التمهيد المهدوي:الدّولـة الحماديّة تتحدى التخندق الطائفي وتستمر على الولاء

انّ انتشار مذهب أهل البيت حالة حتمية سيؤول إليها أمر البشرية لا محالة، وان مسألة تحقيقها امر بات قريبا؛ لاسباب كثيرة، من ابرزها الفكر الضخم والاطروحة المفعمة بعلاج المشاكل البشرية المزمنة، فالدين المحمدي يمثل حالة التواصل الحيوي مع مبادئ السماء وإلى يومنا هذا من خلال ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن عليه السلام.ونحــــــن في ((صدى المهدي)) سنفرد لهـــــذه الظاهرة الحتمية صفحة خاصة نتناول خلال اعمدتها انتشار التشيع فكراً وعقيدة في أغلب بلدان العالم والذي يسهم ان شاء الله في تهيئة الأرضية المناسبة والجو الملائم للظهور المبارك لصاحــــــــب العصر والزمان  عليه السلام.

تنطلق الرؤية لدراسة بعض الأفكار وتقييم بعض الجماعات من خلال الحالات التي يمرون بها، وتعتبر الحالة المثلى لقراءة أفكار جماعة معيّنة هي ان تكون لهم دولة تديرُ شؤونهم وتصدرُ أفكارها وما تعتقده من خلال النظام الذي تجعله دستوراً لإدارة هذه المجموعة، وعلى هذا الأساس تعتبر من ابرز آليات قراءة الأفكار والمعتقدات هو النظر إلى المجموعة المراد قراءة أفكارها من خلال الدولة التي عاشوا في كنفها _إذا كانت لهم دولة بهذا المعنى_ وقد تشكلت للجماعة الشيعية العديد من الدول، تمكّن القارئ والباحث من دراسة ذات بعد ميداني ومشفوعة بمعطيات عمليّة، من خلال الممارسات التي قام بها أصحاب الدول، ومن بين هذه الدول التي يمكن استكشاف الواقع الفكري والديني والاجتماعي من خلالها دولة (الحماديّين) التي تأسست في بلاد الشام ولبنان.
فإنّ هذه الدولة ذات الولاء الشيعي الصرف والمنهج العقائدي الإمامي والتي واجهت أعتا إمبراطورية إقصائية في زمانها وهي دولة آل عثمان، التي كانت تقاتل خصومها على أساس عقدي، وتتصالح مع أعدائها على أساس مصلحي، ففي عين الوقت الذي تتصالح فيه هذه الإمبراطورية مع أعداء الدين لضمان مصلحة الديمومية والبقاء لها، فهي تقاتل أبناء الدين ذوي الخلاف المذهبي من أجل إشغال الناس وعدم تكشّف الصورة الحقيقية لديهم من زيف ما يدّعيه أمراء هذه الإمبراطورية الذين يقتاتون على العقيدة بقاءً في السلطة، وهم يمارسون أقبح أنواع الرذائل في القصور الإمبراطورية.
فكانت العداءات المتتالية المتلاحقة لدويلات قامت من اجل رفع الظلم والاضطهاد الطائفي وإنعاش المجتمع الإسلامي المهزوم فكرياً وعقائدياً من قبل هذه الإمبراطورية لتلك الدويلات.
واليوم نريد أنْ نقرأ واحدة من تلك الدويلات التي أنشأها شيعة مضطهدون مورست في حقهم أبشع ألوان الإقصاء والتهميش والإبعاد والظلم والتجبّر، ولكنّ الحق يأبى إلاّ أنْ يسطّره التأريخ.
أصل الحمادييّن:
يعود أصل هذه الأسرة العربية العريقة إلى عشائر بني مذحج. فهم عرب أقحاح جدهم هاني بن عروة، وهم ينتسبون إلى حمادة، المسمّى بـ (العجمي).
وآل حمادة مثلهم مثل الكثير من القبائل العربية انتقلوا بين البلدان، فبعد أنْ كانوا في اليمن، انتقلوا إلى بلاد الحجاز، ثم إلى بلاد فارس، إلى أنْ استقر بهم المطاف في جبل لبنان، وذلك بعد أنْ خرج جدهم على شاه العجم، فسيّر إليه الشاه جيشاً قتل أصحابه، فهجروا إيران بعشائرهم البالغة ثلاثين أسرة إلى البلاد الشاميّة.
دخول الحماديين بلاد الشام وانتشارهم فيها:
يرجع أول ذكر للحماديّين (لبنان وبلاد الشام) إلى سنة 1470 ميلادية أي أن قوّة طوائف الحمادية تشكلت في القرن التاسع أو العاشر الهجري.
وهم بعد أنْ دخلوا أقاموا في بعض جهات حلب مدة ثلاثة أشهر، ومن ثم رحل حمادة بعشيرته وأخيه أحمد إلى جبل لبنان، ونزل الحصين، ثم قهمز ومن هناك تفرّقت عشيرته في جبة المنيطرة ووادي علمات، وسار أولاد أخيه إلى بعلبك وتولّوا قرية الهرمل، ويبدو أنّهم دخلوا جبل لبنان في اواخر القرن الخامس عشر، وقد حكم هؤلاء الجبل، ولاسيما المناطق الشمالية، وامتد حكمهم الى بر الشام حتى حدود مدينة حماة السورية.
ومنذ النصف الاول من القرن السابع عشر بدأت سطوة الحماديين تمتد نحو طرابلس، وراحوا يفرضون نفوذهم بالقوة في مواجهة الولاة الاتراك وينتزعون مواطن سلطتهم، ويستقلون بها، حتى أطلق على الشيعة في لبنان أسم الحماديين.
وفي العام 1771 انتقل الحماديون الى الهرمل معقلهم الاخير حيث حكموا هذه المنطقة وتولوا المناصب الكبيرة فيها واعطوا ألقاب الباشوية من السلطان العثماني، وما بعد ذلك استمرت هذه العائلة بلعب أدوار وطنية قيادية في محطات مصيرية مهمة في تاريخ لبنان، منها أنّ آل حمادة شاركوا في الثورة العربية التي أعلنها الشريف حسين، وكان يستبدل كل فرد من آل حمادة بأسيرين من الاتراك، واعطي الشيخ محمد سعيد حمادة لقب الباشوية من الأمير فيصل برتبة أمير لواء فخرية لزعيم بعلبك.
من أبرز أمراء الحمادية:
كان من أبرز أمراء هذه الدولة:
– الشيخ محمد سعيد حمادة:
وهو الذي منحه الأمير فيصل بن الحسين قائد الثورة العربية لقب الباشوية برتبة أمير لواء فخرية لزعيم بعلبك.
– الشيخ سعد الله بك حمادة:
وقد تولى الحكم بعد وفاة أبيه الشيخ محمد سعيد حمادة، وهو لا يقل عنه شأناً من الرجولة والنخوة والكرامة، وكان زعيماً لعشيرته والعشائر الحمادية جمعاء.
وقد حاز الشيخ سعد على عدّة مراكز ذي أهمية عالية، فقد كان قائم مقام الهرمل، في وقت أنّ الدستور اللبناني يمنع أنْ يكون القائم مقام من نفس المدينة، بل وكان الشيخ سعد إضافة إلى ذلك رئيس البلدية هناك.
استحكام قوة الحمادييّن في منطقة نفوذهم رغم سياسة البطش العنصرية الطائفية العثمانية:
إنّ مما يؤسف له أنّه لا يوجد من عصر الحماديين ايّة اثار فكريّة أو ثقافية أو حتّى تاريخية ملحوظة نستطيع تسليط الضوء عليها.
لكن ما هو المسلم به هو استحكام قوة الشيعة في هذه المناطق التي ذهبت عبر ضغوط العثمانيين والفرنسيين، فأعطيت قوتهم للآخرين.
مسلسل الحقد العثماني الطائفي:
إنّ العيش في التناقض أمر ينفر منه العقلاء فضلاً عن المتدينين، ولكنّ الغريب أنْ تجد من يتشدق بالدين ويدّعي حمايته، وهو يتلبس بالتناقض من أخمص قدمه إلى أعلى قرنه، فالشيعة المتهمون بالتآمر الخارجي من زمان الحاكم العباسي وهولاكو إلى من يسمى بصلاح الدين الأيوبي وفتح القدس، مروراً بأيام التأريخ الأخرى، إلى يومك هذا تجدهم أبعد ما يكونون عن ذلك التآمر، وتجد أقرب ما يكون من الاستقرار في أحضان الغرب وأدعياء الكفر هم أولئك المتشدقون من زمانك الأول وإلى يومك هذا، فهاهم آل عثمان، فروخ الحيات، أذلاء النفوس، معوجّو العقيدة، فاسدو الأصل، منهجهم المراوغة وطريقتهم الإلتواء، شيمتهم الخبث، ونخوتهم سفك الدماء، ولا نتحدث هنا عبثاً، فهذا هو معنى العثمان في اللغة، ومن العجب أنْ تصدق اللغة وتطبّق معناها على الواقع، فمن يدّعي حماية الدين ويرتمي في أحضان الفرنسيين لا لأجل شيء بل لإنهاء حكم الشيعة في لبنان.
رغم أنّ الشيعة العرب الأصلاء الذين شاركوا في الثورة العربية، رغم ظلم من ظلمهم من قادتها أعلنوا ولاءهم للدين وإنّ كان ما بقي منه شعاراته فقط، فرغم ذلك كله ورغم كونهم الواجهة الأولى في حفظ القضية والدفاع عنها وإبقاء الاصالة وديموميتها، إلاّ أنّه وفي كل منعطف من شأنه تغيير مسار الأحداث تجد الاحتضان والتحاضن بين أعداء الدّين والعثيمينيين ضد الشيعة، وكأنّ القدر يأبى إلاّ أنّ يكون معنى هذا الاسم لهذا الواقع الأعوج الملتوي الخبيث الغدّار، ليس لشيء إلاّ لأن واقعه ذليل، فيأبى إلاّ أنْ يتسلق على أكتاف الشجاعة وهو ليس بأهل لها، فها هم أبناء الدولة الحماديّة وما جرى عليهم على أيدي فروخ الحيات وولاتهم وأتباعهم من تشريد وإقصاء وقتل واستباحة وتكفير وغيرها، وهذه بعض أمثلة على ذلك:
– ففي سنة 1641 غضب والي طرابلس على المشايخ الحمادية، ففروا إلى وادي علمات وبلاد جبيل، وقتل منهم محمد ياغي بن قمر الدين وصعب بن حيدر وجماعته.
– وفي سنة 1656، وصلت نقمة الاستانة على الحماديين الى ذروتها، حيث أمر السلطان العثماني بعزلهم.
– وفي سنة 1659 كلّف السلطان العثماني والي طرابلس بالاقتصاص من الحماديين.
– وفي سنة 1692 تولى علي باشا اللقيس، ففرق الحمادية في مقاطعاتهم، وكتب إلى الأمير أنْ ينجده بالرجال لقتال الحمادية.. فهرب الحمادية إلى طريق العاقورة، فمات منهم مئة وخمسون نفساً.
– وفي سنة 1698 أرسل أرسلان باشا عسكراً لقتال الحمادية.. فقبض العسكر على بعضهم بغتة وسجنوا في طرابلس، وفرّ من بقي إلى دير القمر.
– وفي سنة 1767 أخذ الأمير يوسف الشهابي بلاد جبيل من الحماديين وطردهم منها.
– وفي سنة 1770 قبض الأمير يوسف الشهابي على بعض الحمادية.
– وفي سنة 1914 كان قرار الوالي العثماني بنفي آل حمادة إلى بر الأناضول والاستيلاء على أملاكهم وبيوتهم.
وقد صدر الديوان العرفي باعدام نجيب بيك حمادة.
رسالة الهدم المذهبي والتحويل القسري:
ليس من الغريب أن تسمع اليوم كلمات تحكي لك عن واقع يعيشه من تعيش معه، ويضمر في نفسه حقداً لا يمكن تغطيته بأي ستار، فإن رائحته الكريهة تخترق الجدر، فضلاً عن غيرها فالذي يقول إننا ندرّس مناهجنا ونرغم أنوف الشيعة على دراستها ولسنين طويلة ولا يتحولون بينما نخاف من الشيعة على ابنائنا حينما يتحدثون ألاّ يتحولوا، إنها لكلمة كبيرة نسترعي الوقوف عندها وقد فصلنا في تمهيدات تقدمت أنّ هناك تحولات كبيرة قد حصلت وعشائر بأكملها قد تشيعت، إلاّ أننا لا نغفل أنّ القسر والهتك والانتهاك كانا عوامل وراء تحوّل بعض الشيعة وبسبب تراكم الزمان أيضاً إلى مذاهب أخرى، لكنهم بقوا على اعتدالهم وحبّهم وولائهم رغم تشظي بعض عقائدهم، ففي القرن السادس عشر وفي كسروان وهرمل وجبل لبنان والتي كانت تحت سلطة الحماديّين قام امراء فروخ الحيات بإيجاد عوامل تغيير الهوية الدينية من خلال التهجير العرقي المراد منه التهديم المذهبي، حيث قاموا بسياسة حماية البابا وفتح نفوذه في القرى الشيعية وبالضغط مالياً واقتصادياً وعسكرياً على الأخرى لتحويلها عن شيعيتها، ولكن الواقع يأبى أن يسجّل اليوم في لبنان إلاّ النسبة الأعلى للتشيع حيث يبلغ أكثر من ثمانية وثلاثين بالمئة من نسبة ما موجود في لبنان من أبناء عامّة ودروز ومسيحيين ويهود وغيرهم، وبهذا تسجّل لبنان بل وغيرها من بلاد التشيّع صدمة في واقع التأريخ حينما تقاوم الضغط المذهبي وتنتصر عليه باجتياحها الواقعي التآمر العثماني لإنهاء الوجود الغربي الشيعي (آل حمادة) في لبنان:
إنّ سلطة الحماديين كانت تشمل منطقة وسيعة، فهي تشمل منطقة من نواحي (كسروان الجنوبي) إلى (عكار الشمالي) أي ما يقارب أكثر من نصف لبنان الحالية.
وبهذا يجب اعتبار الدولة الحمادية من أكبر الدول المحلية في هذه المنطقة في عصر العثمانيين.
لذا فقد استخدمت دولة بني عثمان جميع سعيها لتحديد وتطويق قوة الحماديين وإبعادهم عن مراكز المدن خصوصاً طرابلس التي كان حاكمها عثمانياً.
وهكذا فقد تم طردهم من جبل لبنان تحقق في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، وكان من اسبابه المهمّة توجّه الكنيسة الكاثوليكية بهذه المنطقة ومن القرن السادس عشر لتقوية (المارونيين) وهي نفس السياسة التي اتبعها الفرنسيين فيما بعد، وحملوا مسؤولية ذلك، فقد اعطت الدولة العثمانية الامتيازات الكبيرة (للبابا) وعملت بشكل منسّق وتدريجي إلى تحويل المنطقة إلى مسيحية.
وهكذا كان الأمر بفعالية الغرب وتعاون العثمانيين وإنه بوجود دولة آل عثمان، وبسبب إباحتها نشر الفتاوى الطائفية كفتاوى إمام النواصب (ابن تيمية) فقد شنّت هجمات ثقيلة على سكان كسروان (مثلاً) وذلك لاستئصالهم وقمعهم ومما زاد في حقد العثمانيين على شيعة وعرب لبنان بالإضافة عنصرية وطائفية هذه الدولة وعدائها لدولة الصفويين في إيران.
إنّ هذه الضغوط العثمانية وغيرها تسببت بذهاب الشيعة نحو المناطق الجبلية.. وقد أدّى ذلك إلى رسوخ المارونيين في المنطقة وبحماية (البابا) والسلطان العثماني.
الأفعى العثمانية تظهر رأسها من جديد:
لم يكن يمضي على سياسة العثمانيين الحاقدة قرن من الزمان حتى اشرأبت أفعى عنصريتهم وطائفيتهم، بل دبت هذه الأفعى المندسّة في حدود بلاد الإسلام على بثّ سمومها ضد العرب والمسلمين. وليس ادلّ على ذلك من دخول خليفة تلك الدولة _تركيا، أردوغان_ رأس مثلث الشر، تقوده حكومة هذا الحاقد، متآمراً ضد أهل سوريا ولبنان، ومساعدتها في نشر القتل والدمار.. وفي سوريا خاصة.. بل تسهيلها دخول عناصر أنصار آل أبي سفيان المتصهينين، مدعومين ومتسلحين من قبل دولة بني صهيون اللقيطة _إسرائيل_.
إنها لاشك محاولات بائسة يائسة من أجل استعادة خارطة الدولة العثمانية التي عرفت بتخلفها بل بغيابها.
إن ميزان الحق لا يميل.. وإنّها ولاشك نهاية محاولات الباطل، والتي إنْ شاء الله ستزول.. وبهذا نطق الوعد الإلهي.. والله لا يخلف الوعد.. وإنها والله لدولة الوارثين قادمة.. وإنّ الله سميع الدعاء.
التقييم:
0 / 0.0

شاهد أيضاً

جماعة ابن كاطع وشعاراتهم المزعومة/ الحلقة الأولى

الشيخ أبو خالد الجابري السماويمن شعاراتهم (النجمة السداسية)، و(البيعة لله)، و(الرجوع للقرآن الكريم)، أي حسبنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.