ولا فرق بین كافة الأنبیاء فی أداء هذه المهمَّة بأحسن الوجوه سواءً كان النبی نوح علیه السلام أو سلیمان علیه السلام أو النبیّ محمد صلى الله علیه وآله وسلم فكل منهم قد أدّى رسالات [رسالة] ربِّه وأوصل ما علیه من المسئولیة إلى منزلها من غیر أن یفرِّط فیما حمِّل على عاتقه ولم یطلب الأجر من الناس (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِی إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِینَ)[الشعراء/109]،…
مقدَّمة:
الحمد لله الذی یؤمن الخائفین وینجِّی الصالحین ویرفع المستضعفین ویضع المستكبرین ویهلك ملوكاً ویستخلف آخرین والصلاة والسلام على سیِّد الأنبیاء والمرسلین محمَّد وآله الطیبین الطاهرین.
مسئولیة الأنبیاء:
إنّ الله سبحانه وتعالى بعث الأنبیاء وأرسل الرسل من أجل أن یبلِّغوا رسالاته فیتمُّوا الحجَّة على الناس (رُسُلاً مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ ِلئلا یَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمًا)[النساء/165].
ولا فرق بین كافة الأنبیاء فی أداء هذه المهمَّة بأحسن الوجوه سواءً كان النبی نوح علیه السلام أو سلیمان علیه السلام أو النبیّ محمد صلى الله علیه وآله وسلم فكل منهم قد أدّى رسالات [رسالة] ربِّه وأوصل ما علیه من المسئولیة إلى منزلها من غیر أن یفرِّط فیما حمِّل على عاتقه ولم یطلب الأجر من الناس (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِی إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِینَ)[الشعراء/109]، اللهم إلا ما طلبه الرسول الأكرم صلى الله علیه وآله وسلم الذی یعدُّ بشارة للناس لا عبأً علیهم (ذَلِكَ الَّذِی یُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَى وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)[الشورى/23].
لأنَّ منافع هذا الأجر ترجع إلى المؤمنین أنفسهم (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ)[سبأ/47].
وبغض النظر عن البعد الإلهی وأداء المسئولیة فإننا لو نظرنا إلى الجانب العملی لرسالة الأنبیاء فالأمر یختلف بین نبی وآخر فمنهم من لم یؤمن به إلا القلیل فلم یتمكن من تغییر واقع الأمّة بنحو شامل وكلی كنوح علیه السلام حیث وصل أمره إلى مستوى بحیث (أُوحِیَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ یُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا یَفْعَلُونَ)[هود/36].
ولذلك دعا على المعاندین والكافرین منهم جمیعا ً(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِینَ دَیَّارًا)[نوح/26]، (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ یَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا)[نوح/27]، ومنهم من تمكن من تشكیل حكومة على أساس التوحید كسلیمان علیه السلام (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَهَبْ لِی مُلْكًا لاَ یَنْبَغِی ِلأَحَدٍ مِنْ بَعْدِی إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[ص/35].
وقد استجاب الله دعوته حیث قال (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّیحَ تَجْرِی بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَیْثُ أَصَابَ)[ص/36].
الإنقلاب على الأعقاب:
لاشك فی أن الخط العملی الذی رسمه خاتم النبیین الرسول الأكرم صلى الله علیه وآله وسلم وضحَّى فی سبیله بكل غال وثمین لم یستمرّ بعد ارتحاله بالشكل الكامل وذلك لا لتقصیره فی تبلیغ الشریعة كیف وهو الذی خاطبه الله سبحانه (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِیثِ أَسَفًا)[الكهف/6].
ولكن لانتكاس الأمّة وسوء تصرُّف الولاة وقد أخبر القرآن الكریم بذلك حیث قال (أَفَإِیْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)[آل عمران/144].
فانحرفت المسیرة عن صراطها المستقیم فاستبدل الإسلام المحمدی الأصیل الذی كان بصدد ایصال الناس إلى السعادة الأبدیة، بإسلام مُزیَّف أرجع الأمّة القهقرى وورّطها فی متاهات لا خلاص منها، فوصلت إلى ما هی علیه الآن، لا خیار لها إلا الرضوخ للظالمین المستكبرین والإئتمار بأوامرهم الشیطانیة اللهم إلا القلیل الذین وفوا بعهدالله وتمسكُّوا بحبله رغم الصعوبات القاصمة للظهر والشدائد النافدة للصبر، فالتزموا طریق الحق والصبر وتواصوا بهما فهم المؤمنون حقاً غیر الخاسرین صدقا اقتدوا بفاطمة وأبیها وبعلها وبنیها الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهیراً.
ولكن: هل ستبقى الأرض هكذا إلى الأبد ؟
كیف وقد وعد الله عباده المستضعفین حیث قال (وَنُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ). (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِی الأَرْضِ وَنُرِیَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا یَحْذَرُونَ)[القصص6،5]، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ)[الأنبیاء 105].
فهناك من یخلِّص الناس من الاستضعاف وبه یملأ الله الأرض قسطاً وعدلا كما مُلئت ظلماً وجوراً، ولكلٍّ من الأئمة علیهم السلام دور خاص فی التمهید لذلك المصلح العالمی.
هذا وحیث أنَّ قیام دولة المهدی روحی لتراب مقدمه الفداء یتطلَّب أموراً كثیرةً من ناحیة إعلامیة و من ناحیة عملیة فلذلك نشاهد أنَّ أدوار أئمتنا كانت مختلفة فكلٌ كان یهیئ الأرضیة من جانبٍ خاص و هذا لا یعنی أنَّ الزمان و المكان والظرف لم یكن لها أیّ دور فی تلك المواقف بل كان لها دورٌ ولكنَّه هامشی لا یغیِّر فی الإستراتیجیة بل له تأثیر فی الخطَّة و التكتیك.
فالإمام الرضا علیه السلام بهجرته التأریخیة المؤلمة و تحمُّله الصعوبات و الضغوط الروحیة و الجسمیة تمكَّن من إیجاد المدرسة الخراسانیَّة التِّی لها الأثر الكبیر فی تعزیز جیش الإمام المهدی علیه السلام و كان بصدد خلق أرضیَّة عملیة لتلك الدولة المباركة التِّی تحدَّث عنها و هو فی نیسابور عندما التقى به دعبل الخزاعی وأنشد قصیدته التائیة إلى أن قال:
(خروج إمام لا محالة خارج- یقوم على اسم الله و البركات)( یمیّز فینا كل حق و باطل- و یجزى على النعمـاء و النقمـات) فبكى الإمام علیه السلام بكاءً شدیداً، ثمّ رفع رأسه وقال: یا خزاعی نطق روح القدس على لسانك بهذین البیتین، فهل تدرى من هذا الإمام و متى یقوم، فقلت لا یا مولای إلا إنی سمعت بخروج إمام منكم یطهر الأرض من الفساد و یملأها عدلا.
و هكذا سائر أئمتنا علیهم السلام، لكلٍّ منهم موقف ینصبُّ فی الغایة القصوى التِّی من أجلها بُعِث الرُسل و شرِّع الدین، الغایة التی لا تكتمل إلاّ بظهور الإمام الثانی عشر المهدی المنتظر عجَّل الله تعالى فرجه.
وأمّا الإمام الحسین علیه السلام فتمیَّز فی أنّه كان بصدد إیجاد روحیة الجهاد وتطهیر الأرض من كل عوامل الضلال والانحراف والظلم والفساد التی تتلخص فی مفهوم أخلاقی مقدَّس وهو ( أخذ ثأر الله تعالى ) الذی هو الشعار الحقیقی لمهدی الأمّة عجَّل الله تعالى فرجه الشریف، وهذا الجانب الروحی له دور رئیس فی قیامه و فی انتصاره العظیم على جیش السفیانی الذی یمثِّل خط الضلال والباطل طوال التأریخ الإسلامی.
ولكن أبى الله أن یجری الأمور إلا بأسبابها فكان للأمّة دور فعّال فی تثبیت ونشر ثورة سید الشهداء علیه آلاف التحیَّة والثناء وذلك من خلال إحیاء ذكرى عاشوراء و البكاء واللطم والمشاركة فی أكبر التظاهرات والمواكب الحسینیَّة ، غیر أنّ للثورة الإسلامیة التی قام بها الإمام روح الله الموسوی الخمینی قدَّس الله نفسه الزكیة دوراً أكبر وتأثیراً أعظم فی تعزیز فكر عاشوراء و بلورة خط سید الشهداء ونقله من مستوى النظریة إلى مستوى الواقع من خلال مقارعة الظالمین بالسیف والتضحیة بالدم حیث سقط على الأرض آلاف الشهداء كلُّهم ینادون السلام علیك یا أبا عبدالله.
هذا الكتاب ألف من أجل تبیین الغایة من الثورة الحسینیة المباركة وعلاقة هذه الثورة بنهضة الإمام المهدی من ولد الحسین علیه السلام وأیضاً دور الإمام الراحل فی تعزیز وتوطید الخط الحسینی وربطه بالخط المهدوی .
أدعوا الله سبحانه أن یتقبَّله منی فلا أرید إلا رضاه ورضى من رضاهم رضاه أهل بیت العصمة والطهارة محمَّد وآله الطیبین الطاهرین روحی وأرواح من سواهم فداهم .
والحمد لله ربِّ العالمین
الشیخ ابراهیم الانصاری البحرانی