الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشریف منـّة الله على مستضعفی الأرض(1)

قال الله تعالى فی كتابه الكریم: {ونرید أن نمنّ على الذین استُضعفوا فی الأرض ونجعلَهم أئمّة ونجعلهم الوارثین * ونمكّن لهم فی الأرض ونری فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا یحذرون}.هاتان الآیتان المباركتان من الآیات الواردة فی صاحب الزمان المهدی المنتظر صلوات الله وسلامه علیه وعجّل الله تعالى فرجه الشریف یشهد على ذلك ـ إضافة إلى الأحادیث الكثیرة المرویّة فی تفسیر الآیة ـ ما تحمله الآیة نفسها، ونعنونه فی النقطتین التالیتین:

 

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على محمد وآله الطیبین الطاهرین، ولعنة الله على أعدائهم أجمعین إلى یوم الدین.
قال الله تعالى فی كتابه الكریم: {ونرید أن نمنّ على الذین استُضعفوا فی الأرض ونجعلَهم أئمّة ونجعلهم الوارثین * ونمكّن لهم فی الأرض ونری فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا یحذرون}(2).
هاتان الآیتان المباركتان من الآیات الواردة فی صاحب الزمان المهدی المنتظر صلوات الله وسلامه علیه وعجّل الله تعالى فرجه الشریف یشهد على ذلك ـ إضافة إلى الأحادیث الكثیرة المرویّة فی تفسیر الآیة(3) ـ ما تحمله الآیة نفسها، ونعنونه فی النقطتین التالیتین:
أ. التأكید على المستقبل قد لا تجد فی القرآن الكریم كلّه آیة مشابهة لهاتین الآیتین من هذه الجهة؛ حیث بلغ عدد أفعال المستقبل فیهما ـ على قصرهما ـ ستّة أفعال، وهی (ونرید.. أن نمنّ.. ونجعلهم أئمّة.. ونجعلهم الوارثین.. ونمكّن لهم.. ونری..).
وما هذا التكرار فی استعمال صیغة المستقبل إلاّ للتأكید على أنّ هذا الفعل سیقع فی المستقبل وأنّ وقته لم یحن بعدُ، فهو لم یصدر فی الماضی ولا هو صادر فی الحاضر، بل إنه سیصدر فی ما یأتی من الزمان ویقع لاحقاً وفی المستقبل.
ب. شمول دائرة المنّة لكلّ أهل الأرض لقد نهانا الله عن المنّة فقال یخاطب نبیّه الكریم صلى الله علیه وآله وسلم: ?ولاتمنن تستكثر?(4). أی أنّك لو تصدّقت بملیون دینار على الفقراء ـ مثلاً ـ فلا تستكثرها ولا تمنّ فی ذلك.
وقال ـ یخاطب المؤمنین ـ فی آیة أخرى: (یا أیّها الذین آمنوا لا تُبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى)(5). وقال أیضاً: (الذین ینفقون أموالهم فی سبیل الله ثم لا یُتبعون ما أنفقوا منّاً ولا أذىً)(6).
وحیث إنّ الله تعالى نهانا عن المنّة، نراه سبحانه لم یستعمل تعبیر المنّة ـ فی القرآن الكریم ـ فی ما تفضّل به على عباده، إلاّ فی حالات محدودة؛ منها:
الحالة الأولى: على أنبیائه سلام الله علیهم حیث قال عزّ من قائل مخاطباً نبیّه الكریم محمداً صلى الله علیه وآله وسلم: (ولقد منَنّا علیك مرّة أخرى)(7).
وقال فی آیة أخرى یمنّ على نبیّیه الكریمین موسى وهارون علیهما السلام: (ولقد منَنّا على موسى وهارون)(8).
الحالة الثانیة: منّ الله فیها على المؤمنین فی مورد واحد فقط، وذلك فی قولـه تعالى: ?لقد منّ الله على المؤمنین إذ بعث فیهم رسولاً?(9).
فقد توسّعت الدائرة هنا وجُعلت المنّة على المؤمنین ببعث الرسول الكریم صلى الله علیه وآله وسلم.
الحالة الثالثة: على أهل الأرض كلّهم، أی أنّ الدائرة هنا أصبحت عامّة وشملت كلّ البشریة، حیث لم یحدّد سبحانه الذین یمنّ علیهم بالمستضعفین من الأنبیاء ولا من المؤمنین بل قال: (ونرید أن نمنّ على الذین استُضعفوا فی الأرض).
والسؤال الذی یطرح نفسه هنا: لماذا غیّر الله تعالى الأسلوب فی الحالة الثالثة، فعندما تحدّث عن بعثة الرسول الكریم صلى الله علیه وآله وسلم قال: (لقد منّ الله على المؤمنین) ولكن عندما وصل الدور فی هذه الآیة إلى صاحب العصر والزمان المهدی الموعود عجل الله تعالى فرجه الشریف وسّع من إطار منّته (تعالى) حتى شملت كلّ الكرة الأرضیة؛ إذ قال: (ونرید أن نمنّ على الذین استُضعفوا فی الأرض) مع أنّ لكلّ كلمة واستعمال فی القرآن غایة وأبعاداً ینبغی التوقّف عندها؟!
والجواب واضح، وهو أنّه لم تعمّ منّة الله(10) على أهل الأرض كلّهم حتى الیوم، فمازال حتى الآن وفی كلّ مكان وزمان أُمم وألوف بل ملایین من الناس لم تبلغهم حجّة الله وأحكام دینه ولا عرفوا الله عزّوجلّ. فهناك الیوم أكثر من ثلاثة آلاف ملیون غیر مسلم على وجه الكرة الأرضیة، فهل تمّت منّة الله علیهم؟ كلاّ بالطبع؛ إذ بأیّ شیء منّ الله علیهم؟ هل بالمال ولا قیمة لـه عند الله تعالى ولا ذُكِر بعنوان المنّة؟ أم بالوجود البحت ولا قیمة لـه عند الله أیضاً، وكذا الصحّة وكلّ الدنیا؛ لأنّ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یخبرنا:(إن الدنیا لا تساوی عند الله جناح بعوضة)(11).
إنّ الشیء الذی لـه قیمة عند الله تعالى ومنّ به على البشر هو معرفته سبحانه وتعالى؛ وأن یعرف الإنسان لماذا خُلق ومن أین أتى، ولماذا جاء إلى هذا الوجود، وإلى أین سینتهی! ولذلك نلاحظ أنّ الله تعالى لم یمنّ على الناس لأنّه أعطاهم الصحّة، ولا یمنّ على من یدخلهم الجنة، بل قال تعالى: (فمَن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنّة فقد فاز)(12) ، فی حین نراه منّ على المؤمنین ببعثة الرسول الأكرم صلى الله علیه وآله وسلم.
فحقّ لنا أن نسأل: ما هو هذا الأمر الذی یستوجب منّة الله على الناس كلّهم كما استوجب المنّة على المؤمنین خاصة ببعث الرسول الأكرم*(صلى الله علیه وآله وسلم؟ ألیس فی هذا إشارة إلى الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشریف، وأنّه كجدّه الرسول صلى الله علیه وآله وسلم تماماً إلاّ فی مقام النبوّة؟!
فإن قیل: لماذا یمنّ الله على مستضعفی الأرض كلّهم بظهوره؟
نقول: لأنّ المهدی عجل الله تعالى فرجه الشریف یحقّق النتیجة النهائیة التی أرادها الله تعالى من وراء بعثة الرسل والأنبیاء كلّهم من لدن آدم حتى الخاتم (صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین). ومن الطبیعی أن تقرن هذه النتیجة العظمى بالمنّ كما قرنت ببعثة الرسول صلى الله علیه وآله وسلم.
خلاصة الدلیل
تبیّن إذن أنّ الله تعالى لم یذكر المنّة فی القرآن الكریم إلاّ فی عدّة مواضع؛ الأوّل على أنبیائه علیهم السلام فی آیتین، والثانی على المؤمنین وكلها وردت بصیغة الماضی (لقد منَنّا.. ولقد منَنّا.. لقد منّ الله على المؤمنین..) لكن هنا (فی آیة القصص) تبدّلت الصیغة إلى زمان المستقبل، وكانت المنّة شاملة لكلّ أهل الأرض.
وهكذا نرى أنّ هذه الآیة المباركة هی من الآیات الواردة فی شأن الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشریف، كما تؤیّد ذلك الأحادیث الشریفة(13).
الإمام (عجّل الله تعالى فرجه) ناظر إلینا إنّ الإمام المهدیّ عجل الله تعالى فرجه الشریف یرانا ویرى أعمالنا كما ورد فی تفسیر قول الله تعالى (وقل اعملوا فسیرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)(14).
وفی الروایات أنه عجل الله تعالى فرجه الشریف) (مؤید بروح القدس، بینه وبین الله عزوجل عمود من نور یرى فیه أعمال العباد، وكل ما یحتاج إلیه)(15).
فهو علیه السلام یرى كلامنا وأجسامنا وكلّ ما یظهر منّا، ویرى كذلك ما وراء الكلام والأجسام والسطور كالفكر والنوایا، ویعرف فیما إذا كانت نیّاتنا وأفكارنا لله أم لغیره.
* ما یحول دون تشرّفنا بلقاء الإمام المهدی علیه السلام إنّ موضوع الإمام المهدی عجل الله تعالى فرجه الشریف من المواضیع العمیقة والواسعة وهو متشعّب الجوانب كثیر الفروع، الأمر الذی یتطلّب من كلّ منّا أن یزید من مطالعاته فی هذا الموضوع الهام، لكنّی أحببت أن أثیر سؤالاً فی هذا المجال، وهو: إذا كان الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشریف موجوداً بین ظهرانینا ـ كما هو الحق ـ فلماذا لا نراه مع أنّه یرانا صلوات الله وسلامه علیه؟.
فی جواب هذا السؤال أذكر لكم قصّة رواها المرحوم والدی(16) تعود إلى الأیّام التی كان یعیش فیها فی سامرّاء العراق: یقول السید الوالد رحمه الله: كان أحد العلماء یكثر من ارتیاد سرداب الغیبة فی أیام الجمع وغیرها، یخلو فیه .. یقرأ دعاء الندبة والعهد وزیارة صاحب الزمان علیه السلام ویدعو الله بفنون الدعوات على أمل اللقاء بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشریف.
یحكی والدی عن هذا العالِم أنّه قال: مرّ زمان وأنا على هذه الحال أرتاد السرداب مشتاقاً لرؤیة صاحب الزمان صلوات الله علیه. وفی أحد الأیام وبینما أنا جالس وحدی ـ ولم یكن فی السرداب أحد غیری ـ منشغلاً بالدعاء والمناجاة، مفكّراً فی حالی وأنّ المدّة قد طالت وأنا مواظب على الحضور إلى هذا المكان دون أن أوفّق للقاء الإمام عجل الله تعالى فرجه الشریف، متسائلاً مع نفسی عن السبب الذی یحول دون تشرّفی برؤیته، قائلاً: ما هو ذنبی ولماذا لا یمنّ علیَّ الإمام بشرف رؤیة طلعته؟…
وبینما أنا ساهم فی هذه الحالة إذ أُلهمت بأنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشریف سیدخل السرداب حالاً، ولقد وقع هذا الموضوع فی قلبی على نحو الیقین لا وقوع تخیّل أو مجرّد تصوّر، بل عرفت ذلك من ضمیری وأیقنت ـ بوجدانی ـ أنّ الإمام سیدخل السرداب الآن، وشعرت أنّی سأوفّق للقائه.
ولكن ما إن عرضت لی فكرة قرب التشرّف والتوفیق للقاء الإمام حتى تملّكتنی هیبة عصرتنی عصرة لم أشعر معها إلاّ وأنا خارج من السرداب متسلقاً درجات السلّم.. وبدأ قلبی یدقّ بشدّة. فأدركت أنّه لم یحن بعد الوقت الذی أكون لائقاً ومؤهّلاً للقاء الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشریف.
قصة الرجل المحبّ للضیف
ولكی أوضّح لكم الموضوع أكثر أنقل لكم الروایة التالیة: یحكى أن رجلاً شكا إلى النبی صلى الله علیه وآله وسلم أنه یحبّ إقراء الضیف لكن زوجته تكره ذلك وتعكّر علیه، فقال صلى الله علیه وآله وسلم قل لها: (إن الضیف إذا جاء، جاء برزقه، وإذا ارتحل ارتحل بذنوب أهل البیت)(17).
أی أن الله سیضیف فی رزق أهل ذلك البیت ما ینفقونه فی إقرائه، ثم إذا انصرف عنهم بعد ذلك وارتحل ارتحلت ذنوبهم معه.
یقال: إن الرجل عاد ثانیة إلى النبی صلى الله علیه وآله وسلم وأخبره أن ذلك لم ینفع معها. وهنا أمره النبی صلى الله علیه وآله وسلم أن یمسح بیده على وجهها إذا حلّ الضیف.
وفعَل الرجل ذلك، فأصبحت المرأة تتمنى إقراء الضیف بعد ذلك؛ لأنها رأت الأمور التی أخبرها بها زوجها عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم على حقیقتها، بعد أن مسح على وجهها بأمر النبی صلى الله علیه وآله وسلم، أی رأت الضیف عندما یدخل الدار ترافقه أنواع الأطعمة والفواكه، وعندما یخرج تخرج معه الأوساخ والعقارب والحیّات مثلاً.
نستفید من هذا الحدیث أموراً عدیدة؛ منها أمران لهما صلة بموضوعنا وهما: الأمر الأوّل: الولایة التكوینیة لرسول الله صلى الله علیه وآله وسلم.
فمع أنّه صلى الله علیه وآله وسلم لم یقم هنا بفعل، فلم یمسح بیده الشریفة على وجه المرأة ـ مثلاً ـ بل أمر الزوج أن یمسح هو بیده على وجهها، مع ذلك أثّر فی تكوین المرأة، أی أنّ أمر النبی صلى الله علیه وآله وسلم وكلامه یكفی لتغییر الكون، ولا حاجة حتى لفعله المباشر، بل تكفی إرادته وقوله. والإمام علیه السلام كالنبی صلى الله علیه وآله وسلم فی هذا.
الأمر الثانی: هو أنّ الذنوب قاذورات وأوساخ وحیّات وعقارب تحیط بنا من الرأس إلى القدم وتكون مانعاً من تشرّفنا بلقاء صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشریف، أی أننا لا نكون جدیرین بسببها للقائه علیه السلام فنحرم هذا التوفیق.
ویمكن تقریب هذا الموضوع بمثال: لو أنّ رجلاً دقّ علیك الباب وأنت فی غرفتك. وعند فتحك الباب رأیته كریه المنظر والرائحة لكثرة ما علق به من قاذورات ونجاسة وأوساخ ودیدان وعقارب وحیات.. فهل ستسمح لـه بالدخول إلى المكان النظیف الذی تجلس فیه؟ كلاّ بالطبع.
هذا یعنی أنّك لو كنت فی مكان صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشریف لما أذنت بلقاء رجل یحمل كلّ هذه القاذورات العالقة بلسانه وعینه وأذنه وأنفه ویده ورجله وبطنه وفكره، وهی الذنوب.
عرفنا إذن لماذا لا نرى الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشریف، فكلّ المشكلة تكمن هنا.. فینا نحن.
إنّ ذلك العالِم الدینی تهیّب للقاء الإمام فلم یره. أما كثیر منا فلم یصل حتى إلى هذه الدرجة، فذلك الرجل العالِم كان قد قطع شوطاً للقاء الإمام عجل الله تعالى فرجه الشریف وفینا من لم ینتهج الطریق بعدُ.
وكما أنّك تطلب من الشخص المنتن الذی أتى لزیارتك أن یذهب أوّلاّ ویزیل عنه الأوساخ والقاذورات ویرمی العقارب والدیدان عنه ثم تقول له: تفضّل أهلاً وسهلاً فبابنا مفتوح لك، فكذلك الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشریف فاتح بابه لكلّ إنسان ولكنه یطلب منّا أن نتطهّر أوّلاً ثمّ نأتی للقائه.
إن الأرواح النجسة غیر لائقة للقاء الإمام علیه السلام، والأعین الخطّاءة لا تستحقّ أن تطلّ على حضرته، والآذان الملیئة بالمعاصی غیر جدیرة بسماع وته، وأنّى لهذه الشفاه التی صدرت من بینها آلاف المعاصی أن تتشرّف بتقبیل یدیه!
وإلاّ فلِمَ لا یسمح لنا الإمام علیه السلام بلقائه وهو أهل الكرم والجود؟ ألم یلتقِ السید الفلانی والشیخ الفلانی والبقّال الفلانی والعطّار الفلانی بل وأشخاصاً أمّیین لا یعرفون القراءة والكتابة، فلماذا لا یسمح لی ولك نحن المتعلّمین؟ إن الذنوب هی التی تحول دون لقائنا بالإمام علیه السلام، فإنّ الإمام لا ینظر إلى أبداننا بل ینظر إلى قلوبنا وأرواحنا وعقولنا.
فلنعاهد الله فی هذه المناسبة أن نبدأ بسلوك الطریق؛ فلعلّنا نبلغ المقصود بعد زمان طال أو قصر، فإنّ من سلك الطریق لابدّ وأن یصل، وصاحب الزمان علیه الصلاة والسلام یعرف عن قلبك وقلبی إن كنّا سالكی الطریق حقّاً أم لا؛ فإن علم صدقنا فسیأخذ بأیدینا. ولو أنّ أحدنا تقدّم إلیه بمقدار خمسة فی المائة من الطریق فإنّه عجل الله تعالى فرجه الشریف سیتقدّم إلیه فی الباقی ویفتح له ذراعیه، ولكن علینا أن نجعل أنفسنا أهلاً لذلك.
ذكرى المولد فرصة لمراجعة أنفسنا لنعاهد الله سبحانه وتعالى على أن نكون عند مرور ذكرى مولد الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشریف فی كلّ سنة أحسن من السنة السابقة. ولنبدأ الطریق بأن یسعى كلّ منا لتقلیل نقاط ضعفه وإصلاح نفسه، فلو أصلحنا أنفسنا فإنّ صاحب الزمان علیه السلام هو الذی سیأتی إلینا قبل أن نذهب إلیه.
لنخطّط لأرواحنا قبل أن نخطّط لبطوننا وأیدینا وبیوتنا وأهلینا ولنسِرْ قلیلاً بهذا الاتّجاه لنحظى بلقیا المولى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشریف.
ختاماً: بودّی أن أذكر شیئاً عسى أن نكون بذلك قد قدّمنا خدمة ولو صغیرة لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشریف؛ فلعلّ كثیراً من الشیعة لا یعلم شیئاً عنه صلوات الله وسلامه علیه، والذنب فی ذلك یعود علینا نحن المتعلّمین.
إننا بحاجة إلى ملیارات النسخ من المطبوعات عن الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشریف؛ فإنّ نفوس العالَم لم تعُد بالملایین بل بلغت الملیارات، فلیخصّص كلّ واحد منكم منذ الآن مقداراً من المال یطبع فیه كتاباً عن صاحب الزمان علیه السلام، ولا مانع من طلب العون من أهله وأقربائه ومن زوجته وابنه وأخیه وأخته فی هذا المجال بأن یضع سهماً من عنده وأسهماً من أقربائه وأصدقائه ثمّ یقوم بطبع الكتاب، ولا یُشترط أن یكون الكتاب ضخماً فكلٌّ حسب سعته. وإذا لم تستطع أن تعطی مبلغاً خلال یوم فقد تستطیع أن تعطیه خلال شهر، وقد تستطیع من خلال الاستعانة بأهلك وأقربائك وأصدقائك.
فهذا شیء بسیط وأقلّ ما یمكن أن نقوم به لخدمة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشریف. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین.

الهوامش:
(1) ألقیت هذه المحاضرة فی الأول من شعبان عام 1398 هـ بمناسبة ذكرى میلاد منقذ البشریة الإمام المنتظر (علیه السلام) فی الخامس عشر من الشهر.
(2) سورة القصص: 5 – 6.
(3) عن الإمام محمد الباقر عن أبیه زین العابدین عن جده أمیر المؤمنین سلام الله علیهم فی قولـه تعالى: (وَنُریدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذینَ اسْتُضْعِفُوا فی الأَرْض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثینَ) قال: هم آل محمد یبعث الله مهدیّهم بعد جهدهم فیعزّهم ویذلّ عدوّهم. ذكره الطوسی فی كتاب الغیبة: ص113.
(4) سورة المدّثر: 6.
(5) سورة البقرة: 264.
(6) سورة البقرة: 262.
(7) سورة طه: 37.
(8) سورة الصافات: 114.
(9) سورة آل عمران: 164.
(10) المنة بالمعنى الأخص.
(11) راجع مستدرك الوسائل: ج2 ص419 باب 64: استحباب الصبر على البلاء.
(12) سورة آل عمران: 185.
(13) عن سلمان الفارسی (رحمه الله) قال: دخلت على رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) یوماً فلما نظر إلیّ قال: یا سلمان… لیحضرن إبلیس وجنوده وكلّ من محض الإیمان محضاً، ومحض الكفر محضاً، حتى یؤخذ بالقصاص والأوتار والتراث ولا یظلم ربك أحداً، ویجرى تأویل هذه الآیة (ونرید ان نمنّ على الذین استضُعفوا فی الأرض…( الآیة. مقتضب الأثر لأحمد بن عیاش الجوهری: ص7.
(14) عن یعقوب بن شعیب قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله عزّوجلّ: (وقل اعملوا فسیرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون( قال: هم الأئمة. الكلینی فی الكافی: ج1 ص219 ح2.
(15) بحار الأنوار: ج25 ص117 باب 4 جامع فی صفات الإمام…
(16) هو آیة الله العظمى السید میرزا مهدی الحسینی الشیرازی(قدس سره).
(17) مستدرك‏ الوسائل: ج16 ص259 ح11 باب 23: كراهة كراهة الضیف.
السید صادق الحسینی الشیرازی

شاهد أيضاً

عِللُ الغيبة و فلسفتها

«اللّهمّ عرّفني حُجّتك، فإنّك إنّ لم تُعرّفني حُجّتك ضَلَلْتُ عن ديني»لا نعرف شيئاً بعد معرفة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *