الرياضة الاحترافية

اسماعيل شفيعي سروستاني
إن الرياضة الاحترافية كانت المحصلة الطبيعية لتطور الرياضة الحديثة. او بالاحرى يمكن القول بأنها كانت اخر محطة للرياضة الحديثة. مثلما يمكن القول بأن بروز صفات مثل العدالة والشجاعة والعفة والحمية والانتقال من منزل المروءة إلى سلك أصحاب الفتوة وبالتالي الولوج في مقام الولاية، كانت الحصيلة الطبيعية لتطور التربية البدنية التقليدية.

اسماعيل شفيعي سروستاني
إن الرياضة الاحترافية كانت المحصلة الطبيعية لتطور الرياضة الحديثة. او بالاحرى يمكن القول بأنها كانت اخر محطة للرياضة الحديثة. مثلما يمكن القول بأن بروز صفات مثل العدالة والشجاعة والعفة والحمية والانتقال من منزل المروءة إلى سلك أصحاب الفتوة وبالتالي الولوج في مقام الولاية، كانت الحصيلة الطبيعية لتطور التربية البدنية التقليدية. لأن الرياضي، وفي الفصل الأول من مدرسة المروءة، كان يتعلم من خلال تجاوز ساحة الموت الواعي انه يجب عليه التخلي عن الاهواء النفسانية ليقيم عهدا مع الفطرة الطاهرة والساحة الربانية لكي يُقبل في مدرسة الفتيان. وهذا السير التدريجي كان يدفع بالرياضي للقضاء على جميع مظاهر النفس الخداعة وظهور صفات الجمال والجلال الالهي ويجعل الفطرة تبلغ الكمال لديه ويصبح مقيما في عتبة الأمام الحي والحجة البالغة. على الرغم من ان غلبة الهوى وإضفاء الإصالة على التمنيات الحيوانية وضخامة الجسد (الشئ الكامن في ذات الرياضة الحديثة) كانت تدفع نفسه التي لا تشبع لكي تعتبر انها منفصلة عن الكلام القدسي وسنة اهل الفتوة والولاية، ومشرفة على جميع أعمال وسكنات الإنسان.
إن ايا من تعليمات الفتيان لا تؤثر على تلامذة مدرسة الاهواء النفسانية. ان شعوب الشرق واتباعا لبقايا تقاليد الاجيال السالفة، سعت جاهدة لايجاد نسبة وتوازن بين الرياضة الحديثة والأخلاق التقليدية، رغم أن السير التدريجي ومضي الايام اظهر غلبة الوجوه المادية والثقافية المنبقثة عن الرياضة الحديثة وقلص من الابعاد المعنوية السابقة.
إن جهود القائمين على هذه المجتمعات لايجاد المصالحة بين هذين التيارين بقيت عقيمة على الدوام. لأن الوجهة النهائية والمرجوة من التيار التقليدي والتيار المتجدد، مختلفة فضلا عن انهما يختلفإن من حيث الماهية.
إن الانتقال إلى جادة الرياضة الحديثة كان بمثابة الانتقال إلى طريق شديد الانحدار سلب من سكانه امكانية العودة والنظر إلى الخلف، وان هذه المجتمعات افترضت انها مضطرة للسير على خطى الغرب باعتبار ان ذلك فعل تاريخي.
إن احوال هذه الشعوب، ليست بعيدة الشبه عن قصة ركوب مجنون الجمل في مثنوي مولوي. لقد كان مجنون يطلب ليلاه والجمل يطلب مأواه، وان تماشي هذين الاثنين امر متضاد بل مستحيل. ومن هنا اجتازت الاحترافية حدود الغرب لتخترق شعوب الشرق. الشعوب التي كانت تظن ان بالامكان فصل الدسم عن الزيت والرطوبة عن الماء.
وربما ان لم يهرع تسويغ العقل الماكر لنجدة شعوب هذه الديار ولم تكن الدنيوية (شطب القدسية وجعل الدين دنيويا)، لما كان هذا التعارض ينفك عنهم. ومن أجل ايجاد الاستقرار النسبي وتحمل عملهم، سعى هؤلاء لإقامة علاقة ومصالحة بين التيارين المتعارضين، وان حصول النتيجة منوط بلا شك بتضاؤل صورة وسيرة الفكر والثقافة المعنوية، الشئ الذي تكفلته الدنيوية.
إن عملية “التحول إلى الدنيوية” تمت في وقت المواجهة مع الظواهر الغربية حول عموم التقاليد الدينية للبلدان الشرقية بما فيها الإسلامية. ولذلك فإن هذه الشعوب اتخذت موقفا منفعلا على الدوام في مقابل الثقافة والحضارة الغربية. ان وجود المظاهر المختلفة للثقافة والحضارة الغربية في كافة البلدان الإسلامية، يشكل دليلا سافرا على ذلك.
إن تبعية شعوب هذه البلدان للاشكال المختلفة للأدب الغربي وبروز الافات الاجتماعية والأخلاقية وبالتالي الرياضة المحترفة، كان النتيجة الطبيعية لتطور الرياضة الهاوية (غير المحترفة). بحيث ان الامبريالية السياسية والاقتصادية كانت الابن المباشر لليبرالية والبرجوازية. وهذا الشئ انسحب على تيارين، التيار الأول تيار داخلي وثقافي والاخر تيار خارجي ومادي.
ان مسار التحول التدريجي للإنسان الغربي نحو الدنيا واهوائه الدنيوية البحتة، لم يكن بالموضوع الذي يتوقف عند حد ما، ويتسم بطابع ثقافي ومعنوي. لأن الطبيعة النهمة الغارقة في مستنقع النفس الأمارة، كانت تطالب بالسلطة الكاملة والثروة الكاملة والهيمنة التامة على ربوع الأرض وباقي ابناء البشرية. لذلك فانها سلكت درجات الهيمنة والتمتع المادي حتى الدرجة الاخيرة؛ لاسيما وان اي عقبة لم يكن بامكانها الوقوف بوجهه والحد من حركته.
وكانت العوامل الدينية والثقافية تقيد الإنسان بحفظ بعض الحرمات والسيطرة على الميول الحيوانية من خلال طرح غاية وهدف للحياة. الا ان التوجه المادي البحت نحو العالم الدنيا، نحى بالدين جانبا واضفت الدنيوية صبغة دنيوية على الدين. ولهذا السبب فانه ليس الرياضة فحسب بل جميع المناسبات الفردية والجماعية كانت تخرج تدريجيا من دائرة الجغرافيا غير الحرفية، بحيث ظهرت الامبريالية في ميدان السياسة، والرياضة الاحترافية في ميدان الرياضة.
إن سيطرة أصحاب الرساميل على الرياضة في الغرب (Sport) واندلاع التوق الرهيب لأصحاب الصناعات للترويج والدعاية لبضائعهم ومنتجاتهم، دفعهم إلى استخدام اي اداة كانت، ما اعتبر عاملا مكملا للتيار الأول، ومهد لظهور الرياضة الاحترافية.
إن جميع الساحات الرياضية والأدوات والوسائل التي يستخدمها الرياضيون وحتى الملابس والازياء التي يرتديها الأبطال، مليئة باسماء وشعارات المصانع والشركات الانتاجية، وفي كواليس المسابقات، هناك دائما مدراء الكارتلات الذين يعتبرون الموجه الحقيقي للمسابقات.
ان الأبطال يتلقون التعليم في مدرسة الرياضة الاحترافية قبل ان يصبحوا أبطالا ومن أجل ان ينالوا لقب البطولة. وهذا هو تقليد جميع المدراء والقائمين على الكارتلات الدولية الكبرى.
والخبر التالي حول طلب شركة كوكا كولا، يظهرجانبا من كيفية حضور الراسماليين في الميادين الرياضية:
بينما تعتبر شركة “اي. اس. ال” التجارية أكبر مؤسسة قريبة من اللجنة الأولمبية الدولية، فإن شركة كوكاكولا تسعى للاضطلاع بأكبر دور في تنظيم الألعاب الأولمبية لعام 1988.
وقال الناطق باسم كوكاكولا الاسبوع الماضي في اطلنطا بامريكا ان هذه الشركة بوصفها أول مؤسسة تجارية تبرم عقدا مع اللجنة الأولمبية الدولية، تتوقع ان تشرف على القسم المهم من القضايا المالية للألعاب الأولمبية في سيول. جدير ذكره بأن كوكاكولا قد استثمرت بصورة هائلة في هذا الأولمبيك. وادعى الناطق بلسان كوكاكولا في اطلنطا بأن شعار هذه الشركة هو اسداء الخدمة للرياضة وحيثما كانت الرياضة، تكون كوكاكولا ايضا مضيفا ان الفا و أربعمائة فرعا لهذه الشركة في أرجاء العالم، اقامت افضل العلاقات الرياضية وان العديد من المسابقات الكبيرة والصغيرة اقيمت بتوجيه ودعم من هذه الشركة.
واضاف الناطق ان العديد من المجمعات الرياضية في العالم، تحظى اليوم بدعم من هذه الشركة وان حجم العقود التي ابرمتها كوكاكولا مع المؤسسات والقائمين على الرياضة، قد فاق المعتاد وبناء على ذلك ونظرا إلى ان كوكاكولا كانت منذ عام 1928 (عام إقامة أولمبيك امستردام) داعما للألعاب الأولمبية، فإن هذه الشركة ترى ان من حقها ان تضطلع بأكبر دور في صياغة البرامج المالية للألعاب الأولمبية في سيول.
ان مطالب كوكاكولا طرحت في وقت يبدو فيه ان اللجنة الأولمبية الدولية ومن أجل ادارة شؤونها المالية، أصبحت تعتمد على شركة اي. اس. ال بالكامل. ان الاتفاق الاخير الذي ابرمته اللجنة الأولمبية الدولية مع هذه الشركة يسمح للشركة بأن تتولى دورا في صياغة الشؤون المالية للألعاب الأولمبية في سيول، وان تعالج البرامج الجانبية أكثر من كوكاكولا”.
وقال ويليام كالاهان مدير الاعلانات لشركة جيلت حول استثمارات الشركة التجارية:
إن الاستثمار الاعلاني في كرة القدم كان له أكبر مردودية ربحية.
وطبعا فإن السماسرة ووكالات بيع وشراء الرياضيين، تشكل النواة الرئيسية لهذه القصة. في حين ان الرياضيين يقذفون كالكرة بين يدي اللاعبين خلف الكواليس من مكان إلى اخر.
إن رياضيا شابا وصاحب موهبة يوقع عقدا استغلاليا على امل نيل مستقبل زاهر. وكل شئ يبدأ بوعود. وعود الثروة والشهرة والنادي والمنتخب الوطني والسفر إلى الشرق والغرب. وكل شئ هو لمصلحة الوكالة او النادي، فيما يقع العمل والجهد على عاتق الرياضي. ان هؤلاء الذين يستغلون، لا يملكون حتى اختيار النادي الذي يلعبون له، ويوضعون في قائمة المبيعات على الدوام. ولا يملكون ايضا انتخاب اسمهم ووجههم. ووفقا للعقد الاعلاني الذي يبرمه النادي، تدفع لهذا الرياضي نسبة مئوية ضئيلة. ويروج اليوم لهذا المنتج وغدا لمنتج اخر. وان فكر أحد هؤلاء بالتحرر، فإن ما سيحل به سيكون عبرة للاخرين.
ووفقا للاحصاء الذي استخرجه “مارين فإن اوفستين” الصحفي الكندي، فإن من بين كل 300 رياضي واقع في الفخ، ثمة 50 شخصا قد يستطيعون انقاذ انفسهم. ان عرابي المافيات الرياضية لا يسمحون لأن يقوم رياضي ما بتمزيق نسيج حكمهم، وان هؤلاء ال50 غير قادرين حتى على انهاء مسيرتهم الرياضية بشكل عادي وطبيعي.
وقد اضطر “براندج” أحد رؤساء اللجنة الأولمبية الدولية للادلاء باعتراف كبير في إحدى كلماته. واشار إلى النفقات الباهضة لإقامة المسابقات الدولية قائلا:
إن الألعاب الأولمبية قد توسعت كثيرا وان اقامتها أصبحت باهضة الكلفة في زماننا بحيث ان القدرة على اقامتها تقتصر على عدة دول وبسبب هذه النفقات الباهضة فانها جنحت نحو الابعاد التجارية لكي تعوض بهذه الطريقة عن هذه النفقات.
والملفت انه تم في عام 1986 الاعلان عن اسماء الدول والشركات التي لديها حق الاعلانات التجارية في مسابقات كاس العالم، وهي كما يلي:
1-    امريكا (مصانع ال هويزر، بوش، كوكاكولا، جيلت وروجي رينولدز)
2-    اليابان (كانن، فوجي، جي.ام.ابل وفيليبس)
3-    كندا (بانا والأدوات الرياضية)
ولا يتم السؤال ابدا عن العلاقة بين شركتي “مارلبورو” و “رينولدز” الأمريكيتين للسجائر والرياضة، وكيف ان هذه الشركات قدمت غطاء للنوادي واللجان الرياضية على الدوام؟
لقد اقيم الاحتفال السادس لمجموعة بولينغ التابعة لشركة مالبورو في مارس 1979 في نادي سن تيلر بحضور أبطال البولينغ ومعظم اعضاء شركة مارلبورو.
إن الاشارة إلى هذه الحالات، هو من أجل اظهار وجود موطئ قدم للتيارات السياسية والاقتصادية في الرياضة الحديثة في العالم، وليس بلا سبب ان البروفيسور لوئي شارنية يقول حول رياضيي العصر الحديث:
إن الرياضيين والأبطال هم المبشرين الدينيين للقرن العشرين والذين يروجون لمذهب الاقتصاد.
ويقول في كتاب “السلاسل والترابط” في معرض تبيانه لدور اعلانات القرن في استثمار الأبطال الرياضيين:
إن البطل هو بصورة عامة اداة للدعاية والاعلان، ولا يمكن لاي أحد انكار ذلك … وفي اميركا فانه يتم التضحية بكل شئ من أجل الاقتصاد وان السياسة تاتي في المركز الثاني بعد الاقتصاد. وبذلك نرى بأن بطلا ما يحظى باهمية أكثر من الناحية السياسية بالنسبة للكارتلات والتروسات أكثر من كونه رياضيا يتنافس الميادين الرياضية … وسبب ذلك ان الكارتلات تريد الافادة من أبطالها للترويج لسلعها مثل الظهور في اعلانات تجارية تروج للكوكاكولا في الميادين الرياضية. ويجب القول بايجاز بأن شعبا قويا ومنتجا يبحث دائما عن الشعوب الضعيفة والمستهلكة … ولهذا السبب فإن الدول المنتجة تبحث دائما عن اسواق لمنتجاتها. وأحد اساليب التسويق، هو ميادين البطولة الرياضية ورفع منسوب اهتمام الناس ببلد منتج ما.
نعم ان الإنسان يتحول في عالم المحترفين المخادعين إلى فريسة تقع في فخ الاعلانات التجارية لوسائل الاعلام، لكي تصب الارباح في سلة أصحاب الكارتلات والتروستات وان ما يتحول إلى ضحية في هذا الخضم، هو الرياضي الذي يُربى كالمجالدين ويحمل دائما تاريخ انتهاء صلاحيته على قميصة الرياضي وعلى ذراعه. والاخرون هم بمثابة المتفرجون المنفعلون، المغرر بهم الذين يضعون انفسهم من دون وعي في طبق من الاخلاص ليسمن ويتضخم أصحاب الرساميل ويجنون الارباح أكثر فأكثر. وان نظرنا إلى هذا المشهد بدقة سنجد ان اللاعب الرئيسي هو الغفلة التي طالت التاريخ المعاصر وغايتها النهائية هي “المتعة الآنية” وإضفاء اللذة على “التمنيات الدنيوية”.
إن سماسرة الإنسان، واضافة إلى نشر شباكهم في الملاعب الرياضية، لالتقاط المحترفين المستقبليين، يمارسون خدعا لانتقاء الشبان السذج منذ السنين العمرية الأولى وسنوات المدرسة والتعليم.
وكتبت ذات مرة ان الغرب يضع “النماذج” المنتقاة أمام اعين الجماهير السطحية التفكير، النماذج التي تصور أخلاق زمانها.
وهل شاهدتم كتيبا او رسالة تُعلّم طرق واساليب “الليبرالية” او احتراف الاباحية واقتناص الفرصة السانحة او تُعلم من خلال صفحاتها “اداب الغفلة” و “طريقة الاستسلام للاهواء النفسية”؟! إطلاقا! لأن ما هو خفي في هذا المسار هو “النموذج” و “القدوة” التي تُظهر طريق واسلوب هذا المذهب والمسلك، ولذلك فإن شعوب الدول غير الغربية تقبل بجميع المناهج العملية والمناسبات والعلاقات الاجتماعية للغربيين ومراسمهم ومقرراتهم قبل ان تسنح لها فرصة التساؤل عن المعتقدات والأخلاق الغربية. المراسم والمقررات التي يبثها الغرب بين الشعوب عن طريق “النماذج” ليتسنى له من خلال نشر ثقافته، الاستيلاء على مجمل الرصيد الثقافي والمادي للشعوب.
