الشيخ حسين الاسدي
لقد بات واضحاً اليوم ان من العلوم المهمة التي تساعد في فهم العلوم الاخرى هو علم (تاريخ العلم) ، بمعنى ان من الامور التي تساعد على الفهم الكامل لاي علم من العلوم ، هو النظر في تاريخ نشوء ذلك العلم والمراحل التي
لقد بات واضحاً اليوم ان من العلوم المهمة التي تساعد في فهم العلوم الاخرى هو علم (تاريخ العلم) ، بمعنى ان من الامور التي تساعد على الفهم الكامل لاي علم من العلوم ، هو النظر في تاريخ نشوء ذلك العلم والمراحل التي مر بها …
وقل مثل ذلك في السنن التاريخية ، فحتى نفهم قضية معاشة لابد ان نرجع الى تاريخها وكيفية نشوئها.
وهكذا لو اردنا ان نفهم مستقبل اية امة ، فما علينا الا ان ننظر في تاريخها،لنستشرف منه مستقبلها القريب او البعيد ، ولذلك تنبأ الكثيرون بانهيار الاتحاد السوفيتي عندما نظروا في تاريخ واسلوب بنائه .
ان هذا الامر يقال في اي علم او سنة او امة لها تاريخ ولها ماض ، ولا يقال في شيء حديث الولادة ولا نسب له.
والقضية المهدوية تخضع لهذا الامر ، فهي باعتبارها قضية انسانية _ اي من زاوية كونها قضية انسانية _ فهي قضية إلهية ، دينية ، إنسانية … ، وإن لها جذوراً تمتد الى اعماق التاريخ . وبالتالي فحتى نفهم حاضرها _ ومستقبلها المتوقع _ فهما جيداً فلا بد من الاطلاع على ذلك التاريخ العريق لها .
ولهذه اللابدية مؤشرات روائية عديدة ، فمثلاً نجد الكثير من الروايات الشريفة قد ربطت قضية غيبة الإمام المهدي عليه السلام بغيبة الأنبياء عليهم السلام السابقين ، تلك الغيبة التي كانت مستقبلية بالنسبة لزمن صدور تلك الروايات، والحاضرة اليوم بين ايدينا، لتؤكد ارتباط الغيبة المهدوية بغيبة الانبياء السابقين ، اي تؤكد ارتباط الماضي بالمستقبل وبالعكس.
ففي كمال الدين وتمام النعمة ص480-481 عن حنان بن سدير ، عن ابيه ، عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال : (ان للقائم عليه السلام منا غيبة يطول امدها ، فقلت له يا ابن رسول الله ولم ذلك ؟ قال عليه السلام: لان الله عزوجل ابى الاّ ان تجري فيه سنن الانبياء عليهم السلام في غيباتهم، وانه لا بد له _ ياسدير _ من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أي سنن من كان قبلكم).
ومثلاً عندما يتكلم الإمام الصادق عليه السلام عن علامات الظهور، تراه يربط فهم مستقبل الحركة المهدوية بالاطلاع على تلك العلامات قبل حصولها.
ففي غيبة النعماني _ ص273_274 عن هشام بن سالم ، قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : (هما صيحتان صيحة في اول الليل ، وصيحة في آخر الليلة الثانية . قال : فقلت : كيف ذلك ؟ قال عليه السلام : فقال : واحدة من السماء ، وواحدة من ابليس. فقلت: وكيف تعرف هذه من هذه ؟ فقال : يعرفها من كان سمع بها قبل ان تكون)
وعن عبد الرحمن بن مسلمة الجريري ، قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : ان الناس يوبخوننا ويقولون : من اين يعرف المحق من المبطل اذا كانتا ؟ فقال عليه السلام : (ماتردون عليهم ؟ فقلت : فما نرد عليهم شيئاً . قال : فقال عليه السلام : قولوا لهم : يصدق بها اذا كانت من كان مؤمنا يؤمن بها قبل ان تكون ، قال : ان الله عزوجل يقول : (افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع ام من لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون). وعلى هذا المنوال يمكننا التعرف على حقيقة الدعاوى المهدوية المعاصرة ، بمراجعة بسيطة لتاريخها.
فيا ترى ، كم هي نسبة اطلاعنا على تاريخ القضية المهدوية؟!
ويا ترى ، لو قسنا نسبة اهتمامنا بها الى نسبة اهتمامنا باختصاصنا الذي نمارسه ونكسب منه عيشنا ، فكم ستكون النسبة _ لو كانت هناك نسبة أصلاً_؟!
انها دعوة للتفكير الموضوعي المعمق _ وليس السطحي المنمق _ في اهم قضية يعيشها المؤمن اليوم ، ومحاولة لفهم حاضرنا وربطه بالاسباب التي أوصلت الحالة الاجتماعية العامة الى ما وصلت اليه اليوم ، واستشراف النتائج المتوقعة من تلك الحالة ، ليعرف الواحد منا ما سيكون موقفه لو اعلن المهدي عليه السلام دعوته !