عقیدة المهتدین بین التحریف والتحصین

نقف _نحن الشیعة الامامیة الاثنى عشریة_ أمام ظاهرة خطیرة تتمثل فی انتهاك أهم عقیدة نؤمن بها وهی العقیدة المهدویة، ومن أبرز مصادیق هذا الانتهاك هو تقمص الارذلین الادنین لأهم وأبرز شخصیات هذه القضیة محاولین قیادة الناس تجاه غایاتهم المنحرفة، مشوهین بذلك الوجه الجمیل والحقیقة الناصعة لقضیة الإمام المهدی علیه السلام، فتسبب ذلك فی انحراف الكثیر من أبناء مجتمعنا وسقوطهم فی هاویة الضلال.

بسم الله الرحمن الرحیم
مقدمة:
نقف _نحن الشیعة الامامیة الاثنى عشریة_ أمام ظاهرة خطیرة تتمثل فی انتهاك أهم عقیدة نؤمن بها وهی العقیدة المهدویة، ومن أبرز مصادیق هذا الانتهاك هو تقمص الارذلین الادنین لأهم وأبرز شخصیات هذه القضیة محاولین قیادة الناس تجاه غایاتهم المنحرفة، مشوهین بذلك الوجه الجمیل والحقیقة الناصعة لقضیة الإمام المهدی علیه السلام، فتسبب ذلك فی انحراف الكثیر من أبناء مجتمعنا وسقوطهم فی هاویة الضلال.
فنحن اذاً أمام مسؤولیة كبرى ومهمة عظیمة لإنقاذ هؤلاء الغرقى من جهة، ومن الآخرین من السقوط فی شراك المنتحلین والمحتالین بتحصینهم بالثقافة المهدویة الصحیحة والحقة من جهة ثانیة.
قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: «من كتم علما نافعاً الجم بلجام من نار».(1)
وقال صلى الله علیه وآله وسلم: «إذا ظهرت الفتن وسكت العالم فعلیه لعنة الله».(2)
فتوجب على كل مخلص ان یشمر عن ساعد الجد لتشخیص هذا المرض الخطیر الذی أخذ یستشری فی مجتمعاتنا، وتحدید أسباب ظهوره ولماذا ظهر فی العقیدة المهدویة خصوصا دون غیرها من العقائد، ولماذا سقط ویسقط الكثیر من أبناءنا ضحایا لمثل هذه الادعاءات، ثم تحدید المنهج الاوفق لمعالجة هذه الظاهرة ومنع حدوثها من جدید.
هذا ما التفت إلیه مركز الدراسات التخصصیة فی الإمام المهدی علیه السلام فأقام الدورات العدیدة ومنها هذه الدورة مساهمة منه فی نصرة المذهب الحق، فجزا الله العاملین فیه عن المؤمنین خیر جزاء المحسنین.
وفیما یلی ملخص لما طرح فی هذه الدورة:
تعیین المشكلة:
ان ظاهرة تقمص شخصیة الإمام المهدی أو أحد قادته البارزین لیست ولیدة الساعة بل تمتد جذورها إلى ما قبل ولادة الإمام الحجة علیه السلام وذلك لعدة عوامل منها وجود الفرق المقابل المتمثل بنموذجین من الناس الأول: من استحوذ علیه الشیطان فجعل أكبر همه اتباع شهواته الذاتیة ورغباته النفسیة من حب الدنیا وحب الرئاسة والسلطة وغیرها من الغایات الدنیویة وان كان ذلك على حساب تهدیم الدین والمعتقدات الحقة وهذا النموذج هو الذی یتزعم قیادة هذه الحركات المنحرفة. الثانی: المتمثل بالاتباع وهم لفیف من السذج الجهال، أو المعاندین أصحاب الجدل ومحبی المخالفة، أو الطامعون بحطام الدنیا الذین باعوا آخرتهم بدنیاهم، أو الطامحون بشوق مبالغ فیه لمشاهدة الشخص الشریف للإمام علیه السلام أو للخلاص من الظلم الذی نفد صبرهم منه فیتأملون ظهوره ویتشبتون ومن دون بصیرة ولا دلیل بأی شخص یعجبون به ویعتقدون انه هو المنقذ.
ان خطورة هذه الظاهرة تكمن فی انحراف أبناء المجتمع المسلم عن العقیدة الحقة وهذا یعنی الهلال الحتمی لهم واستحقاقهم لسخط الله وعقوبته (سبحانه وتعالى). فإن الانحراف فی المعتقدات المهدویة یعنی الانحراف أصل الامامة وخروج المؤمن عن طاعة إمام زمانه، بل إذا أخطأ فی تشخیص الإمام الحق فاتبع أئمة الظلم والجور فإنه سیكون مصداقا لقول الرسول صلى الله علیه وآله وسلم: «من مات وهؤلاء یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة»؛(3)
ان المخیف والخطیر فی هذا الحدیث هو معناه الذی بینه لنا الإمام الصادق علیه السلام فیما ورد فی صححه الحرث بن المغیرة حیث قال: «قلت لأبی عبد الله علیه السلام: قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة؟ قال: نعم، قلت: جاهلیة(4) جهلاء أم جاهلیة لا یعرف إمامه؟ قال: جاهلیة كفر ونفاق وضلال وهنا الإمام یصرح علانیة ان من انحرف عن إمام زمانه فهو كافر، منافق ضال، وهذا یعنی ان متبع اصحاب الادعاءات الباطلة _أو أدعیاء المهدویة_ فهو كافر ومنافق، والكافر لیس له إلاّ جهنم خالداً فیها، فیا له من مصیر مخیف، لا نرضى به لأی انسان فما بالك ان أصحاب أبناءنا وإخواننا.
هذا هو حجم المصیبة النوعی فكیف بنا إذا انتشرت هذه الظاهرة وسادت فی مجتمعنا وكیف سیكون حجم مصیبتنا.
أسباب نشوء هذه الظاهرة:
یمكن تلخیص أهم العوامل المؤدیة إلى ظهور هذه المشكلة بما یلی:
1_ ضبابیة وغموض القضیة المهدویة: وهذه الضبابیة ولدت امرین:
الأول: استفهامات متنوعة وعدیدة عن مفردات ومفاهیم ومصادیق هذه القضیة وهذه الاستفهامات قد تكون حسنة بل یمكن القوم ان لا علم یحصل إلاّ بالاستفهام وهذا هو الجانب الایجابی من هذه الاستفهامات، ولكن هذه الاستفهامات قد تأخذ منحى سلبی یتمثل فی عدم وجود حلول مقنعة لها فتبقى عالقة فی الاذهان فتستمر حتى تتحول إلى شكون وطعون فی القضیة المهدویة.
الثانی: استنكارات لهذه القضیة بمختلف جوانبها وهذه الاستنكارات تمثل عاملا قویاً فی إنكار حقائق هذه القضیة وعدم التصدیق بها.
ان ضبابیة القضیة المهدویة كان نتیجة أسباب أهمها:
أ_ تعلق القضیة المهدویة بالامور الغیبیة أكثر من تعلقها بالامور المشهودة المحسوسة فأكثر جوانبها لا یمكن اوراكها بالحواس فهی مرتبطة بإمام غائب لم یشاهد ولا نعرف این هو ولماذا غاب دون باقی الائمة، وبعلامات تسبق ظهوره لم نعرف زمن حصولها ولم تشخص لحد الآن، وبشخصیات غیر محددة ولا معینة ولا ظاهرة المعالم.
ب_ اشمال الآیات والروایات المتعلقة بقضیة الإمام المهدی علیه السلام على المحكم والمتشابه والمجمل والبین مما أتاح الفرصة لأصحاب الشبهات من المتشابه والمجمل اساسا یستندون علیه لتأكید وتثبیت ادعاءاتهم وسلاح یهاجمون به الحق وأصحابه، فظهرتت دعاوى عدیدة مضللة ونشرت أفكارها المنحرفة فأحاط ذلك الحقائق ابصارته فی قضیة الإمام المهدی بالغموض وعدم الوضوح.
ج _ عدم إحاطة هذه القضیة بالبحث والتدقیق والتحقیق المناسب الذی یخرجها من حیز الغموض والحیرة إلى عالم النور والوضوح لتكون عقیدة بینة للجمیع راسخة لدى كافة شرائح المجتمع.
د_ غموض مفردات ومفاهیم القضیة المهدویة كمفردة الانتظار وعدم التفریق بین الانتظار السلبی والانتظار الایجابی، ومفهوم الغیبة ومعناها والحكمة منها، ومفهوم ان الارض لا بد ان تملأ ظلما وجورا قبل ظهوره علیه السلام وغیرها من المفردات والمفاهیم التی بقی الظلام یملأها حتى سیء فهمها وتسببت هی الأخرى فی غموض العقیدة المهدویة.
هـ _ تركیز المؤسسات الحوزویة على الجانب الفقهی دون الجانب العقائدی مما جعل قضیة الإمام المهدی من القضایا الثانویة الغیب مهمة فی حیاة طالب العلم ولم یجد الطالب داعیا لبذل الجهد لدراسة هذه القضیة بجوانبها المتفرعة فكان مخزونه الفكری لهذه العقیدة فقیرا جدا بل قد نجد من غیر الطلبة من هو أكثر اطلاعا على هذه العقیدة، وبهذا ضعف دور طالب الحوزة فینشر وبیان حقائق القضیة المهدویة بل قد یحرج الطالب لأیسر سؤلا ونتیجة ذلك كله غموض فكرة الإمام المهدی وما یتعلق بها عن الكثیر من أصحاب الاختصاص مما یعنی غموضها وضبابیتها على القاعدة الشعبیة الجماهیریة العریضة.
و_ بقاء دعاة الحق ولفترات زمنیة طویلة تحت سلطة انظمة وحكومات تحارب وتمنع التثقیف والدعوة لقضیة الإمام المهدی وتعرض المتصدی لها لأشد انواع العقوبات والمطاردة وهذا العامل قید المبلغین وفهمهم بشكل كبیر من إنارة الطریق تجاه هذه القضیة. بل وسبت هذه المؤسسات والحكومات إلى نشر عوامل الجهل وترسیخها لدى الشعب وتضلیله بالانكار والخرافات البعیدة عن حقیقة هذه التضحیة وجعل أبناء المجتمع ینشغلون بأمور تافهة وبسد متطلباتهم المعاشیة. وكان نتیجة كل ذلك هو بقاء هذه القضیة قید السریة والكتمان وعدم الظهور فكان ذلك عاملا قویا فی إضفاء الغموض على هذه القضیة.
2_ تعرض قضیة الإمام المهدی علیه السلام إلى التحلیل والتفسیر من قبل من هو لیس من أصحاب الاختصاص مخلط بین المحكم والمتشابه _بقصد أو بغیر قصد_ وفسر ما فیها وفقاً لهواه أو امكاناته وقدراته الناقصة فكانت النتیجة ناقصة قطعاً.
3_ كما قد تصدت لهذه القضیة من الطرف المعادی عقول ذات أهداف هدامة قامت بتشویه الصورة الحقانیة الجمیلة لها وإظهارها بمظهر بعید كل البعد عن الحقیقة. وكان قصدهم تسفیه هذا الاعتقاد والنزول به إلى قصر الانحطاط. «كما ینقل ابن بطوطة فی كتاب رحلة ابن بطوطة مشاهداته فی الحلة: انه فی ذلك الزمان یخرج من أهل الحلة كل لیلة مئة رجل من المدینة وفی أیدیهم سیوف فیأتون أمیر المدینة بعد صلاة العصر یأخذون منه فرسا مسرجا وملجما ویضربون الطبول ویبوقات امام الدابة ویتقدمها خمسون وخلفها خمسون وعن یمینها خمسون وعن شمالها خمسون ویمشون ویقولون بسم الله أخرج اخرج یا صاحب الزمان قد ظهر الفساد وكثر الظلم وهذا اوان ظهورك»(5) أو ما ینقل عن یاقوت الحمودی فی كتابه معجم البلدان یذكر عن سرداب سامراء ما یلی: یقول «ان الشیعة ینتظرون كل یوم بجانب السرداب یقفون بالخیل ویهتفون ب هان یخرج إلیهم وهكذا یفعلون كل یوم».(6)
4_ عدم تولی مؤسسات التبلیغ الدینیة نشر الروایات والافكار المهدویة الصحیحة بالكم والكیف الذی یفی بالغرض ویلائم حجم وأهمیة هذه القضیة، كروایات ولادته وكیفیة غیبته، ومكان غیبته وأسبابها وأهم توقیعاته ووصایاه و… الخ من المسائل المتعلقة بقضیته علیه السلام والتی یحتاج الیها الجمهور. مما ساعد فی بقاء الجهل مسیطرا على عقول أبناء المجتمع.
5_ عدم وضوع الاجابة الشافیة ن السؤال المطروح الذی یلح على عقول أبناء المذهب الشیعی: من هو صاحب الحق الشرعی فی قیادة الامة بعد غیاب الإمام الحجة علیه السلام، والى من ترجع الامة أثناء الغیبة فی تحدید الحق من الباطل، وماذا ینبغی ان تفعل عند طرو الحوادث أو ظهور الفتن، فبقی صاحب الحق الشرعی فی خلافه الإمام الحجة علیه السلام غامضا على الكثیرین، وكان ولا یزال الكثیر من أبناءنا لا یعرفون ان المجتهد العادل، الحافظ لدینه، المخالف لهواه، المطیع لأمر مولاه هو الشخص الوحید الذی له الحق فی القطع فی الامور وتحدید ما یجب وما لا یجب فی غیبة الإمام فقفز إلى ساحة القیادة من هو لیس أهلا لها، وادعى الكثیر من المنحرفین انهم هم الخلفاء الشرعیون للإمام الحجة، فضل واضل معه الكثیرین.
6_ انكار بعض الطوائف لنفس اصل الإمامة وذلك لانكارهم حق الإمام علی بالامامة بعد النبی صلى الله علیه وآله وسلم فجرهم ذلك إلى انكار كل الائمة بعده وانكار امامه الإمام المهدی علیه السلام؛ نعم قد یؤمن بعظهم بان هناك مهدی سیظهر، ولكن لو اعترفوا بأنه هو (م ح م د) بن الحسن العسكری بن علی الهادی بن… الخ لأدى بهم ذلك إلى التصدیق بالامامة وبإمامة الإمام علی وهذا یعنی اتهام سادتهم وأئمتهم بالظلم والكفر وهذا ما لا ترضاه نفوسهم ویأباه تعصبهم. فإنكارهم لوجود الإمام المهدی وإمامته مبنی على إنكارهم لأصل الامامة ولهذا یوجهون الطفی والتشكیل والشبهات لفكرة الإمام المهدی ویمارسون تسفیه هذه العقیدة، أملاً فی تهدیمها وبالتالی زعزعة وهدم الاعتقاد باصل الامامة.
7_ وجود صنفین من الروایات تجعل البعض یجرؤ على تفحص شخصیة الإمام المهدی أو أحد القیادات البارزة عنده، أو تشخیص هذه الظاهرة أو هذا الشخص كمصداق لما ورد فی تلك الروایات، الصنف الأول: الروایات التی تثبت قضیة الإمام المهدی، وانه لابد ان یظهر ویملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ظلماً وجوراً وان ظهوره مسبوق بعلامات معینة وان هناك أشخاص سیظهرون قبل أو عند عظهوره علیه السلام وهذه الروایات بلا بدیه حصول مضامینها.
الصنف الثانی: الروایات التی تجعل شخصیة الإمام المهدی، أو قادته أو الشخصیات والاحداث والعلامات التی تسبق ظهوره من الامور الغامضة المجملة التی یحتمل فیها أكثر من مصداق.
فكان من الصعب على العوام تعیین الحق من الباطل وتشخیص العلامات والشخصیات بشكل دقیق.
وهذا یعنی وجود صنفین من الروایات یؤلف مجموعها مركب فكری زبدته اثبات جوانب عدیدة من قضیة الإمام المهدی ولكن هذا الاثبات یكون على نحو مجمل لا یتبین فیه المصادیق الحقیقیة لمضامین هذه الروایات، مما فتح الباب أمام الاحتمالات والظنون والتنبؤات فی التشخیص وفتح هذا الباب داعب عقول المغرضین والمنحرفین فی استغلال ذلك لإیهام الناس وخداعهم وتعیین الشخصیات والاحداث التی یریدونها وتلائم اغراضهم. ولهذا تراهم یستندون إلى روایة أو روایتین فی بلورة فكره تؤدی إلى غایاتهم وانكار باقی الروایات التی تتعارض مع ما استندوا إلیه، وهم مطمئنین إلى وجود من یستمع الیهم ویصدق بكل دعاواهم.
8 _ تطور وتقدم المؤسسات والمراكز الثقافیة والاعلامیة المعادیة والتی تثیر الشبهات ویطبعون بقضیة الإمام المهدی علیه السلام، وذلك للتفوق الكبیر فی الامكانات الاقتصادیة والفكریة وللدعم الكبیر من لدن حكوماتهم وأصحاب الاموال من تجار وغیرهم، مقارنة بمؤسساتنا التی كانت ولا زالت تعانی من الفقر والعوز فی جمیع الجوانب، وتسلط الغیر علیها.
كیف نتعامل مع هذه الظاهرة؟
لابد لنا قبل الولوج فی محاولة معرفة علاج هذه الظاهرة من ان نفرق بین شرعیتین فی المجتمع:
الشرعیة الأولى: أصحاب الاختصاص الذین یعدون المسؤولین عن حل هذه المشكلة ومحوها من الوجود.
الشرعیة الثانیة: القاعدة الجماهیریة الواسعة تمثل جانبا مهما فی أسباب انتصارنا فی الدفاع عن عقیدتنا فی الإمام المهدی علیه السلام.
ویجب التفریق فی اللغة التی نخاطب بها كل من هاتین الشرعیتین والكیفیة التی نتوصل بها إلى احداث قناعة بالافكار الصحیحة لدى كل منهما، إذ لابد ان یكون الخطاب الموجة إلى الشرعیة الأولى متسما بالبرهان والدلیل النقلی الدقیق والعقلی الحق بعیدا عن منهج الخطابة أو الاقتناع العاطفی. على العكس تماما من أسلوب التعامل مع القاعدة الشعبیة والتدقیق فی البرهان فإنه مدعاه لملل وجزع المستمعین ونفورهم عن مثل هذه المحافل، فلا مناص إذاً للمبلغ حینما یخاطب القاعدة الجماهیریة من ان یتبع منهج اللغة العامة الملائمة والخطاب الجماهیری المتواتر فی قلوب الجمیع وان یتفحص جمهوره ومستواهم الثقافی ومیولهم ورغباتهم وأهم حاجاتهم ومشاكلهم لأجل ان یتناغم خطابه مع خصائصهم وحاجاتهم ورغباتهم فیؤثر فیهم ویصل كلامه إلى قلوبهم وعقولهم ویقودهم إلى بر الامان والنجاة.
وفیما یلی بعض ما فهمناه من مقترحات اساتیذنا (اطال الله بقائهم) فی هذه الدورة الشریفة.
1_ تحدید النظریة المعرفیة لدراسة العقیدة المهدویة، وكیفیة علاج الشبهات التی تتعرض لها، فیجب ان غدد حجم الدلیل النقلی وحجم الدلیل العقلی وكیف ؟؟؟؟ تعارض الدلیل العقلی مع الدلیل النقلی أو تعارض الأدلة النقلیة فیما بینها وهل یمكن الاستعانة بالوسائل العلمیة الأخرى وهل یمكن بلورة افكارنا المهدویة بهذا المنهاج الفكری أو ذاك.
وهذا یحتم علینا إیكال الامر إلى أصحاب الاختصاص فی هذا الجانب ومنع المتطفلین من تصدیهم للقیادة الفكریة لهذه القضیة الذین یفترقون إلى المقدمات والعلوم التی تؤهلهم لفهم الافكار العقائدیة لقضیة الإمام المهدی بشكلها الصحیح.
والحق فی هذا الامر هو اتباع منهج تفسیر الروایات بالروایات وارجاع المتشابه منها إلى المحكم وتحكیم العقل على النقل فما وافق العقل اخذناه وما خالفه ضربنا به عرض الجدار وجعل القرآن هو الحاكم على كل اعتقاداتنا وأفكارنا فما لم یوافق القرآن فهو زخرف مردود.
روی فی الصحیح عن أیوب بن الحر «قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: كل شیء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حدیث لا یوافق كتاب الله، فهو زخرف».(7)
قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: «إذا أتاكم عنی حدیث فاعرضوه على كتاب الله وحجة عقولكم فإن وافقهما فاقبلوه والا فاضربوا به عرض الجدار».(8)
2_ لابد لنا من تحكیم اصالة الاشتغال فی التصدی لهذه الظواهر المنحرفة وان لا نعمل اصالة التسامح، وبیان ذلك یكون بأمور:
أ_ فنحن نواجه خطرا كبیرا یتمثل بانتشار عقائد فاسدة هدامة للدین اخذت تعصف بمجتمعنا وتتخطف ابنائنا من بین أیدینا وهی مهلكة لكل من اعتقد بها إذ انها تفسد اهم عقیدة لدینا وهی عقیدتنا بالامام المهدی التی هی من ذاتیات اصل الامامة فیكون صاحب هذه المعتقدات خارج عن الملة بالاتفاق بل عن الاسلام _نستجیر بالله من مضلات الفتن_.
ب_ نحن مسؤولون مسئولیة كبرى عن موقفنا حیال هذه الظواهر، ونحن نشاهد سقوط العشرات والمئات من أبناءنا فی مهاوی الانحراف والاعتقادات الباطلة، فلا بد لنا إذاً من التصدی لهذه الانحرافات ومحاولة منعها وعدم التفرج على ما یحل بمجتمعنا ونحن مكتوفی الایدی.
ج_ یمتاز العدو المتصدی للترویج لهذه المعتقدات الفاسدة بالتخفی والتستر فكثیرا ما نسمع بهذه العقائد وبالافعال المنحرفة لأصحابها ونتأكد من رجوعهم من غیر ان نعرفهم فلا یتاح لنا غالبا تمییز شخص قائدهم ولا عدد اتباعه ولا من هم بل تقتصر معرفتنا فی غالب الاحیان على صفاتهم واعتقاداتهم وسلوكیاتهم المنحرفة.
إذا غالبا ما یوجد لدینا علم اجمالی بوجود الفتنة من دون تشخیص قادتها والمفتونین بها.
د_ فإذا تساهلنا مع الجمیع وفعلنا اصالة التسامح لكان ذلك منا تهاونا وتركا للساحة ونكون قد نفذنا طموح العدو وسمحنا له بأن یتصرف وبكل حریة فی عقول ابناءنا واضلالهم.
فكان لزاما علینا ان نتبنى اصالة الاشتغال والتحقیق والتثبت لكی نكون قد ادینا الذی علینا فی مواجهة المنحرفین فلابد لكل منا ان یكون فطنا ذكیا فی التعامل مع الغیر وان لا یخدع بالمظاهر والازیاء والوجوه الجمیلة، وان نعلم مجتمعنا ذلك منجعله یحكم عقله فی التعامل مع الغیر وخاصة المجهولین الذین لا نعرف تأریخهم وحقیقة نوایاهم ومن خلفهم.
3_ لابد للمبلغ من دراسة العقائد العامة والعقیدة المهدویة بشكل جید وجدی وشامل لیحیط بكل جوانب هذه العقیدة وبشكل دقیق، والاطلاع على الشبهات الموجهة لها والحلول الموضوعة لهذه الشبهات لیتمكن من تحمل مسؤولیة بیان حقیقة هذه العقیدة وتجریدها من الاعتقادات الباطلة والتصدی للشبهات الموجهة الیها.
4_ تثبیت الاعتقاد بوجود الإمام المهدی وبإمامته وولادته وبغیبته وأسبابها وكیفیة انتظاره، وبكل ما یتعلق بقضیته علیه السلام فی أذهان المجتمع وتثقیف الناس على فهم ومعرفة هذه المفاهیم والتصدیق بها وجعلها بدیهیة لدیهم.
5_ إلقاء الضوء وبشكل مكثف ومكرر على علامات الظهور وبیانها وحبلها معروفة واضحة بحیث نكشف عن هذه العلامات الغموض كما یجب علینا ان نفرق لهم ونمیز بین الحتمیة منها وغیر الحتمیة بحیث نجعل التابع یشخص وبسرعة ودقة الدعوات الضالة المنحرفة من خلال تطبیق ما فهمه من العلامات على هذه الادعاءات.
6_ تهذیب عقول الناس من الخرافات والاساطیر التی تكتنف قصة الإمام المهدی ونجرد عقولهم إلاّ عن الحقائق القرآنیة والروائیة المحققة والمنقحة، الصحیحة لتنجلی لهم مفاهیم القضیة المهدویة بحقیقتها الناصعة النقیة.
7_ تشجیع المؤسسات الثقافیة والاعلامیة الدینیة وتقدیم كافة انواع الدعم والسند الیها والسعی لتطویرها وجعلها تواكب أو تتفوق على المؤسسات المعادیة.
8_ دعوة المؤمنین والمخلصین إلى تهذیب ابناءهم واخوانهم ونسائهم وجیرانهم على العقائد الحقة والافكار الصالحة ونشر اخلاق اهل البیت والسیر على منهجهم ، وتثقیف ابناء المجمتع على التعاون فی تبادل المعارف ونقل المعتقدات الحقة والاخلاق الفاضلة إلى جمیع ابناء المجتمع.
9_ على كل من تصدى إلى التبلیغ والتثقیف والارشاد ان یبتعد عن مواطن الشبهات وان یحافظ على الاخلاق الحمیدة والحرص الشدید على إعطاء صورة جمیلة مقدسة عن الحوزة وعما لها ان یعلم اننا محاطون بخصوم یراقبوننا وینتضرون منا الزلة لیشنوا علینا ویلقون بالتهم الباطلة علینا لأجل تهدیم هذا الصرح العظیم للحوزة لان العدو یعلم ان مؤسسة الحوزة هی الجدار المنیع الذی یحمی المجتمع من أفكاره وضلالاته ولیعلم كل مبلغ انه لیس مستقلا فی عمله وإنما یمثل بكل افعاله وتصرفاته الحوزة بكاملها.
10_ ان نشمر عن ساعد الجد والعمل الحثیث المتواصل لأجل تثقیف الناس وإبطال كل الادعاءات الباطلة، بمعنى ان یكون جهدنا مواز لخطر هذه المشكلة وفداحتها وان لا نتساهل أو نتهاون فی استئصال هذه المشكلة من جذورها لأنها مشكلة خطیرة جداً ویحتمل ظهورها فی كل وقت والمحتمل إذا كان ستزید الخطورة فیجب العمل بكل الطاقات لمنع وقوعه وان كان احتمال وقوعه ضعیف جدا.
11_ نقل رأی علماء الحوزة فی مدعی المهدویة وبیانها للناس لیتنبه الناس عن موقف الشارع المقدس من هذه الادعاءات ولقد اثبته نشر فتاوى العلماء حول اصحاب هذه الاباطیل أثر كبیر فی تغییر اعتقادات الناس ونظرتهم لهؤلاء وفی تحصینهم ضد المنحرفین.
12_ ربط الناس بالغیب وترسیخ اعتقادهم بوجود قوة غیبیة الهیة مقدسة حكیمة تفعل ما تشاء ولا یوجد قانون یمنحها تحقیق الارادة الالهیة، وتذكیر الناس بقصص الانبیاء ونقلها من القرآن الیهم.
واذا اطلع الناس مثلاً على قصة ابراهیم علیه السلام وكیف جعل الله سبحانه وتعالى بقدرته هذه النار المحرقة ؟؟؟ التی لا یشك احد فی احراقها لكل من سقط فیها كیف جعلها بردا وسلاما على ابراهیم ( قُلْنا یا نارُ كُونِی بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِیمَ).(9)
أو قصة سلیمان وكیف سخر الله له كل شیء الهواء والجبال والجن والانس والشیاطین وكیف جلب وصیة عرش بلقیس قبل ان یرتد إلیه طرفه، ( وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ وَقالَ یا أَیُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَأُوتِینا مِنْ كُلِّ شَیْ‏ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِینُ وَ حُشِرَ لِسُلَیْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ وَالطَّیْرِ فَهُمْ یُوزَعُونَ)،(10) ( قالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِیكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّی لِیَبْلُوَنِی أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما یَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ كَرِیمٌ)،(11) وكیف أطال الله عمر نوح وكیف انه بقی فی التبلیغ فقط تسعمائة وخمسین سنة ( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِینَ عاماً).(12)
وكیف أن الله الهم نبیه عیسى علیه السلام إحیاء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وان یخلق من الطین كهیئة الطیر فینفخ فیه فیكون طیرا بإذن الله ( وَرَسُولاً إِلى بَنِی إِسْرائِیلَ أَنِّی قَدْ جِئْتُكُمْ بِآیَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّی أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّینِ كَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنْفُخُ فِیهِ فَیَكُونُ طَیْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَْكْمَهَ وَالأَْبْرَصَ وَأُحْیِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِكُمْ إِنَّ فِی ذلِكَ لآَیَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ).(13)
أو غیرها من القصص التی تثبت قدرة الله على كل شیء وان هناك حبلا ممدودا من السماء إلى الأرض فإن الإنسان یقتنع بما ینقل له من دقائق غیبیة عن الإمام المهدی ویؤمن بإمكان طول غیبة الإمام كل هذه السنین، وبما سیفتح الله على یدیه من فتوحات ومعاجز.
ان ارجاع الناس إلى القرآن وقصصه یشدهم إلى الله وقدرته ویقوی لدیهم الامل بالفرج وامكان ظهور قائم آل محمد علیه السلام ویحصنهم ضد الشبهات والتشكیك بالمفاهیم الغیبة التی یؤت به شیعة أهل البیت حول أئمتهم وخصوصاً الإمام الحجة علیه السلام.
13_ على المبلغ ان یسعى هو بنفسه إلى مواطن الشبهات واماكن انتشارها والمجتمعات التی یتواجد فیها فیذهب الیها ویعمل على رد كل هذه الشبهات لینقذ أهلها من شراك المضلین. فلابد للمبلغ ان یكون هو المبادر إلى حل مشاكل الناس ومساعدتهم فی مواجهة التیارات المنحرفة وان لا ینتظر حتى یطرق بابه الناس طلبا للحلول.
14_ لابد لنا _وقبل أن نبدأ بعملنا_ ان نضع امامنا احتمال الرفض أو عدم القبول أو العداء أو أی نوع من انواع الرد القاسی ضدنا وضد توجهاتنا الاصلاحیة، ولابد ان نعلم اننا مهما فعلنا واجتهدنا فإننا لا نستطیع استئصال المرض بكله من جمیع افراد المجتمع فهذا شبه محال، بل سعى إلى تقلیل الانحراف والمحافظة على الباقین ومعالجة المصابین. بمعنى إذا اجتهد المبلغ فی عمله ولم یرد النتیجة المتوقعة فلا ییأس بل لابد له ان یستمر متوكلا على الله مستعداً بنصرة الله له وتأیید الإمام مؤمناً ان سیرة الانبیاء تثبت انه لم یهتدی لهم جمیع من عاصرهم. بل قد لا تخلو سیرة نبی من الانبیاء من الأذى والطعن ؟؟؟؟؟ والتشرید بل والى محاولات القتل وقد قتل فعلا بعض الانبیاء فی سبیل دعوتهم إلى الحق.
15 _ جعل المجتمع بكافة شرائحه نسائه ورجاله صغیره وكبیره وشبابه یرتبط ارتباط وثیق بالحوزة وترسیخ الاعتقاد بان المراجع المجتهدین العدول هم ورثة الإمام ونوابه العامین وهم الوحیدون الذین لهم الحق فی اعطاء الفتاوى وتحدید ماذا ینبغی ویجب ان نفعل:
فهناك سؤال طالما طرح فی أوساطنا وداهم عقول المخلصین منا وتسببت الاجابة الخاطئة عنه فی انحراف الكثیرین وظهور امثال هذه الظواهر المنحرفة ومغار هذا السؤال: اننا فی عصر كثیر الفتن غریب الاحداث، فكیف نعرف رأی الإمام الحجة علیه السلام واوامره لنا، وماذا یرید منا حیال هذه الاحداث؟ وبعبارة اخرى من هو صاحب الحق الشرعی فی اصدار الاراء كقائد للامة فی عصر الغیبة؟
وجواب ذلك هو بتذكیر لناس بوصایا الأئمة وخاصة الإمام الحجة بالرجوع إلى رواة الحدیث والفقهاء فی كل حادثة. سمعنا قول الإمام الحجة علیه السلام:
«واما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة حدیثنا؛ فإنهم حجتی علیكم وانا حجة الله»(14) اما الإمام علیه السلام فی هذا الحدیث جعل الفقهاء هم الواسط بیننا وبینه على جعلهم الحجة علینا وعلق طاعته بطاعتهم ورضاه برضاهم، فإإن حدث حادث صغیرا كان ام كبیرا خاصاً ام عاماً فلا نعرف رای الإمام فیه إلاّ بالرجوع إلى المجتهد العادل.
ان تنصیب الإمام الحجة لرواة الحدیث راجع لنا قد بین امامی تجاوز هؤلاء فهو عاص للامام غیر متبع له وان ادعى أو اعتقد غیر ذلك فلا طریق إذا للامام الحجة إلاّ مراج الدین الذین عینهم الإمام بصفاتهم قائلا: «فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدینه مخالفا لهواه مطیعا لأمر مولاه، فللعوام ان یقلدوه».(15)
والخلاصة: ان القناة الوحیدة للحق وللامام الحجة هم العلماء والفقهاء العدول فلا طریق للنجاة سواهم وكل طریق مخالف لطریقهم فهو طریق هلاك وظلال.
16_ التأكید على الاحادیث المرتبطة بقضیة الإمام المهدی واظهارها للناس وتكرار ذكرها حتى نتحول إلى مقولات بدیهیة راسخة فی أذهان ابناء المجتمع فإن لهذه الاحادیث دور سحری فی تحصین ابناء المجتمع ضد الظواهر المنحرفة.
مكا ینبغی للمبلغ شرح هذه الاحادیث وبیانها لمنع تأویلها من قبیل المحرفین لیكون التابع ذو ثقافة مهدویة مرتبطة بالأئمة علیهم السلام وفیما یلی اهم تلك الاحادیث.
أ_ آخر توقیف للامام المهدی (ارواحنا فداه) صدر من الناحیة المقدسة: وهو توقیع من الإمام إلى السفیر الرابع ابو محمد علی بن محمد السمری:
«بسم الله الرحمن الرحیم
یا علی بن محمد السمری، أعظم الله اجر اخوانك فیك، فإنك میت ما بینك وبین ستة أیام، فاجمع امرك ولا توحی إلى احد یقول تعامل بعد وفاتك، فقد وقعت الفتیة التامة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الارض جورا، وسیأتی من شیعتی من یدعی المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفیانی والصیحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلی العظیم».(16)
وما ینبغی التنبیه له هو ان الإمام اظهر معجزة بإخباره عن یوم وفاة هذا السفیر. كما ان الإمام علیه السلام قطع أی صلة بالانام فی الغیبة الكبرى تلك الصلة التی قد یدعیها البعض على انه باب الإمام أو احد سفرائه أو نوابه الخاصین وذلك بقوله «ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفیانی والصیحة فهو كذاب مفتر».
ان الإمام لم ینكر امكان مشاهدته بل انكر امكان المشاهدة بعنوان ان المشاهد باب للامام یتلقى منه اثناء لقاءه التعلیمات والتوجیهات فإن ادعى احد ذلك فهو كذاب مفتر. اما لو شاهده احد من الصالحین بعد التوبة والاخلاص والعبادة فهذا مما لم ینفه احد من علماء الامامیة.
وكذلك فإن الإمام تنبأ _بإذن الله_ بظهور من یدعی النیابة وحذرنا منهم قبل ان یظهروا. فأدبنا على المبادرة إلى تحصین مجتمعنا من مثل هذه الادعاءات قبل ان تظهر وان لا ننتظر حتى ینتشر المرض.
ب_ قول الإمام الحجة علیه السلام الذی ینبغی ان لا یخلو عقل امامی منه:
« واما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة حدیثنا؛ فإنهم حجتی علیكم وانا حجة الله»(17).
وفی هذا الحدیث هدایة ونور وثبات على الصراط المستقیم إذ ان الإمام علیه السلام بنفسه عین العلماء العدول قادة لنا ومراجع نرجع الیهم فی كل حادثة تحدث صغیرة كانت ام كبیرة عامة كانت ام خاصة. كما ان الإمام بهذا الحدیث أكذ ان المتبع للمجتهد الاعلم العادل ناج یوم القیامة وذلك یقول علیه السلام: «فانهم حجتی علیكم»، ولقد بین الإمام علیه السلام بشكل صریح ان كل من سار على غیر منهج المجتهین فهو ضال منحرف وان لا طریق لا هدایة ولا نجاة من الفتن والانحرافات إلاّ باتباع رواة الحدیث وهم العلماء العدول.
ج_ ما ورد عن الإمام العسكری علیه السلام: «فأما من كان من الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدینه، مخالفا لهواه مطیعا لأمر مولاه فللعوام ان یقلدوه».(18)
وبهذا الحدیث الشریف یتم ربط جمیع أبناء المجتمع الشیعی بصدر واحد وقیادة حكیمة فیكون الأمر واحد والآمر واحد والمؤتمرون موحدون فتقوى شوكة اصحاب الحق ویتخلصوا من أخبث مرض استتشرى فی جسدهم ألا وهو مرض تعدد الرئاسات والقیادة مما كان له الأثر الكبیر فی احلال الضعف والهواء فی هذه الطائفة الحقة.
د_ هناك أحادیث أخرى كثیرة من نذكرها رعایة للاختصار ومنعاً للملل فلا تفوت المبلغ ویراجع الكتب المعتبرة فی ذلك.(19)
رد أهم الشبهات:
ان مسؤولیتا تجاه مجتمعنا تحتم علینا مواجهة التیارات الفكریة التی تغزوه وهذا یلزمنا التصدی للشبهات المطروحة فی الساحة وذلك بدراستها وتحلیله وإیجاد الحلول الحقیقیة المقنعة لها، خاصة وعدونا لا یذدخر جهدا فی ابتكار الشبهات وتلبسها بلباس الحق والاستدلال علیها وبثها ومحاولة ایصالها إلى اقصى اطراف المجتمع، هذا والاجهزة الصوتیة والمرئیة منتشرة فی كل بیت حتى وصلت الشبهات رغما علینا إلى بیوتنا فأخذ صوت الباطل والتضلیل یطرق اسماع أبناءنا ونساءنا، وهذا یؤكد مسؤولیتنا ویدعونا إلى مضاعفة الجهود لمواجهة هذا الغزو الثقافی وتحصین أبناءنا ضده.
وقبل الدخول فی ذكر الشبهات وحلولها نبین ان التصدی للرد على الشبهات لابد له ان یدرس الشبهة جیدا ثم یطرحها بكاملها ویذكر جوانب القوة فیها ویوضح مراد صاحبها قبل ان یذكر الایرادات علیها لیحقق بذلك الانصاف العلمی والحقانیة فی طرح الحقائق ویكون رده مقبولا مقنعا للجمیع.
تنبیه: ان الشبهات المثارة حول قضیة الإمام المهدی فی الوقت الحاضر ما هی إلاّ شبهات قدیمة جدا قد أثارها أجدادهم وقام علماء الشیعة بتفنیدها وابطالها ولكنهم الیوم یصوغونها بصیاغة جدیدة وإطار حدیث لتظهر وكأنها شبهة جدیدة، ومن هنا ینبغی للمبلغ ان یطلع على المراجع والمصادر التی تتطرق إلى هذه الشبهات فی الازمات السالفة لیعرف أصل ما یطرح الآن ویكون ردها لدیه سهلا.
وفیما یلی أهم تلك الشبهات مع الرد علیها:
الشبهة الاولى: ان الإمام المهدی لو یولد ولا یوجد لأی الشیعة دلیل على ولادته.
الجواب: اننا نؤمن ان الإمام المهدی قد ولد ولدینا الادلة الكافیة والمقنعة لكل متبصر عاقل على ولادته وقد ذكرها علماؤنا فی كتبهم ولكن ما نصنع مع من اعماه تعصبه عن رؤیة ما هو واضح ومنیر.
الادلة على ولادته علیه السلام:
1_ المؤرخون: ذكر المؤرخون ان الإمام (م ح م د) بن الحسن العسكری، المهدی المنتظر ولد وذكروا مكان ولادته وأمورا أخرى وكان من المؤرخین من هو على خلاف مذهب التشیع نذكر منهم:
أ_ ابن الأثیر: ذكر ابن الأثیر فی الكامل فی التاریخ الجزء السابع، الصفحة 274 ما نصه: «… وفیها توفی الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیه السلام، وهو أبو محمد العلوی العسكری وهو أحد الأئمة الاثنی عشر على مذهب الإمامیة وهو والد محمد الذی یعقتدونه المنتظر».(20)
ب_ ابن خلكان: ذكر ابن خلكان فی كتاب وفیات الاعیان وأنباء أبناء الزمان، الجزء 4، الصفحة 176 ما نصه: «أبو القاسم المنتظر: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكری بن علی الهادی بن محمد الجواد، المذكور قبله ثانی عشر الأئمة الاثنی عشر على اعتقاد الامامیة المعروف بالحجة وهو الذی تزعم الشیعة انه المنتظر والقائم والمهدی».(21)
هذا ما ذكره بعض المؤرخین حول ولادته علیه السلام.
2_ أخبار الإمام الحسن العسكری عن ولادته علیه السلام:
ان اخبار الإمام الحسن العسكری عن ولادة ابنه الحجة علیه السلام محكوم بأمرین كان لابد له من مراعاتهما:
الأول: الحفاظ على سلامة الإمام المهدی من الطغاة فإن الحكم حینذاك كان یراقب بشدة ولادة الإمام لیقتله وكان یداهم بیت الإمام العسكری ویفتشه لعله یعثر على آثار الإمام المهدی فكان الإمام العسكری یعلم یقینا ان الطاغی لو علم بولادة الحجة لبادر إلى قتله دون أی تردد لتخوف الحكومة الظالمة حینذاك من ان یكون المهدی هو الذی یقضی على حكمهم ویملا الارض قسطا وعدلا ویقضی على كل الوان الظلم والجور.
الثانی: اعتقاد الإمام الحسن العسكری بوجوب اخبار اعلام الشیعة بولادته لمنع الفتن ولبقاء أمر الشیعة موحدا تحت الإمام الحق ولیعترف شیعة أهل البیت بولادة امامهم المنتظر ویتیقنوا بذلك فینقطع بذلك كل تخرص أو ؟؟؟ وكاذب بعدم ولادته أو غیر ذلك من ادعاءات.
ولهذین السببین فإن الإمام حرص اشد الحرص على اخبار الشیعة بولادته من جهة كما حرص على عدم معرفة عیون وجواسیس الحاكم الظالم بذلك من جهة أخرى.
ولهذا فقد عمد الإمام الحسن العسكری علیه السلام إلى اخبار الاعلام وخواص الشیعة بذلك وأراهم الإمام المهدی وأخبرهم بأنه هو امامهم من بعده.
قال أبو محمد بن شاذان رحمه الله:
حدثنا محمد بن حمزة بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علی بن أبی طالب صلوات الله علیه قال: سمعت ابا محمد علیه السلام یقول:
«قد ولد ولی الله، وحجته على عباده، وخلیفتی فی بلدی، مختونا، لیلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسین ومائتین عند طلوع الفجر، وكان أول من غسله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقربین بماء الكوثر والسلسبیل، ثم غسلته عمتی حكیمة بنت محمد بن علی الرضا علیهم السلام. قال امه ملكیة التی یقال لها بعض الامام سوسن وفی بعضها ریحانة، وكان صقیل ونرجس أیضا من أسماءها».(22)
وهناك روایات أخرى تؤكد أخبار الإمام عن ولادته فراجع الكتب المختصة بذلك.(23)
3_ أخبار السیدة حكیمة (رضوان الله تعالى علیها) _وهی القابلة التی أولدت الإمام_ بولادته علیه السلام:
ان اخبار السیدة حكیمة بولادة الإمام الحجة علیه السلام یعد من أقوى الحجج والادلة على ولادته وذلك لجهتین.
الاولى: ان السیدة حكیمة ثقة صادقة من نسل طاهر طیب عرفت بالتقوى وبورع وصدق الحدیث.
الثانیة: انها هی القابلة التی تولت ولادته علیه السلام، وأخبار القابلة بالولادة یعد دلیلاً شرعیاً على صحة الولادة وهذا الدلیل أقربه وانفذه كل علماء المسلمین من الخاصة والعامة.
فیما یلی احدى الروایات التی تبین شهادة السیدة حكیمة بولادته: ذكر الشیخ الصدوق فی كتابه كمال الدین وتمام النعمة ما یلی:
«حدثنا محمد بن الحسن بن الولید رضی الله عنه قال: حدثنا محمد بن عیسى العطار قال: حدثنا ابو عبد الله الحسین بن رزق الله قال: حدثنی موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام قال: حدثتنی حكیمة بنت محمد بن علی بن موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب علیهم السلام، قالت: «بعث لی أبو محمد بن الحسن بن علی علیهما السلام فقال: یا عمة اجعلی إفطارك هذه اللیلة عندنا فانها لیلة النصف من شعبان فإن الله تبارك وتعالى سیظهر فی هذه اللیلة الحجة وهو حجته فی أرضه، قالت فقلت له: ومن أمه؟ قال لی: نرجس، قلت له: جعلنی الله فداك ما بها أثر، فقال: هو ما اقول لك، قالت: فجئت، فلما سلمت وجلست جاءت تنزع حقی وقالت لی: یا سیدتی وسیدة أهلی كیف أمسیت؟ فقلت: بل أنت سیدتی وسیدة أهلی، قالت فأنكرت قولی وقالت: ما هذا یا عمة؟ قالت فقلت لها: یا بنیة ان الله تعالى سیهب لك فی لیلتك هذه غلاما سیدا فی الدنیا والآخرة. قالت: فخجلت واستحیت.
فلما فرغت من صلاة العشاء الآخرة افطرت وأخذت مضجعی من قدت. فلما ان كان فی جوف اللیل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتی وهی نائمة لیس بها حادث ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتهت فزعة وهی راقدة، ثم قالت فصلت ونامت.
قالت حكیمة: وخرجت اتفقد الفجر فإذا انا بالفجر الأول كذنب السرحان فدخلنی الشكوك، فصاح بی أبو محمد علیه السلام من المجلس فقال: لا تعجلی یا عمة فهناك الامر قد قرب، قالت فجلست وقرأت الم السجدة ویس، فبینما انا كذلك إذ انتهت فزعة فوثبت الیها فقلت: اسم الله علیك، ثم قلت لها أتحسین شیئاً؟ قالت: نعم یا عمة، فقلت لها اجمعی نفسك واجمعی قلبك فهو ما قلت لك، قالت: فأخذتنی فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سیدی فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به علیه السلام ساجداً یتلقى الارض بمساجده فضممته الی فإذا أنا به نظیف متنظف فصاح بی أبو محمد علیه السلام هلمی إلی ابنی یا عمة فجئت به إلیه فوضع یدیه تحت ال؟؟؟ وظهره ووضع قدمیه على صدره ثم أدلى لسانه فی فیه وأمر یده على عینیه وسمعه ومفاصله ثم قال: تلكم یا بنی فقال: اشهد ان لا إله إلاّ الله وحده لا شریك له، واشهد أن محمّداًً رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم، ثم صلى على أمیر المؤمنین وعلى الائمة علیهم السلام إلى ان وقف على ابیه. ثم احجم. ثم قال ابو محمد علیه السلام: یا عمة اهبی به إلى امه لیسلم علیها واعتنی به، فذهبت به وسلم علیها ورددته فوضعته فی المجلس ثم قال: یا عمة إذا كان یوم السابع فاتینا.
قالت حكیمة: فلما اصبحت جئت لأسلم على ابی محمد علیه السلام وكشفت الستر لاتفقد سیدی علیه السلام فلم أره فقلت: جعلت فداك ما فعل سیدی؟ فقال یا عمة استودعناه الذی استوعته ام موسى علیه السلام… الحدیث».(24)
وهناك اخبار روایات اخرى كثیرة تؤكد مولده الشریف احجمنا عن ایرادها رعایة للاختصار.(25)
وقد ذكر السید محسن الدین العاملی فی ترجمة الإمام المهدی فی اعیان الشیعة ثلاثة عشر عالما من علماء السنة ممن قالوا قالوا بوجود الإمام وولادته وذكروا سنة ولادته ومكان الولادة فراجع هذا الكتاب القیم.(26)
الشبهة الثانیة: مفادها: اثارة الشكوى عن اسباب الغیبة حیث لا یوجد مسوغ للغیبة. خلاصة الشبهة: ما هی الحكمة من غیبة الإمام علیه السلام.
الجواب: إن لغیبة الإمام الحجة أسباب كثیرة یكفی واحد منها لإخفائه عن الانظار وفیما یلی بعض منها:
1_ السبب الأول: الحذر من القتل:
ان الإمام الحجة علیه السلام هو القائد _الذی لا یوجد له بدیل_ الذی یملأ الارض قسطا وعدلا وهو القائد الرصید القادر على كسح الظلم ونشر الحق والعدل فهناك ضرورة توجب بقائه حیاً ومن هنا وجب إخفاؤه عن أنظار الظالمین لئلا یقتل.
فخوف القتل لیس على نفس الإمام بل على الغایة الإلهیة الكبرى ففی حدیث زرارة عن عن الإمام الصادق علیه السلام قال الإمام علیه السلام «للغلام غیبة قبل قیامه، قلت: ولم؟ قال: یخاف على نفسه الذبح».(27)
2_ السبب الثانی: تمییز المؤمنین:
لابد قبل خروج القائم علیه السلام من تمییز المؤمنین عن الكافرین والصابرین عن الجازعین والعالمین عن الجاهلین لیعطی كل ذی حق حقه ویمتاز أصحاب الصبر والجهاد وكمال النفر بالحكمات التی تلیق بهم تحت ید الإمام الحجة علیه السلام عن محمد بن منصور عن أبیه قال: هیهات، هیهات، لا والله لا یكون ما تمدون إلیه أعینكم حتى تغربلوا، لا والله لا یكون ما تحدرن إلیه اعینكم حتى تمیزوا» هذا الحدیث عن الإمام الصادق علیه السلام.(28)
3_ السبب الثالث: خلاصه من بیع الظالمین:
عن أبی بصیر عن الإمام الصادق علیه السلام قال: «صاحب هذا الامر تعمى ولادته إلى الخلق لئلا یكون لأحد فی عنقه بیعة إذا خرج»(29). فإن الإمام _أی أی امام من المعصومین_ إذا بایع امام الملأ فلابد له ان یفی ببیعته ولا یخرج بفتنة أو حرب ضد من بایع وطالما ان الحجة علیه السلام لابد ان یخرج على الظلمة فلم یكن فی عنقه لأحد بیعة. وهذه من مختصات الإمام الذی لا یبقى للظالمین أثراً ویملأ الأرض قسطا وعدلاً.
4_ السبب الرابع: الامتحان:
عن زرارة بن أعین قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: ان للقائم غیبة قبل ان یقوم، قلت له: ولم؟ قال: یخاف _ وأومأ بیده إلى بطنه _ ثم قال: یا زرارة وهو المنتظر، وهو الذی یشك الناس فی ولادته منهم من یقول: هو حمل ومنهم من یقول: هو غائب، ومنهم من یقول ما ولد ومنهم من یقول ولد قبل وفاة أبیه بسنتین غیر ان الله تبارك وتعالى یجب أن یمتحن الشیعة فعند ذلك یرتاب المبطلون».(30)
5_ السبب الخامس :ان هذا الامر سر من اسرار الله:
عن احمد بن اسحق بن سعد الاشعری قال: دخلت على ابی محمد الحسن بن علی علیهم السلام وانا ارید ان أسأله عن الخلق من بعده، فقال لی مبتدءاً: … یا أحمد بن اسحق: هذا امر من امر الله، وسر من سر الله وغیب من غیب الله…».(31)
إذاً ممكن ان یجاب على السؤال عن سبب غیبته هو ان الحكمة من غیبته مهما تعددت اجوبتها فإنه تبقى الحكمة الحقیقیة مجهولة لا ینبغی لنا انكارها بل لابد من التسلیم فی هذه القضیة وأغلب القضایا الدینیة من إلى ان من روائه حكمة نحن نجهلها.
6_ السبب السادس: اجراء سنن الانبیاء فی غیباتهم فیه علیه السلام عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ان للقائم منا غیبة یطول أمدها فقلت له: یا بن رسول الله ولم زال؟ قال: لأن الله عز وجل أبى إلاّ ان تجری فیه سنن الانبیاء علیهم السلام فی غیباتهم وانه لابد له ؟؟؟؟؟ من استیفاء مدد غیباتهم، قال الله تعالى: ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أی سنن من كان قبلكم».(32)
ویمكن فهم ان اجراء سنن الانبیاء السابقین هو سبب لغیبته إذا علمنا ان الإمام الحجة هو مجمع كمالات من كان قبله من الانبیاء والاوصیاء فلابد إذاً من استكمال جمیع ما أكملوا ویتجاوز ما تجاوزوا. فكما ان للانبیاء أحوال وأحداث استوفوا بها كمالهم المطلوب فكذلك الإمام الحجة لكی یستوفی ذلك الكمال ویستجمعه لابد له من ان یمر بكل ما سروا به ولا یعنی هذا ان الإمام فیه نقص _والعیاذ بالله_ بل طالما ان كمال الله لا متناهی فإنه یبقى یسیر متكاملا إلى الله أو ان كمال اتباع الإمام هو صورة لكمال الإمام فلكی یكمل اتباعه فلابد من مدة زمنیة تمثل مدة الغیبة وبكمال الاتباع تكون الإمام الحجة مع من تبعه كاملین.
7_ السبب السابع: هو إقرار جمیع المخالفین بفشلهم:
من الممكن ان یكون من أسباب طول غیبته علیه السلام هو ان یمارس جمیع المخالفین تطبیق نظریاتهم التی یوا؟؟؟ بصحتها مع مخالفتها للمذهب الحق حتى یتیقنوا بفشلهم ویستسلموا للأمر الواقع حتى إذا ظهر الإمام الحجة لا یبقى احد على الارض یقول لو تنیت لی الوسادة قبل ظهوره لاصلحت الارض فعندها یكون الاقرار والاذاعات إلى ان إلى ان الاصلاح لم یكن إلاّ باتباع اوامر الله ورسوله وأهل بیته.
عن هشام بن سالم، عن أبی عبد الله علیه السلام انه قال: «ما یكون هذا الامر حتى لا یبقى صنف من الناس إلاّ وقد ولوا على الناس حتى لا یقول قائل: انا لو ولینا لبدلنا، ثم یقوم القائم بالحق والعدل».(33)
8_ السبب الثامن: ظلم الناس وجورهم:
ان ظلم الناس وجورهم أدى إلى ظلام انفسهم وبُعدهم عن الله ورسوله والائمة علیهم السلام وبُعْدِهِم عن الإمام الحجة علیه السلام وطالما انه لابد للامام من قاعدة شعبیة مؤمنة طاهرة مخلصة فلهذا لابد من تأخر ظهور الإمام حتى تكتمل هذه القاعدة ولا یون ذلك مع وجود الظلم وانتشاره ضمن المؤهلین لأن یكونوا هذه القاعدة.
الشبهة الثالثة: حول طول عمر الإمام المهدی وكیف لإنسان عادی من جسد بشری ان یطول عمره هذه السنین الطوال.
الجواب: ان هذه الشبهة شبهة قدیمة ومعروفة وجوابها بأمور:
الأول: ان العقل لا ینكر امكان طول عمر الإنسان لآلاف السنین لأنه مسأله طول عمر الإنسان لیس من المحالات العقلیة كمسألة اجتماع النقیضین.
الثانی: نحن نقرأ فی القرآن والاحادیث ان المسیح حی یم یمت فعمره اطول من عمر الإمام المهدی فلماذا نجوز ذلك مع المسیح ولا ننكره ونشنع على من یقول بطول عمر الإمام المهدی: ( وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)،(34) وكذلك نجد المسلمین كلهم یقرون بطول عمر الخضر ولم یعترضوا علیه وان نوحا علیه السلام طال عمره طولا لا یوافق قوانین الطبیعة فقد بقی فی مرحلة تبلیغ الدعوة مدة تسعمائة وخمسین سنة ( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِینَ عاماً).(35)
والنتیجة انه وقع فی التاریخ بشكل یقینی طول عمر لأشخاص هم بشر مثلنا لكن شاء الله ان یطیل أعمارهم لمدة طویلة.
الثالث: لابد لكل مسلم ان یقر بالاعجاز الالهی وان الله قادر على ان یخرق قوانین الطبیعة فیطیل عمر من یشاء الف أو آلاف السنین وان من ینكر امكان اطالة عمر الإنسان بقدرة وإعجاز الله فإنه ینكر ضرورة من ضروریات الدین وهی قدرة الله على كل شیء فلیراجع المستشكلون انفسهم ولیؤمنوا بالله ولیتقوه ولیوقروه ولیقدروه حق قدره.
الرابع أكدت الروایات انه یولد ویبقى حی حتى یظهر فی آخر الزمان وهی روایات كثیرة فراجع الكتب فی ذلك.(36)
الخامس: یوجد نوعین من الروایات یؤدی الجمع بینها إلى لزوم حیاة الإمام وبقاءه طول هذه المدة.
النوع الأول: الروایات التی تؤكد ولادته علیه السلام فراجع ما مر من هذا البحث.
النوع الثانی: التی تؤكد عدم خلو الارض من حجة وانها لو خلت لساخت بأهلها.
ففی روایة أبی حمزة عن أبی عبد الله علیه السلام: «لو بقیت الارض بغیر إمام لساخت»(37).
وفی روایة اخرى عن أبی هراسة: «لو ان الإمام رفع من الارض ساعة لهاجت بأهلها».(38)
وفی روایة یونس: «لو لم یكن فی الارض إلاّ إثنان لكان الإمام أحدهما».(39)
والجمع بشكل بسیط بین هذین النوعین من الروایات نستدل بشكل قطعی على وجوب بقاء الإمام الحجة حیاً حتى یظهر علیه السلام.
الشبهة الرابعة: ان انتظار المنقذ أحد ألوان الهروب من الواقع المؤلم. فإن الشیعة قد ابتدعت لها منقذا مصلحا سوف یظهر ویفوضها عن جمیع ؟؟؟؟.
الجواب: ان هذه الشبهة تمس بشكل مباشر مسألة الانتظار وكیف یكون ونحن نقول ان الانتظار لیس هروب من الواقع بل أكد جمیع علمائنا ان الانتظار لا یعنی إلاّ العمل والجد والاجتهاد والتحظیر لظهور الإمام وتأبین القاعدة الشعبیة وتیاراتها التی تكون مهنیة لاستقبال الإمام وان هذه القاعدة بقیاداتها مأمورة وملزمة بمواجهة الواقع ومحاولة تغییر كل ألوان الظلم والاضطهاد وخیر دلیل لنا ورد على هذه الشبهة هو ما نشاهده ونلمسه من جهاد لعلمائنا وأتباعهم فی مواجهة الظلم والاضطهاد فما أدى بهم إلى معاناة أقسى أنواع الظلم والجور وتعرضهم للقتل والتشرید والسجن.
الشبهة الخامسة: ما هی الفائدة من الغیبة أو بعبارة اخرى ما فائدة وجود قائد غائب لیس له أی دور؟
الجواب: ان غیبة الإمام لا تعنی عدم وجوده أو غیاب أثره ودوره فلا ملاازمة بین غیبة الإمام وأدائه بل قد یوجد انسان نائب ولكن دوره أعظم والحاضر.
إذاً فمنبع هذا الاشكال هو الجهل والخلط بین عدم وجود الإمام وبین وجوده ولن بغیبة شخصیة. إذ لا یعنی غیاب لشخص عدم وجوده بمعنى ان الإمام موجود حاضر فعال إلاّ اننا لا نراه وكم من موجود فعال ونحن عاجزون عن رؤیته.
عن جابر الجعفی عن جابر الانصاری انه سأل النبی صلى الله علیه وآله وسلم: هل ینتفع الشیعة بالقائم علیه السلام فی غیبته؟ فقال صلى الله علیه وآله وسلم: أی والذی بعثنی بالنبوة انهم لینتفعون به، ویستضیئون بنور ولایته فی غیبته كانتفاع الناس بالشمس وان جللها السحاب».(40)
وهناك فوائد للإمام بغیبته تشابه فوائد الشمس عندما یجللها السحاب یذكرها الشیخ علی الیزدی الحائری فی كتابه الزام الناصب نقلا عما اورده المجلسی فی كتاب البحار فراجع. امام المجلسی فقد أوصله إلى ثمانی فوائد واما النراقی فیقول: «ولقد فتح الله عنی بفضله ثمانیة أخرى تضیق العبارة عن ذكرها».(41)

الهوامش:
(1) التحفة السنیة _مخطوط ..ص : 334 السید عبد الله الجزائری.
(2) نفس المصدر.
(3) الاقتصاد، ص 226 للشیخ الطوسی.
(4) مجمع الفائدة، ج: 12، ص: 299 للمحقق الاردبیلی.
(5) رحلة ابن بطوطة _ لابن بطوطة.
(6) معجم البلدان _ یاقوت بن عبد الله الحمودی.
(7) الرسائل الفقهیة. ص: 203 _ الرصید البهبهانی.
(8) شرح أصول الكافی، ج 2، هامش ص 343 _المولى محمد صالح المازندرانی.
(9) الأنبیاء: 69.
(10) النمل: 16- 17.
(11) النمل: 40.
(12) العنكبوت: 14.
(13) آل عمران: 49.
(14) بحار الانوار، ج2، ص 90، كمال الدین وتمام النعمة للشیخ الصدوق ص: 484.
(15) وسائل الشیعة ج 27، ص 131، القضاء والشهادات للشیخ الانصاری ص 241 الاحتجاج، ج2، ص 263.
(16) الغیبة، ص 395 للشیخ الطوسی (رحمه الله).
(17) بحار الانوار، ج 2، ص 90. كمال الدین وتمام النعمة: ص 484، للشیخ الصدوق.
(18) وسائل الشیعة: ج 27، ص 131. القضاء والشهادات للشیخ الانصاری: ص 241. الاحتجاج: ج 2، ص 263.
(19) راجع: وسائل الشیعة والبحار والاحتجاج، وكتب الغیبات…الخ.
(20) الكامل فی التاریخ ج 7 . ص : 274، لابن الأثیر.
(21) وفیات الاعیان وأنباء أبناء الزمان، ج: 4، ص 176، لابن خلكان.
(22) كشف الحق أو الاربعون.. الحدیث الثانی _ ص 33.
(23) راجع المصدر السابق، وكمال الدین وتمام النعمة للشیخ الصدوق.
(24) كمال الدین وتمام النعمة، ص 424 _ 425 _للشیخ الصدوق رحمه الله.
(25) راجع :ترجمة الإمام المهدی فی أعیان الشیعة للسید محسن الدین العاملی قدس سره.
(26) نفس المصدر السابق: ص 135- 163.
(27) بحار الانوار: ج 52، ص 97.
(28) الغیبة، ص 336 للشیخ الطوسی.
(29) كمال الدین وتمام النعمة: ص 479. للشیخ الصدوق.
(30) نفس المصدر: ص 342.
(31) كمال الدین وتمام النعمة ص 385 الشیخ الصدوق.
(32) نفس المصدر: ص 481.
(33) كتاب الغیبة ص 282 _ لمحمد بن ابراهیم النعمانی.
(34) النساء: 157.
(35) العنكبوت: 14.
(36) راجع كمال الدین وتمام النعمة للشیخ الصدوق، وكتاب الغیبة للشیخ الطوسی وكتاب كشف الحق أو الاربعون لمحمد صادق الخاتون ابا (ی ل ق).
(37) مستند االشیعة ج: 6، ص 25 للمحقق النراقی.
(38) نفس المصدر.
(39) مستند الشیعة ج 6، ص 25 للمحقق النراقی.
(40) إلزام الناصب فی اثبات الحجة الغائب ج1، ص 378 للشیخ علی الیزدی الحائری.
(41) نفس المصدر السابق ص 379.
احمد عزیز الخزعلی

شاهد أيضاً

تقرير: ثلثا مسلمي أمريكا تعرضوا لحوادث إسلاموفوبيا

أفاد تقرير حديث بأن ثلثي المسلمين في أمريكا تعرضوا لحوادث إسلاموفوبيا، أي الكراهية المرتبطة بالخوف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *