كثيرة هي الحقائق التاريخية التي دثرت، واكثر منها التي حرفت، ورغم ذلك تبقى هناك حقائق هي اوضح من ان تخفى واصرح من ان تحّرف سوى انها تحتاج الى قليل من التأمل واعمال الفكر وجهد يبذل لرفع غبار السنوات وتراب النسيان والغفلة عنها … تلك هي قصة كثير من حقائق تاريخنا الشيعي.
كثيرة هي الحقائق التاريخية التي دثرت، واكثر منها التي حرفت، ورغم ذلك تبقى هناك حقائق هي اوضح من ان تخفى واصرح من ان تحّرف سوى انها تحتاج الى قليل من التأمل واعمال الفكر وجهد يبذل لرفع غبار السنوات وتراب النسيان والغفلة عنها … تلك هي قصة كثير من حقائق تاريخنا الشيعي.
ومن تلك الحقائق المغفول عنها هي عظمة شخصيات السفراء الاربعة للامام المهدي عليه السلام، وبالاخص السفير الاول وابنه، واليك مانعنيه هنا :
حفظ لنا التاريخ ان الإمام الهادي عليه السلام قد اشخص من المدينة المنورة الى سامراء عام (234 هـ) بامر من المتوكل، وحفظ لنا ايضاً ان السفير الاول عثمان بن سعيد كان قد خدم الإمام الهادي عليه السلام ابان وصوله الى سامراء وكان له من العمر انذاك (11 سنة) فقط وفي هذا العمر وما بعده اعظم الإمام الهادي عليه السلام من شأن عثمان كثيراً الى الحد الذي كان يتعجب الاصحاب من هذا الاعظام ويتناقلون قول الإمام الهادي عليه السلام بشأنه (هذا ابو عمرو الثقة الامين ما قاله لكم فعني يقوله وما اداه اليكم فعني يؤديه).
يا لله، فتى بعمر الاحدى عشرة سنة يعظم هذا الاعظام ويقدر هذا التقدير من الإمام المعصوم فاي عظمة هذه واية حقيقة هي التي اغفلها التاريخ ولم يفصح عنها.
ولنستمر بتقليب صفحات التاريخ :
توفي الإمام الهادي عليه السلام عام (254هـ) أي بعد عشرين سنة من وصوله إلى سامراء ، وهذا يعني أن عمر عثمان آنذاك كان (31) سنة فقط ، وحينها أصبح عثمان بل وولده محمد من أوثق أصحاب الإمام العسكري عليه السلام حتى اشتهر عنه قوله : العمري وابنه ثقتان مأمونان ، ما أديا إليكم فعني يؤديان ، أو أنهما ثقة المحيا والممات.
إن عثمان كان عمره( 31) سنة فقط ولنفترض انه تزوج بعمر (15) سنة وانه ولدابنه محمد بعمر (16) سنة وهذا يعني ان عمر محمد ابان بداية امامة الإمام العسكري عليه السلام هو (15) سنة فقط.
فاذا علمنا ان الإمام العسكري عليه السلام توفي عام (260 هـ) وهذا يعني ان عمر عثمان اصبح (37) سنة وعمر محمد هو (21) سنة فقط وبهذا العمر فقط اصبح عثمان وولده الفتي من سفراء الامام المهدي عليه السلام.
ثم ان سفارة عثمان استمرت قرابة (3) او (5) سنوات _والارجح الثاني_ فاذا علمنا ان محمد كان شريك ابيه في السفارة حسب نص الشيخ الطوسي الذي سنذكره بعد قليل، فحينئذ يكون محمد سفيرا للامام المهدي عليه السلام بعمر الاحدى والعشرين سنة.
قال الشيخ الطوسي في (الغيبة) ص 356 و357 ونقله عنه بحار الانوار ج51 ص346 ما نصه :
(وكانت توقيعات صاحب الامر تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه ابي جعفر محمد بن عثمان الى شيعته وخواص ابيه ابي محمد بالامر والنهي والاجوبة عما تسأل الشيعة عنه اذا احتاجت الى السؤال فيه بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما الى ان توفي عثمان بن سعيد وغسّله ابنه ابو جعفر وتولى القيام به وحصل الامر كله مردوداً اليه والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وامانته لما تقدم له من النص عليه بالامانة والعدالة والامر بالرجوع اليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته في حياة ابيه عثمان).
الان لندقق النظر، فتية وشباب باعمار الاحدى عشرة سنة والخمسة عشر سنة والاحدى والعشرين سنة هذه الاعمار يكون الشاب فيها معرضا للهو ومرشحا لاتخاذ الدنيا ملعبا يسرح ويمرح فيه ويتناسى ما خلقه الله تعالى لاجله الا ان هذين الشابين نذرا نفسيهما لخدمة الدين واخلصا حتى اصبحا الثقتين المأمونين على الاسرار بل والحياة واستقاما خلال هذه الفترة كلها الى ان توفيا ولم ينحرفا قيد انملة عن الصراط المستقيم هي حقيقة ناصعة.
فغريب من التاريخ عدم تسليطه الضوء عليها وعجيب من المؤرخين عدم اعلانها.
ان هذه الحقيقة تدعونا الى مزيد من التأمل والتفكر في سيرة ائمتنا واصحابهم لنرى كم من الاصحاب قد وصلو ا الى مراحل عالية من الوثاقة حينما كانوا فتية وشبابا.
فيا ترى كم منهم كان كعثمان بن سعيد وولده محمد.
وكم منهم كان كهشام بن الحكم الشاب الذي قدمه الامام الصادق عليه السلام على جميع اصحابه ولما يختط عارضاه بعد.
حسین الاسدی