أولاد آخر الزمان‏

ینقسم الشباب الیوم إلى قسمین، مؤمن یسعى لتحصین نفسه وتقویة إیمانه، وآخر لا یبالی. ففی مجتمع الأمس، كنا نجد الشباب وخاصّة مَنْ كان منهم فی فترة المراهقة فی فترة الثمانینات متحمّسین إلى التعالیم الدینیّة بشدّة، حتى أنهم كانوا یقطعون المسافات الطویلة للاستماع إلى محاضرةٍ أو دعاءٍ أو لحضور درس …

ینقسم الشباب الیوم إلى قسمین، مؤمن یسعى لتحصین نفسه وتقویة إیمانه، وآخر لا یبالی. ففی مجتمع الأمس، كنا نجد الشباب وخاصّة مَنْ كان منهم فی فترة المراهقة فی فترة الثمانینات متحمّسین إلى التعالیم الدینیّة بشدّة، حتى أنهم كانوا یقطعون المسافات الطویلة للاستماع إلى محاضرةٍ أو دعاءٍ أو لحضور درس …
فالقرب من الله كان غایتهم، والرضا مرامهم، والتقوى شعارهم، والدنیا ما كانت تعنی لهم الكثیر. والسبب أن حبّ الله كان قد ملأ قلوبهم فشغلهم عن بهارج الدنیا وزینتها.
نجد فی الجیل الصاعد مَنْ یسیر على نفس النهج فیما قسم آخر تغیّرت تطلعاته، ولا تعنی له هذه الأمور الشی‏ء الكثیر.
وبالرغم من توفر الأجواء الإیمانیّة والوعی الدینی- عند الأهل أو فی المدرسة …- تراهم یتثاقلون عن القیام بواجباتهم الدینیّة، وخصوصاً الصلاة التی لا یأتونها إلا بعد التذكیر والتنبیه .. ویتأفّفون ویتذمّرون من كثرة الممنوعات والمحظورات ومن قلّة المباحات! وهؤلاء بات الفراغ الروحی حالهم، وبعض الأمور الدینیّة مشكلتهم، والأسئلة الكثیرة حول الوجود تشغل بالهم …
ولكن یا ترى ما هی الأسباب التی أدّت إلى وجود هذه الظاهرة وتفشیها بین أبنائنا؟
إن الأسباب كثیرة، نذكر منها:
1- المغریات الدنیویّة السّهلة المنال، والتی بدّلت الأولویّات.
2- الأجهزة الإعلامیّة التی تبالغ فی إثارة الجیل الطالع.
3- سیطرة المعاییر الغربیّة على أذهانهم؛ فصارت بعض المظاهر المحرّمة بالمعیار الشرعی حلالًا عندهم.
4- غیاب التوجیه والإرشاد، وافتقاد القدوة الصالحة.
5- تلقین المعانی والأفكار الدینیّة بشكل منحرف مغایر لحقیقتها؛ ما یؤدی ببعضهم إلى الازدراء بقیم وطقوس دینیة عدیدة.
6- من الأسباب أیضاً عدم الإجابة عن التساؤلات التی تجول فی أذهانهم والتی لا یجدون لها أجوبة شافیة؛ فتظل نفوسهم حائرةً وقلقة.

هذه العوامل وغیرها لها أثرها البالغ فی تدنّی المستوى الرُّوحی لدى شبابنا. فعلینا الاهتمام بتربیتهم وتنشئتهم؛ لأنهم بحاجة إلى العطف والحنان والرعایة والاهتمام، وخاصة أن هناك حرباً تُشنُّ علیهم أخطر من الحروب العسكریّة، إنها حرب القیم والمبادئ، ما یوجب علینا حمایتهم والمحافظة علیهم.
* أیها المربّون الكرام‏
إنَّ التربیّة والإرشاد والتوجیه الدینی من المسؤولیّات الكبرى التی أوجبها الإسلام علینا جمیعاً.
فالله تعالى قال فی كتابه الكریم: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِیكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (التحریم: 6).
لذا ینبغی البدء بتربیة أبنائنا منذ الصغر؛ على الأحكام الشرعیّة وعلى أركان الدین، كذلك لا بدّ من تزوید قلوبهم بمداد التقوى كی لا یواجهوا أیة مشكلة فی مرحلة التكلیف، وخاصّةً أن المراهقة هی مرحلة الشباب المتدفّق والعنفوان، ومرحلة التطوّرات السریعة التی تطرأ على كیان المراهق كلّه جسدیاً ونفسیّاً وعقلیّاً وفكریّاً، وما یرافق ذلك من یقظةٍ دینیّةٍ یهتمّ لها المراهق، فیفكر فیما وراء الطبیعة المادیّة، وما قبل الولادة وما بعد الموت.
لذلك یجب استغلال هذه الفترة، والاهتمام برعایتهم وحمایتهم من كل سوء، والابتعاد عن السطحیّة والضحالة فی تقدیم الأفكار الدینیّة الصحیحة لهم، وتوسیع ثقافتهم الدینیّة حتى تنهض بمستواهم الروحی وتربط أرواحهم بخالقها، بحیث تقوم العلاقة معهم على أساس الحبّ والرّحمة، ولیس على أساس التسلّط والقهر.
وكذلك ینبغی للمربین الكرام ترغیبهم فی المحافظة على أداء الشعائر الدینیّة من صلاة وصوم وارتداء اللباس الشرعی ..
ولكن الأهم هو الأسلوب المُتبَّع معهم والذی ینبغی أن یكون لطیفاً ومحبّباً، كما قال الله تعالى لرسوله (ص): فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: 159).
أما الأهم على الإطلاق فهو العمل على تحبیبهم بربهم من خلال تذكیرهم دائماً بنعمه التی لا تُعدّ ولا تُحصى، وتذكیرهم دائماً بأن الحبّ الحقیقی لا یتحقّق إلا بطاعة المحبوب، وتربیتهم على تقوى الله فی السرِّ والعلن، وعلى استذكار هادم اللذات، وتحذیرهم من العقاب الألیم إن خالفوا أوامر الباری، وعلینا أن لا ننسى ترغیبهم فی حضور مجالس العلم والدعاء والعزاء التی تجلی القلوب …
وعلیهم أن یعلموا ویدركوا أن المباحات فی الإسلام هی أكثر من محرّماته، فلا ینبغی أن یشعروا بالاختناق.
وما یؤدی دوراً مهماً هنا هو بناء الثقة معهم وإقناعهم بفوائد الدین وآثاره الایجابیة علیهم، كالصلاة مثلًا، التی هی عدا عن كونها عمود الدین وتقوّی الصلة برب العالمین فإنها أول شی‏ء یُسأل عنه الإنسان یوم القیامة، وهی أیضاً حاجة إنسانیة، وراحةٌ نفسیة، وتركها یؤدی إلى الفراغ الروحی والجنوح نحو الذنوب، فضلًا عن العذاب الألیم، كما قال الله تعالى حكایةً عن بعض أهل النار: مَا سَلَكَكُمْ فِی سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّینَ (المدثر: 42- 43).
وعلینا أن لا نغفل عن أهمیة القلب المنشرح الذی یفتح لهم باب المناقشة الهادئة الواعیة الدقیقة، فلا نتضایق أو نتبرم بمناقشتهم وأسئلتهم؛ لأنهم یمیلون فی هذه المرحلة إلى مناقشة كل فكرة تُعرض علیهم. فهم ما عادوا أطفالًا یأخذون كل شی‏ء بالتسلیم المطلق.
ولا ینبغی أن نتجاهل الإجابة عن تساؤلاتهم المتعلقة بوجود الله تعالى وعدله، وعن كل ما یتعلق بعالم الآخرة بأدلة مقنعة تركن إلیها نفوسهم، وإن كان هذا لا ینفی أن نزرع فی عقولهم فكرة التسلیم المطلق لله تعالى والانقیاد لأوامره وأحكامه؛ لأنه سبحانه وتعالى عادل حكیم، وما شرّع شرعته إلا لمصلحة لنا، وإن عجزت عقولنا عن إدراكها أحیاناً كثیرة؛ لأن الله تعالى قد قال: وَمَا أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَا قَلِیلًا (الإسراء: 85).
إن شباب الیوم بحاجة إلى توجیهٍ واعٍ فی اختیار الرفقاء الصالحین، لأنهم یتأثرون برفاقهم أكثر مما قد یتأثرون بأهلهم أو بمدرّسیهم. كما لا بدّ من تنویع‏ الخطاب الدّینی معهم، سواء بطریقة غیر مباشرة أو من خلال الإیحاء. فالمراهقون حساسون تجاه الوعظ المباشر.
من هنا یجب العمل على تنمیة جوانبهم الروحیة والدینیة من خلال ربطهم بالقدوة الحسنة كالأنبیاء والأئمة (ع) وأصحابهم الأخیار المنتجبین والأولیاء الصالحین، واصطحابهم إلى المساجد للصلاة، وتعویدهم على ارتیادها وتأدیة الصلاة فی أول وقتها.
ولا ننسى هنا ضرورة تشجیعهم على قراءة الكتب الدینیّة المشوّقة، وخصوصاً كتاب الله تعالى.
كذلك للمدرسة دور هام فی تنشئتهم وتربیتهم. وربط أعمالهم التی یقومون بها برضا الله أو غضبه؛ لیكون الله محوراً رئیساً فی حیاتهم، ویدركوا أن مصلحتهم الشخصیة هی فی تنفیذ الأوامر الإلهیّة والانتهاء عن معاصیه لشأن یتعلّق بحیاتهم ومستقبلهم وآخرتهم.
ومن جهة أخرى من الضروری توعیتهم إلى الابتعاد عن سیطرة إبلیس اللعین علیهم بالتعوّذ الدّائم منه؛ لأنه یحضر بأشكال وطرق مختلفة لتحرفهم عن مصلحتهم وسعادتهم، كما قال الله تعالى: یَا بَنِی آدَمَ لَا یَفْتِنَنَّكُمُ الشَّیْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَیْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ یَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِیُرِیَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ یَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّیَاطِینَ أَوْلِیَاء لِلَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ (الأعراف: 27).
ویكون ذلك من خلال مل‏ء أوقات فراغهم بأعمال نافعة ومحببة لدیهم لتصرف طاقاتهم بشكل إیجابی وهادف.
* وفی ختام الكلام‏
إن مسؤولیتنا كبیرة تجاه أولادنا، ولا سمح الله، إن أهملنا تربیتهم فالعاقبة ستكون وخیمة، كما رُوی عن النبی (ص) أنه نظر إلى بعض الأطفال فقال: «ویل لأولاد آخر الزمان من آبائهم!
فقیل: یا رسول الله من آبائهم المشركین؟
فقال: لا، من آبائهم المؤمنین لا یعلّمونهم شیئاً من الفرائض، وإذا تعلموا أولادهم منعوهم ورضوا عنهم بعرض یسیر من الدنیا، فأنا منهم بری‏ء وهم منی براء» (1).

 

الهوامش:
(1) مستدرك الوسائل، المیرزا النوری، ج 15، ص 164.

الشیخ محمد الحمود

 

شاهد أيضاً

الإسرائيليات في التراث الإسلامي

إن الأدیان السماویة التي فرضها الله عز وجل علی عباده من لدن آدم علیهم السلام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *