اسماعیل شفيعي سروستاني
إن كانت “الزيارة الجامعة” أشمل وأكثر خطاب الشيعة حكمة فيما يخص الساحة المقدسة للمعصومين، عليهم السلام، ومرجعا لا مثيل له لبلوغ الدرجات العليا لمعرفتهم، فان “زيارة عاشوراء” تشكل النظام الأساسي للإنسان الشيعي.
إن كانت “الزيارة الجامعة” أشمل وأكثر خطاب الشيعة حكمة فيما يخص الساحة المقدسة للمعصومين، عليهم السلام، ومرجعا لا مثيل له لبلوغ الدرجات العليا لمعرفتهم، فان “زيارة عاشوراء” تشكل النظام الأساسي للإنسان الشيعي.
إن أدب الإنسان المسلم وسنة الإنسان الشيعي، قد تجسدا تماما في الجملات والعبارات الرفيعة لهذه الزيارة. بعبارة أخرى، فان سبب الإبتعاد عن الصراط المستقيم، يعود إلى التخلف عن قافلة أهل الحق والإنزلاق في بحر الشبهة والتردد، والنتيجة الحتمية، ستكون الإفراط والتفريط، التقاعس والتسرع في السير والسلوك غير الصائبين في ميدان التاريخ. إن السر الكامن وحقيقة العشق والحقد المقدس، هما كالجناحين الخافقين، ينقذان الإنسان من براثن الكبر والغرور ومستنقع التعاسة وآفات الهواجس والرذيلة، وينقلانه إلى أسمى وأرفع مراتب الطهر والنورانية، ويصقلانه ويضفيان عليه الصفاء والخلوص، لكي يشهد في جمع الصالحين والصديقين، أعلى مظاهر كمال الحق المتعال ويحظيان بأسمى درجات المعرفة والكمال.
آه، لأن قراصنة العقل والدين، أوقعوا أبناء آدم في شرك الغضب والشهوة والغرائز، بحيث أنهم لا يقدرون على تجربة مراتب العشق والحقد المقدس، بينما تحول كل الصاعدين من فرش الشيطان إلى عرش الرحمن، من أهل المعرفة، إلى موقع تجسد وظهر فيه هذا العشق والحقد، فيما أصبح المتقاعسون والمتخلفون، يغوصون أكثر فاكثر في مستنقع الشبهة والشهوة، وأصبحوا لا نصيب لهم من هذا الطيران والصعود، وتحولوا إلى سند وداعم للخصم في الغلبة على مدينة الصداقة الآمنة.
إن زيارة عاشوراء، هي تجسيد لهذا العشق والحقد المقدس، في هيئة كلمات وعبارات، بحيث أن أنصار الحسين والسائرين على نهج كربلاء، يجسدون مجمل هذا العشق والحقد، لكي يُعرف بأن:
يجب السير كالرقصة تحت سيفه المغموم ومن قتل في سبيله، فان عاقبته الحُسنى
إن زيارة عاشوراء هي زيارة الحسين، عليه السلام، الذي ظهر في قيظ الظهر. زيارة عاشوراء هي النظام الأساسي للإنسان الشيعي، لكي تتحقق آية الظهور هذه على أرض الواقع:
“وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.
لكي يمر عبرها مذاك فصاعدا، كل من يشعر في قلبه بالحنين نحو التشيع ويهم لزيارة الحسين، عليه السلام، ويتنبه ويصبح حسينيا ويُحشر بين جموع الرجال ويبقى في قبيلة الإيمان، من أولئك الذين أحسوا بجوهر هذه الزيارة المقدسة في قيظ ظهر عاشوراء.
وبدأت عملية الإتسام بصفة عاشوراء، مع الإعلان الصادق عن العشق بالحسين، عليه السلام.
“السَّلامُ عَلَيكَ يا أبا عَبْد الله”؛
وقد امتزج العشق كله، بالدم:
“اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ”؛
وامتزج كل العشق والدم، بالحزن والهم والغم الخالد:
“يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ”؛
وتحول كل العشق والدم والحزن إلى سهم مرميّ، إلى لعنة تنطلق من عمق الروح وتستقر في عمق صدر أبرز مصاديق الظلم:
“فَلَعَنَ اللَّهُ اُمَّةً اَسَّسَتْ اَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ اَهْلَ الْبَيْتِ”؛
إذن اللعنة على من أزاحوا الحق المسلم به من موقعه الحق، وأسسوا أساس الظلم والجور.
ومن هنا، يخرج من قوس العشق والدم والحزن، سهم التبرّي لكي يكون فارقا بين الظالم والمظلوم، الحق والباطل، فسطاط العاشورائيين واليزيديين.
“بَرِئْتُ إلى اللهِ وَإلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أشْياعِهِمْ وَأتْباعِهِمْ وَأوْلِيائِهِمْ”؛
التبرؤ من جميع من تابعوا وشايعوا وناصروا الظلم والجور على الحسين، عليه السلام، وأسرته. أتبرأ من اليوم إلى الغد وإلى أبد الآباد وأسخر كل وجودي في سبيل حماية وإرواء شتلة التبرؤ واعلنها باعلى صرخة لم تطق أي أذن سماعها لحد الان، لكي يسمع الجميع هذا التبرّي، وليعلموا بأني رفعت صوتي وصرخت ليس في الخفاء والهمس، بل باعلى نبرة ضد أبرز مصاديق الظلم لكي تبقى سنة الإنسان المسلم.
“وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِياد وَآلَ مَرْوانَ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً…”؛
إن إتساع نطاق وعمق تبري العاشورائيين، ليس كادعاء المتقاعسين والمتبجحين الفاقدين للشهامة والرجولة.
إنهم (العاشورائيون)، يخاطبون عامة الخلق والناس إنطلاقا من ذروة المعرفة والوعي ومن قمة القوة والصمود لكي لا يبقى أي مجال للترديد والشك وارتعاش اليد للتسامح والتساهل. ومن بعد هذا التبري، ينبري التمني المقدس.
التمني المقدس، ينبثق من بين العشق المقدس والحقد المقدس حتى نعرف:
إن من يسلك طريق العاشورائيين بلا عشق وحقد، لا مجال له للتمني.
حتى نعرف ان التمني المقدس، هو للمحرمين والمستأنسين المرابطين تحت خيمة الحسين، عليه السلام، فحسب.
“فَأسْالُ اللهَ الّذِي أكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأكْرَمَنِي بِكَ ، أنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إمام مَنْصُور مِنْ أهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ”.
إن هذا العشق والحقد المقدس، يجيزان ويسمحان لنا، أن نناشد الذي كرم الحسين، عليهم السلام، بأجل صورة ونطالب من أعماق الروح أن يجعل من نصيبنا، الحضور بين طلاب ثار الحسين، عليه السلام، ومع إمام منصور من أهل بيت محمد وعلي وفاطمة والحسين والحسين.
وهذا الطلب، يصبح حصارا لكي يتقرب إليه محرم هذا الحرم في أمن تام، ويبقى قويا وصلبا ويُصبح في مقام محمود مقبولا لدى ساحة رجل جسد كلية العشق وكلية التبري، في ظهر حار. إني أعتبر هذا العشق، مقدسا لأنه يفضي إلى أعلى مراتب الحب وأسمى درجات الكمال في ساحة الوجود. وأعتبر هذا الحقد، مقدسا لأنه يحول كل الإعتبار والملك والروح والمال إلى سهم، ينطلق من قوس الروح باتجاه أبرز مصاديق الظلم.
ومن دون هذا التولي الجلي، وهذا التبري الواضح والجاهز، لن يتحقق أي تمنّ، ولن تحصل أي محرمية. لأن الصراط المستقيم الذي هو عين الفلاح والسعادة، يمر عبر هذا العشق والحقد، فحسب. وكم هو جميل الكلام الذي قاله الحسين، عليه السلام، في خطبة ألقاها في “منى”:
“… إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام ، مع رد المظالم ومخالفة الظالم… فلا مالا بذلتموه، ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله، وأنتم تتمنون على الله جنته ومجاورة رسله وأمانا من عذابه”.
يتبع إن شاء الله
جـمیع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافی
لا یسمح باستخدام أی مادة بشكل تجاریّ دون أذن خطّیّ من ادارة الموقع
ولا یسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.