الأخلاق فی الإسلام آیة الله مشكینی‏

هذه الروایة وإن نقلت فی الكتب تعتبر روایة ضعیفة ولا یعتمد علیها، وهی فی حال صحتها ترتبط بكمالات ومراتب النفس لا أنه واقعاً یوجد للإنسان عدة أرواح وأنفس. ونحن هنا لسنا فی مقام البحث فی أنه هل تلك الأنفس الأربع هی حقائق مختلفة وموجودات منفصلة أو أنها حقیقة واحدة لها عدة مراتب. إذ لو افترضنا أیضاً أن كل واحدة منها هی حقیقة منفصلة وموجود مستقل، لا یوجد شك أن الإنسان لیس له إلّا روح واحدة وأن لروحه ونفسه الإنسانیة مراتب. كما أن تعابیر النفس اللوّامة والنفس الأمّارة والنفس المطمئنّة لیست دلیلًا على تعدد النفوس المختلفة بل هی مراتب وحالات للنفس.

 

لقد توهم البعض أن النفس والروح الإنسانیة متعددة وأن الإنسان له عدة أنفس، حتى أننا نجد فی بعض الروایات جملًا تؤید هذه المطلب، كما نقل عن كمیل بن زیاد النخعی أحد تلامذة أمیر المؤمنین البارزین أنه سأل الإمام (ع):
«یا أمیر المؤمنین أرید أن تعرفنی نفسی.
فقال (ع): وأی الأنفس ترید؟
فقال: وهل هی إلّا نفس واحدة؟
قال (ع): إنما هی أربع:
– نفس نامیة نباتیة.
– نفس حسیة حیوانیة.
– نفس ناطقة قدسیة
– نفس كلیة إلهیة».
هذه الروایة وإن نقلت فی الكتب تعتبر روایة ضعیفة ولا یعتمد علیها، وهی فی حال صحتها ترتبط بكمالات ومراتب النفس لا أنه واقعاً یوجد للإنسان عدة أرواح وأنفس. ونحن هنا لسنا فی مقام البحث فی أنه هل تلك الأنفس الأربع هی حقائق مختلفة وموجودات منفصلة أو أنها حقیقة واحدة لها عدة مراتب. إذ لو افترضنا أیضاً أن كل واحدة منها هی حقیقة منفصلة وموجود مستقل، لا یوجد شك أن الإنسان لیس له إلّا روح واحدة وأن لروحه ونفسه الإنسانیة مراتب. كما أن تعابیر النفس اللوّامة والنفس الأمّارة والنفس المطمئنّة لیست دلیلًا على تعدد النفوس المختلفة بل هی مراتب وحالات للنفس.
وهنا من المناسب أن نبیّن بعض الحالات والأوصاف التی توجب كمال وسعادة النفس، ونفحة من الحالات التی توجب تنزّل وشقاوة النفس.

* حالات النفس:
تحدث القرآن الكریم عن كل حالة من حالات النفس سواء تلك التی ترتبط بكمالها وسعادتها أو التی ترتبط بتنزلها وشقائها.
النفس السلیمة: مثلًا بالنسبة لما یرتبط بكمالات النفس نشاهد هذه الآیة: یوم لا ینفع مال ولا بنون، إلّا من أتى الله بقلب سلیم (الشعراء: 89).

السلامة هی إحدى صفات القلب، والقلب السلیم هو الذی یسلم من الانحراف والعقائد المخالفة. وقد نقل عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «القلب السلیم هو الذی لا یكون فیه غیر الله».
وفی هذه الحالة تكون النفس فی إحدى مراحل الكمال حیث لا یكون فی قلب الإنسان أی حب لغیر الله ویكون الله فی قلبه فقط. وفی روایة أخرى نقل عن النبی (ص) أنه قال: «لا یكمل إیمان امرئ حتى أكون عنده أحب إلیه من أمه وأبیه وولده وماله ونفسه».
بناء على هذا فإن النفس السلیمة هی النفس التی لا یوجد فیها غیر الله والمحبوبین فی الله.

النفس المنیبة: الحالة الأخرى للقلب والنفس هی حالة الإنابة حیث یقال لها النفس المنیبة أو القلب المنیب أی القلب والنفس التی ترجع دائماً إلى الله. یقول القرآن الكریم: من خشی الرحمن بالغیب وجاء بقلب منیب (ق: 33).
فصاحب القلب المنیب هو الإنسان الذی یخاف الله فی الخلوة ویجعل قلبه إلى الله. فإن الخوف‏ من الله فی حالة الخلوة أحد أهم حالات القلب، والنفس متى عرفت الله لا یصبح لدیها فی الخوف من الله فرق بین الخلوة والجلوة. بخلاف البعض الذین یخافون من اطلاع الناس على ذنوبهم وسیئاتهم ولكنهم فی الخلوة لا یبالون، فقلوب هؤلاء لم تصل بعد إلى المرحلة التی یكون فیها الله ناظراً إلیهم وحاضراً عندهم ولا تكون قلوبهم راجعة إلى الله.
النفس المهتدیة: إحدى الحالات الأخرى للقلب هی حالة الهدایة، قال تعالى: من یؤمن بالله یهدِ قلبه (التغابن: 11)

فالقلب المهتدی فی مسیر العقائد والأحكام الإلهیة یعرف طریقه ویفهم ویتضح له أی العقائد ینبغی أن یعتنق وأی الأعمال ینبغی أن یعمل.
النفس المطمئنّة: إحدى الحالات الأخرى المعروفة للقلب والنفس هی حالة الطمأنینة. قال تعالى فی القرآن: ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

وفی سورة الفجر: یا أیتها النفس المطمئنّة ….
الإنسان هنا یصل إلى مرحلة من مجاهدة النفس وعمل الواجبات وترك المحرمات وتربیة النفس وتكمیلها بحیث لا یصبح عنده اعتناء بغیر الله ولا یسیر نحو المعصیة فتحدث فی قلبه حینها السكینة والطمأنینة بحیث یصبح كالجبل الراسخ، لا تزلزله الذنوب والأهواء النفسانیة والشهوات والدنیا وحب المال والجاه، ولا یوجد أی شیطان یستطیع غوایته. وهناك مراحل أعلى من هذه نجدها فی الأئمة الأطهار (علیهم السلام) بحیث أنهم لا یفكرون حتى فی المعصیة.
صفة الطمأنینة إحدى أفضل حالات النفس ومثل هذه النفس إذا خرجت من الدنیا تخاطب:
یا أیتها النفس المطمئنة، ارجعی إلى ربك راضیة مرضیة، وادخلی فی عبادی، وادخلی جنتی.

النفس التقیة: المرتبة الأخرى من مراتب وحالات النفس هی حالة التقوى. مثلما أن الوسواسی یحتمل نجاسة كل شی‏ء ویبتعد عنه، فإن النفس التقیة تصل إلى مثل هذه الحالة بحیث تصبح محتاطة جداً، وفی‏ اجتناب المعاصی تصاب بحالة كالوسواسیة. فی القرآن الكریم: ومن یعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب (الحج: 32).
إن الشخص الذی یصل قلبه إلى مرتبة التقوى، یعظّم شعائرَ الله والله وكلَّ آثاره ومساجده وأحكامه ومؤمنیه … ومكة والكعبة ..
غایة الأمر أن كل ما یرتبط بالله یكون عظیماً فی نظر الإنسان لأن نفسه قد تحلّت بالتقوى.
النفس المخبتة: إحدى الحالات الأخرى لجمال النفس هی حالة الإخبات وهی خضوع الإنسان لأوامر الله وتعالیمه. فی الآیة 54 من سورة الحج یقول تعالى: فیؤمنوا به فتخبت له قلوبهم.
وبما أن هذه النفس خاضعة وخاشعة أمام عتبة الله وتعالیمه فلن یكون هناك عصیان وطغیان أمام الأحكام الإلهیة.
النفس الزكیة: إحدى الحالات الأخرى للنفس والقلب هی حالة التزكیة. كما یقول تعالى فی سورة الشمس بعد أن یقسم بالشمس والقمر والسماء والأرض و … یقول: قد أفلح من زكیها (الآیة: 9).
بدیهی أنه لأجل الوصول إلى هذه المرتبة یحتاج الإنسان إلى السعی الكثیر. وقبل كل شی‏ء یطهّر النفس من الصفات الرذیلة حیث یفسح المجال لحلول الصفات الحسنة ویهیّ‏ء الأرضیة للرشد والكمال فیصبح عنده نفس زكیة ویصل إلى الفلاح والفوز.
النفس اللوّامة: إحدى الصفات الأخرى للنفس هی: اللوّامة، واللوّام یعنی كثیر اللوم. هناك من الناس من یرتكب ذنباً ولا یندم علیه ولا یشعر بالملامة فی نفسه وهذا هو السقوط للنفس، ولكن النفس التی ترجع إلى ذاتها بعد المعصیة فوراً وتوبّخ نفسها وتلوم نفسها تكون فی حالة شریفة وفی إحدى المراتب الجیدة جداً. فی القرآن الكریم من سورة القیامة یقول تعالى: لا أقسم بیوم القیامة، ولا أقسم بالنفس اللوّامة.
بدیهی أن الله یقسم ببعض الأشیاء لأجل شرافتها وقداستها. وفی‏ الآیة المذكورة یقسم الله بالنفس اللوّامة. وبالطبع فإن الإنسان الذی یربی نفسه إلى درجة تصبح أمام الذنوب تشعر بالخجل والندم واللوم، فإنه یكون قد حصّل إحدى مراتب الكمال.
النفس الملهمة: إحدى الأوصاف الأخرى للنفس هی: الملهمة. كما جاء فی سورة الشمس: فألهمها فجورها وتقواها.
وهذه الحالة تكون للنفس الزكیة التی ورد ذكرها سابقاً. وبالطبع فی حال التعود على ارتكاب المعصیة یتوقف الإلهام من الله تعالى.

* «إدعاء الألوهیة»
«أدعى أحد الأشخاص الألوهیة، فأحضروه إلى الخلیفة. فقال له: فی السنة الماضیة أدعى أحدهم النبوة فقطعنا رأسه!
أجابه ذلك المدّعی: أحسنتم عملًا لأننی لم أرسله».

* «دققوا أكثر»
كان العالم الفرنسی الشهیر «كلود برنار» غالباً ما یوبخ تلامذته علة قلة التدقیق فی المسائل التجریبیة. فی أحد الأیام أحضر وعاءً یحتوی على مادة كیمیائیة سیئة الطعم ورفعها أمام الطلاب ثم قال: ینبغی فی التجارب أحیاناً أن لا یتورع الإنسان عن تذوق بعض المواد الكیمیائیة. ثم وضع إصبعه داخل الوعاء وبعدها أدخل إصبعه فی فمه. ثم مرر الوعاء إلى طلابه.
عندما انتهى كل الطلاب من تذوق المادة. قال «كلود برنار»: «مرة أخرى لا تلتفتون إلى أصل الموضوع. فأنا قد وضعت أصبعی الثانی فی الوعاء وأدخلت أصبعی الثالث فی فمی»

…………………..

بقیة الله مجلة العدد الأول

شاهد أيضاً

الإنتظار حالة ترقب لنبأ عظيم

مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام قال سماحة السيد على السبزواري في حديثه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *