في هذه الحياة، كثير من المشاكل، وأكثر من هذه المشاكل توجد حلول. مع ذلك نجد الكثير يعيش مشاكله من دون حلول، لا لأجل عدم وجود الحلول، بل لأجل أنّ الكثير من الناس لايحسنون استعمالها، أو يضع لمشكلته حلاً ليس هو لها بحل، أو أنه يسرع _من دون تروٍ_ في وضع حلول مشكلته من دون دراسة مسبقة.
إنّ العقل يحكم بأنه مع وجود حلول متعددة لمشكلة ما، وكان بعضها أدوم في حلها، فلابدّ من اختياره حتى إذا أخذ وقتا أكثر في التدبير والدراسة الميدانية لظروف المشكلة.
أما وجود حل سريع، فهو وإن كان نافعاً، لكنه سيزول أسرع من زبد البحر(ذلك لأنّ عادة الحلول السريعة هي أنها تفضي إلى الاندفاع والتهور، أو اليأس والإحباط مما يعقّد المشكلة أكثر من أن يحلها).
هذه سُنة من سُنن الحياة، ولها مردودات كثيرة في مختلف مجالات الحياة.
والدين أيضاً أخذها بنظر الاعتبار. لذلك كان أحدى أهم الصفات المطلوبة من المؤمن هي صفة الصبر. الذي لا يعني بحال الاستسلام والخنوع للمشاكل والمصائب، وإنما يعني حبس النفس وترويضها في البحث عن الحلول وإن طال الزمن.
إنّه يعني فيما يعنيه استخدام الوقت لإيجاد الحل المناسب. وهذا يتضمن الحركة المستمرة والبحث الدؤوب عن الحلّ الأمثل للمشكلة.
إن فهمنا لهذه السنّة في الحياة يكشف لنا الكثير من الحقائق، المرتبطة بالقضية المهدوية، منها:
أولاً: كون نفس انتظار الفرج هو من الفرج. فإن الانتظار يُلزم الفرد بالصبر إزاء الأوضاع الراهنة. في الوقت الذي يدفع نحو العمل للإصلاح ما أمكنه.
ولذلك وصفت الروايات الشريفة أهل زمان غيبته عليه السلام بأنهم (المنتظرين لظهوره) وفي نفس الوقت هم (الدعاة إلى دين الله عزوجل سراً وجهراً) كما جاء كمال الدين ج١ ص٣٢٠ ح٢.
ثانياً: ضرورة التسليم للأمر الإلهي بغيبة الامام المهدي عليه السلام، إذ الغيبة تستبطن انتظار الفرصة المناسبة عند تحقق الظروف الملائمة للحل الأمثل للحياة عموماً. ولذلك وصفت غيبة الامام المهدي عليه السلام بأنه (يهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلمون).
ثالثاً: التروّي وعدم الاستعجال بإتباع أدعياء المهدوية قبل التيقن تماماً من أحقانية المهدي. ولذلك نجد في الروايات الشريفة أن الحسني على ما هو عليه من التسليم للمهدي الحق يتروى في دعوة جيشه للمهدي حتى يثبت لهم بالدليل القاطع بأنّ هذا الذي أمامه هو المهدي الحق .. رغم أنه كان عارفاً به من بداية الامر.
وهذا ما يكشف لنا بعض الحكمة من أمر الإمام الصادق عليه السلام لنا بقوله (إذا ادعاها مدعٍ فأسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله) كما في الكافي ١/٣٤٠.
رابعاً : ومن ذلك كله نفهم لماذا كانت دولة أهل البيت عليهم السلام آخر الدول. فإنها دولة لا تستخدم الحلول المؤقتة والمستعجلة كما يفعل الغير، وإنما هي تأتي في الوقت المناسب لتوجد حلول دائمية لم يستعملها أحد من قبل.
وجاء في غيبة الطوسي ص٤٧٢_٤٧٣ عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (دولتنا آخر الدول، ولن يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل: (وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ).