامل مع الإمام علیه السلام وغیبته هو الصبر والانتظار والعمل من أجل قرب ذلك الفرج الإلهی الموعود، وسوف نحاول تسلیط الضوء باختصارٍ حول مسائل ثلاث لنكون على بینةٍ من هذا الأمر الإلهی بعد أنْ نستعرض لمحة عن فكرة الإمام المهدی علیه السلام وجذورها التاریخیة، وهذه المسائل الثلاث:
أولاً: الانتظار والمنتظرون.
ثانیاً: فلسفة الانتظار.
ثالثاً: الحكومة العالمیة للإمام المهدی علیه السلام والاستعداد لها.
فكرة المهدی علیه السلام وجذورها فی التاریخ
إنَّ فكرة انتظارِ مصلحٍ فی آخر الزمان من الأفكار التی تؤمن بها أغلب الدیانات التی سبقت الإسلام ویمكن لأی باحثٍ أنْ یتتبع أثر ذلك فی معتقداتهم، ولكون البحث یتناول الإمام وانتظاره بین مفهومی الیأس والأمل لنرى أثر هذین المفهومین على الشخصیة الإسلامیة وكیفیة التعامل مع هذه القضیة، اقتصرنا على بحثها والاستدلال علیها من وجهة إسلامیة تارة وإنسانیة تارة أخرى، ولكی تتمحور هذه الفكرة عندنا نحاول أنْ نستدل بكلمات بعض العلماء الكبار من المفكِّرین الإسلامیین لنرى نظرتهم لموضوعنا هذا.
یقول المفكر الإسلامی الشهید السید محمد باقر الصدر قدس سره فی ذلك: لیس المهدی تجسیداً لعقیدة إسلامیة ذات طابع دینی فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إلیه البشریة بمختلف أدیانها ومذاهبها، وصیاغة لإلهامٍ فطریٍّ أدرك الناس من خلاله – على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغیب – أنَّ للإنسانیة یوماً موعوداً على الأرض تحقق فیه رسالات السماء بمغزاها الكبیر، وهدفها النهائی، وتجد فیه المسیرة المكدودة للإنسان على مرِّ التاریخ استقرارها وطمأنینتها بعد عناء طویل. بل لم یقتصر الشعور بهذا الیوم الغیبی والمستقبل المنتظر على المؤمنین دینیاً بالغیب، بل امتدَّ إلى غیرهم أیضاً وانعكس حتى على أشدِّ الإیدیولوجیات والاتجاهات العقائدیة رفضاً للغیب والغیبیات، كالمادیة الجدلیة التی فسرتِ التاریخ على أساس التناقضات، وآمنت بیوم موعود تصفى فیه كل تلك التناقضات ویسود فیه الوئام والسلام. وهكذا نجد أنَّ التجربة النفسیة لهذا الشعور التی مارستها الإنسانیة على مرِّ الزمن من أوسع التجارب النفسیة وأكثرها عموماً بین أفراد الإنسان. وحینما یدعم الدین هذا الشعور النفسی العام ویؤكد أنَّ الأرضَ فی نهایةِ المطاف ستمتلئ قسطاً وعدلاً بعد أنْ ملئت ظلماً وجوراً یعطی لذلك الشعور قیمته الموضوعیة ویحوله إلى إیمانٍ حاسمٍ بمستقبلِ المسیرة الإنسانیة، وهذا الإیمان لیس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاءٍ وقوةٍ. فهو مصدر عطاء، لأنَّ الإیمان بالمهدی إیمانٌ برفضِ الظلمِ والجورِ حتى ….. وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب لأنه بصیصُ نورٍ یقاوم الیأس فی نفس الإنسان، ویحافظ على الأمل المشتعل فی صدره مهما ادْلَهَمَّتِ الخطوب وتعملق الظلم، لأنَّ الیوم الموعود یثبتُ أنَّ بإمكان العدل أنْ یواجه عالماً ملیئاً بالظلمِ والجورِ فیزعزع ما فیه من أركان الظلم، ویقیم بناءه من جدید، وأنَّ الظلم مهما تجبَّر وامتدَّ فی أرجاء العالم وسیطر على مقدراته، فهو حالة غیر طبیعیة ولا بد أنْ ینهزم. وتلك الهزیمة الكبرى المحتومة للظلم وهو فی قمةِ مجده، تضع الأمل كبیراً أمامَ كل فردٍ مظلومٍ، وكل أمةٍ مظلومةٍ فی القدرة على تغییر المیزان وإعادة البناء……
ویقول فی نهایة بحثه أن كل عملیة تغییر اجتماعی یرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعیة لا یتأتى لها أن تحقق هدفها إلا عندما تتوفر تلك الشروط والظروف. وتتمیز عملیات التغییر الاجتماعی التی تفجرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط فی جانبها الرسالی بالظروف الموضوعیة، لأنَّ الرسالة التی تعتمدها عملیة التغییر هنا ربانیة، ومن صنع السماء لا مِنْ صُنْعِ الظروف الموضوعیة، ولكنها فی جانبها التنفیذی تعتمد الظروف الموضوعیة ویرتبط نجاحها وتوقیتها بتلك الظروف. ومن أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلیة حتى أنزلت آخر رسالاتها على ید النبی محمد صلى الله علیه وآله وسلم، لأنَّ الارتباط بالظروف الموضوعیة للتنفیذ كان یفرض تأخرها على الرغم من حاجة العالم إلیها منذ فترة طویلة قبل ذلك. والظروف الموضوعیة التی لها أثر فی الجانب التنفیذی من عملیة التغییر، منها ما یشكل المناخ المناسب والجو العام للتغییر المستهدف، ومنها ما یشكل بعض التفاصیل التی تتطلبها حركة التغییر من خلال منعطفاتها التفصیلیة ……. وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدی علیه السلام لنجد أنَّ عملیة التغییر التی أعدَّ لها ترتبط من الناحیة التنفیذیة كأی عملیة تغییر اجتماعی أخرى بظروفٍ موضوعیةٍ تساهم فی توفیر المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبیعی أنْ توقَّتْ وفقاً لذلك. ومن المعلوم أنَّ المهدی لم یكن قد أعد نفسه لعمل اجتماعی محدود، ولا لعملیة تغییر تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاك، لأنَّ رسالته التی ادخر لها من قبل الله – سبحانه وتعالى – هی تغییر العالم تغییراً شاملاً، وإخراج البشریة كل البشریة من ظلمات الجور إلى نور العدل، وعملیة التغییر الكبرى هذه لا یكفی فی ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإلا لتَمَّتْ شروطها فی عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلب مناخاً عالمیاً مناسباً، وجواً عاماً مساعداً، یحقق الظروف الموضوعیة المطلوبة لعملیة التغییر العالمیة. فمن الناحیة البشریة یعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملاً أساسیاً فی خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجدیدة، وهذا الشعور بالنفاد یتكون ویترسَّخ من خلال التجارب الحضاریة المتنوعة التی یخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبیات ما بنى، مدركاً حاجته إلى العون، متلفتاً بفطرته إلى الغیب أو إلى المجهول …..(5)
فبهذه الكلمات الإیمانیة العمیقة التی تبعث على إحیاء روح الأمل والصبر على الظلم الموجود فی كل هذه البقاع من الأرض یناقش الشهید الصدر قدس سره ذلك ویجدد للناس العزیمة والذكرى والأمل نحو النصر الإلهی المبین الذی لا بُدَّ من تحقیقه فی الأیام اللاحقة.
الانتظار والمنتظرون
تُعدُّ مسألة انتظار الإمام الثانی عشر من أئمة المسلمین من المسائل المهمة فی عقیدتنا، وقد أكدت الشریعة المقدسة على ذلك وحثت على الاستعداد لذلك الوقت الموعود حین یرث الله تعالى الأرض ومن علیها لعبادهِ الصالحین، فلا یكاد یمرّ دور أی إمام من الأئمة المعصومین علیهم السلام إلا ویتم التأكید على ذلك إجمالاً تارة وتفصیلاً أخرى، ونحاول قبل أنْ نبین مفهوم الانتظار وكیفیة التعامل مع ذلك أنْ نستعرض بعض الروایات المباركة التی أشارت إلى هذه الفترة من الزمن (زمن غیبة المعصوم علیه السلام) وما ینبغی أنْ یكون علیه المؤمنون المنتظِرون لتطبیق حكومة العدل الإلهی على الأرض ……
* عن علی بن جعفر عن أخیه الإمام الكاظم علیه السلام أنه قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله فی أدیانكم لا یزیلكم عنها أحد، یا بنی انه لا بُدَّ لصاحب هذا الأمر من غیبة حتى یرجع عن هذا الأمر من كان یقول به، إنما هـی محنـة من الله عز وجل امتحن بها خلقه …)(6).
* فی حدیث المفضل بن عمر عن الإمام الصادق علیه السلام سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: أما والله لیغیبنَّ إمامكم سنین من دهركم ولتمحصنَّ حتى یقال: مات؟
قتل؟
هلك؟
بأی وادٍ سلك؟
ولتدمعنَّ علیه عیون المؤمنین، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن فی أمواج البحر، فلا ینجو إلا من أخذ الله میثاقه، وكتب فی قلبه الإیمان، وأیده بروح منه… قال: فبكیتُ ثم قلت: فكیف نصنع؟ فنظر إلى شمسٍ داخلةٍ فی الصفة، فقال: یا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم، قال: والله إنَّ أمرنا أبین من هذه الشمس(7).
* فی حدیث أبی خالد الكابلی عن الإمام زین العابدین علیه السلام قال : یا أبا خالد إنَّ أهل زمان غیبته والقائلین بإمامته والمنتظرین لظهوره علیه السلام أفضل من أهل كل زمان، لأنَّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغیبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم فی ذلك الزمان بمنزلة المجاهدین بین یدی رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بالسیف أولئك المخلصون حقاً، وشیعتنا صدقاً، والدعاة إلى دین الله سرّاً وجهراً)(8).
وغیر هذا من الأحادیث الواردة فی هذا الباب.
إنَّ المتأمل فی ألفاظ هذه الأحادیث ومضامینها یخلص إلى نتیجة عامة ظاهرة وهی شدة الامتحان والاختبار وعظمة المسؤولیة الملقاة على عاتق المؤمنین فی زمن غیبته علیه السلام والدور الكبیر المطلوب منهم تجاه إمامهم لأنه وكما ورد فی الحدیث الشریف ¬(مَنْ مَاتَ وَلَمْ یَعْرِف إمامَ زَمَانِهِ مَات میتَةً جاهلیَّةً) فإنه من الیقین لیس المراد من معرفته هو معرفة الاسم والرسم، كلا فلیس ذلك هو المراد!!.
إذن یمكن أنْ نخرج بعدة نتائج من خلال الجمع بین هذه الأحادیث الثلاثة المباركة التی وردت فی هذا الباب فإنه:-
أولاً: نحن المخاطَبـون خصوصـاً فی هذه الأحادیث وما یتعلق به (أی كُلُّ من شهد غیبة الإمام المهدی علیه السلام منذ عام (255هـ) إلى ما لا یعلمه إلا الله من الیوم الموعود فكُلٌّ مِنّا على اختلاف الاتجاهات والاعتقادات یشمله هذا الخطاب وهو أمام هذا الاختبار .
ثانیاً: إنَّ الأمر المتوجه إلینا هو فی غایة الأهمیة ویجب علینا معرفته والإحاطة به لنكون على یقین من المعتقد تجاه إمام زماننا ولذا أشارت الروایة الأولى إلى عظمة هذا الأمر بقوله علیه السلام: (إنما هی محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه) وقال علیه السلام فی الروایة الثانیة: (فلا ینجو إلا من أخذ الله میثاقه وكتب فی قلبه الإیمان وأیده بروح منه) وقال فی الروایة الثالثة: (والدعاة إلى دین الله سراً وجهراً …) فعلینا أنْ نتأمل أیها الأخوة المؤمنین فی ذلك فی كل آنٍ لنرى ما نحن علیه.
ثالثاً: یظهر كذلك من هذه الروایات صعوبة هذا الأمر وخطره وما یستوجب علینا من الحزم والشدة والقوة والبصیرة لتعدِّی ذلك الاختبار دون التردد والشك والسقوط فی حزب المعاندین أو المنكرین لأمره علیه السلام كما ذكرت الروایات ذلك: (فالله الله فی أدیانكم لا یزیلكم عنها أحد …. حتى یرجع عن هذا الأمر من كان یقول به) وكذا (.. حتى یقال مات؟ قتل؟ بأی وادٍ سلك؟…).
فهذه هی النقاط الثلاث التی یجب على كل مسلم عموماً والمؤمن خصوصاً أنْ یضعها أمامه دائماً ولا یغفل عنها طرفة عینٍ أبداً لیكون على استعداد تامٍ لهذا الاختبار.
إذن ما هی الخطوات التی یجب علینا أنْ نتبعها لنكون حقیقة من المنتظرین له ولأمره فإنَّ الانتظار قد یكون تارة للإمام علیه السلام أی شخصه الشریف، وقد یكون لأمره علیه السلام وكلاهما انتظاران شریفان، ولكن الثانی وقته معلوم والأول غیر معلوم إلى أنْ یأذن الله فی ذلك، والثانی هو نفس ما یشترك فیه مع الأئمة المعصومین علیهم السلام من قبل، وهو تطبیق الشریعة المقدسة وهدایة الناس نحو الخیر والصلاح والسعادة وإنْ كان یفترق عن زمانهم فی جهات معینة ولكن الأمر عموماً هو واحد لأنَّ هدف الأئمة علیهم السلام هو امتداد لهدف الأنبیاء ولكن الأمر فی زمانه علیه السلام یكون محاطاً بكثرة الفتن والادعاءات من المغرضین والمعاندین وأصحاب الأهواء والأباطیل وإنْ كان ذلك موجوداً أیضاً فی زمن الأئمة علیهم السلام من قبل ولكن بنسبٍ متفاوتة ولذا كان السلاح النافع فی النصر على ذلك هو المعرفة والصبر، وقد أشارت الروایات إلى ذلك حیث قال علیه السلام: (من مات ولم یعرف إمام زمانه …..) فكان التأكید على المعرفة الحقیقیة لحجة الله فی الأرض. وروایات أخرى أشارت كذلك إلى الصبر حیث روی عن الإمام الصادق علیه السلام: (إنّا صُبَّر وشیعتنا أصبر منا)، قلت: جعلت فداك كیف صار شیعتكم أصبر منكم؟
قال: لأنّا نصبر على ما نعلم وشیعتنا یصبرون على ما لا یعلمون، فالصبر هنا فی هذه الروایة هو السلاح لمقارعة فتن هذا الزمان والنجاة منها، ولكن الروایة تذكر بأنَّ الشیعة یصبرون على ما لا یعلمون، فإنَّ الصبر على أمرٍ مجهولٍ قد لا تكون فیه من الآثار المحمودة -كما قد یُقال- وللإجابة على ذلك یكون فی أنه یمكن فهم الروایة على نحوِ انَّ الأئمة علیهم السلام یصبرون على الأمور وهم یعلمون بها تفصیلاً وتحقیقاً وتدقیقاً، وأما غیرهم فیصبرون وهم لا یعلمون تلك المعرفة التی لدیهم ولكنهم إجمالاً یعلمون بأنهم على الحق ویتبعون أهل الحق، والحق أحق أنْ یُتَّبَع.
إذن فالانتظار یكون ناجحاً عندما یكون مقروناً بالمعرفة والصبر لكی یصل الإنسان المُنتظِر إلى الغایة التی یرید تحقیقها وهی صعبة جداً بطبیعة الحال، والقرآن الكریم قد أشار إلى ذلك فی موارد عدیدة،قال تعالى ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا یَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى یَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ))(9) وقد أشارت الروایات التی مضت إلى ذلك حیث قال علیه السلام فی الروایة الثانیة: (فلا ینجو إلا مَنْ أخذ الله میثاقه وكتب فی قلبه الإیمان وأیده بروح منه …..) وقال علیه السلام فی الروایة الثالثة: (لأنَّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغیبة عندهم بمنزلة المشاهدة) فإنَّ الله تعالى لا یؤیّد من عباده أحداً فی هذا الأمر إلاّ مَنْ كان عارفاً صابراً لذلك، متأسیاً بسنة الأنبیاء من قبل، وكذا فلا یعطی العقول والأفهام والمعرفة إلا لمن هم أهلٌ لذلك.
وعلى ذلك فالمنتظرون حقیقةً لإمام زمانهم علیه السلام علیهم بالمعرفة والصبر لكی یفوزوا بثواب ذلك الانتظار سواء تحقق اللقاء مادیاً أم لم یتحقق، ولذا ورد التأكید على هذا المفهوم فی الروایات المباركة حیث ورد عنهم علیهم السلام: (مَنْ مات منتظراً لأمرنا كان كمن كان فی فسطاط القائم علیه السلام)(10) وقال الصادق علیه السلامأیضاً: (مَنْ مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن كان مع القائم فی فسطاطه)، قال الراوی: ثم مكث هنیئة ثم قال: (لا بل كمَنْ قارع معه بسیفه)، ثم قال: (لا والله إلا كمَنْ استشهد مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم)(11).
إذن فیجب علینا أنْ نكون حقیقة من المنتظرین لنفوز بذلك الثواب العظیم.
وأعتقد فی الختام انه قد تبین لنا جلیاً معنى الانتظار وهو العمل الجاد الدؤوب الذی لا توانی فیه أبداً بل الاستعداد المطلق للتضحیة بهوى النفس وشهواتها أمام الأمر الإلهی وطاعة الله تعالى، وأخیراً نُذكِّر أنفسنا بما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام: (مَنْ سَرَّه أنْ یكون من أصحاب القائم فلینتظر ولیعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فإنْ مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل مَنْ أدركه ……)(12).
فلسفة الانتظار
حثَّ الأئمة علیهم السلام شیعتهم على انتظار الفرج لدولة الإمام المهدی علیه السلام الذی سیملأ بها الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملِئت ظلماً وجوراً وكما أكدت الأحادیث الشریفة على هذا المعنى العظیم، وكذلك الأحادیث التی بینت أنِّ انتظار الفرج هو من أفضل الأعمال الصالحة فی آخر الزمان وما یجب على المؤمنین التحلی به كما روی فی الحدیث الشریف عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم (أفضل أعمال أمتی انتظار الفرج) و(المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه) وغیرهما من الأحادیث التی تحثّ على ذلك. فإنَّ هذه الأحادیث وغیرها التی تعرضت إلى الانتظار قد یسیء بعضهم فهمها ویتصور أنها تدعو إلى الكسل والتوانی والابتعاد عن العمل وترك المجتمع الإسلامی انتظاراً لذلك الیوم، ولكنَّ هذا الفهم قاصر عن النظریة الإسلامیة تجاه الیوم الموعود للإمام المهدی علیه السلام وتهیئة سبل الدعوة وأسباب النصر التی یجب أنْ یكون علیه أنصاره، ولكی نخرج بالصورة الواضحة لمفوم العمل والانتظار لدولة الإمام المهدی علیه السلام نتجوّل معاً فی كتاب (الانتظار الموجَّه)(13) للشیخ الجلیل “محمد مهدی الآصفی” لیبین لنا كیفیة العلاقة بین هذین المفهومین والخروج بالنتیجة من ذلك، فیقول تحت عنوان “علاقة الانتظار بالحركة” یحبّ بعض الناس أنْ یصوّروا حالة الانتظار بأنّها مسألة نفسیة نابعة من حالة الحرمان فی الطبقات المحرومة فی المجتمع والتاریخ وحالة الهروب من الواقع المثقل بالمتاعب إلى الاستغراق فی تصوّر المستقبل الذی یتمكن فیه المحرومون من استعادة جمیع حقوقهم واستعادة السیادة والحقوق المغتصبة وهذا نوع من أحلام الیقظة أو الهروب من الواقع إلى التخیّل.
أقول إنَّ هذا التوجیه لمسألة الانتظار غیر علمی بالتأكید ….. فقد یفهم الناس الانتظار بطریقة سلبیة یتحول فیها هذا المفهوم إلى عاملٍ للتخدیر والإعاقة عن الحركة, وقد یفهم بطریقة إیجابیة تجعل منه عاملاً من عوامل التحریك والبعث والإثارة فی حیاة النفوس …. إذن یكون الانتظار الذی نرید أنْ نبینه على نحوین:
النحو الأول من الانتظار هو الذی یبعث نحو الأمل والذی یورِّث الإنسان بدوره المقاومة, ومثال ذلك الإنسان الغریق الذی ینتظر فریق الإنقاذ إلیه من السواحل وَیَرَاهم مُقبلین لإنقاذه فإنّ هذا الانتظار یبعث فی نفس الغریق أملاً قویّاً فی النجاة ویدخل نور الأمل على ظلمات الیأس التی تحیط به من كل جانب، وهذا الأمل یمنحه المقاومة فیواصل الغریق المقاومة حتى یصل فریق الإنقاذ إلیه، ولاشك فی أنَّ هذه المقاومة من الله تعالى ولاشك فی أنَّ هذا الأمل من أسباب هذه المقاومة وهاتان معادلتان لا سبیل للتشكیك فیهما .
أما النحو الثانی وهو الذی یبعث على الحركة ومثله شفاء الإنسان من المرض وإنجاز مشروعٍ عمرانیٍّ أو علمیٍّ أو تجاریٍّ والانتصار على العدو والتخلص من الفقر فإنَّ كل ذلك من الانتظار وأمر تعجیل هذه الأمور أو تأخیرها بید الإنسان نفسه فمن الممكن أنْ یعجِّلَ بالشفاء ومن الممكن أنْ یؤخره أو ینفیه، إذن الانتظار على النحو الأول لم یكن بإمكان الإنسان إلا الأمل والمقاومة.
أما على النحو الثانی فهو یمنح الإنسان إضافة إلى ذلك الحركة ……. ونحن الآن نعیش فی مرحلة الانتظار وهناك واجبات ومسؤولیات یجب أنْ نفهمها لنتعرف على العلاقة الوثیقة بین مفهوم العمل والانتظار فمنها:
* أولاً: الوعی وهو وعی التوحید بأنَّ الكون كله من الله وكل شیءٍ مسخّرٍ بأمره وهو قادرٌ على كل شیءٍ، وكذا الوعی بوعد الله تعالى وسط هذه الأجواء السیاسیة الضاغطة والإیمان بوعده ونصرته للمؤمنین حیث قال تعالى: ((ولاتَهِنُـوا وَلاتَحْزَنُـوا وَأنْتُـمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُـمْ مُؤمنیـنَ)) وقوله تعالى: ((وَنُریدُ أنْ نَمُنَّ على الَّذینَ اسْتُضْعِفُوا فی الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثینَ))، إضافة إلى وعی الإنسان المسلم فی أداء واجباته ورسالته فی الأرض ….
* ثانیاً: الأمل بوعد الله تعالى لعباده بحوله وقوته وسلطانه وبهذا الأمل یشد المسلم حبله بحبل الله فلا نفاد لأمله بقوته تعالى وسلطانه.
* ثالثاً: المقاومة وهی نتیجة الأمل كما قدَّمنا.
* رابعاً: الحركة وهی الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر والدعوة إلى الله وإعداد الأرض لظهور الإمام وقیام دولته العالمیة وإعداد جیل مؤمنٍ یتولى نصرة الإمام والإعداد لظهوره وعیاً وإیماناً وتنظیماً وقوةً.
وغیرها من الأمور التی یجب تهیئتها استعداداً للظهور الموعود.
وأخیراً الدعاء وطلب النصرة من الله تعالى فی الاستجابة لذلك والتوجه نحو تحقیق المقدمات له والتضحیة بكل شیء من أجل هذا النصر الإلهی الموعود، ولذا یجب التأمل كثیراً فی فقرات هذا الدعاء العظیم “دعاء الافتتاح” حیث ورد فی آخر فقراته (اللهمَّ إنّا نرغَبُ إلیكَ فی دولةٍ كریمَةٍ تعزُّ بها الإسلام وأهلَه، وتذلّ بها النّفاق وأهله، وتجعلنا فیها مـن الدعاةِ إلى طاعتِـكَ، والقـادةِ إلى سبیلك، وترزقنا كرامة الدنیا والآخرة. الحكومة العالمیة للإمام المهدی علیه السلام والاستعداد لها
إنَّ الحدیث عن تلك الحكومة الإلهیة التی ستحقق الوعد الإلهی وتلأ الأرض قسطاً وعدلاً حدیث عظیم وعظیم ولقد كتبت العدید من المؤلفات والموسوعات التی تتعلق بالإمام المهدی علیه السلام ودولته فی آخر الزمان وكذا التی تناولت سیرته الشریفة وغیبته وسفراءه وما یتعلق بذلك، فكانت العشرات من تلك المؤلفات لعلماء المسلمین من شتى الطوائف. ونقف الیوم عند مؤلَّفٍ من تلك المؤلفات التی تسلط الضوء على طبیعة حكومة الإمام المهدی علیه السلام التی نترقبها، وآلیة هذه الحكومة، وكیفیة الاستعداد لها وتهیئة الأرضیة المناسبة وغیر ذلك .
حیث یقول الشیخ ناصر مكارم الشیرازی (صاحب تفسیر الأمثل) فی كتابه “الحكومة العالمیة للإمام المهدی عجل الله فرجه” : لا شك أن القرائن تشیر على ضوء النظرة الابتدائیة إلى أن الدنیا تمضی قدماً نحو الفاجعة التی تتبین ملامحها من خلال مقارنة الوضع السائد مع الماضی القریب …… ولكی یكون الاستعداد نافعاً فهناك عدة خطواتٍ یجب العمل على تهیأتها.
الاستعدادات العامة:
لابد أنْ نذعن بأن بلوغ تلك المرحلة التاریخیة التی یجتمع فیها كافة الناس تحت رایة واحدة وتزول فیها الأسلحة الفتاكة وتنعدم فیها الطبقات المستعمَرة (بالفتح) والمستعمِرة (بالكسر) وتنتهی فیها النزاعات والألاعیب السیاسیة والعسكریة للدول العظمى…. وعلى أیة حال، هناك استعدادات ینبغی توفرها لقیام هذه الحكومة:
1- الاستعداد الفكری والثقافی: أی ینبغی أنْ یبلغ المستوى الفكری للناس درجة تجعلهم یدركون بأن قضیة العِرْق أو المناطق الجغرافیة المختلفة لیست بالأمور الجدیرة بالاهتمام فی حیاتهم ولیس للخلافات على أساس اللون واللغة والأرض أن تفرق بین أبناء البشر ویجب أن تموت وإلى الأبد العصبیات القبلیة والفئویة ….
2- الاستعداد الاجتماعی: لابد أنْ یتعظ الناس من الظلم والجور والأنظمة السائدة ویشعروا بحرارة هذه الحیاة المادیة والیأس التام من أن مثل هذه الحیاة الأحادیة النزعة یمكنها فی المستقبل حل المشكلة القائمة….. فقد اتسعت رقعة الإرباكات المادیة وعدم الأمن والاستقرار إلى جانب غیاب حالة الرفاه والرخاء.
3- الاستعدادات التقنیة: خلافاً لما یراه البعض من أن بلوغ مرحلة التكامل الاجتماعی وعالم مفعم بالأمن والعدل والسلام یقترن ضرورة بالقضاء على التقنیة المعاصرة، بل الواقع أن هذه التكنولوجیا المتطورة لیس فقط لا تحول دون قیام حكومة العدل العالمیة فحسب، بل ربما یستحیل بدونها تحقیق تلك الحكومة …. فإن مثل هذه الحكومة وبغیة إشاعة الأمن وبسط العدل فی ربوع العالم، تحتاج إلى العلم بكافة المناطق والسیطرة التامة لتتمكن من تربیة المجتمع المتأهب للإصلاح إلى جانب الإبقاء على وعیه وحیویته …. ویبدو أن العالم الذی یرید أن یبلغ هذه المرحلة ینبغی أن تتسع فیها رقعة وسائل التربیة والتعلیم وتتصف بالشمولیة بحیث تستند أغلب مشاریعها إلى التثقیف الذاتی، وهذا بدوره یتطلب مراكز ثقافیة فاعلة ووسائل ارتباط عامة وصحافة وكتب ضخمة والتی لا تتیسر جمیعاً دون وفرة الآلات الصناعیة المتطورة….. فهذه بعض الاستعدادات التی جیب أن تتوفر كمقدمة لتلك الحكومة العالمیة، فإن مسألة انتظار الحق والعدل وقیام المصلح العالمی (المهدی) تتركب فی الواقع من عنصرین: عنصر النفی وعنصر الإثبات، وعنصر النفی هو عدم التكیّف مع الوضع الموجود، وعنصر الإثبات هو السعی إلى الوضع الأفضل خلافاً لاعتقاد البعض بأن المحور الرئیسی لانتظار ظهور المصلح المطلق یكمن فی الإحباطات والإرباكات على مستوى الأفكار.
فالانتظار یعنی التأهب التام، فإنْ كنتُ ظالماً فكیف یسعنی انتظار من یضع سیفه فی أعناق الظَلَمَة؟
وإنْ كنتُ ملوَّثاً وفاسداً فكیف أنتظر نهضةً أول شرارتها أن تطیح بالملوَّثین المَرَدَة!.
والجیش الذی ینتظر الجهاد الأكبر إنما یرفع القدرة القتالیة لأفراده وینفخ فیهم روح الثورة ویصلح فیهم كل ضعف. فالبعد الأول لهذه النهضة یتمثل فی القضاء على عوامل الفساد والانحطاط ویطهر المجتمع من دنس العصاة، وما أنْ تنتهی هذه المرحلة حتى یأتی دور البعد الإیجابی أی إشاعة عوامل الإصلاح.
هناك عبارة رائعة فی عدة روایات بشأن فلسفة وجود الإمام علیه السلام فی عصر الغیبة یمكن أن تساعدنا فی حل هذه المشكلة حیث قال النبی صلى الله علیه وآله وسلم بشأن فائدة الإمام فی الغیبة (إی والذی بعثنی نأن بالنبوة إنهم ینتفعون به ویستضیئون بنور ولایته فی غیبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب) …. فللأشعة المعنویة غیر المرئیة لوجود الإمام علیه السلام حین تكون خلف سحب الغیبة عدة آثار تكشف عن فلسفته الوجودیة رغم تعطیل مسألة التعلیم والتربیة والزعامة المباشرة منها:
أولاً: بث الأمل: إنَّ جُلَّ اهتمام الجنود الأوفیاء فی میدان القتال یتمثل فی حفظ الرایة خفاقة تجاه هجمات الأعداء بینما یسعى العدو جهد الإمكان إلى الإطاحة بهذه الرایة ذلك لأن انتصاب الرایة یبث روح الأمل والمقاومة والصمود ودیمومة القتال كما أن وجود القائد (مهما كان صامتاً) یبعث على رفع المعنویات وتجدید القوى وتعبئة الطاقات والاندفاع نحو القتال حیث یشعرون بقوة حین یرون القائد واهتزاز الرایة …. والشیعة تعتقد بوجود إمامها حیاً وإن لم تره بینها، وبالتالی فهی لا ترى نفسها وحیدة فی الساحة (لا بُدَّ من التأمل) فهی تنتظر قدومه وتحتمله فی كل لحظة وهذا ما یؤثر على مسیرتها إیجابیاً ومن هنا یمكن إدراك الأثر النفسی لهذا الأسلوب من التفكیر فی بث الأمل والرجاء فی قلوب الأفراد وسوقهم نحو التهذیب والاستعداد لتلك النهضة الكبرى، ولو أضفنا نقطة أخرى إلى هذا الموضوع لأصبحت القضیة أكثر جدیة وهی على ضوء الاعتقاد العام للشیعة فقد وردت فی أغلب الروایات فی المصادر الشیعیة أن الإمام یتفقد طیلة غیبته وبصورة مستمرة أوضاع شیعته ویقف على تفاصیل أعمالهم عن طریق الإلهام وما شابه وحسب الروایات فإن أعمالهم تُعرض علیه كل أسبوع ویحیط علماً بتصرفاتهم وأفعالهم، وهذا الاعتقاد یجعل هؤلاء الأتباع یخضعون لمراقبة دائمیة یستحضرونها عند كل قول وفعل، الأمر الذی لا یمكن إنكار دوره النفسی والتربوی.
ثانیاً: حمایة الدین: قال علی علیه السلام فی بعض الكلمات القصار فی إشارته إلى ضرورة وجود الزعمـاء الربانیین فی كل عصـر وزمان، (اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبیناته)، فإنه كیف یتم حفظ أصالة الدین والحیلولة دون التحریفات والانحرافات؟ وهل یتم ذلك سوى من جانب الإمام المعصوم سواء كان مشهوراً ومعلوماً أم مغموراً ومجهولاً (لئلا تبطل حجج الله وبیناته).
ثالثاً: إعداد ثلة ثوریة واعیة: خلافاً لما یعتقده البعض من قطع الارتباط المطلق بین الإمام والأمة فی عصر الغیبة، بل كما یستفاد من الروایات الإسلامیة، فإن هناك ثلة من الأفراد الذین یعیشون عشق الله ویتمتعون بقلب ینبض بالإیمان والإخلاص والتفكیر فی إصلاح العالم مرتبطة بالإمام وتعدّ بالتدریج من خلال هذه الرابطة.
فهذه بعض الآثار العملیة للاستفادة من الإمام المهدی علیه السلام فی غیبته.
وأما سبل انتصار ذلك المصلح العظیم، فهل ینهض بالسیف فعلى هذا الأساس ترد بعض الأسئلة بشأن قیام المصلح العالمی الكبیر ومنها:
– هل یعتمد على الأسلحة التقلیدیة للعصور السابقة بغیة تحقیق النصر وهزیمة الجبارة والطواغیت؟
– هل تزول كل هذه الوسائل الحدیثة والمتطورة؟
وغیر ذلك من الأسئلة، فإنه بشأن السلاح فنقول: لابد من الإطاحة بالحكومات الجائرة والمستبدة من أجل استقرار حكومة العدل وینبغی على الأقل توفیر الأسلحة الأفضل للقضاء على تلك الحكومات، السلاح الذی ربما یصعب علینا الیوم حتى تصوره. ولا یسعنا الإشارة إلى هذا السلاح من الناحیة المادیة أو النفسیة أو سائر النواحی وكل ما یسعنا قوله أنه سیكون السلاح الأقوى …..
إذن یجب العمل الذؤوب فی كل المستویات العلمیة والاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة وغیرها لتهیأة المجتمع الإسلامی لذلك الأمل الموعود مادیاً ومعنویاً والاكتفاء الذاتی بقوة المنتظرین العاملین.
وفی الختـام أسأله تعالى أنْ یتقبل منَّا هذا العمل بأحسن قبوله، وأرجو أنْ أكون قـد وفقت لبیان لمحـة من اللمحات المبـاركة حول الإمام المهـدی علیه السلام وما یتعلق بغیبته وانتظاره، آملاً لیومه الموعود لیكـون الانتظــار مثمراً قولاً وعمـلاً فی الاستعـداد الحقیقی لذلك والتضحیة من أجله والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرین.
بعض الأمور التی ینبغی علینا مراعاتها للفوز بنصرته علیه السلام :
1- دعوة الناس لمعرفتهِ وخدمتهِ وخدمة آبائهِ الطاهرین.
2- الدعاء لتعجیل ظهورهِ وطلب الفتح والنصر لهُ من الله تعالى.
3- إهداء ثواب الأعمال الصالحة كقراءة القرآن وغیرها إلیهِ.
4- التوسل بالله تعالى أنْ یجعلنا من أنصارهِ.
5- الاهتمام فی أداء الحقوق المالیة كالخمس والزكاة وغیرها.
6- المداومـة على قراءة هذا الدعـاء (یا اللهُ یا رحمنُ یا رحیـمُ یا مقلبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبی على دینكِ).
7- طلب معرفتهِ من الله تعالى، وذلك بقراءة هذا الدعاء عن الإمام الصادق علیه السلام(اللهُمَّ عَرِّفْنِی نفسَكَ فإنَّكَ إنْ لم تعرفْنِی نفسَكَ لم أعرفْ نبیَّكَ، اللهُمَّ عَرِّفْنِی حُجَّتَكَ فإنَّكَ إنْ لم تعرِّفْنِی حُجَّتَكَ ظَلَلْتُ عن دینی).
المصـادر
* القرآن الكریم.
* المراجعات، السید عبد الحسین شرف الدین العاملی، ط3، 1424هـ 2003م، دار إحیاء التراث العربی- بیروت.
* مرشد المغتربین، السید محمد سعید الحكیم، ط1،دار الهلال- النجف الأشرف، 1426هـ 2005م.
* بحث حول المهدی علیه السلام، السید محمد باقر الصدر،ط1 ، قم، 1423هـ.
* أعلام الهدایة، المجمع العالمی لأهل البیت علیهم السلام.
* الحكومة العالمیة للإمام المهدی علیه السلام، الشیخ ناصر مكارم الشیرازی، ط1، مط سلیمان زاده، 1426هـ.
* الأئمة الاثنا عشر(دراسة موجزة عن شخصیتهم وحیاتهم علیه السلام)، الشیخ جعفر السبحانی.
* الانتظار الموجَّه، الشیخ محمد مهدی الآصفی، مط لیلى، 1427هـ.
* دروس تمهیدیة فی العقائد، عماد الكاظمی، ط1، الكاظمیة، 1429هـ 2008م.
اللهم عجل فرجه واجعلنا من أنصاره وأعوانه
إنك سمیع الدعاء
الهوامش:
(1) المراجعات.
(2) النور:55
(3) القصص:5
(4) الأنبیاء:105
(5) بحث حول المهدی.
(6) مرشد المغتربین عن بحار الأنوار ج51.
(7) المصدر السابق عن الكافی ج1.
(8) المصدر السابق عن بحار الأنوار ج36.
(9) البقرة:214
(10) أعلام الهدایة عن كمال الدین.
(11) المصدر السابق عن المحاسن للبرقی ج1 والبحار ج52.
(12) المصدر السابق عن مكیال المكارم ج1.
(13) الانتظار الموجَّه
عماد الكاظمی