ومن هنا كان الأمام الحسين روحي له الفداء ينشد الإصلاح في الأمة المحمدية ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وليصحح مسار الدين الإسلامي الذي لعب به الطلقاء من بنو أمية وليحولوه إلى دين ملوك وحكام يتقاذفه الأمويين كتقاذف الصبيان للكرة كما صرح به زعميهم الذي هو رأس الشرك والنفاق أبو سفيان(لعنه الله)عند تولي عثمان الخلافة فقال بالحرف الواحد لابن عشيرته عثمان بن عفان بعد انعقاد البيعة له: (يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة).
بقلم : عبود مزهر الكرخي
نتابع اليوم ومن خلال قنواتنا الفضائية مسير الزائرين للتوجه إلى كعبة العشق الآلهي لتأدية مراسيم الزيارة الأربعينية وتجديد ذلك الحب والعشق الحسيني لأبي الشهداء سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين(ع) والذي جعل هذا الحب والعشق مستمراً ومتجدداً وعلى مدار التاريخ وهو يتجدد بل ويزداد ألفاً وشعاعاً ليكون علامة حضارية خالدة تدلل على أن الأمام الحسين هو ليس أمام لطائفة أو مذهب معين ولا حتى لدين معين بل هو أمام للبشرية جمعاء وليترجم ما قام به في واقعة الطف هو وأهل بيته والثلة من أصحابه المنتجبين في تطبيق معاني التضحية في مسيرة الخلود التي خطها الحسين بسفك دمه الشريف هو ومعسكره السامي في تضحياته الخالدة والتي لم يجد تاريخنا الإنساني بمثل تلك التضحيات الباهرة في تاريخنا القديم ولافي الحديث ولا حتى في زماننا المستقبلي ولتترك نهضة الحسين الخالدة بصمة واضحة وأثر في بناء التاريخ الإنساني لبناء الحضارة البشرية ومن هنا جاءت مقولته الشهيرة والمعروفة والتي يرددها كل أحرار العالم وبغض النظر عن الانتماء الديني او المذهبي والتي تقول { والله أني ما خرجت لا أشرا ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر وأقيم حدود الله التي عطلها يزيد}.(1)فواقعة الطف هي ليست حرب وأن كانت حرب فهب حرب غير متكافئة بين طرفين طرف هم من سبعين رجلاً وطرف هو سبعين ألف رجل فهذه ليست حرب بالمعنى المعروف بل عبارة عن حرب بين معسكرين معسكر السبعين الذي هو معسكر النور والأخلاق المحمدية السامية يقابله نقيضه معسكر السبعين إلف رجل الذي هو معسكر الكفر والسفالة والأجرام بكل معانيه الحرفية.
وشهادة الحسين وقتاله هي مشيئة ربانية وقد تجادلت الأسباب والعلل ليخلق الحسين ليس
ليقاتل بل ليقتل ليكون في مصاف الأنبياء والمرسلين ولتصبح شهادته وشهادة أهل بيته
وأنصاره وتتخذ تلك النظرة العميقة والخالدة عبر التاريخ فشهادة الحسين وواقعة الطف لم تستغرق سوى ساعات ولكنها تألقت كالشمس لتصبح نهضة الحسين كالشمس لا تأفل مهما بلغ الزمان ولتصبح نهضة الحسين هي نهضة إنسانية وليس ثورة ثائر عاد الهدف منها قلب نظام الحكم وهذا ما أشار إليه الكاتب محمد شعاع فاخر بقوله { الحسين (عليه السلام) ثار لئلاّ يكون الإنسان داجناً وليظل طليقاً في عالم انسانيّته يستلهم من ملكاته وقابليّاته مقومات حضارته .
وأخيراً ثار الحسين لتغيير نظام الأخلاق الدولية الأخلاق التي صنعتها له الدولة بسلوكيّات الحكم وطرائق الحكام لا بالقصد لذلك وفي مسير الإسلام منذ والبدء إلى اعلان الثورة الحسينية عايش الإنسان المسلم فترات صعبة احدثت فيه انقلابات داخلية ففي فترة الإسلام بلغ الغاية من سموا الأخلاق حتى ضارع المخلوقات النورانيّة وفي فترة الخلافة تدنّى مستواه الأخلاقي حتّى تجاوز خطوط الجاهليّة الاُولى والمشكلة في الإنسان المسلم أنّه ليس لنفسه فحسب بل هو لغيره أيضاً (خير أمة أخرجت للناس) فإذا تدنّى مستواه الأدبي تدنّى مستوى الدعوة كذلك}.(2)
ومن هنا كان الأمام الحسين روحي له الفداء ينشد الإصلاح في الأمة المحمدية ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وليصحح مسار الدين الإسلامي الذي لعب به الطلقاء من بنو أمية وليحولوه إلى دين ملوك وحكام يتقاذفه الأمويين كتقاذف الصبيان للكرة كما صرح به زعميهم الذي هو رأس الشرك والنفاق أبو سفيان(لعنه الله)عند تولي عثمان الخلافة فقال بالحرف الواحد لابن عشيرته عثمان بن عفان بعد انعقاد البيعة له: (يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة).(3) وأبو سفيان الذي لا يريد أن يصرح بحلفه باللات والعزى يعبر بقوله هذا عن طبيعة التفكير القبلي والجاهلي الذي تطبع على أساسه وشاب عليه.
ومن هنا جاءت مسيرة المشاية ليوم الأربعين وهي ذات مدلولات ومعاني عظيمة وسامية والتي حاول طواغيت كل العصور العمل على منع هذه المسيرة وإطفاء جذوتها ولكنهم لم يفلحوا بل على العكس انقلبت عليهم ولتسرع في سقوط عروشهم وكراسيهم ولتتنزل عليهم لعائن السماء وعلى مدى الزمان. ومن منطلق هذه المعاني تكتسب هذه المسيرة خصائص نورانية وربانية لأنها مسيرة عشق آلهي الغرض منها تجديد العقد مع الحسين وبالتالي تجديد الولاء لله سبحانه وتعالى في عرشه لأن أمامنا جعفر الصادق(ع) يقول في حديثه{ من زار الحسين (ع)ليلة النصف من شعبان غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ومن زاره يوم عرفة كتب الله له ألف حجة متقبلة وألف عمرة مبرورة ، ومن زاره يوم عاشورا فكأنما زار الله فوق عرشه}.(4)
ومن هنا كان على الزيارة أن تكتسي بأنوار نورانية وربانية وأن تصبح هذه مسيرة المشاية للزوار مسيرة للإصلاح وأن تكون لكل مؤمن مراجعة للنفس والذات في أيمانه ومدى تمسكه بالعروة الوثقى والذين هم النبي وأهل بيته(صلوات الله عليهم أجمعين)والذين هم يمثلون القرآن الناطق المنزل على الأرض والأيمان الرباني ومن خلال تطبيق أوامرهم وأحاديثهم وممارستهم لأنها كلها كانت خالصة لله وحده جل وعلا والذين عندما نترجم هذه الأمور على تصرفاتنا وسلوكنا وإيماننا نكون قد تمسكنا بالهع سبحانه وأخلصنا له العبادة والذي هو خلقنا لهذه الغاية وهذا مصداق لقوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه إذ يقول {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.(5)
ولهذا جاءت الكثير من الأمور المطلوبة في مسير العاشقين صوب كعبة الأحرار والتي سوف نوضحها في عدة نقاط مختصرة ومهمة :
1 ـ الصلاة : من المعروف أن الصلاة عمود الدين وأن الأمام الحسين(ع) خرج من أجل أقامة حدود الله وأهمها الصلاة فلذلك كان الواجب على كل فرد مؤمن سائر في مسيرة العشق الآلهي أن يستحضر هذه الفريضة والتي أكد عليها كل أئمتنا من أهل البيت حيث نقرأ ونسمع في واقعة الطف أنه في ساعة المعركة وشدتها عندما حضرت الصلاة أمر سيدي ومولاي أبي الشهادء روحي له الفداء بإقامة الصلاة وصلى بمعسكره معسكر النور بعكس معسكر الشرك والجريمة الذين استغلوا ذلك برمي معسكر الحسين بالسهام وقد دافع قسم من معسكر الحسين بالوقوف حول المصلين لحمايتهم بحيث سقط واحد لكثرة السهام التي نبتت في جسمه لحماية المصلين وعند لحظاته الأخيرة يقول لأمامه الحسين ((أوفيت ياأبن رسول؟)) فقال له {نعم وأنت في الجنة} وهذا ليبين مدى عظمة الصلاة ومنزلتها والذين من تركها فقد ترك الدين وهذا إمامنا جعفر الصادق(ع) وهو في لحظاته الأخيرة جمع عشيرته وأصحابه ليوصيهم بوصيته الأخيرة ليقول لهم {لا ينال شفاعتنا من هو مستخف بصلاته} فالمستخف أي الذي يؤخرها ولا يأتيها بأوقاتها أو يتكاسل عنها فهو لن ينال شفاعة أهل البيت فكيف بتاركها. والتي من المفروض عندما حضور وقت الصلاة الكل يترك السير ويتجه للصلاة لأن الصلاة هي من الواجبات أما مسير الأربعين فهو من المستحبات. ولكن ومع الأسف الشديد لاحظت في هذه الزيارة أن العديد من الزائرين يسير ولا يهتم بوقت الصلاة مع العلم أن المواكب جزآهم الله خيراً قد رفعوا صوت الآذان من خلال مكبراتهم حين حضور وقت الصلاة وهذا يمثل قمة عدم التقيد حدود الله التي نادى بها الأمام الحسين والتي خرج إليها روحي له الفداء في أقامة حدوده والتي أراودوا بنو أمية إن يعطلوها ولنأخذ مثال بسيط حيث أن والي الكوفة في زمن عثمان وهو الوليد بن عقبة قد خرج ليؤم بالناس لصلاة الفجر سكراناً وقد تقيأ من كثرة السكر وفي روايات مؤكدة تقول انه صلى بهم أربع ركعات ثم التفت بعد الصلاة فقال: أزيدكم؟ فقالوا: لا قد قضينا صلاتنا وقد انتزعا خاتمه من يده وهو لا يشعر سكراً وقد اشتكى أهل الكوفة من هذا الوالي الفاجر ورفض عثمان أقامة الحد عليه ولكن الأمام علي(ع) أقام الحد وجلده بثمانين جلده(6). ولهذا نحن نأمل أن تفرغ الشوارع من المشاية عند حضور الصلاة لنكون فعلاً حسينيون بالقول والفعل.
ولو قرانا التوجيهات الأخيرة لمرجعيتنا ممثلة بآية الله العظمي سماحة السيد علي السيستاني(دام الله ظله الشريف) في زيارة الأربعين يقول في جزء منها حول الصلاة ((وعليه فإنّ من مقتضيات هذه الزيارة : ـــ مضافاً إلى استذكار تضحيات الإمام الحسين ( ع ) في سبيل الله تعالى ـــ هو الاهتمام بمراعاة تعاليم الدين الحنيف من الصلاة والحجاب والإصلاح والعفو والحلم والادب وحرمات الطريق وسائر المعاني الفاضلة لتكون هذه الزيارة بفضل الله تعالى خطوة في سبيل تربية النفس على هذه المعاني تستمر آثارها حتى الزيارات اللاحقة وما بعدها فيكون الحضور فيها بمثابة الحضور في مجالس التعليم والتربية على الإمام (ع)).
ويضيف دامت الله بركاته بقوله ((فالله الله في الصلاة فإنها ـــ كما جاء في الحديث الشريف ـــ عمود الدين ومعراج المؤمنين إن قُبِلت قُبِلَ ما سواها وإن رُدّت رُدَّ ما سواها، وينبغي الإلتزام بها في أول وقتها فإنّ أحبّ عباد الله تعالى إليه أسرعُهم استجابة للنداء إليها ، ولا ينبغي أن يتشاغل المؤمن عنها في اول وقتها بطاعةٍ أخرى فإنها أفضل الطاعات ، وقد ورد عنهم (ع) : ( لا تنال شفاعتنا مستخفّاً بالصلاة ). وقد جاء عن الإمام الحسين (ع) شدّة عنايته بالصلاة في يوم عاشوراء حتى إنّه قال لمن ذكّره بها في أول وقتها : (ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين) فصلّى في ساحة القتال مع شدّة الرمي)).(7)
ولهذا يجب التأكيد على الصلاة التي بها تمثل ديننا الحنيف وبها تسلم أنفسنا وأرواحنا والتي بها نرجو من الله سبحانه وتعالى والحسين قبول زيارتنا ومسيرنا نحو كعبة الأحرار ونجدد العشق الآلهي لأبي الشهداء سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) والتي نأمل من الله ودعاؤنا أن يتقبل زيارة كل الزائرين والتي بقبولها تعتبرهي غاية الغايات والتي بقبولها قد حققنا حديث سيدي مولاي محمد الباقر إذ يقول :
وعن الحسن بن عبدالله بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر قال: لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين من الفضل لماتوا شوقا ، وتقطعت أنفسهم عليه حسرات ، قلت: وما فيه؟.. قال:{ من زاره تشوقا إليه كتب الله له ألف حجة متقبلة ، وألف عمرة مبرورة ، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر ، وأجر ألف صائم ، وثواب ألف صدقة مقبولة ، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله ، ولم يزل محفوظا … الحديث. وفيه ثواب جزيل ، وفي آخره: أنه ينادي مناد: هؤلاء زوار الحسين شوقا إليه}.(8)
وعن علي بن الحسين بن بابويه وجماعة ، عن سعد بن عبدالله ، عن الحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة ، عن العباس بن عامر ، عن جابر المكفوف ، عن أبي الصامت قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام وهو يقول : {من أتى قبر الحسين عليهالسلام ماشيا كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ، ومحى عنه ألف سيئة ، ورفع له ألف درجة ، فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلق نعليك ، وامش حافيا ، وامش مشي العبد الذليل ، فإذا أتيت باب الحائر فكبر أربعا ، ثم امش قليلا ، ثم كبر أربعا ، ثم ائت رأسه فقف عليه فكبر أربعا ، وصل عنده وسل الله حاجتك}.(9)
وفي جزئنا سوف نستكمل أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية ماهي الأمور المطلوبة في زيارة الأربعين لكي تكون خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى وبالتالي نسأل الله قبولها عند الله ورسوله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وأهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
——-
1 ـ كتاب (الفتوح) أحمد بن أكتم الكوفي (ج5 ص21) والخوارزمي في مقتله وصاحب كتاب (مناقب آل أبي طالب) ابن شهر آشوب.
2 ـ كتاب الحکم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية ، محمد شعاع فاخر ص 5 ـ 6
3 ـ المسعودي، مروج الذهب: 2 / 230.
4 ـ أربعون رواية في فضل زيارة سيد الشهداء عليه السلام ن من كتاب وسائل الشيعة للعلامة الشيخ الحر العاملي(رض). ج 14 باب تأكد استحباب زيارة الحسين بن علي عليهماالسلام ووجوبها كفاية. الحديث الخامس
5 ـ [الذاريات : 56]
6 ـ توجيهات آية السيد علي السيستاني حول زيارة الأربعين الأخيرة. باب الاستفتاءات الرابط
http://www.sistani.org/arabic/qa/02394/
7 ـ هكذا في الأنساب وصحيح مسلم: 3 / 539 ح 38 كتاب الحدود، وأما بقية المصادر فكلها مطبقة على أربع ركعات.
8 ـ أربعون رواية في فضل زيارة سيد الشهداء عليه السلام ن من كتاب وسائل الشيعة للعلامة الشيخ الحر العاملي(رض). ج 14 باب تأكد استحباب زيارة الحسين بن علي عليهماالسلام ووجوبها كفاية.
9 ـ أربعون رواية في فضل زيارة سيد الشهداء عليه السلام ن من كتاب وسائل الشيعة للعلامة الشيخ الحر العاملي(رض). ج 14 باب استحباب المشي إلى زيارة الحسين ( عليه السلام ) وغيره . الحديث الثالث