الحسين (ع) مفسر معنى الموت
اسماعیل شفيعي سروستاني
إن الحديث يدور حول القدوات واولئك الذين يجسدون بصدق معنى وحقيقة الحياة، وهذه الخصوصية تعود إلى رجل نهض بعد ما شاهد ضياع وعتامة قوم زمانه، ليصنع نموذجا وقدوة سامية لهم.
الحسين (ع) مفسر معنى الموت
اسماعیل شفيعي سروستاني
إن الحديث يدور حول القدوات واولئك الذين يجسدون بصدق معنى وحقيقة الحياة، وهذه الخصوصية تعود إلى رجل نهض بعد ما شاهد ضياع وعتامة قوم زمانه، ليصنع نموذجا وقدوة سامية لهم.
إن إنحباس الأنفاس في الصدور، والإستغراب والحيرة والبؤس، وهبوط سياط الناهبين على الأجساد، وعجز الأرجل عن المشي والذهاب والغفلة التامة التي أفرغت كل شئ من معناه، وغروب شمس الحقيقة خلف جبال الظلم الشاهقة، حرّكت رجلا مقداما من سلالة الحقيقة.
لقد نهض من مكانه ليضحي بنفسه ويقدم روحه، لكي يهدم جميع الجدران والستائر التي حجبت الشمس.
وتحول إلى حماسة وملحمة في الأفئدة وحوارات في الألسن وبحث كبير في الرؤوس وقصة وأمنية في القلوب المشتاقة ومثالا يفسر الوجود والصيرورة والرحيل.
إن الحسين، عليه السلام، كان بداية قصة كبيرة وروحا في جميع الأجساد الهزيلة والمتجمدة! ونارا شبت في الكبير والصغير وحماسة مرت على جميع المدن والبلاد.
إنه الذي أصبح في ليلة ديجور، شعلة وضاءة متوجهة لتقذف النار في كل الصدور، وتوقظ الضمائر النائمة مع إطلاق أنشودة العشق في آذان الانفس.
لقد سار الحسين، عليه السلام، لينبذ مجمل الحياة الممسوخة ويزيل الشوائب والزوائد التي علقت على جدران حياة الإنسان، ليفهمه:
في وقت نسيان الموت، فلا أساس للحياة، عسى أن يستشهدوا بالله ويتخلصوا من كل ذلك الظلام.
لقد أدرك الحسين عليه السلام، جيدا أنه لا صلة بينه وبين أبناء الظلام والخراب بالتبني. عبد خرّ ساجدا على عتبة المعبود ليصنع من التحرر والخلاص إماما لنفسه. إنه تحدث في الخطوة الأولى عن الشهادة ليعلن: أنه نهض لا من أجل الحياة بل من أجل الموت! وكان قد قال:
“سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى خيرا ، وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مذموما وخالف مجرما
أقدم نفسي لا أريد بقاءها لتلقى خميسا في الوغاء عرمرما
فإن عشت لم ألم وإن مت لم أذم كفى بك ذلا أن تعيش مرغما”
إن الحديث عن القدوات والعبء الثقيل الذي يحملونه، يعود إلى رجل يحمل على كاهله معاناة كل البشرية، في وقت ابتلع الظلام البلاد الاسلامية باسرها.
فقد بدأ الحسين، عليه السلام، ابن علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة عليها السلام رحلة [وفتح دفترا] كان يجد فيها كل العالم والبشرية، تفسيرا آخر، خاليا من أي تحريف، كما كان هو قد بلغه عن طريق الحقيقة وأراده ليكشفه للجميع.
إن إلقاء نظرة على أوراق هذا الدفتر الضخم، يظهر بانه، الحسين عليه السلام، بدأ رحلته لا من أجل الحياة ولا للحكم على مدينة الصم والبكم، بل لتبيان آية الموت والشهادة، حينما لم تُشاهد أي علامة عن معنى الموت وحقيقته وسقط الجميع عندما نسوا الموت، في براثن فتنة الدنيا ولم تكن فيها أي موعظة ونصيحة، ذي فائدة وان الجهاز الدعائي للأجانب قد قلب بواسطة الموت، مفهوم الحياة رأسا على عقب بحيث أن أبناء البشرية، لا يتذكرون أي معنى واضحا للحياة، وأن الحياة لم تكن قائمة في الحقيقة بمفهومها الصحيح حتى يترتب عليها معنى صحيح ناهيك عن أن رجلا كالحسين عليه السلام، يريد أن يحرك في ذهنه، رغبة الحكم والإمارة على ذلك المستنقع العفن.
وترافقت بدايات رحلة الإمام الحسين، عليه السلام، مع كلام في وصف جمالية الموت، وخاتمته موت أحمر في وسط الميدان!، على أمل أن ينكشف وجه الحقيقة في أرض حافلة بالكدر وغطت الحجب السميكة، كالسحاب الداكنة، الحقيقة، بينما كان الضلال والإنحراف [عن الحق] قد زعزع نفوس الناس وأذلهم وأوهنهم، فلم يبق من كتاب الله والنبي وسنته، إلا إسم على غير مسمى.
وكان الحسين بن علي،عليهما السلام، يعرف جيدا بانه يجب أن تتضح مرة أخرى، منطلق رحلة الإنسان ووجهتها لكي يجد معها مغزى لصورة الحياة وسيرتها، لأنه سيتعذر سلوك الطريق وتحديد الوجهة في جادة الحياة وفي وقت التواجه مع الطرق الصحيحة والطرق الإنحرافية من دون أن تنجلي الغاية من السفر.
إن ما كان الحسين عليه السلام، يعتبره ضالة أهالي عصره، لا طريق الحياة، بل طريقة الموت، لأن كيفية الحياة، ستتجلى على خلفية ذلك الوعي.
إنه كان يفسر الموت، لأناس رماهم نسيانه، في مستنقع إسم بلا مسمى يدعى الحياة. وكان عليهم أن يتعلموا كيف يمكن السير على جادة الحياة تشوقا لنيل ذلك الموت الجميل.
وفي ذلك البحر والعصر، أحاط سوء فهم هائل، بالمسلمين من جميع الجهات، إنهم إنطلقوا من دون سند يستندون إليه. وهو المجاز الذي يغطي وجه الحقيقة، وكأن الجميع وضعوا يدا بيد، لإلباس جسم الخداع والحيلة والمكر والكذب، ثياب الصلاح، عسى أن يقضوا أيام حياتهم على الأرض في سعادة [وهمية].
وكل هذا، كان نتاج عصر أمسك فيه أكثر الحكام جهلا، بزمام الأمور وكانوا يحكمون الناس تحت واجهة أكثر رجال أهل الحقيقة، جدارة وكفاءة، وبالتالي جعلوا البؤس والشقاء من نصيب الجماهير عوضا عن الفلاح والسعادة.
وفي هكذا زمن، إن كان الحسين، عليه السلام، يمكث في بيته، لكان مسؤولا. إنه نهض صابرا محتسبا، من مكانه.
وكان واجبا على الحسين، عليه السلام، ليلبي دعوة حشود وينتفض، ويتجه نحو الناس ويتم الحجة، لئلا يتهامسوا في غد من أننا دعونا الحسين وامتلثنا لحكمه، لكنه لم يستجب!
وسلام الله عليه وعلى جميع أنصاره الأوفياء.
يتبع إن شاء الله
جـمیع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافی
لا یسمح باستخدام أی مادة بشكل تجاریّ دون أذن خطّیّ من ادارة الموقع
ولا یسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.