وكتبت الصحف الاوروبية حول “جورج بست” لاعب الكرة البريطاني الذي كان يتقاضى في عقد الخمسينيات مبالغ طائلة كمرتب شهري ثابت اضافة إلى مبالغ هائلة أخرى تاتي عن طريق بيع العلكة والعطور والاعلانات التجارية، وكان يعتبر في الوقت ذاته رياضيا غير منضبط وسكير:
عندما قال جورج بست انه لا يحب التدخين، اقلعت جميع الفتيات في بريطانيا عن التدخين. وكانت ملابسه افضل موديلات ملابس الشبان.
ولا يخفى بأن اقوى وافضل الصحف والمحطات الاذاعية والتلفزيونية هي اليوم بتصرف الأثرياء اليهود، الذين اضطلعوا على مدى الاعوام الخمسين الاخيرة بدور في اعداد الأبطال والدعاية للميادين الرياضية. وقد لعب هؤلاء في الحقيقة دورا رئيسيا في اغفال شعوب العالم عما يجري خلف الكواليس. 
إن العناوين الطنانة والاطراء والاطناب ومؤثرات النور والصوت تعد من الأدوات التي يستخدمها الصحفيون والمراسلون واجهزة الاعلام المسموعة و المرئية في العالم لعرض مظاهر الجمال المخادع لدى الأبطال والرياضيين المحترفين.
وتقوم الشركات الأمريكية والاوروبية الكبرى، بإقامة مسابقات رياضية كبرى لسنوات طويلة من أجل الهاء الجميع وتمنح الزمالات الدراسة لطلبة بلدان العالم الثالث تحت مسمى حب الإنسان.
ولم تمح لحد الآن ذكريات المسابقات التي ابتدعتها “يويو كوكاكولا” من ذاكرة الرجال والنساء الذين يمضي من عمرهم أكثر من 45 عاما. ذكريات مشاركة أكثر من 5 الاف متسابق في هذه المسابقة التي اقيمت في طهران بحضور مدربي وممثلي شركة كوكاكولا. وكتبت صحف تلك الاعوام:
لقد قام كل من “ماراس” و “ساير” وهما اثنان من ممثلي شركة كوكاكولا بتعليم لعبة “اليويو” للشبان والأطفال بالطريقة الصحيحة السائدة في امريكا وأوروبا وذلك وفقا للبرنامج المعد من قبل كوكا كولا، في المدارس والنوادي الرياضية وفي الاحياء المختلفة.
وهذه الحادثة وان بدت بسيطة وعادية، لكنها بذرة تُغرس في الأرض البكر للأحداث، لكي تثمر في مستقبل ليس ببعيد. ويمكن مشاهدة هكذا أحداث في أرجاء العالم وفي جميع البلدان.
ولا باس ان نعرف انه في غمرة الغزو الاسرائيلي للدول العربية توجه عشرات الالوف من الشبان العرب إلى أوروبا لمشاهدة مسابقات كرة القدم واغلقوا اعينهم واصموا اذانهم على قضية فلسطين وصراخ وأنين النساء والأطفال.
وكتبت الصحف عام 1982:
فيما توجه عشرة الاف كويتي إلى اسبانيا لمشاهدة كرة القدم، تطوع 200 شخص فقط في الدول العربية لمحاربة اسرائيل.
يذكر ان ايا من الشعوب التي ابقيت متخلفة لا تشارك بشكل مباشر في لجان صنع القرار بالمنظمات الرياضية الدولية.
وفي أحد مؤتمرات الفيفا التي تقام عادة بعد كل دورة لكاس العالم، تطرق مندوب دولة افريقية إلى قضية ما وقال ان مندوبي القارتين الاسيوية والافريقية لا يشاركون في الأعمال الحساسة للفيفا ووضع الاصبع على لجنتي الشؤون المالية والمقررات المهمتين وقال انه لا أثر لغير الاوروبيين وغير الأمريكيين في هاتين اللجنتين. وكان الجواب هو:
إن 89 بالمائة من عائدات الفيفا تتحصل عن طريق امتياز المسابقات والباقي تؤمنه البلدان الاوروبية وامريكا وان 11 بالمائة المتبقية تاتي من البلددان الأخرى في العالم. وان 45 بالمائة من نفقات الفيفا تذهب للتطوير و البقية تنفق على الدول غير الاوروبية والأمريكية الجنوبية. لذلك فإن الدول الافريقية الاسيوية وغيرها تصبح مدينة ولا أحد يسمح للمدين بالتدخل في لجنة صنع القرار لراس المال.
وكان “هاوة لانج” يقول اثناء توليه منصب رئيس اتحاد الكرة البرازيلي حول العلاقة بين الرياضة التي ينشدها والصحف ووسائل الاعلام:
… الأساس هو ان الصحف هي عوامل الحياة والدعاية، وان ازدهارها هو ازدهار كرة القدم.
واضاف:
لقد كنت اعمل في الصحافة لسنوات، ان الجهاز القائم على كرة القدم يجب ان يجعل من صحفي ما عاشقا للكرة. وعندها فإن عاشق الكرة هذا ينتج الطف الأناشيد لكرة القدم ويصنع اروع الملاحم، وهذا يسهم في ان تكون وجوه كرة القدم، الاصنام الحية لجيلنا والاجيال المستقبلية و… .
إن اي استاد رياضي تحول اليوم في البرازيل إلى معبد اصنام وان وسائل الاعلام تضئ مصابيح هذا المعبد رغم الجهود الهائلة التي تبذلها نوادي واتحادات كرة القدم.
إن تاكيد هاوة لانج على ان الصحافة هي عوامل حياة كرة القدم وتشبيهه الملاعب الرياضية بمعابد الاصنام، يميط اللثام عن العلاقة بين هذين التيارين المتشابكين.
وفي عقد ال أربعينيات، كانت منظمة اليونسكو التي تقدم نفسها دائما على انها المدافعة العنيدة عن التعليم والتربية والأخلاق في العالم لاسيما بين الشعوب الشرقية، رغم أنتماءاتها للمحافل الماسونية، اقدمت على إقامة جلسات لايجاد الارتباط الوثيق والمنتظم بين الصحف والرياضة. وفي تلك السنة، بثت الصحف الرياضية هذا الخبر للعالم:
اقيمت جمعية في قرية كوتينغ الصغيرة بمدينة ميونخ لدراسة إحدى القضايا الغامضة والمعقدة في عالم الرياضة. وفي هذه المدينة حيث تملك اليونسكو منزلا واسعا وجميلا وهو في الحقيقة مركز البحوث والندوات التي تناقش القضايا المتعلقة بشبان العالم، تم دراسة مسالة الرياضة والصحافة… وهذا المجمع الذي عقد في كوتينغ، ابلغ مرة أخرى الاتحاد الدولي للمجلات الرياضية بأن ثمة الكثير من وحدات الفكر والعمل في عالم الرياضة وان العديد من هذه الوحدات تنتمي إلى عالم الكتاب الرياضيين، كما ثبت بأن العديد من الصحفيين والكتاب الرياضيين في انحاء العالم اضطلعوا بدور مميز في تطوير الرياضة. والمجلس الاعلى هذا تشكل عام 1985 وهو لجنة استشارية عليا يتم الاهتمام بارائها في اليونسكو. ان رئيس المجلس هو شخصية غريبة ومجهولة بالنسبة للرياضيين وعشاق الرياضة. فهو ممثل حزب العمال البريطاني ويدعى “فيليب نويل بيكر”. وكان وزيرا في السابق في حكومة اتلي وهي الحكومة ما بعد الحرب في بريطانيا وفاز بجائزة نوبل للسلام عام 1959 … والامين العام للمجلس هو “ويليام جونز” ونائبه “جان بروترا”، وهذه الشخصيات الثلاث الغريبة في الرياضة العالمية، يحق لها ابداء وجهات نظرها حول الرياضة، ووجهة نظرها هذه تحظى بالاهتمام، واننا إذ نتولى مهنة الصحافة في عالم الرياضة، يجب ان نحترم نظريات هؤلاء الأشخاص بالكامل ومن اي جهة.
والملفت هنا هو ان اليونسكو قررت في هذا المؤتمر تاسيس مركز ارتباط رياضي لايجاد المزيد من الارتباط بالاوساط الرسمية وتدريب الصحافة الرياضية للصحفيين، وتقرر ان يتلقى هؤلاء التعليمات الكافية في ادارة الرياضة على نفقة اليونسكو.
وكانت اليونسكو تولت توفير نفقات الكتاب والصحفيين عسى ان ينفخ هؤلاء روح الحياة في جسد الرياضة التي يتوخاها “هاوة لانج” واليونسكو.
ويجب القول بأن هذا التيار (ضجيج الدعاية) ادى إلى الا يتحلى اي أحد كما يجب بالجرأة لاقتحام مجال النقد الثقافي والسياسي والتاريخي الرياضي، لأن جلبة الدعاية اظهرت ذلك بأنه قدر مقدر للشعوب وامر لا بد منه. صنم كبير وهرطقة سافرة تحولت إلى تقليد سئ. التقليد الذي لا يحتمل أنصاره اي انتقاد.
ولا شك انه في العصر الذي يطوف فيه الناس حول كعبة السوق، ويعتبرون السوق مركز كل وجودهم وفنائهم، ويوحون  للشبان السذج بأن الصحافة تعد السبيل الوحيد لجني العوائد وتحقيق الافتخارات والشموخ والثروة عن طريق الرياضة الاحترافية، فإن وسائل الاعلام والصحافة تلعب دورا رئيسيا في اذكاء وتاجيج هذا الصخب والجلبة. 
إن القاء نظرة على تفاصيل الصحافة يظهر انه كيف تدرب كتاب الرياضة المتناغمين مع السياسات الثقافية للمنظمات الدولية الصغيرة والكبيرة، على وضع كل ما تعلموه موضع التنفيذ: 
“معجزة في استاد مدينة كول تشستر المتواضع”
او:
“مارتين تشيورز، الصنم الجديد لتوتنهام”
او:
“يجب على العالم الانتظار لسنوات لكي يولد بطل جديد مثل … “.
ونقرأ في العدد 28 من مجلة عالم الرياضة عام 1970، مقالا بعنوان “لاعب بقيمة ثلاثة ملايين وستمائة الف تومان”:
… بصورة عامة، فانه لا يوجد شك في الوقت الحاضر بأن كرة القدم أكثر عائدا وارباحا من اي تجارة أخرى، ولها سوق ساخن في مطلق الاحوال. وهذه القضية قد ثبتت على مدى السنين انه ان تم وضع اسم كبير في عالم الكرة على اي منتج تجاري، فانه سيشكل أكبر ضمانة لنجاح ذلك المنتج … .
وهذه هي القضية التي لا تنتهي لجميع البلدان التي تمر بازمات ثقافية فضلا عن الازمات السياسية والاقتصادية. ان سيناريو القائمين على الرياضة العالمية يتمثل في ان هؤلاء عقدوا العزم على ان يوجهوا جميع الاعين والاذان نحو الألعاب الساخنة فحسب. بحيث ان البرازيل أكثر دول امريكا اللاتينية مديونية، وبجانب الارجنتين والاوروغواي وتشيلي تواجه المصير ذاته، ومع ذلك وتحت أثر وسائل الاعلام تسجد من دون وعي أمام قبلة تمنيات الاستعمار القديم.
واخر الكلام
إن التاريخ الغربي وبعد كل التقلبات والتجاذبات وعبوره المراتب الثقافية والحضارية، أصبح في منحدر السقوط والانحطاط، بحيث ان عامة أصحاب الراي وأولي الالباب والشعراء وفلاسفة التاريخ والمفكرين المثقفين الغربيين قد ادركوا ذلك وابلغوا عنه بطرق مختلفة.
وهذه الحادثة، وقعت عندما بات “التساؤل عن الغرب” وتقصي ماهيته وتوجهاته الثقافية والحضارية يكتفه الغموض. ويشبه التوتم الذي يحرم التقرب اليه ولمسه.
إن دخول الشرق إلى الجغرافيا الثقافية والحضارية للغرب من دون تساؤل على مدى الاعوام المائتين الاخيرة، تسبب باندلاع ازمات كثيرة على مختلف الصعد المادية والثقافية لشعوب الشرق بمن فيهم المسلمون، وانتزع منهم امكانية اتخاذ اي موقع فعال.
إن واقعة الثورة الإسلامية، كانت تحمل في طياتها مسالة التساؤل عن الغرب. إن عودة فكر الثورة الإسلامية إلى المعنى والمعنوية، شكل بداية للتساؤل الكبير عن التاريخ الغربي، ان اخراج هذا الوجه من الثورة عن اجمال وتفصيل هذا التساؤل في اطار الدراسات الثقافية الجادة، امر تم اغفاله.
إن الدراسات التاريخية والثقافية، تشكل مقدمة ليسلط عبرها الباحثون الشبان وطلاب “التحرر الكبير” الضوء على الأساس النظري والأسس الفكرية للغرب، والبحث في البنى التحتية الخفية لكل من المناسبات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية، والتأمل حول ضرورة “التغير الكبير” من أجل “التحرر الكبير” وان يعدوا انفسهم بشكل لائق لاستقبال تاريخ المستقبل.
وقد دق جرس هذا التاريخ، باسم الدين والمعنى والغيبة والأمام الغائب (ع).
وواضح بأن تجاهل هكذا دراسات وأرجاء التساؤل، ادى إلى ان تبقى الكثير من المناسبات على حالها وهيئتها السابقة وبنفس الاسلوب والطريقة الغربية السائدة رغم كل ما بذله أصحاب الهمة ورجال قبيلة الدين والثورة من جهود. وكانت “الرياضة” أحد هذه الامور التي كان يتوجب التطرق اليها اجمالا في كتابين.
إن سائر الامور بما فيها “التعليم والتربية”، “بناء المدن”، “السكن”، “اللباس والحجاب” و… يجب ان تخضع للدراسة الجادة وكذلك دراسة جميع المراحل والمراتب النظرية التي تحكمها وكيفية ظهور وبروز الحالات التاريخية. وفي هذه الحالة وحدها يمكن ان نكون بمأمن عن “الانخداع في وقت المواجهة بالمظاهر الملونة”، وملاحظة الامور من موقع رفيع ومعرفة انطلاقتها ووجهتها والدخول في حوارات حول “ما العمل؟”.
وفيما يخص التربية البدنية او “الرياضة” فليس أمامنا سبيل سوى العودة إلى جميع التقاليد الحميدة للاتقياء واهل الايمان والفلاح. التقليد الذي يطلب مجمل التوفيق ومجمل العزة والشموخ من مصدر العزة فحسب. وفي هذا الخصوص يجب التذكير بالنقاط التالية:
1-    إعادة التساؤل الجاد عن المبادئ النظرية والماضي التاريخي والمنعطفات المهمة والحالات المختلفة لموضوع “الرياضة الحديثة” (Sport) عن طريق الدراسات التاريخية والثقافية في ايران والعالم؛
2-    انجاز دراسة جادة حول “التربية البدنية” في الماضي (مجال الثقافة والحضارة الايرانية والإسلامية) وكشف المبادئ النظرية والأسس الثقافية والحالات التطبيقية والمنعطفات التاريخية المهمة؛
3-    دراسة ومناقشة مجموعة العوامل التي أدت إلى انعزال التقاليد البطولية والتربية البطولية السابقة ودخول الرياضة الحديثة منذ عهد الحركة الدستورية (في ايران) وإلى العصر الحاضر؛
4-    دراسة مجموعة العوامل التي أدت إلى توسع نطاق تجاهل هذا الأمر المهم خلال السنوات التي تلت انتصار الثورة الإسلامية؛
5-    صياغة وتصميم مشروع استراتيجي للانتقال من الواقع الحالي وهذا ممكن من خلال صياغة الاستراتيجية الثقافية للبلاد.
إن الشرق يعاني في الوقت الحاضر من مرض الاستغراب (الانبهار بالغرب) المزمن ويواجه تصاعد الأزمة  الغربية الثقافية والسياسية والاقتصادية متعددة الاوجه، لكنه عاجز عن تبيان موقعه.
وهذا واجب يقع على عاتق المثقفين واهل الفكر والثقافة لتخليص شعوبهم من هذا التيه وهذه الحيرة. فضلا عن واجب الحكام لتوفير ارضية التفكير وتجربة الفباء الفكر وتفسير وشرح جميع أعمالهم بما يتناسب مع الفكر وان يسيروا على خطى أصحاب الفكر والثقافة، لجعل مجمل تعاملات ومناسبات وعلاقات الرعية بمناى عن الشوائب، وتجهيزهم لاستقبال التاريخ الجديد ورسول الايمان والفلاح الميمون، حضرة صاحب العصر والزمان ارواحنا له الفداء.
إن شاء الله.
جـميع الحقـوق مـحفوظـة لمركز موعود الثقافي
لا يسمح باستخدام أي مادة بشكل تجاريّ دون إذن خطّيّ من إدارة الموقع
ولا يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.

Check Also

النزعة اليونانية أو الهيلينية

اسماعيل شفيعي سروستاني لقد استولى الجيش المقدوني غير الأنيق بقيادة فيليب والإسكندر على اليونان، ومن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *