إسرائیل فى قبضة التطرف الدینى

بالنسبة للبروفیسور تشومسكى فإنه یرى، كما قال هو نفسه، «أن إسرائیل بسلوكها تعید إلى الأذهان سلوك جنوب أفریقیا فى ستینیات القرن الماضى عندما أدركت أن العالم ینبذها ویعتبرها جرباء، لكنها اعتقدت أنه یمكنها حل المشكل بحملات دعائیة. وأنا أعتقد ــ یقول تشومسكى أستاذ علم اللغویات فى معهد «إم. إى. تى» الشهیر فى الولایات المتحدة ــ «إن إسرائیل تسیر على ثلج رقیق جدا وتلعب لعبة خطرة بسیاستها والأمور قابلة للتغییر بسرعة».

 

ثلاثة أسماء یهودیة تستحق التوقف أمام أصحابها:
نعوم تشومسكى، الكاتب والأكادیمى الذى رفضت إسرائیل السماح له بدخول الضفة الغربیة لإلقاء محاضرة فى جامعة بیرزیت، بحجة أنه وصفها بالعنصریة وبأنها «جنوب أفریقیا ثانیة».

ریتشارد جولدستون، القاضى والمحقق الدولى الذى أشرف على وضع نص التحقیق الذى أدان إسرائیل بارتكاب جرائم حرب فى غزة.

موردخاى فنونو، العالم النووى الذى كان یعمل فى مفاعل دیمونا فى النقب والذى فضح مشروع إسرائیل العسكرى النووى، وقد حكم علیه بالسجن مدى الحیاة، قضى منها 18 عاما. ثم أعید إلى السجن مؤخرا بحجة أنه خالف هذه الشروط، ومنها عدم الاتصال بغیر الإسرائیلیین.

بالنسبة للبروفیسور تشومسكى فإنه یرى، كما قال هو نفسه، «أن إسرائیل بسلوكها تعید إلى الأذهان سلوك جنوب أفریقیا فى ستینیات القرن الماضى عندما أدركت أن العالم ینبذها ویعتبرها جرباء، لكنها اعتقدت أنه یمكنها حل المشكل بحملات دعائیة. وأنا أعتقد ــ یقول تشومسكى أستاذ علم اللغویات فى معهد «إم. إى. تى» الشهیر فى الولایات المتحدة ــ «إن إسرائیل تسیر على ثلج رقیق جدا وتلعب لعبة خطرة بسیاستها والأمور قابلة للتغییر بسرعة».

إن مقارنة إسرائیل فى عنصریتها الصهیونیة ضد الفلسطینیین مسلمین ومسیحیین، بجنوب أفریقیا وبعنصریتها الإثنیة ضد الأفارقة السود، ومن ثم التحذیر من أن التغییر یحدث بسرعة، هذه المقارنة تشیر إلى أن تشومسكى یتوقع مصیرا لإسرائیل مشابها للمصیر الذى انتهى إلیه الحكم العنصرى فى جنوب أفریقیا.

وقد لاحظ تشومسكى كیف أن المجتمع الإسرائیلى یزداد تطرفا دینیا، الأمر الذى یدفعها إلى المزید من التطرف العنصرى ــ الدینى. وقد عزا ذلك إلى أن «المتدینین یزدادون بسرعة أكبر من غیرهم. فهو یقول إن إسرائیل باتت المكان الذى یرسل الأمریكیون الأرثوذكس أطفالهم المضطربین. هناك العدید من الأطفال الضائعین الذین لیس لدیهم حیاة ویشعرون بالعزلة.

وإذا اندمجوا مع هذا المجتمع (المتطرف فى إسرائیل)، سیحصلون على الحیاة. ولهذا یتم ارسالهم إلى إسرائیل. إن نصف المجانین فى الضفة الغربیة ینحدرون من بروكلین، وبهذا المعنى تتحول إسرائیل إلى دولة دینیة. ولكن هناك مشكلة خطیرة تنبثق داخل المجتمع الإسرائیلى، الذى كان علمانیا، والآن بات المتدینون أكثر قوة، والعدید من المتدینین یلتزمون بما یقوله الحاخامات لا بما تفرضه الدولة، وخاصة داخل الجیش».

وبالنسبة للقاضى جولدستون فقد تعرض لحملة تشهیر إسرائیلیة واسعة النطاق عقابا له على التقریر الذى أدان فیه الجیش الإسرائیلى على الجرائم الجماعیة التى ارتكبها فى غزة عام 2008 واستخدامه الأسلحة المحرمة دولیا ضد الأحیاء المدنیة بما فیها المدارس والمستشفیات، ومما تتضمنه تلك الحملة اتهامه بالعنصریة عندما كان قاضیا أثناء الحكم العنصرى فى جنوب أفریقیا. فقد أصدر أحكاما قضت بإعدام 28 أفریقیا شنقا.

وحاولت إسرائیل من خلال هذه الحملة الإیحاء بأن التعاطف الذى أبداه جولدستون تجاه الفلسطینیین كان محاولة لإراحة ضمیره ولتغطیة تلك الأحكام الجائرة.

غیر أن ما تعمدت الحملة الإسرائیلیة تجاهله، هو أن الرئیس الأفریقى نلسون ماندیلا بعد المصالحة الوطنیة واستعادة الأفارقة السود حقوقهم الوطنیة، أعاد تعیین جولدستون فى منصبه القضائى الرفیع، إلى أن اعتمدته الأمم المتحدة لرئاسة لجنة التحقیق حول الحرب الإسرائیلیة على غزة.

لقد تجاهلت إسرائیل حقیقة دورها مع جنوب أفریقیا وهى تحاول التشهیر بالقاضى جولدستون. فبعد حرب رمضان 1973 رفعت إسرائیل مستوى تعاونها مع النظام العنصرى، فكانت صفقات الأسلحة الإسرائیلیة التى استخدمتها قوات ذلك النظام المتشدد والمقاطع دولیا لقمع حركة التحرر الأفریقیة. وكانت صفقة الیورانیوم التى حصلت علیها إسرائیل بالمقابل لتشغیل مفاعلاتها النوویة فى النقب مقابل تبادل المعلومات والخبرات النوویة مع الحكومة العنصریة.

وتقدر كمیة الیورانیوم التى حصلت علیها إسرائیل لإنتاج القنابل النوویة (200 قنبلة على الأقل) بنحو 450 طنا. ولقد كشفت صحیفة دیلى تلیجراف البریطانیة مؤخرا أن إسرائیل عرضت على جنوب أفریقیا بیعها كذلك رؤوسا نوویة فى عام 1976. وكان صاحب العرض شمعون بیریز وزیر الدفاع فى ذلك الوقت.

ومن خلال ذلك تبرز قضیة الشخصیة الثالثة موردخاى فنونو، الذى كان قد كشف متطوعا أسرار الصناعة العسكریة النوویة الإسرائیلیة إلى صحیفة صنداى تایمز البریطانیة. ورغم أنه كان یتمتع بحمایة شرطة سكوتلاندیارد فى لندن، فقد اختطفه الموساد الإسرائیلى ونقله سرا عبر روما إلى تل أبیب.

وشكل اختطافه فى ذلك الوقت فضیحة فى بریطانیا سرعان ما طویت صفحتها بضغط من اللوبى الصهیونى. یومها جرت محاكمة سریة لفنونو فى إسرائیل… وحكم علیه بالسجن المؤبد، ولكن بعد أن قضى 18 عاما فى السجن أطلق سراحه لیعتقل من جدید فى الاسبوع الماضى.

وقد أعلن فنونو إثر ذلك فى تصریح نشرته احدى الصحف الإسرائیلیة المحلیة «عار علیك یا إسرائیل.. أنت التى تعیدیننى إلى السجن بعد 24 سنة لسبب واحد وهو أننى قلت الحقیقة. إن ما لم تحصلوا علیه بسجنى 18 سنة لن تحصلوا علیه بسجنى ثلاثة أشهر». وما ترید إسرائیل أن تحصل علیه هو أن یقفل فنونو فمه وأن یسكت على الترسانة النوویة المتضخمة التى أنتجتها إسرائیل فى دیمونا.

إن الجامع المشترك بین هذه الشخصیات الیهودیة الثلاث، هو أنها تدق ناقوس الخطر من إسرائیل ولیس على إسرائیل. بمعنى أن إسرائیل التى جرى تصویرها فى السابق وكأنها الملجأ والمأوى ومخدة الأمان لیهود العالم، أصبحت الیوم عبئا أخلاقیا على ضمیر یهود العالم. كذلك فإن العالم الذى كان یحدد مواقفه من الصراع الإسرائیلى ــ العربى على أساس الخوف على إسرائیل، بدأ إعادة النظر فى هذه المواقف على أساس الخوف من إسرائیل..

كان التعاطف مع إسرائیل یعكس عقدة الذنب التى تولدت من جراء اضطهاد الیهود فى أوروبا على مدى أجیال وخاصة فى العهد النازى. غیر أن هذا التعاطف بدأ یتراجع تحت ضغط عقدة الذنب التى بدأت تتولد من جراء الاضطهاد الإسرائیلى للفلسطینیین. حتى إن الولایات المتحدة ذاتها بدأت تشهد ولادة حركات یهودیة ترفع الصوت عالیا ضد السیاسة العنصریة التى تمارسها إسرائیل.

لقد انتهى الزمن الذى كانت إسرائیل تُصوَّر فیه وكأنها حَمَل ودیع محاطة بالجزارین العرب الذین یحاولون تقطیعها إربا وإلقاءها فى البحر. أما صورتها الیوم فهى على شكل ذئب نووى شرس، ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانیة، وتنتهك القانون الدولى والمواثیق الدولیة الأخرى.

وقد بلغت إسرائیل مستوى من الغطرسة والاستخفاف بالمجتمع الدولى أنها بادرت إلى تزویر جوازات سفر الدول التى سبق أن أغدقت علیها بالدعم وبالمساعدات، على النحو الذى فعلته مع أسترالیا وبریطانیا وفرنسا وألمانیا مؤخرا من أجل ارتكاب جریمة اغتیال المناضل الفلسطینى محمود المبحوح فى دبى.. على سبیل المثال لا الحصر.

ومن الواضح فى ضوء قراءة تشومسكى وجولدستون وفنونو أنه كلما ازدادت إسرائیل تطرفا دینیا كلما ازداد خطرها على ذاتها وعلى العالم.. وفى الأمثلة اللبنانیة: «عندما یصاب عدوك بالجنون.. افرح له»!!.

محمد السماک

شاهد أيضاً

‘إسرائيل’ تنزف ببطء.. هجرة معاكسة وأدمغة لا تعود

ترجّح التوقّعات الإحصائية والبحثية الإسرائيلية أن يتزايد التعداد السكاني للعرب إلى درجة تجعل نسبة اليهود …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *