والسؤال هو: لماذا لا یغادر الیهود فلسطین، ویعودون إلى بلادهم فى ألمانیا وبولندا والولایات المتحدة؟ قبل أكثر من تسعین عاما ولدت هیلین فى مدینة ونشستر بولایة كنتاكى الأمریكیة من والدین من أصل عربى لبنانى. هاجرا من مدینة طرابلس فى شمال لبنان. وهما ینتمیان إلى الطائفة المسیحیة الأرثوذكسیة. واسم العائلة الحقیقى هو انطونیوس. وجرى تعریب الاسم لیصبح توماس!
بعد مرور 68 عاما على عملها فى الصحافة، منها 50 عاما مراسلة فى البیت الأبیض، أنهت هیلین توماس حیاتها المهنیة بسؤال یمكن أن یطرحه أى صحفى مبتدئ.
والسؤال هو: لماذا لا یغادر الیهود فلسطین، ویعودون إلى بلادهم فى ألمانیا وبولندا والولایات المتحدة؟ قبل أكثر من تسعین عاما ولدت هیلین فى مدینة ونشستر بولایة كنتاكى الأمریكیة من والدین من أصل عربى لبنانى. هاجرا من مدینة طرابلس فى شمال لبنان. وهما ینتمیان إلى الطائفة المسیحیة الأرثوذكسیة. واسم العائلة الحقیقى هو انطونیوس. وجرى تعریب الاسم لیصبح توماس!
●●●
وقد احتلت هیلین موقعا متقدما بین المراسلین الصحفیین فى البیت الأبیض منذ تخرجها فى الجامعة، وتقربت من جمیع الرؤساء الأمریكیین الذین تعاقبوا على السلطة، من عام 1960 (جون كندى) حتى الرئیس الحالى باراك أوباما. ولم یقم أى رئیس أمریكى بزیارة لدولة أجنبیة إلا وكانت هیلین توماس فى مقدمة الوفد الإعلامى المرافق له.
●●●
فى مایو من العام الماضى وخلال حضورها احتفالا للطائفة الیهودیة فى الولایات المتحدة، أجرى معها أحد الحاخامات من الإعلامیین مقابلة مسجلة. فسألها عن رأیها فى الوضع فى إسرائیل.
فى ذلك الوقت كانت هناك انتقادات للسیاسة الیهودیة حتى بین الیهود الأمریكیین أنفسهم. حتى إنه قامت جمعیة جدیدة تعرف باسم (ج ــ ستریت) نسبة إلى الشارع الذى اتخذت فیه بناء لیكون مقرا لها. وقد تبنت هذه الجمعیة الیهودیة الجدیدة معارضة السیاسة الإسرائیلیة ومعارضة الدور الذى تقوم به مؤسسة إیباك الیهودیة (أم الجمعیات الیهودیة الأمریكیة وصاحبة النفوذ القوى داخل الكونجرس وخارجه) والتى تعتبر أن كل ما تقوم به إسرائیل خیر.. وبأنه یلزم جمیع یهود العالم من دون نقاش. وقد أجابت هیلین توماس عن السؤال الذى وجهه الحاخام إلیها قائلة: على الإسرائیلیین أن یدركوا أن علیهم مغادرة الأراضى الفلسطینیة والعودة إلى بیوتهم فى ألمانیا وبولونیا والولایات المتحدة.. وأى دولة أخرى هاجروا منها».
وما إن نشر الحاخام نص المقابلة حتى انقلبت الدنیا الأمریكیة رأسا على عقب. فتحولت هیلین توماس من أیقونة الإعلام الأمریكى والتى تقدم الجوائز الجامعیة باسمها إلى شر مطلق.
لم تفاجأ هیلین برد الفعل. فهى الخبیرة بواقع وبحجم النفوذ الصهیونى فى الولایات المتحدة. كانت تدرك أن تصریحها سوف یثیر علیها الغضب ویفجر براكین الكراهیة فى وجهها. ولكن وقد بلغت التسعین من عمرها فقد آن لها أن تقول الحقیقة.
●●●
لم تكن هیلین أول من تجرأ على أن یقول الحقیقة. فقد سبقها إلى ذلك أعضاء فى الكونجرس، إلا أنهم دفعوا الثمن عدم انتخابهم مرة جدیدة. وسبقها إلیها كذلك أساتذة جامعیون، إلا أنهم طردوا من الجامعات التى یعملون فیها.
وسبقها إلیها دبلوماسیون متقاعدون، إلا أنهم حرموا من العمل فى مراكز الأبحاث والدراسات. وهكذا أیضا كان مصیر هیلین توماس. فقد طردت من البیت الأبیض وألغت نقابة الصحافة الأمریكیة الجائزة السنویة التى كانت تقدمها باسمها. كما ألغت جامعة واین التى تخرجت فیها توماس، الجائزة السنویة التى تحمل اسمها، والتى تقدم إلى المتفوقین فى كلیات الإعلام.
وهكذا اضطرت هذه الصحفیة إلى الانزواء فى بیتها عقابا لها على تجرؤها على قول الحقیقة ولو بصیغة سؤال!!
●●●
غیر أن العقاب الذى فرض علیها لم یحجب عنها الأضواء. ففى مقابلة أجرتها معها احدى محطات التلفزة، سئلت السیدة توماس: بماذا تودین أن تذكرى وقد تجاوزت الآن التسعین من العمر؟ فأجابت: أود أن أذكر بأننى كنت دائما أسأل: لماذا؟
ولعل آخر أهم «لماذا» طرحتها السیدة توماس وبكل جرأة وواقعیة هى: إذا كان من حق الیهود أن یحتفلوا بإحیاء ذكرى المحرقة النازیة التى تعرضوا لها على ید هتلر وأتباعه، فلماذا ینكلون بالفلسطینیین ویسومونهم سوء العذاب؟.
●●●
وإذا كان الیهود یحرصون على الاحتفال بذكرى المحرقة ــ الهولوكوست ــ ومن حقهم ذلك، فلماذا یفرضون على الولایات المتحدة الاحتفال بها كل سنة، علما بأن الولایات المتحدة لم تكن طرفا فى المحرقة بل شنت الحرب على بطل المحرقة ــ هتلر ــ وقضت علیه وعلى نظامه؟ وإذا كان الیهود یحرصون على إقامة المتاحف لتخلید جرائم النازیة، وهو أمر مفهوم حتى فى كل مدینة ألمانیة، ولكن لماذا یفرض على الولایات المتحدة أن تشارك فى دفع ثمن ما لیست مسئولة عنه وما هو لیس جزءا من تاریخها ولا یعكس ثقافتها؟
لم یحاول أحد من الإعلامیین أو حتى من أركان منظمة إیباك الإجابة عن أى سؤال من هذه الأسئلة الثلاثة التى طرحتها هیلین توماس بعد صرفها من العمل وبعد منعها من دخول البیت الأبیض. ولعل ذلك شجعها على تجاوز علامات الاستفهام إلى طرح الوقائع التى عایشتها طوال أكثر من نصف قرن داخل الكونجرس والبیت الأبیض معا. وقد أوردت هذه الحقائق فى المقابلات العدیدة التى أجریت معها داخل الولایات المتحدة وخارجها. وأهم هذه الحقائق التى ركزت علیها هى:
إن الیهود یسیطرون بشكل تام على البیت الأبیض وعلى الكونجرس وهؤلاء أعضاء فى اللوبى الیهودى المؤید لإسرائیل والموالى لها، وخصوصا فى منظمة إیباك.
إن الیهود یسیطرون على الأسواق المالیة. صحیح أن نسبة الیهود لا تتجاوز 2 بالمائة، لكن سیطرتهم المالیة تتجاوز 80 بالمائة.
إن الیهود یحولون لإسرائیل سنویا ملیارات الدولارات من التبرعات المعفاة من الضریبة. ومصدر هذه الأموال لیس الیهود وحدهم بل كل أولئك الذین یسعون إلى كسب دعمهم وتأییدهم.
تعترف هیلین توماس بأن كل ما تقوله الآن یعرفه كل المسئولون الأمریكیون.
ولكنهم لا یجرءون على التساؤل: لماذا؟. ومن هذه التساؤلات مثلا: لماذا لا تعلن الولایات المتحدة ان إسرائیل تملك ترسانة نوویة؟
ولعل آخر «لماذا» تجرأت توماس على طرحها هى: لماذا غزت الولایات المتحدة العراق؟ وتقول: ألیس من حق العالم أن یعرف الحقیقة وهى ان إسرائیل دولة نوویة؟. أو لیس من حق الأمریكیین أن یعرفوا الحقیقة لماذا غزونا العراق؟
●●●
تنفى توماس هیلین أن یكون لأصلها العربى ــ اللبنانى، والمسیحى المشرقى، علاقة بقناعاتها التى تعبر عنها الیوم بوضوح وجرأة. وتقول إن ذلك یعكس ثقافتها الأمریكیة وولاءها لمجتمعها الأمریكى أولا وأخیرا. ولكنها تأخذ على الآخرین افتقارهم إلى الجرأة لقول الحقیقة التى یعرفونها جیدا. أما هى فإنها الیوم فى الحادى والتسعین من العمر لم یعد لدیها ما تخشى منه أو علیه، ولذلك فقد قررت أن تقول الحقیقة.. كل الحقیقة!!.
محمد المساک