ویتضمّن إثبات النص على الإمام، إثبات إمامة الإمام، إثبات اسمه واسم أبیه وأنه من ولد فاطمة صلوات الله علیها، طول عمر الإمام، وإثبات إمكان أن عمره یمكن أن یطول كما طالت الأعمار سابقاً، كما طال عمر الخضر وأمثال الخضر، إثبات أو الحدیث عن مقدمات ظهوره، الحدیث عن أیام ظهوره..وهكذا. هذا الحدیث فی الواقع جانب تأریخی عقائدی، وقد تكفل بهذا الجانب مئات الكتب فی الحدیث عن هذه الجوانب، تكفل بذلك مئات الكتب والرسائل والبحوث التی كتبت حول الإمام المهدی صلوات الله وسلامه علیه من الفریقین.
الحمد لله الأول قبل الإحیاء والإنشاء والآخر بعد فناء الأشیاء، العلیم الذی لا ینسى من ذكره ولا ینقص من شكره، ولا یخیب من دعاه ولا یقطع رجاء من رجاه.
والصلاة والسلام على أشرف بریته وخاتم رسله أبی القاسم محمد صلى الله علیه وآله وعلى آله الطیبین الطاهرین المنتجبین.
أوصیكم اخوانی بتقوى الله، فإن التقوى خیر الزاد لیوم لا ینفع فیه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سلیم.
عظّم الله أجورنا وأجوركم فی هذه المناسبة الألیمة، مناسبة شهادة الإمام الحادی عشر الحسن العسكری صلوات الله وسلامه علیه.
فی مثل هذا الیوم تبدأ مرحلة جدیدة فی حیاة الشیعة، بعد أن غاب عنهم آخر إمام ظاهر، وهو الإمام الحسن العسكری علیه السلام فالإمام العسكری علیه السلام هو آخر إمام ظاهر بین الشیعة كان یجلس ویستقبل ویتحدث إلیهم ویستلم منهم الحقوق ویوجههم ویبین لهم الأحكام ویتعامل معهم بشكل طبیعی لم یكن یحتجب عنهم.
من مثل هذا الیوم تبدأ مرحلة جدیدة فی حیاة التشیع والشیعة، إذ یغیب عنهم هذا الإمام المظلوم الذی استشهد بسم الحاكم فی وقته، وتبدأ إمامة الإمام المهدی صلوات الله علیه، هذه الفترة والمرحلة الحساسة التی لا زلنا نعیشها.
مسألة الإیمان بالإمام المهدی صلوات الله وسلامه علیه لها جانبان:
الجانب الأول: الفكری العقائدی:
ویتضمّن إثبات النص على الإمام، إثبات إمامة الإمام، إثبات اسمه واسم أبیه وأنه من ولد فاطمة صلوات الله علیها، طول عمر الإمام، وإثبات إمكان أن عمره یمكن أن یطول كما طالت الأعمار سابقاً، كما طال عمر الخضر وأمثال الخضر، إثبات أو الحدیث عن مقدمات ظهوره، الحدیث عن أیام ظهوره..وهكذا.
هذا الحدیث فی الواقع جانب تأریخی عقائدی، وقد تكفل بهذا الجانب مئات الكتب فی الحدیث عن هذه الجوانب، تكفل بذلك مئات الكتب والرسائل والبحوث التی كتبت حول الإمام المهدی صلوات الله وسلامه علیه من الفریقین.
لا تتصور أن مسالة الإمام المهدی مسألة خاصة بنا نحن فقط الشیعة، فهذه المسالة مسألة عامة یمكن أن نجزم أنها مسألة بشریة عامة لا فقط إسلامیة عامة، المسلمون جمیعاً یعتقدون بها وكتبوا فیها، وعلماء المسلمین جمیعاً كانت لهم مؤلفات ومصنفات حول هذا الإمام وحول ظروف غیبته وحول ظروف ظهوره وحول اسمه واسم أبیه وبقیة التفاصیل عنه.
وهكذا یمكن تعمیم المسألة إلى غیر المسلمین، إذ نجد غیر المسلمین من الطوائف الدینیة أیضاً یعتقدون برجل یأتی فی آخر الزمان لینشر العدل فی الأرض غایة الأمر أنهم یختلفون عنا فی تعیین اسم الرجل وفی تعیین المصدر الدینی أو المنبع الدینی للرجل هل هو مسلم أم غیر مسلم، القضیة هنا یكون فیها اختلاف، لیس أكثر.
وأما أصل المبدأ، الذی هو مبدأ وجود مصلح فی آخر الزمان، فإنه مبدأ إنسانی عام.
هذه المسألة من الجانب الأول، الجنبة الأولى هی مسالة عقائدیة فكریة تأریخیة تكفّل ببیانها مئات الكتب والرسائل والبحوث.
الجانب الثانی: الجانب الوجدانی:
الجانب الوجدانی ما معناه؟ كیف نتعامل مع هذه العقیدة مع هذه الفكرة بشكل یجعلها فاعلة فی حیاتنا كما نتعامل مع أی حقیقة أخرى فاعلة فی الحیاة؟ ونذكر _ من باب المثل _ مسألة المال، الأموال هذه الأداة التی سیستخدمها الإنسان فی حیاته، فی كل تصرفاته وحركاته ومعاملاته، هذه مسألة فاعلة فی الحیاة، بمعنى أن لها تأثیراً فاعلاً جداً وقویاً جداً فی الحیاة، فلا تكاد تخلو معاملة من مال، ولا تكاد تخلو حركة من حركات الإنسان من هذه المسألة، وكثیر من المشاكل التی تنشأ فی الحیاة منشؤها المال، فالنزاعات المالیة والمشاكل والجرائم كثیر منها ینشأ من المال، حتى الحروب الكبیرة تنشأ من المال.
إذن مسألة المال مسألة لها فاعلیة، لها تأثیر فی حیاة الإنسان، الإنسان یحمل همها وتؤرقه وتسهره، الإنسان إذا خسر لا ینام اللیالی، تمر علیه لیالٍ طویلة لا ینام. فإذن المسألة مهمة جداً، داخلة فی وجود الإنسان، تؤثر فیه.
هذا الذی نرید أن نقوله: كیف نجعل مسألة الإمام المهدی علیه السلام مسألة فاعلة فی حیاة الإنسان كفاعلیة المال بل أكثر؟ كیف نتعامل مع الإمام الحی الغائب؟،
هذا الإمام الذی یعیش بین أظهرنا یرانا و لا نراه، یرقب أفعالنا ویشهد علینا أمام الله، هو الإمام المسؤول عنا نحن جیل عصر الغیبة؟ هذا هو الإمام المسؤول عنا كیف نتعامل معه؟ هل نتعامل معه كغیب وفكرة من الأفكار؟
نعم ثبتت هذه الفكرة بالدلائل العلمیة وبالبراهین الثابتة، و نعتقد بها، لكن لا نتجاوز هذه العقیده إلى أكثر من ذلك، هی فكرة من الكتب و نمر علیها بین مناسبة و أخرى و نتحدث عنها لا أكثر، هل نقف عند هذا الحد أم أننا نرید أن نتجاوز العقیدة إلى الاطمئنان..
إلى الاطمئنان القلبی وإلى جعل هذه الفكرة أمراً فاعلاً فی حیاتنا بحیث تسهرنا كما یسهرنا المال وتؤرقنا كما یؤرقنا المال وحب الولد وحب الدنیا، بل أكثر من ذلك، فالمفروض فی المؤمن أن یبحث عن كیفیة تفعیل هذه الفكرة فی حیاته وإنزالها إلى واقعه.
هناك _ فی الواقع _ نقاط ومراحل علینا أن نفهمها جیداً حتى نصل إلى إمكانیة هذه العملیة..عملیة تفعیل العقیدة فی الحیاة وجعلها أمراً فاعلاً فی حیاة الإنسان مشاركاً فی قرارات الإنسان فی حیاته.
أولاً: یجب أن نعلم أن الإمام صلوات الله علیه حی یرزق، كثیر منا یغفل عن ذلك..صحیح نحن نعتقد انه حی موجود لكن شعورنا بحیاته یكاد یكون منعدماً أو ضعیفاً جداً، لا نشعر بأنه موجود، وهذه فی الواقع مسألة تتعلق بالإیمان بالغیب (الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ)(1) الذی یؤمن بالغیب یستطیع أن یشعر بالغیب وإن لم یره بعینه الباصرة.
الإمام المهدی وإن كنّا لا نراه بهذه العین، لكن المفروض أن نراه بعین البصیرة، المفروض أن نعیش معه بالقلب.
الإمام حی یرزق یعیش بین أظهرنا ویحضر مواسمنا الرئیسیة كمسلمین، یحضر الحج ویقف عرفة، لذلك الواقفون فی عرفة فی ذلك الیوم العظیم هم أقرب الناس إلى صاحب الأمر صلوات الله وسلامه علیه، لأنهم یقفون معه على صعید واحد، فی ذلك الصعید صعید عرفة(2)، یحضر المواسم، یحضر زیارة الإمام الحسین علیه السلام فی لیالی الجمع، وفی المواسم الرئیسیة فی الأربعین وغیر الأربعین، ویحضر مجالس الشیعة، ویحضر محافل المسلمین، غایة الأمر أنك لا تراه، وكون الشخص لا یراه لا ینبغی أن یؤثر فی عقیدته بأنه موجود وفی شعوره بوجوده، هذا الشعور ینبغی أن یتعمق بأنه موجود ومراقب، والرقابة هذه طبعاً ینبغی التنبیه على أنها لیس مثل أی رقابة أخرى، فرقابة الإمام المهدی علینا وشهادته على أعمالنا تختلف عن بقیة الرقابات، فمثلاً أنت إذا دخلت إلى سوق ضخم مراقب بالكامیرات حتى لا یسرق أحد وأنت تعلم حینما تدخل إلى ذلك السوق بأنك مراقب فتكون حذراً، لكن هذا الحذر فی الواقع حذر سلبی بمعنى أنّك تشعر أن الذی یراقبك یرید أن یمسك علیك عثرة لكی یجازیك ویأخذ منك الحق.
أما رقابة الإمام المهدی علینا فهی رقابة من نوع آخر، رقابة المحب، ورقابة الرؤوف، ورقابة الأب الذی یرقب أولاده ورعیته، یرقبهم كیف یكبرون وكیف یتكاملون وكیف یسیرون فی هذه الحیاة، رقابة من نوع آخر لیس رقابة إنسان مترصد للعیوب إنما رقابة أب رحیم یرید لنا الصلاح ویرید لنا التسدید، رقابة من یرفع یده دائماً فی الدعاء لنا لیلاً ونهاراً أن یسددنا الله عز وجل وأن یحفظنا وأن یوفقنا للطاعة وأن یثبتنا على الإیمان..الإمام فی دعاء دائم لشیعته بل لكافة المسلمین.
فإذن هذا هو الأمر الأول، ینبغی أن نشعر بالرقابة وأن الإمام عینه مفتوحة علینا دائماً وأنه حی یرزق بین أظهرنا.(3)
ثانیاً: ینبغی أن نعتقد أن وجوده صلوات الله وسلامه علیه هو سبب بقائنا واستمرار بقائنا، وهو البركات التی تحل بنا، فهو الواسطة بین الله تبارك وتعالى وبیننا فی إیصال كل خیر، وجودنا رهین بوجوده، البركات والنعم التی نتمتع بها رهینة بدعائه ورهینة برضاه، هذه مسالة أخرى.
وهو أیضاً یمكن تسمیته بالمنعم، لأنه واسطة فی النعمة، والمنعم الأول والأصیل هو الله تبارك وتعالى، والواسطة فی هذه النعمة الإمام المهدی عجل الله فرجه فهو أیضاً منعم بدرجة من الدرجات، فینبغی النظر إلیه نظر الامتنان والشكر. ثالثاً: ینبغی أن نعلم ونتیقن أن رضى الله تبارك وتعالى مرهون برضاه صلوات الله علیه، فإذا لم یرض عنك إمامك اعلم أن الله غیر راض عنك، لا یمكن لأحد أن یصل إلى رضى الله عز وجل إلا عن هذا الطریق، الطریق الذی عینه الله تبارك وتعالى، وهو الإمام الحاضر، والحجة الحاضر هو الإمام المهدی صلوات الله علیه. إذن یجب أن یرضى عنك فإذا علمت أن رضى الله مرهون برضاه ومربوط برضاه حینئذ الموقف بلا شك سوف یتغیر ویتبدل. مجموع هذه الأمور إذا نضجت فی الذهن:
إذا علمنا إن الإمام حی یرزق وشاعر بنا تماماً، یحیط بكل ما نفعل وما نقول، یراقبنا مراقبة الأب الرحیم بأولاده یدعو لنا لیلاً ونهاراً. وعلمنا أن بقاءنا مرهون بوجوده. ثم علمنا أن رضى الله مرهون برضاه.
كل ذلك یؤدی إلى هذا الشعور الناضج المتكامل فی أننا نعتبر الإمام فاعلاً فی حیاتنا ومؤثراً فی اتخاذ القرار، كما نفكر فی أی مسألة حیویة فی الحیاة ونقلق من أجلها ونفكر بها ونعتبرها دائماً هاجساً یومیاً لنا، فكذلك سنفكر بالإمام المهدی علیه السلام وسنعیش معه وسننتظره.
الانتظار:
هنا ننتقل إلى الانتظار بعد هذه المقدمة، ویتضح أو یقترب معنى الانتظار إلى الذهن، انتظار الإمام صلوات الله وسلامه علیه، ماذا یعنی حینئذ؟ یعنی انتظار الفضائل، شمس الفضائل التی غاب قرصها عن العالم، وینتظر كل البشر هذا القرص أن یظهر من جدید فیشع على البشریة كمالاً وعقلاً وروحاً متكاملة وسعادة، هذه الشمس التی غربت فغرب معها كل خیر وغرب معها العقل الكامل.
الآن _ فی الواقع _ من أكبر ما یعانیه البشر ضعف العقل، العقل الإنسانی لا یستخدم فی هذه الدنیا استخداماً كاملاً وتاماً، لا نستخدم نحن من عقولنا إلاّ نسبة ضئیلة جداً..من الذی یفجر هذه الطاقات؟ ومن الذی إذا ظهر مسح على رؤوس الخلائق فتكمل عقولهم؟ هو الإمام المهدی صلوات الله وسلامه علیه.
وبلا شك إن الروایة أنه إذا ظهر یمسح بیده على رؤوس الخلائق فتكتمل عقولهم.(4) لا شك إن هذا لا یعنی أن الناس _ مثلاً _ یمرون أمام الإمام والإمام یمسح على رؤوسهم، لیس هذا هو المقصود، بل المقصود وجود الإمام، والتعبیر بـ «ید الإمام» یعنی سیطرة الإمام وهیمنة الإمام على الناس ورعایته للناس الفكریة والروحیة، هذه ببركتها تكتمل عقول الناس تربیة وتعلیماً وترقیة، مع عنایات إلهیة طبعاً، مع معجزة وكرامة بلا شك.
فإذن الإمام انتظاره یعنی انتظار الكمال الإنسانی، انتظاره یعنی انتظار فرج الناس جمیعاً، انتظاره یعنی انتظار السعادة التی ترتقب البشر والتی ینتظرها البشر ویرنو إلیها البشر جمیعاً.
وعلى ذلك حینما نأتی إلى الروایات التی تتحدث عن الانتظار:
عن النبی صلى الله علیه وآله: (أفضل أعمال أمتی انتظار الفرج)(5) أفضل الأعمال..مع هذه المقدمات وهذا البیان لعله یتضح أن الانتظار المقصود به فی
الروایة ماذا؟ الانتظار الذی یعنی أنك تنتظر الكمال وتتهیأ له، هناك مثل بسیط اضربه للتوضیح: إذا أخبرت أن شخصیة مرموقة بارزة سیزورك فی دارك فی منزلك، ماذا ستفعل؟ بلا شك أنك ستهیئ نفسك ودارك وأهلك وأولادك وكل ما فی وجودك تهیئه لانتظار هذه الشخصیة العظیمة المحترمة، فتدخل إلى الدار وتحاول أن ترتبها من جدید، وإذا كان أثاثها قدیماً تبدل الأثاث إلى أثاث أفضل، وإذا كانت تحتاج إلى صبغ الجدران تصبغ الجدران حتى تبدو زاهیة ناصعة، وإذا كان فیها أشیاء لا تلیق من قبیل وجود تماثیل مثلاً فیها أو صور غیر مناسبة أو غیر ذلك أنت سوف تستقبل مرجعاً، المفروض أن یدخل ذلك الإنسان وینظر إلى الأشیاء كما یناسبه إلى ما یسره ویفرحه، فأنت سوف تزیل كل ما من شأنه أن یزعج هذا الضیف الكریم، وسوف ترتب دارك على طبق ما یحب ذلك الزائر، وسوف ترتب الوجبة التی هو یحبها والأجواء التی هو یریدها حتى تكون قد استقبلت ذلك الضیف الكبیر بشكل لائق.
هنا نحن بانتظار الإمام المهدی صلوات الله وسلامه علیه، انتظاره ماذا یعنی؟! انتظاره یعنی أن نهیئ أنفسنا وحیاتنا لاستقباله، وبلا شك أن الإمام المهدی هناك خصوصیة فیه، وهی أنّه حینما یظهر هو مطلع على السرائر ولا یستطیع أحد أن یخفی سریرته على الإمام(6)، ویتعامل مع الناس أیضاً بشكل خاص، فیسیر بهم بسیرة داوود.
فعلى هذا إذا ظهر الإمام ولم أكن قد هیأت قلبی ونفسی لاستقباله كیف أكون منتظراً له؟! كیف یهیئ الإنسان نفسه؟
یطهّر هذا القلب من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ویزكی نفسه، ویخلص نفسه من الأمراض النفسیة والشوائب والحقد وحب الدنیا والحسد والبغضاء، فكل هذه الصفات ینبغی أن یطهر الإنسان نفسه منها، وإلا إذا ظهر الإمام واطلع على قلبه بلا شك لن یكون عنده مرضیاً، یعنی فی أحسن الأحوال لم یكن معتبراً عنده، هذا إذا لم یتعرض للعقوبة.
وهكذا الحیاة من حولنا، فینبغی أن نهیئ ما حولنا بعد تهیئة النفس نهیئ ما حولنا للإمام، أن تكون حیاتنا مهیأة لاستقباله، حیاة طاعة حیاة طهارة، أن نهیئ أولادنا للإمام.
فالإنسان الذی یهمل أولاده ویترك ابنه ضحیة وفریسة للتلفزیون والفضائیات وأمثال ذلك هل یمكن لهذا أن یكون منتظراً؟ كیف یخرج الإمام وكیف ینظر إلى ولده حین ذاك؟ هل ترید أن تقدم للإمام هدیة بهذا الشكل؟ نحن نحاول دائماً أن نكون نحن وأبناؤنا وذرارینا جنداً مجندةً للإمام علیه السلام.
فإذا أردت أن تقدم جندیاً إلى الإمام تقدمه بهذا الشكل ولد یكبر على التلفزیون والفضائیات ولا یعرف من دینه شیئاً، ولا یعرف من أحكام دینه شیئاً عقائده غیر واضحة وسلوكه غیر مستقیم.. هكذا یرید منا الإمام؟ إن هذا لیس بانتظار.
الانتظار الصحیح بمفهومه الذی یطرح هنا فی هذا الحدیث (أفضل أعمال أمتی انتظار الفرج) أن تتهیأ، أولاً تهیئ نفسك ثم تهیئ ما حولك..أولادك وعائلتك وبیتك ومجتمعك، وتحاول أن تكون فی كل ذلك مرتقباً للإمام ناظراً إلى ذلك الیوم السعید الذی یظهر فیه فیراك على أحسن أهبة فتكتمل السعادة.
تصور حالة المؤمن إذا ظهر الإمام وأهمله كم تكون المصیبة عظیمة، إذا ظهرالإمام وأعرض عنك وأشاح بوجهه عنك، لماذا؟ لأنك لم تفعل كذا لم تزكّ أموالك ولم تخمس، فالإمام لا یدخل بیتاً غیر مخمس، ولا یجلس إلى سفرة فیها طعام حرام، ولا ینظر إلى وجه ولا یزكی أحداً انغمس فی المحرمات.
نحن منتظرون للإمام، ینبغی أن نكون قد هیأنا أنفسنا لذلك الیوم لتكتمل السعادة، كم هی سعادة المؤمن حینما یظهر إمامه وسیده وحجة الله علیه ابن رسول الله یظهر فیستقبلنا بوجه ضحوك ویستقبلنا بذراع مفتوحة، حینذاك تكتمل الفرحة، حینذاك یشعر الإنسان المؤمن بأنه نجح فی الامتحان وأنه عبر مرحلة الانتظار إلى النجاح.
ثم قد تقول: إننا قد نموت قبل أن یظهر الإمام، أقول: نعم الروایات تؤكد أن من مات منتظراً للإمام على هذه الهیئة فی الانتظار للاستعداد التام فی النفس وفی ما حول الإنسان كتب فی معسكر الإمام.
الروایة تقول: (ما ضرّ من مات منتظراً لأمرنا أن لا یموت فی وسط فسطاط القائم)(7) أی أنه لو مات وهو فی وسط العسكر لما كان أحسن حالاً منه وقد مات منتظراً.
الانتظار فی حد ذاته رتبة یحصل علیها الإنسان، جائزة یحصل علیها الإنسان، سواء أدرك الظهور أو لم یدرك. ثم هناك روایات أخرى تقول أن من مات منتظراً مترقباً للإمام قد یظهر مع الإمام فی الرجعة(8)، یرجع مع الإمام ویظفر بتلك المرتبة العظیمة فی نصرة الإمام المهدی صلوات الله وسلامه علیه.
نسأل الله تبارك وتعالى أن یوفقنا لرضاه، وأن یوفقنا لتتبع هداه، وأن یعجل فرجه ویسهل مخرجه، ویجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدین بین یدیه.
والحمد لله رب العالمین
سماحة السید علاء الموسوی
الهوامش:
(1) سورة البقرة، الآیة: 3.
(2) راجع كمال الدین للشیخ الصدوق: 346.
(3) راجع التوقیع الشریف الى الشیخ المفید فی كتاب الاحتجاج للطبرسی ج2: 322_ 325: وفیه : (.. ونحن وإن كنا ناوین بمكاننا النائی عن مساكن الظالمین… فإنّا نحیط علماً بأنبائكم، ولا یغرب عنّا شیء من أخباركم…إنّا غیر مهملین لمراعاتكم، ولا ناسین لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء…)، وفی توقیع آخر: (… لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذی لا یحجب…).
(4) كمال الدین للصدوق: 674، ولفظه: عن أبی جعفر الباقر علیه السلام 🙁 اذا قام قائمنا وضع یده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم).
(5) كمال الدین للصدوق: 644، وروی أیضاً بلفظ: ( أفضل العبادة انتظار الفرج).
(6) عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله علیه السلام:( إذا قام القائم علیه السلام لم یقم بین یدیه أحد من خلق الرحمن إلا عرفه صالح هو أم طالح…)، راجع كمال الدین للصدوق: 671، ح 19_ 20.
(7) الكافی للكلینی، ج1: 372، ح6، كتاب الغیبة للنعمانی: 200.
(8) لاحظ الكافی 1 / 370 باب أنه من عرف إمامه لم یضره تقدم هذا الأمر أو تأخر، إكمال الدین وإتمام النعمة / 644 باب ما روی فی ثواب المنتظر للفرج.