أدلة وجود الإمام المهدی علیه السلام

ما كان الله سبحانه وتعالى یعذب الناس، ویحاسب الناس إلاّ بعد أن یقیم الحجّة علیهم. ومن جملة إقامة الحجة علیهم، إرسال الرسل والأنبیاء وأوصیاء الأنبیاء. ویُعرَف هؤلاء جمیعاً بالدرجة الأولى بماذا؟ بالعقل، لذلك یقول الإمام الكاظم صلوات الله وسلامه علیه: (إنّ لله على الناس حجتین حجة ظاهرة وحجّة باطنة، أمّا الحجة الظاهرة فهی الرسل والأنبیاء والأئمة، وأمّا الحجة الباطنة فالعقول) الله تعالى یحاسب الناس على قدر عقولهم، لأنّ الله أول ما خلق العقل فقال له: أقبل فأقبل، قال له: أدبر فأدبر، فقال: (وعزّتی وجلالی ما خلقت خلقاً أحبّ إلیّ منك. بك أثیب وبك أعاقب)

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على سیدنا ونبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین.
قال إمامنا وسیدنا أمیر المؤمنین علیه أفضل الصلاة والسلام: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبیناته).(1)
یؤكد الإمام أمیر المؤمنین فی كلامه هذا على أنّ الأرض منذ خلقها الله سبحانه وتعالى وجعل فیها خلیفة (إِنِّی جاعِلٌ فِی الأَْرْضِ خَلِیفَةً)(2) منذ ذلك الوقت الذی قضى فیه وقرّر سبحانه وتعالى أن یجعل فی الأرض خلیفة، ما ترك الأرض خالیة من قائم لله بحجّة، لأنّه لله الحجّة على عباده بصورة عامة.
والرسل والأنبیاء الذین یبعثهم الله سبحانه وتعالى، همم حجج الله على بریّته، ومعنى ذلك كما یقول الذكر الحكیم: (إِنَّا أَوْحَیْنا إِلَیْكَ كَما أَوْحَیْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِیِّینَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَیْنا إِلى إِبْراهِیمَ وَإِسْماعِیلَ وَإِسْحاقَ وَیَعْقُوبَ وَالأَْسْباطِ وَعِیسى وَأَیُّوبَ وَیُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَیْمانَ وَآتَیْنا داوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَیْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَیْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِیماً رُسُلاً مُبَشِّرِینَ وَمُنْذِرِینَ)(3)
ما هو الهدف… (لِئَلاَّ یَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِیزاًحَكِیماً)(4)
ما كان الله سبحانه وتعالى یعذب الناس، ویحاسب الناس إلاّ بعد أن یقیم الحجّة علیهم. ومن جملة إقامة الحجة علیهم، إرسال الرسل والأنبیاء وأوصیاء الأنبیاء. ویُعرَف هؤلاء جمیعاً بالدرجة الأولى بماذا؟ بالعقل، لذلك یقول الإمام الكاظم صلوات الله وسلامه علیه: (إنّ لله على الناس حجتین حجة ظاهرة وحجّة باطنة، أمّا الحجة الظاهرة فهی الرسل والأنبیاء والأئمة، وأمّا الحجة الباطنة فالعقول)(5) الله تعالى یحاسب الناس على قدر عقولهم، لأنّ الله أول ما خلق العقل فقال له: أقبل فأقبل، قال له: أدبر فأدبر، فقال: (وعزّتی وجلالی ما خلقت خلقاً أحبّ إلیّ منك. بك أثیب وبك أعاقب).(6)
هذا یعنی أن العقل مطیع لله. الفطرة العقلیة السلیمة تأخذ بعنق الإنسان لیخضع لله تعالى ویعترف بوحدانیته وبصفاته. وفی نفس الوقت بواسطة العقل یعرف الإنسان نبیّه، یعرف رسوله، ثم یعرف الأوصیاء الذین یأتون من بعد الرسل. هذا بواسطة العقل الذی هو حجة داخلیة باطنیة.
والحجّة الخارجیة، نفس الأنبیاء والرسل والأوصیاء والأئمة، لأن هؤلاء حجج الله تعالى على بریّته.
إخوانی الكرام: لما یقول الإمام أمیر المؤمنین سلام الله علیه فی حدیثه هذا: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة…) سواء أكان على مستوى رسول أو نبی أو وصی، إمّا ظاهراً مشهوراً إذا استتبت له الأمور وإما خائفاً مغموراً. لماذا؟
لئلا تبطل حجج الله وبیناته، لأن الله تعالى یحتج برسله وبأنبیائه، ومن بعد دور الأنبیاء بالأوصیاء على آیاته وعلى بیناته، یحتج على العباد، حتى لا یقول العباد: (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آیاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ)(7)
أو أن یقولوا: (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آیاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(8) لأن القانون الإلهی هو: (وَما كُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(9)
والرسول یبلغ رسالة السماء إلى الناس، وله عمر طبیعی فإذا أراد أن یمضی، أی قربت وفاته یجب علیه أن یعیّن للناس خلیفة، إماماً، وصیاً، مرجعاً، لأن النبی أمین هذه الأمة.
یا إخوان أی إنسان أمین إذا كان أمیناً على أغنام، إذا كان أمیناً على أرض، إذا كان أمیناً على مدرسة، إذا كان أمیناً على بیت، إذا كان أمیناً على رعیة، لا یتركهم هملاً.
ومن قال هذا ونسب الترك لرسول الله، فقد كذب على رسول الله، وعمله یدل على كذبه. هل أنّ أبا بكر كان أكثر حرصاً على الإسلام ؟ إذ أنه ما ترك الأمة كما یقولون هملاً إلاّ وعیّن عمر؟ هل أنّ عمر أولى بالأمانة من رسول الله، بحیث تطلب منه عائشة أن یعیّن ویطلب منه عبد الله أن یعیّن ثم یعین بطریقة خاصة، طریقة الشورى؟ هل أن معاویة أكثر أمانة على الأمة من رسول الله؟ بحیث یعیّن ولی عهد (یزید بن معاویة) نغله.
قضیة طبیعیة جداً أن الرسول أمین (الرسول الأمین)، وأمین على التبلیغ، تبلیغ رسالة السماء، أمین على مستقبل الأمة، فلا بدّ أن یعیّن من بعده مرجعاً للناس، كفواً كریماً حتى لا یتشتت أمر الناس.
ثم إن النبی مسؤول عن مستقبل أمته، كما هو مسؤول فی أیام حیاته عن أمته.
ولذلك كان یقول صلى الله علیه وآله: (إئتونی بدواة وكتف كی أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدی أبداً)(10) ولذلك كان یقول: (إنی تركت فیكم ثقلین، أو مخلف فیكم، أو تارك فیكم _ حسب اختلاف الروایات _ ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدی أبداً. وإنهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض فانظروا كیف تخلفوننی فیهما)(11) فالنبی مسؤول عن هذا الأمر الخطیر ولا یمكن أن یغفل عنه أو یتغافل.
انظر إلى تأریخ الأنبیاء السابقین، كل نبی كان یخبر عن الأنبیاء الذین سیأتون بعد ذلك. فی حدیث إبراهیم، فی أحادیث موسى، أحادیث عیسى، ومثلهم حبیب الله محمد صلى الله علیه وآله، هنا هل أخبر النبی صلى الله علیه وآله بالأئمة من بعده؟ هل أخبر عن الدور الذی یقوم به قادة الأمة وخلفاؤه الراشدون بالحق؟ نعم أخبر.
هذه عشرات الروایات تخبر عن هذا المعنى.
أولاً: روایة جابر بن عبد الله الأنصاری رضوان الله تعالى علیه، یقول: لما نزل قوله تعالى (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَْمْرِ مِنْكُمْ) یقول: سألت النبی صلى الله علیه وآله قلت: یا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولوا الأمر الذین قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال: هم خلفائی یا جابر وأئمة المسلمین من بعدی أولهم علی بن أبی طالب، ثم الحسن، ثم الحسین، ثم علی بن الحسین، ثم محمد بن علی المعروف فی التوراة بالباقر، وستدركه یا جابر فإذا لقیته فاقرأه عنی السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر، ثم علی بن موسى، ثم محمد بن علی، ثم علی بن محمد، ثم الحسن بن علی، ثم سمیّی وكنیّی _ یعنی اسمه على اسم رسول الله صلى الله علیه وآله وكنیته أبو القاسم على كنیة النبی _ حجّة الله فی أرضه وبقیته فی عباده ابن الحسن بن علی ذاك الذی یفتح الله _ تعالى ذكره _ على یدیه مشارق الأرض ومغاربها.(12)
الروایات تقول أن المؤمنین یسلّمون على الإمام إذا ظهر،(13) یقولون: السلام علیك یا بقیة الله فی أرضه وبقیته فی عباده، فهذا یعنی أنّ النبی صلى الله علیه وآله كان مسؤولاً أمام الله وأمام أمته عن تشخیص أولیائه، وخصوصاً بالنسبة إلى الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف، باعتبار أنّ هناك حوادث تجری، تختلف عن حوادث بقیة الأئمة، ولذلك أكّد على قضیته أكثر فأكثر، حتى یكون الناس على یقین من أمرهم.
(یفتح الله على یدیه مشارق الأرض ومغاربها) ذاك الذی یغیب، لأن القضیة غیر طبیعیة. یعنی لو كان الإمام سلام الله علیه مباشرة یأتی بعد والده الإمام الحسن العسكری فالقضیة طبیعیة، أمّا أنه یغیب هذه المدة الطویلة وإن لم تكن مستحیلة لا عقلاً ولا علمیاً ولا عملیاً، بل هناك وقائع حدثت وهذا التأریخ بین أیدینا یذكر المعمّرین وهناك السجستانی عنده كتاب المعمّرون. بالعشرات یذكر أعمارهم.
دع عنك هؤلاء جمیعاً. نحن والقرآن الذی هو مسلّم به عند كل الفرق الإسلامیة.
ونحن حدیثنا مع المسلمین، لما یقول سبحانه وتعالى عن نبی الله نوح علیه السلام: (فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِینَ عاماً)(14) معنى ذلك أن النبی مبعوث لجیل ولیس مبعوثاً لعدة أجیال أی أن أعمار ذلك الزمان كانت بهذا الشكل _ هذا واحد _، ثم یقول: عمره خمسون سنة لما بعث، و950 سنة الدعوة إلى الطوفان، وبعده خمسین سنة بقی فی الدنیا ثم مضى. یعنی ألفاً وخمسین سنة. بعض الروایات تقول أكثر من هذا 1500 سنة وبعض الروایات تزید عمره إلى 2500 سنة.
دع عنك هذا الزائد، لنفرض 1050 سنة فالذی یعیش 1050 سنة معناه لیس وحده یعیش هذه المدة، لا بدّ أن هناك عشرات مثله یعیشون.
ویقول سبحانه وتعالى عن یونس علیه السلام: (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِینَ لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إِلى یَوْمِ یُبْعَثُونَ)(15) _ أی بطن الحوت _ یعنی هل الحوت میت وهو میت؟ ما الفائدة إذا كان هكذا ؟ فالناس كلهم من آدم أعمارهم طویلة إلى الحشر. فإذن هو حی والسمكة أیضاً حیّة (للبث فی بطنه إلى یوم یبعثون) فالله قادر أن یمدّ الحوت بهذا العمر المدید، ویمد یونس علیه السلام بهذا العمر المدید.
ثم عندنا إبلیس علیه اللعنة (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلى یَوْمِ یُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ)(16) یعنی ممهلین إلى یوم الوقت.
نأتی إلى الفرق الإسلامیة الأخرى تعترف الفرق الإسلامیة بأنّ عیسى علیه السلام حی یزرق عند الله، وینزل إذا جاء الإمام المهدی المنتظر عجل الله فرجه، وكذلك إدریس علیه السلام والخضر معروف أیضاً. وبعضهم یعتبر إلیاس أیضاً من جملة الأنبیاء الذین أطال الله أعمارهم وهؤلاء قبل الإمام المهدی قبل ولادة الإمام المهدی منذ آلاف السنین. فلماذا استنكر على الله أن یمد فی عمر الإمام المهدی؟
والقضیة طبعاً غیر طبیعیة ترجع إلى مصلحة یراها الله تعالى، ومصلحة یعرفها الله سبحانه وتعالى. ولكن لیس على الله بعزیز.
لهذا یقول النبی صلى الله علیه وآله فی هذا الحدیث الشریف: (ذاك الذی یغیب عن شیعته وأولیائه غیبة لا یثبت فیها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإیمان).(17)
إخوانی هناك مقاطع فی الحیاة الناس یفتنون فیها، الناس یمتحنون. (الم أحَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَكُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا یُفْتَنُونَ)(18) فإذن یمتحنون بأشكال متعددة.
امتحن الله عباده فی قضیة عیسى علیه السلام (خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا)(19) قضیة طبیعیة، لكن أراد الله أن یثبت شیئاً، وأراد أن یمتحن العباد بولادة عیسى من أمّ دون أب، (إِنَّ مَثَلَ عِیسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَیَكُونُ)(20) فالذی یؤمن بأن الله خلق آدم وحواء من تراب، یؤمن بأن الله تعالى خلق عیسى من أمّ دون أب. فصار الامتحان.
وبالنسبة إلى الإمام المهدی كذلك. هذا نوع من أنواع الامتحان. إذا كانت عشرات الأحادیث یرویها السنة والشیعة فی وجود الإمام المهدی وفی حسبه ونسبه، وفی غیبته وطول عمره. فإذن هنا الامتحان، لیعرف المؤمن بالغیب، المؤمن بالله وبما جاء به رسول الله، من غیر المؤمن.
ولذا یقول النبی الكریم صلى الله علیه وآله وسلم: (ذاك الذی یغیب عن شیعته وأولیائه غیبة لا یثبت فیها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإیمان. قال جابر: فقلت له: یا رسول الله فهل ینتفع الشیعة به فی غیبته؟ _ لأن المتعارف أن الإمام أو النبی أو الرسول ظاهر للناس ینتفعون منه هذا إذا كان حاضراً أمّا إذا كان غائباً فهل ینتفع منه؟ _ فقال: إی والذی بعثنی بالنبوة إنهم ینتفعون به ویستضیئون بنور ولایته فی غیبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها السحاب).(21)
معنى ذلك أنّ القضیة لیست منوطة بحضوره فقط، وإنما هو فی غیبته، ووجوده بركة وخیر، فإنّ الله سبحانه وتعالى یحفظ الأرض ومن علیها ببركة الإمام الحجة (لو خلیت الأرض من حجة لساخت بأهلها)(22) ، ولذلك كان النبی صلى الله علیه وآله یقول: (النجوم أمان لأهل السماء وأهل بیتی أمان لأهل الأرض، فإذا ما ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما یكرهون).(23)
وهنا أودّ أن ألفت النظر إلى شیء مهم، وهو: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) مثال ذلك. كله یدل على انتهاء العالم، فالملائكة عندها علامة وهی أن هذه النجوم ما دامت مستقرّة فالحیاة مستقرة، أما إذا تناثرت النجوم وإذا ذهبت الشمس والقمر وسیّرت الجبال، كل ذلك علامة على انتهاء العالم وقیام الساعة.
كذلك بالنسبة إلى الأرض (وأهل بیتی أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بیتی أتى أهل الأرض ما یكرهون).
لذلك: فإنّ القائلین برجعة المعصومین _ طبعاً بالجملة لیس بالتفصیل، كیف یرجعون؟ من یرجع ومن لا یرجع؟ مهما كان على كل حال _ بعد ظهور الإمام الحجة المنتظر یستندون إلى هذا لأنه لابد أن یكون.. فإنّ بعض الروایات تقول: (ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول)(24) ، فحتى الإمام المهدی عجل الله فرجه تكتب له الشهادة. یمنحه الله تعالى الشهادة، مع أنه یقضی على الظالمین، لكن لو بقی ظالم واحد أیضاً یفجع الأمة بقتل الإمام.
لكن هل تنتهی الدنیا؟ لا، فلابدّ من وجود معصوم حجّة لله تعالى على الخلق یقوم مقام الإمام المهدی، حتى یحكم فی العباد، إلاّ أن یشاء الله سبحانه وتعالى للأرض وما علیها أن تنتهی، فینتهی أهل البیت ویأتی أهل الأرض ما یكرهون.
فالنبی صلى الله علیه وآله وسلم لما یتحدث عن انتفاع الناس بوجود الإمام یقول: (لو خلیت الأرض من الحجة لساخت)، والأرض أو المنطقة التی علیها حجة سواء أكان رسولاً أو نبیاً أو إماماً لا تعذّب. ولما أراد الله أن ینزل العذاب على قوم یونس، یونس انسحب من المنطقة. وإلاّ مع وجود یونس لا ینزل العذاب.
قضیة لوط علیه السلام كذلك. إبراهیم یقول (إِنَّ فِیها لُوطاً)(25) یقول للملائكة الذین أخبروه بأنهم جاءوا لیعذبوا قوم لوط، لیقضوا علیهم، قال: إن فیها لوطاً.
یعنی كیف ینزل العذاب ولوط نبی الله موجود. هناك حجة على الخلق. فأخبروه بأن یخرج بعائلته إلاّ امرأته، إذاً بالحجة استقرار الأرض والسماء بهذا المعنى.
ومن بركات وجوده صلوات الله وسلامه علیه: أنه واسطة الفیض الإلهی وبیمینه رزق الورى، أحادیث كثیرة تخبر وتؤكّد أنه فی لیلة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِیها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).(26) كیف ینزلون؟ بأمر ربهم. على من، على زید على عمر ینزلون؟ على حجة الله فی زمانه. وحجة الله فی زماننا الإمام المهدی المنتظر عجل الله فرجه. ومشیئة الله هكذا أن الملائكة إذا قررت شیئاً تستشیر الإمام، تأخذ نظره بالنسبة للأعمار، وبالنسبة للأرزاق وما شابه ذلك، لأن لیلة القدر تعنی: اللیلة التی یعرف بها قدر الإنسان هل یرتفع أو ینخفض أو یبقى على ما هو علیه. كما هو الحال فی الموظفین كل سنة وسنتین لابد أن یحاسبوا وینظر فی عملهم أنهم فی هذه المدّة ماذا عملوا، أدّوا الواجب بصورة صحیحة سلیمة؟ یعطون ترفیعاً وأما إذا ظهروا مقصرین فینزلون من قدرهم.
البعض یفسرون القدر بهذا المعنى یعرف قدر الإنسان.
فلابد أنّ الإمام سلام الله علیه یعطی رأیه فی هذه الأمور التی یجریها الله تعالى على العباد بمشیئته، عن طریق الإمام. مثلما یقبض الأرواح بواسطة ملك الموت وملك الموت بید الله تعالى. فكل شیء ینسب إلى الله، حتى إذا كان الأمر یقوم به بعض عباده (اللَّهُ یَتَوَفَّى الأَْنْفُسَ حِینَ مَوْتِها)(27) ، (قُلْ یَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِی وُكِّلَ بِكُمْ)(28) فما دام الله تعالى عین ملك الموت لیقوم بهذا الأمر ففعله یرجع إلى الله سبحانه وتعالى.
والإمام من قبل الله معیّن لیعطی رأیه، فهو واسطة الفیض الإلهی، بیمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت السماء.
بالإضافة إلى هذا هو مرجع للأمة، مرجع للأحكام. لابدّ للعلماء أن یتوصّلوا إلى الإمام بالواسطة، أو بغیر الواسطة عبر هذه السنوات العدیدة التی مرّت على وجود الإمام صلوات الله وسلامه علیه.
وهناك قصص كثیرة، للسید بحر العلوم رضوان الله علیه وغیره من العلماء والمراجع هی دلیل على أن الإمام سلام الله علیه لا یتركهم أبداً.
ثم هو ملجأ العباد فی المشاكل، فی الصعوبات دائماً. العباد المؤمنون یلجؤون إلیه. وهناك قصص متعدّدة حول تلقی الشیعة حلولاً لقضایاهم، فی البحرین فی العراق فی أماكن متعددّة أخرى، على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة، وكیف أنّ الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه أنقذهم مما كانوا فیه. كثیر من القصص موجودة فی الكتب ویذكرها الأعلام.
فالإمام لم یترك أمته، ولم یترك رعیّته، فإنّ فی غیبته خیر وبركة كما فی حضوره. لكن طبعاً فی حضوره تكون البركة أكبر، ولذلك یقول النبی صلى الله علیه وآله: «إی والذی بعثنی بالنبوة إنهم ینتفعون به ویستضیئون بنور ولایته فی غیبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها السحاب»، بمعنى أنّ الشمس إذا تجللّها السحاب فی النهار منع ظهورها، فهل معنى هذا أنّ النهار یصیر لیلاً؟
لا، هل معنى هذا أنّ أشعة الشمس لا تنفع البشر؟ بل تنفع، حتماً تنفع فالفرق واضح بین اللیل الذی لا توجد فیه شمس وبین النهار الذی توجد فیه شمس لكن الشمس محجوبة، فلا بد أن تعطی ضوءها ولا بد أن تعطی إشعاعاتها وحرارتها والناس ینتفعون.
ولذلك یقول الشاعر:
یا غائباً لم تغب عنّا رعایته ولا یزال بعین اللّطف یرعانا
بظله وهو محجوب منافعه مثاله الشمس عند السحب تغشانا
فیقول النبی الكریم: ویستضیئون بنور ولایته فی غیبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها السحاب، یا جابر هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه _ یعنی هو علم عن المستقبل بهذا التفصیل _ فاكتمه إلاّ عن أهله.(29)
لأن هذا الشخص الذی لا یؤمن بقول النبی فی حق وصیّه علی علیه السلام ویخرج علیه ویحاربه، أو یعتقد بأعداء الله أنهم خلفاء على الحق، كیف یتوقع منه أن یتعرّف على قضیة الإمام المهدی وما سیجری له فی مستقبل الزمان؟
هناك حدیث یلفت النظر یا إخوان، وعلینا أن نأخذ به وأن نؤكّد هذا الحدیث على أعمالنا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون مصداقاً أو مصادیق لهذا الحدیث الشریف. الإمام زین العابدین علیه السلام یقول لأبی خالد الكابلی: (تمتد الغیبة لولی الله الثانی عشر من أوصیاء رسول الله صلى الله علیه وآله والأئمة من بعده. یا أبا خالد إن أهل زمان غیبته _ أنا وأنت ومن سبقنا فی أیام الغیبة ومن سیأتی بعدنا _ إن أهل زمان غیبته، القائلین بإمامته، المنتظرین لظهوره، أفضل أهل كل زمان لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغیبة عندهم بمنزلة المشاهدة).(30)
إقرأ قلبك أیها المؤمن. ما هی عقیدتك فی الإمام المهدی؟ هل تؤمن بوجوده وتستنجد به وتندبه وتبكی وتطلب منه أن یعجّل فی ظهوره وتدعو له وتطلب منه أن یدعو لك؟ كل هذه حقائق تدل على الإیمان الذی فی قلبك أیها المؤمن.
ثم ولایة الفقیه ما معناها! نحن ملزمون أن نطیع رسول الله صلى الله علیه وآله، وملزمون أن نطیع الأوصیاء من بعده. ولما جاءتنا روایات عن الأئمة علیهم السلام تؤكد على لزوم طاعة واتباع العلماء مع الأوصاف الضروریة من علم وورع وتقوى ومخالفة للهوى..إلى آخره، و(الراد علیهم كالراد علیّ والراد علیّ كالراد على الله).(31)
فولایة الفقیه ما كانت إلى هذه الدرجة قبل عشرات السنین أصلاً. انظر أیها الأخ الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: (لو وجدت أربعین ذوی عزم لنهضت).(32)
الحسین علیه السلام على عظمته ابن رسول الله، قرّة عین النبی، قرّة عین الزهراء، صحابی، وفی نفس الوقت هو من أقرب الأقربین إلى رسول الله، مع هذا لما استنجد الناس واستنصرهم حصل على (72) ناصراً.
كذلك الأئمة الباقون كانوا فی قلّة من الأنصار.
ویأتی رجل من تلامذة الأئمة یحمل شیئاً من علم الأئمة. یأتی رجل یمثّل المرجعیة، فیأتی بولایة الفقیه والناس تطیعه وتقتل بین یدیه، وتتعشّقه وتفدی نفسها لما یقول، معنى هذا أنّ هناك تطوّراً فی العالم، وأنّ هناك تغیّراً فی فكر الناس.
فإذن هذا هو الذی یقوله الإمام زین العابدین علیه السلام: «إن أهل زمان غیبته القائلین بإمامته، المنتظرین لظهوره أفضل من أهل كل زمان لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغیبة عندهم بمنزلة المشاهدة».
فإذا كان نائب الإمام هكذا یطاع فإذا ظهر الإمام الحجة المنتظر كیف یطیعه الناس؟ وقد جعلتهم الروایة فی ذلك الزمان، بمنزلة المجاهدین بین یدی رسول الله بالسیف. «أولئك المخلصون حقّاً وشیعتنا صدقاً والدعاة إلى دین الله سرّاً وجهراً».. اللهم اجعلنا منهم.
نعم أیها الأخ الكریم قضیة الإمام الحجة المنتظر قضیة واقعیّة. وإنّ الإمام المنتظر حق كما أنّ الجنة حق والنار حق والموت حق. كل هذه الأشیاء حق. كما أن الإسلام حق (هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) .(33)
فی فرائد السمطین یقول شیخ الإسلام الجوینی عن النبی صلى الله علیه وآله أنه قال: (من أنكر خروج المهدی فقد كفر بما أنزل على محمد)(34). لماذا كفر؟
لأن من جملة الأشیاء التی تثبت صحة قول الرسول، الروایات الصحیحة التی تصل إلینا. فإذا وصلتنا روایة أخبرنا بها ثقة، أو كتبها عالم ثقة عن علماء إلى النبی، نأخذ بقوله. إذا كان الحدیث متواتراً، إذا الأخبار متواترة، أی أنّ عشرات من الصحابة، عشرات من العلماء، عشرات الكتب تذكر قضیة الإمام المهدی عجل الله فرجه بالتفصیل: شكله، طوله، أسنانه، عیونه، شعر رأسه، حواجبه، حركاته، عمره، أیام حكومته، قبل ظهوره، ماذا یجری بعد ظهوره، فی أیام ظهوره. معالم حكومته، حتى الرایة والسیف وما شابه ذلك.. إذا كان أحد ینكر هذا فمعناه أنه منكر لنبوة رسول الله صلى الله علیه وآله، یعنی یكذّب رسول الله والمكذّب لرسول الله فیما قال كافر.
إخوانی: ما أكّد النبی على شیء كتأكیده على شیئین: قضیة الحسین بالتفصیل، وقضیة الإمام المهدی المنتظر. كل ذلك حتى تكون الحجة له علینا فلا نقول: لم نسمع، لم نعرف، هذا شیء مستبعد، غیر ممكن. هذا كله تهرب من الواقع، لأن الله ألزمنا الحجة وعلینا أن نعترف مذعنین.
هناك بعض الأشیاء یجب الاعتقاد بها بصورة إجمالیة ولیس من الضرورة التفصیل كإجمالیة عذاب القبر، إجمالی المعراج، وغیره. هناك آیات وهناك أحادیث تؤكد وجود الإمام المهدی واستمرار وجوده كما فی حدیث النبی الكریم صلى الله علیه وآله وسلم: (وإنهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض)(35) من جملة الافتراق ماذا؟ افتراق الزمان، أی أنّه إذا كان فی زمانٍ ما القرآن موجود، والحمد لله القرآن لم یهمل ولم یترك، لم یأتِ زمان لا وجود للقرآن فیه، من یوم بعثة النبی وإلى یومنا هذا وإلى یوم القیامة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(36) والذكر هو القرآن. فإذاً القرآن موجود فی كل زمان. فإذا قال القائل: ما ولد الإمام فی زمن العسكری، ولا یوجد إمام إلى آخر الزمان، إذا شاء الله تعالى یولد الحجة ثم یظهر. معناه فی هذه الفترة من الزمان الذی مضى وهو مئات السنین، لا وجود لعِدل القرآن، فكیف تفسّر كلام النبی الذی أكد بضرس قاطع أنهما لن یفترقا، ومن جملة الافتراق، الافتراق الزمانی وقد وقع الافتراق حسب ادعاء القائل، وهو عین ما نفاه رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم.
وهذا یدل على أنهم علیهم السلام لا یفترقون عن القرآن الكریم. وما دام للقرآن وجود فلابدّ لله من حجة.
بالإضافة إلى قوله صلى الله علیه وآله وسلم: (من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتةً جاهلیة)(37) ولا یمكن أن یكلّف النبی الناس بما لا یطیقون، فلابد من وجود إمام فی كل زمان تجتمع فیه صفات العصمة والعلم وغیر ذلك. ولیس الإمام أیّاً كان یأتی ویصیر إماماً، لا، وإنما إمام معصوم فیه كل شرائط العصمة، وكل شرائط الإمامة. فهو مرجع الناس وهو السبب بین السماء والأرض، وهو واسطة الفیض الإلهی. والله سبحانه وتعالى به یحفظ العباد والبلاد.
على كل حال نسأل الله سبحانه وتعالى أن یعجل فی فرج إمامنا، لأنّ الأحادیث التی تتحدث عن مقدمات ظهور الإمام علیه السلام كثیر من هذه الأحادیث طبّقت، وتحققت كثیر من التنبؤات، وكثیر من الأخبار. ومن غیر الممكن أن ینهض الإمام الحجة المنتظر ولم تكن هناك قاعدة شعبیة مؤمنة تتعاون معه.
فمع كثرة الظلم والجور فی العالم، لكن مع هذا كله لا بد من قاعدة شعبیة، لا بد من قاعدة مؤمنة تتعاون مع الإمام حتى یظهر علیه السلام.
وهذه الظاهرة التی ترونها فی انبثاق فجر الدولة الإسلامیة الفتیة، وفی ظهور المؤمنین الذین یدعون إلى الإسلام عالمیاً. وفی الحدیث عن أهل البیت: (لتعطفنّ الدنیا عطف الناقة الضروس على أهلها)(38) وهذه العلامات ظاهرة.
واعتقد أن لا وقت لی حتى أتحدّث عن هذا الموضوع. ولكن انظروا الیوم وارجعوا إلى الوراء، إلى قبل مئة سنة أو قبل خمسین سنة هل فی أوربا، فی أمریكا، فی أفریقیا، فی استرالیا، كانت مجالس حسینیة ومجالس یذكر فیها أهل البیت علیهم السلام؟ هل كان الناس یتحدّثون عن حق أهل البیت كما یتحدث الیوم؟ حتى بعض من كان عدوّاً لأهل البیت قبل حین؟ إقرأ كتب التیجانی واقرأ كتاب إدریس الحسینی ( لقد شیعنی الحسین) واقرأ كتب أحمد یعقوب وغیرها.
لقد انتبه الناس إلى حق أهل البیت علیهم السلام وأخذوا یكتبون عنهم. وفی لندن إذاعة خاصّة هناك، اسمها إذاعة كل العرب. جاءتنی من هذه الإذاعة مجموعة من محاضرات ألقاها الدكتور التیجانی وغیره. وبكل صراحة یحملون على أعداء أهل البیت بشكل صریح.
حتى أن الإمام الصادق علیه السلام ما كان یستطیع أن یتحدث بهذه الصراحة على مستوى إذاعة وعلى مستوى جمهور، یتحدّث عن ظلامة أهل البیت.
والیوم أیها الإخوة الكرام نرى شراسة الوهابیین، وشراسة الاستعمار، وأذناب الاستعمار، كل ذلك بسبب قوتنا. لو أنّ العدو رأى فینا ضعفاً لأهملنا.
ولكنه یرى فینا قوّة وتحركاً، بعد أن مددنا أیدینا إلى السیوف، إلى السلاح، وإذا بالإمام الخمینی رضوان الله علیه ینهض فیعطینا عزة، ویعطی الإسلام عزة وكرامة، ویأمرنا بالجهاد والفداء والشهادة لإعلاء كلمة الحق. وقام المسلمون فی العراق وفی إیران وفی لبنان وفی مناطق أخرى من العالم یهتفون باسم الإسلام. وكثیر منهم یهتف باسم علی وأبنائه الطاهرین، ویعترف بالإمام المهدی المنتظر. هذه بادرة طیبة یا إخوانی.
إقرأ ما تنشره الصحف عن الكتب الإسلامیة التی تباع فی معارض الكتب فی العالم _ من باب المثال لا الإحصاء والاستقراء _ فی العام الماضی فی تونس أقیم معرض للكتاب هناك وقد نشرت الجرائد بعد ذلك أن أول كتاب ضرب الرقم القیاسی فی البیع هو كتاب آیة الله العظمى الشهید الصدر «فلسفتنا» ثم «اقتصادنا» ثم «البنك اللاّربوی» معنى هذا أن الناس تتعشق العلم، وأن الناس أخذت تتعرّف على علماء الشیعة بعدما كانوا یكفّرونهم. وأن الناس أخذت تفتح أبواب عقولها وقلوبها على أهل البیت، وشیعة أهل البیت، لیأخذوا منهم المعین الصافی والمعدن النقی. وكل هذه مقدمات حتى یتعرّف العالم على الإمام المنتظر عجل الله فرجه.
أخی أسألك كیف تفسر هذا الحدیث القائل: بأن الإمام الحجة المنتظر، إذا ظهر نادى منادٍ من السماء: قد ظهر المهدی والناس تقام علیهم الحجة.(39) قبل خمسین سنة كیف كان الناس یفسّرون هذا الحدیث؟ فلو نادى ملیون مرّة، من أین یفهم الأوربیون والأمریكیون من هو المهدی؟ ومن أین یعرف باقی سكاّن العالم؟
ولكن بعد هذا المخاض، بعد هذه الحرب، بعد هذه الانتفاضة، بعد هذه الصحوة، بعد هذه النهضة الإسلامیة العظیمة، والتقاریر التی تصل إلى القوم، فأخذوا یتحدثون عن الشیعة: من هم الشیعة؟ وما هی معتقداتها؟ إنهم یكتبون الآن أطروحات دكتوراه، أذكر امرأة إیطالیة كتبت أطروحة وأخذت دكتوراه فی أدعیة الإمام الصادق علیه السلام ، ما أظن أحداً من الشیعة كتب عن أدعیة الإمام الصادق.
وأخذ دكتوراه.
تعرف الآن البحوث عن الشیعة وبحوث عن معتقداتهم على قدمٍ وساق فی العالم.
وأن بعض الجرائد تتحدث عن علماء الشیعة وترسم صورة لآیة الله العظمى فلان، ثم آیة الله فلان ثم حجة الإسلام، وهكذا تتبنى صحیفة یابانیة وصحف متعددة دراسة معمّقة عن الشیعة.
فعلى كل حال إخوانی الكرام إنها نعمة من الله. وعلینا أن نستجیب لنعمة الله ونشكر الله تعالى، ونقرأ معاً: اللهم إنا نرغب إلیك فی دولة كریمة تعزّ بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فیها من الدعاة إلى طاعتك…
والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته

الهوامش:
(1) نهج البلاغة ج4: 37.
(2) البقرة، الآیة: 30.
(3) النساء، الآیة: 163.
(4) النساء، الآیة: 165.
(5) الكافی للكلینی ج1: 16.
(6) عوالی اللئالی لابن أبی جمهور ج4: 100. وبحار الانوار ج1: 97.
(7) القصص، الآیة: 47.
(8) طه، الآیة: 134.
(9) الإسراء، الآیة: 15.
(10) المستدرك للحاكم ج3: 477.
(11) البدایة والنهایة لابن كثیر ج5: 228 وج7: 386.
(12) كمال الدین وتمام النعمه للصدوق، ص253.
(13) كمال الدین وتمام النعمة، ص331.
(14) العنكبوت، الآیة: 14.
(15) الصافات، الآیة: 144.
(16) الحجر، الآیة 36 _ 37.
(17) ینابیع المودة للقندوزى ج3: 238 و399، كمال الدین للصدوق ص253.
(18) العنكبوت، الآیة: 2.
(19) الحجرات، الآیة: 13.
(20) آل عمران، الآیة: 59.
(21) كمال الدین للصدوق ص253.
(22) بصائر الدرجات للصفار ص508.
(23) مقتضب الأثر للجوهری ص15.
(24) كفایة الأثر للخزاز القمی ص227.
(25) العنكبوت، الآیة: 32.
(26) القدر، الآیة: 4.
(27) الزمر، الآیة: 42.
(28) السجدة، الآیة: 11.
(29) إكمال الدین وإتمام النعمة: 253.
(30) اعلام الورى للطبرسی ج2: 196، وكمال الدین للصدوق ص320.
(31) راجع مستند الشیعة للنراقی ج17، 52 والخرائج والجرائح للراوندی ج1: 174، وغیرها….
(32) شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج2: 47.
(33) التوبة، الآیة: 33.
(34) فرائد السمطین ج2: 334 ح585.
(35) مسند احمد ج3: 14، 26، 59… وسنن الترمذی ج5: 329، والمستدرك للحاكم ج1: 93، ج3: 109.
(36) الحجر (15): الآیة 9.
(37) الكافی للكلینی ج1: 377، المحاسن للبرقی ج1: 92، وكمال الدین للصدوق ص409.
(38) نهج البلاغة ج4: 47، ولفظه:”لتعطفن الدنیا علینا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها”.
(39) راجع ینابیع المودة للقندوزى ج3: 221 ولفظه: ومن أمارات خروج الإمام المهدی (عج) مناد ینادی ألا إن صاحب الزمان قد ظهر… فلا یبقی راقد إلاّ قام… وأیضاً ص297، وفیه: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بیت الله فاتبعوه فإن الحق معه..
الشیخ باقر المقدسی

شاهد أيضاً

غیبة لابدّ منها

غیبة مهدی هذه الامة غیبة لابدّ منها، لانه مهدی هذه الامة، ولان وعد الله سبحانه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *