أوروبا.. من العداء للیهود إلى العداء للمسلمین؟

كانت أحزاب الیمین المتطرف فى أوروبا تتماهى مع النازیة. وكانت ترفع الشعارات المعادیة للیهود. كما كانت تلقى علیهم تبعات المشكلات الاقتصادیة والأزمات السیاسیة، التى تحل بدولهم. الآن انقلبت الصورة رأسا على عقب. فقد أصبحت هذه الأحزاب تتماهى بكراهیة الإسلام، وأصبحت ترفع الشعارات المعادیة للمسلمین. كما أنها بدأت تلقى علیهم تبعات المشاكل الاجتماعیة والاضطرابات الأمنیة التى تحل بدولهم.

هل تحوّل العداء الأوروبى التاریخى للیهود إلى عداء حدیث للمسلمین؟ وهل أخذ شعار الإسلام الفاشى مكان شعار اللاسامیة؟.

كانت أحزاب الیمین المتطرف فى أوروبا تتماهى مع النازیة. وكانت ترفع الشعارات المعادیة للیهود. كما كانت تلقى علیهم تبعات المشكلات الاقتصادیة والأزمات السیاسیة، التى تحل بدولهم. الآن انقلبت الصورة رأسا على عقب. فقد أصبحت هذه الأحزاب تتماهى بكراهیة الإسلام، وأصبحت ترفع الشعارات المعادیة للمسلمین. كما أنها بدأت تلقى علیهم تبعات المشاكل الاجتماعیة والاضطرابات الأمنیة التى تحل بدولهم.

فالنمسا مثلا، هى أول دولة أوروبیة اعترفت بالإسلام دینا رسمیا. كان ذلك فى عام 1912 (عندما انضمت البوسنة إلى الامبراطوریة النمساویة ــ الهنجاریة). إلا أن فى النمسا الیوم حزب یمینى متطرف یتزعمه هانز كریستیان ستراش یرفع فى وجه المسلمین النمساویین، الذین یتحدر معظمهم من أصول تركیة، شعار «دم فیینا النقى». ویشیر هذا الشعار إلى استعصاء فیینا على الاجتیاح التركى ــ العثمانى، ویشیر بالتالى إلى أن دم هؤلاء المواطنین المسلمین هو دم غیر نقى.. نمساویا، وكان هذا الحزب السیاسى منذ نشأته الأولى على ید مؤسسه الراحل جورغ هایدر یتماهى إلى حد التماثل مع النازیة، سواء من حیث فلسفة العقیدة ــ المستمرة حتى الیوم ــ أو من حیث التنظیم شبه العسكرى، أما التحول الاساسى الوحید الذى طرأ علیه فهو انه بدلا من التصویب على یهود النمسا، الذین هجر معظمهم، أصبح الآن یسترضیهم ویتودد إلیهم، ویصوب سهام الكراهیة إلى صدور المسلمین.

طبعا لا یمثل هذا الحزب لا سیاسة الحكومة ولا الرأى العام النمساوى. ولكنه یمثل حفنة من المتطرفین القومیین، الذین یزداد عددهم یوما بعد یوم من خلال انتشار ظاهرة الإسلاموفوبیا.

وما یجرى فى النمسا یجرى على نطاق واسع فى بلجیكا أیضا، حیث یتولى فیلیب توینتر رئاسة حزب یمینى من الفلامنج، الذین یشكلون تقریبا نصف السكان. وكان هذا الحزب یجاهر بعدائه للیهود ویتماهى مع النازیة، إلا أنه الیوم یجاهر بعدائه للمسلمین ویتودد إلى الیهود من خلال الدفاع عن السیاسات الإسرائیلیة. فالحزب یعتبر إسرائیل القوة الأساس، التى تقف فى الخط الأمامى فى مواجهة ما یسمیه «الإرهاب الإسلامى»، الأمر الذى یستوجب حسب تصریحاته المتكررة وجوب دعمها ومساعدتها.. بل واتخاذها نموذجا ومثالا. أى أنه بدلا من معاقبة اسرائیل على انتهاك حقوق الإنسان الفلسطینى وتدمیر البیوت واحتلال الأرض وبناء المستوطنات، فإن الحزب، ومع أحزاب الیمین الأخرى فى أوروبا، یتبنى الدفاع عن هذه السیاسة باعتبارها دفاعا عن القلعة الأولى التى تتصدى لما یسمیه الإرهاب الإسلامى.

وعندما قام رئیس الحزب الیمینى الهولندى المتطرف وایلدر بزیارة اسرائیل، حرص على زیارة موقعین رمزیین: حائط المبكى، ونصب ضحایا الهولوكوست. علما بأنه كان كغیره من زعماء الأحزاب الیمینیة من الذین یتماهون بالنازیة ویقلدونها فى كراهیة اللاسامیة وفى استعداء الیهود. أما الآن فإن العدو الجدید له هو المسلمون فى هولندا وفى أوروبا. فهو یعتبرهم الخطر الجدید الذى حلّ محلّ الشیوعیة فى تهدید الأسس الأخلاقیة، التى تقوم علیها المجتمعات الأوروبیة. وعندما أنتج الفیلم السینمائى التشویهى لسیرة النبى محمد علیه السلام ازدادت شعبیته وانتخب لأول مرة عضوا فى البرلمان الهولندى.

وهناك عدد متنام من الأحزاب والحركات الیمینیة المتطرفة الأخرى فى سویسرا وإیطالیا وألمانیا، وكذلك فى الدول الإسكندنافیة. أما فى فرنسا فإن الحزب الیمینى ــ الجبهة الوطنیة ــ الذى كان یتزعمه المرشح للرئاسة الأولى جان مارى لوبان، فقد تضاعفت شعبیته بعد أن دلت الدراسات الحصائیة أن 42 بالمائة من الفرنسیین یعتبرون الإسلام خطرا على الهویة الوطنیة الفرنسیة (؟). لقد ارتفع عدد المسلمین الفرنسیین إلى 8 بالمائة، أى ما یتراوح بین 5 و7 ملایین مسلم. وهو أكبر تجمع للمسلمین فى أى دولة أوروبیة.

كذلك دلت هذه الدراسات على ان ثلثى الفرنسیین (وكذلك ثلثا الألمان) یعتبرون أن محاولة تذویب المسلمین فى المجتمع الفرنسى (أو الألمانى) هى عملیة فاشلة، وقد تخلى لوبان عن زعامة الحزب لابنته مارین، التى أعلنت أنها سوف تترشح لرئاسة الجمهوریة الفرنسیة فى الدورة المقبلة على قاعدة هذه العقیدة.

أما فى بریطانیا، فقد ارتفع عدد المسلمین فیها خلال العقد الماضى من 1.6 ملیون فى عام 2001 إلى 2.9 ملیون الآن. وهذا یعنى ان المسلمین أصبحوا یشكلون 4.6 بالمائة من مجموع الشعب البریطانى استناذا إلى دراسة أجرتها مؤسسة أمریكیة مختصة. ویعكس هذا التحول أن اسم «محمد» أصبح أكثر الأسماء التى تطلق على الموالید الجدد فى بریطانیا، متقدما بذلك على الأسماء البریطانیة المتداولة على نطاق واسع مثل جون وأولیفر.

أن تضخم حجم الوجود الإسلامى فى العدید من الدول الأوروبیة (الأتراك فى ألمانیا والباكستانیون فى بریطانیا، والمغاربة (المغرب ــ الجوائر ــ تونس) فى فرنسا والبوسنیون فى النمسا وسویسرا إلخ)، والتزام المسلمین بممارسة شعائرهم الدینیة خاصة صلاة الجماعة یوم الجمعة وصوم رمضان، والامتناع عن المحرمات مثل المشروبات الروحیة والقمار، إلخ.. أن كل ذلك یصورهم وكأنهم مجتمع خاص غیر قابل للتذویب فى المجتمع العام. ولدى وقوع أى عمل إرهابى یقوم به مسلم متطرف، أیا كانت الجهة المحرضة، فإن تهمة الإرهاب توجَه إلى كل هذا المجتمع وبالتالى إلى الإسلام. ومن شأن ذلك أن یغذى الأحزاب الیمینیة ویمدها بالمادة التى تحتاج الیها لتبریر كراهیتها للإسلام وللمسلمین.

وهكذا فإن استبدال اللاسامیة بالإسلاموفوبیا ادى إلى اعتبار إسرائیل النموذج الذى یجب أن تحتذى به هذه الأحزاب الیمینیة للتصدى لما تعتبره إرهابا إسلامیا.

والآلیة التى تعتمدها إسرائیل مع الفلسطینیین تتوافق مع عقلیة هذه الأحزاب المتطرفة من حیث:

ـــــ الاستخدام المفرط للقوة

ـــــ انعاش المشاعر الوطنیة ــ المسلحة

ــ التنكیل إلى أقصى حد بالقوى المعادیة (الفلسطینیون فى إسرائیل والمسلمون فى أوروبا).

فى الأسبوع الماضى انشغلت الدوائر السیاسیة الإعلامیة فى بریطانیا بشكوى رفعتها أول وزیرة مسلمة فى حكومة بریطانیة هى سعیدة دارسى (من أصل باكستانى). وتناولت الشكوى مظاهر التمییز الدینى ضد المسلمین فى بریطانیا. والأساس الذى قامت علیه الشكوى هو الادانة الجماعیة للمسلمین بالتطرف والغلو والسلوك السیئ.. أما من یتصرف منهم بعكس ذلك فإنه یعتبر استثناء للقاعدة. ومن خلال النقاش، الذى جرى حول هذه القضیة ارتفع صوت حركة یمینیة جدیدة متطرفة تنفى حتى وجود أى استثناء! وتنعكس هذه المشاعر فى معارضة بناء المساجد خلافا لما كان یجرى فى السابق.

من هنا كان التساؤل: هل تحول العداء للیهود إلى عداء للمسلمین؟

محمدالسماک

شاهد أيضاً

المسلمون السود في الولايات المتحدة: حين يتحالف الرهاب والعنصرية

إن كنت شابة، محجبة، وسوداء في الولايات المتحدة، كيف تتصرفين إن صادفك شرطي؟ سؤال يلحّ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *