الإمام المهدی علیه السلام فی القرآن

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على نبینا محمد وآله الغر المیامین. وأخص بالذكر ولی العصر القائم المؤمل المرتجى لقطع دابر الكفرة، المؤید بطول المدة، إلى انقضاء دولة الباطل وامتلاء الارض بالجور، المرتجى للشفاعة، المبسوط سلطانه عنده بلوغ الأمر تمامه على مشارق الارض ومغاربها.
الناموس الأعظم، وبقیة الله فی البلاد ووجه الله المضیء الذی یتوجه به الاولیاء، الذی من طول انتظاره تقطعت أعناق شیعته، لقریب النائی عن مساكن الظالمین، مولانا ابن الحسن العسكری صلوات الله علیه وعلى آبائه.

 

الاهداء
إلى معز الاولیاء ومذل الاعداء
إلى جامع كلمة الله على التقوى
إلى المدخر لتجدید الفرائض والسنة
إلى السبب المتصل بین الارض والسماء
إلى المؤمل لإحیاء الكتاب وحدوده
إلى محیی معالم الدین وأهله
الیك یا من طال غیابه ولم یغب عنا
الیك أیها الإمام المنتظر أرواحنا لك الفداء.
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على نبینا محمد وآله الغر المیامین. وأخص بالذكر ولی العصر القائم المؤمل المرتجى لقطع دابر الكفرة، المؤید بطول المدة، إلى انقضاء دولة الباطل وامتلاء الارض بالجور، المرتجى للشفاعة، المبسوط سلطانه عنده بلوغ الأمر تمامه على مشارق الارض ومغاربها.
الناموس الأعظم، وبقیة الله فی البلاد ووجه الله المضیء الذی یتوجه به الاولیاء، الذی من طول انتظاره تقطعت أعناق شیعته، لقریب النائی عن مساكن الظالمین، مولانا ابن الحسن العسكری صلوات الله علیه وعلى آبائه.
وبعد فإن قضیة الإمام المهدی (عجل الله فرجه وسهّل مخرجه) تصیر من ركائن عقیدة المسلم التی لا تنفك عن تفكیره لحظة. وتتأكد أكثر عند المسلم الامامی الاثنی عشری.
ان الهدف من هذا البحث المتواضع هو تقدیم صورة عن كیفیة بعث الاسلام مجدداً وتعمیمه على العالم. وذلك متجسد بإمامنا القائم المهدی علیه السلام من خلال الآیات والنصوص القرآنیة المرتبطة ارتباطا وثیقا بالامام المهدی علیه السلام ودورة الضّال فی ذلك.
نسأل الله تعالى ان یكون هذا العمل عند الله مرضیا وعند اولیاءه سلام الله علیهم أجمعین ومقبولا عند شیعتهم. ومنه نسأل التوفیق والسداد.
(والحمد لله رب أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً).
الإمام المهدی الموعود والقرآن الكریم
مع ان القرآن الكریم هو معجزة نبینا محمد صلى الله علیه وآله وسلم الخالدة المتجددة فی كل عصر وجیل، فإن من معجزاته المتجددة أیضا ما أخبر به صلى الله علیه وآله وسلم عن مستقبل الحیاة ومسیرة الإسلام فیها إلى ان یجیء عصره الموعود فیظهره الله على الدین كله ولو كره المشركون ولو كره الكافرون.
یبدو بالنظرة الأولى ان تطهیر الارض من الظلم والقضاء الیا على الطواغیت والظالمین أمر غیر ممكن فقد تعودت الارض على أنین المظلومین وآهاتهم حتى لا یبدو لأستغاثتهم مجیب وتعودت على وجود الظالمین. حتى لا یخلو منهم عصر من العصور. فهم كالشجرة الخبیثة المستحكمة الجذور ما أن یقلع منهم واحد حتى یثبت عشرة وما ان ینقضی علیهم فی جیل حتى یفرقوا أفواجا فی أجیال.
ولكن الله تعالى الذی قضت حكمته ان یقیم حیاة الناس على قانون صراع الحق والباطل والخیر والشر قد جعل لكل شیء حدا، ولكل أجل كتاب وللظلم على الارض نهایة.
جاء فی تفسیر قوله تعالى:
( یُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِیماهُمْ فَیُؤْخَذُ بِالنَّواصِی وَالأَْقْدامِ).
عن الإمام الصادق علیه السلام قال «الله یعرفهم» ولكن نزلت فی القائم یعرفهم بسیماهم فیذبحهم بالسیف هو وأصحابه خیطاً.(1)
وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال «فلیخرجن الله بغتة برجل منا أهل البیت، بأبی أبن خیرة الأحیاء لا یعطیهم إلاّ السیف، هرجا مرجا _أی قتلا قتلا_ موضوعا على عاتقه ثمانیة أشهر».(2)
وعن الإمام الباقر علیه السلام قال: «ان رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فی أمته باللین والمن وكان یتألف الناس، والقائم یسیر بالقتل ولا یستتب أحدا. بذلك أمرا فی الكتاب الذی معه ویلٌ لمن ناواه».(3)
والكتاب الذی معه هو العهد المعهود له من جده رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وفیه كما ورد «اقتل ثم أقتل ولا تستتیبن أحدا». أی لا تطیل النوبة من مجرم.
وأما سنته من جده رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فخروجه بالسیف وقتله أعداء الله تعالى وأعداء رسوله. والجبارین والطواغیت وأنه ینصر بالسیف والرعب وأنه لا ترد له رایة».(4)
وقد یروى البعض فی سیاسة القتل والابادة للظالمین التی یعتمدها الإمام المهدی علیه السلام انها قسوة واسراف فی القتل ولكنها فی الواقع عملیة جراحیة ضروریة لتطهیر مجتمع المسلمین ومجتمعات العالم من الغطاة والظالمین، وبدونها لا یمكن انهاء الظلم وإقامة العدل ولا القضاء على اسباب المؤامرات الجدیدة التی سیقوم بها بقایاهم فیما لو استعمل الإمام معهم سیاسة اللین والعفو. فالظالمین فی مجتمعات العالم كالغصون الیابسة فی الشجرة، بل كالغدة السرطانیة التی لابد من استئصالها من أجل نجاة المریض مهما كلف الامر.
والامر الذی یوجب الاطمئنان عند المترددین فی هذه السیاسة أنها بعهد معهود من النبی محمد صلى الله علیه وآله وسلم وان الله تعالى یعطی الإمام المهدی علیه السلام العلم بالناس وشخصیاتهم. فهو ینظر إلى الشخص بنور الله تعالى فیعرف ما هو وراؤه.
ولا یخشى ان یقتل أحدا من الذین یؤمل اهتدائهم وصلاحهم، كما اخبر الله تعالى عن قتل الخضر علیه السلام للغلام فی قصته مع موسى علیه السلام حتى لا یرهق أبویه طغیاناً وكفراً. بل تدل الأحادیث على ان الخضر علیه السلام یظهر مع الإمام المهدی علیه السلام ویكون من أعوانه ویبدو انه یستعمل علمه اللدنی، وهذا ما یدل علیه من خلال الآیة القرآنیة: ( آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(5). فی تنمیة بذور الحشر ودفع الشر عن المؤمنین. والقضاء على الفساد والشر وهو بذرة حقیرة قبل ان تصبح شجرة خبیثة.
جاء فی تفسیر قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).(6)
جاء عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «اظهر ذلك بعد؟ كلا والذی نفسی بیده، حتى لا تبقى قریة إلاّ ونودی فیها بشهادة أن لا إله إلاّ الله وان محمدا رسول الله بكرة وعشیاً».(7)
وعن ابن عباس قال «حتى لا یبقی یهودی ولا نصرانی ولا صاحب ملة إلاّ صار إلى الاسلام وحتى ترفع الخیریة ویكسر الصلیب ویقتل الخنزیر وهو قوله تعالى ( لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وذلك عند قیام القائم علیه السلام (8) ومعنى ترفع الخیریة أی لا یقبل من أهل الكتاب إلاّ الاسلام.
وجاء أیضا عن تفسیر هذه الآیة الشریفة عن الإمام الصادق علیه السلام عندما سأله أبی بصیر عن تأویل ذلك فقال علیه السلام: «والله ما نزل تأویلها بعد. قلت: جعلت فداك ومتى ینزل تأویلها؟ اقل: حتى یقوم القائم ان شاء الله تعالى فإذا خرج القائم لم یبق كافر ولا مشرك إلاّ كره خروجه حتى لو ان كافرا أو مشركا فی بطن الصخرة لقالت یا مؤمن فی بطنی كافر أو مشرك فاقتله فیجیئه فیقتله».
وفیه عن الإمام الباقر علیه السلام فی تفسیر هذه الآیة قال علیه السلام: «یكون ان لا یبقى احد إلاّ أقر بمحمد صلى الله علیه وآله وسلم ».(9)
وعن الإمام الصادق علیه السلام قال سئل أبی علیه السلام عن قوله تعالى: ( وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِینَ كَافَّةً كَما یُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِینَ) ( حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَیَكُونَ الدِّینُ لِلَّهِ) فقال: «لم یجیء تأویل هذه الآیة، ولو قام قائمنا بعد سیرى من یدركه ما یكون تأویل هذه الآیة ویبلغن دین محمد صلى الله علیه وآله وسلم ما بلغ اللیل حتى لا یكون شرك على وجه الارض كما قال الله تعالى».(10)
وجاء فی تفسیر قوله تعالى: ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِینَ وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِینٍ)، قال الإمام الباقر علیه السلام: «عند خروج القائم علیه السلام».(11)
وفی تفسیر قوله تعالى( سَنُرِیهِمْ آیاتِنا فِی الآْفاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).(12)
عن الإمام الباقر علیه السلام قال: «یریهم فی أنفسهم المسخ، ویریهم فی الآفاق انتفاض لآفاق علیهم فیرون قدرة الله فی أنفسهم وفی الآفاق وقوله ( حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) یعنی خروج القائم هو الحق من الله عز وجل یراه هذا الخلق لابد منه».(13)
وقد ورد فی الاحادیث بأن بعض الكافرین والمنافقین من أعداء المهدی علیه السلام یمسخون فجأة قردة وخنازیر. وأن معنى انتقاض الآفاق علیهم اضطراب بلدانهم وخروج شعوبهم من تحت سلطتهم وانتقاض آفاق السماء بآیات تظهر لهم.
وجاء فی تفسیر قوله تعالى: ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً).(14)
عن الإمام الكاظم علیه السلام قال: «نزلت فی القائم إذا خرج (أمر) بالیهود والنصارى والصابئین والزنادقة وأهل الردة والكفار فی شرق الارض وغربها فعرض علیهم الإسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما یؤمر به المسلم ویجب الله علیه وم لم یسلم ضرب عنقه حتى لا یبقى فی المشارق والمغارب إلاّ وحّد الله تعالى قلت جعلت فداك ان الخلق أكثر من ذلك فقال: ان الله إذا اراد امرا قلل الكثیر وكثر القلیل».(15)
وما یعطاه المهدی علیه السلام فی الآیات ووسائل الاتصال والسیطرة على العالم هو تكثیر القلیل.
وجاء فی تفسیر قوله تعالى: ( قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ یَأْتِیكُمْ بِماءٍ مَعِینٍ).(16)
قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام قال: «نزلت فی الإمام فقال: ان اصبح إمامكم غائبا فمن یأتیكم بإمام ظاهر یأتیكم بأخبار السماء والارض وبحلال الله وبحرامه».(17)

الخاتمة
یمكن الاستدلال من خلال الآیات الشریفة المفسرة بظهور الإمام المهدی علیه السلام والاحادیث الشریفة المشیرة به، على ان مهمته ربانیة ضخمة متعددة الجوانب جلیلة الاهداف فهی عملیة تفسیر شاملة للحیاة الانسانیة على وجه الارض وإقامة فصل جدید منها بكل معنى الكلمة.
ولو لم یكن من مهمته علیه السلام إلاّ بعث الإسلام من جدید وإقامة حضارته الربانیة العادلة وتعمیم نوره على العالم، لكفى ولكنها مع ذلك مهمته تطویر الحیاة البشریة تطویرا مادیا كبیرا بحیث لا تقاس نعمة الحیاة فی عصره والعصور التی بعده علیه السلام بالحیاة فی المراحل السابقة مهما كانت متقدمة ومتطورة.
من قصیدة للمرحوم السید حید الحلی قدس سره:
مات التصبر فی انتظا رك أیها المحیی الشریعة
فانهض فما أبقى التحمل غیر أحشاء جزوعة
قد مزقت ثوب الاسى وشكت لواصلها القطیعة
فالسیف ا نبه شفاء قلوب شیعتك الوجیعة
فسواه منهم لیس ینعش هذه النفس الصریعة
طالت حبال عواتق فمتى تعود به قطیعة
كم ذا القعود ودینكم هدمت قواعده الرفیعة
تنعى الفروع أصوله وأصوله تنعى فروعه
فیه تحكم من أباح الیوم حوزته المنیعة
فاشحذ شبا عذب له الارواح مذعنة مطیعة
ان یدعها خفت لدعو ته وان ثقلت سریعة
واطلب به بدم القتیل بكربلاء فی خیر شیعة
ماذا یهیجك ان صبرت لوقعة الطف الوجیعة
أترى تجیء فجیعة بأمض من تلك الفجیعة
حیث الحسین على الثرى خیل العدى طحنت ضلوعه
ورضیعه بدم الورید مخضب فاطلب رضیعه
یا غیرة الله اهتفی بحمیة الدین المنیعة
وضبا انتقامك جودی لطلا ذوی البعض التلیعة
ودعی جنود الله تملأ هذه الأرض الوسیعة(18)

سهام جودة لفتة

===================================
الهوامش:
(1) الغیبة للنعمانی ص 137.
(2) شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 178.
(3) غیبة النعمانی ص 121.
(4) البحار ج 51 ص 218.
(5) الكهف: 65.
(6) التوبة: 330.
(7) المحجة للبحرانی ص 86.
(8) المحجة للبحرانی ص 97.
(9) تفسیر العیاشی ج 2 ص 87.
(10) تفسیر العیاشی ج 2 ص 56.
(11) روضة الكافة ص 287.
(12) السجدة: 53.
(13) غیبة النعمانی: ص 143.
(14) آل عمران 83.
(15) تفسیر العیاشی ج 1 ص 183.
(16) الملك: 30.
(17) غیبة الطوسی: ص 158.
(18) من ریاص المدیح والرثاء ص 32.

شاهد أيضاً

نفاق

ما هو النفاق من منظور الإمام علي(ع)؟

مقالات العربیة – ایكنا: یقول القرآن الکریم “لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ” وهکذا یبیّن لنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *